أحمد الحبيشي - شهدت عواصم عربية وأجنبية ملتقيات للحوار الفكري شارك فيها عدد من المفكرين والمثقفين ورجال الدين الذين يمثلون مختلف الأديان والمذاهب الدينية، إلى جانب نظراء لهم من بلدانٍ وأديان أخرى.. حيث تناول المشاركون في هذه الملتقيات بالنقاش والبحث هموماً إنسانية مشتركة ذات أبعاد إنسانية ودينية وفكرية وثقافية.
والحال أنّ الاختلاف في العقائد الدينية والتوجهات السياسية والرؤى الفكرية والانتماءات العرقية لم يكن عانقاً أمام الحوار في هذه الملتقيات التي استهدفت إبراز وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة للحضارة المعاصرة التي تشارك البشرية – بمختلف أعراقها وأديانها وثقافاتها – في صنعها واستهلاك منجزاتها . وقد اسهمت المناقشات التي احتوتها هذه الملتقيات في اكتشاف أولوية القيم الإنسانية التي تُعد إرثاً مشتركاً للبشرية ، بقدر ما سلطت الضوء أيضاً على خطورة النزعات العقائدية الجامدة التي تقسم العالم الإنساني بين ثنائيات متضادة تسعى إلى إلغاء الآخر من خلال توزيع البشر في خانات مطلقة مثل الخير والشر.. البربرية والتحضر.. الإيمان والكفر.. مع أو ضد.. موالاة أومعارضة الخ.
منذ زمن بعيد كان الإبداع الحضاري للبشرية محوراً لوحدة وتكامل العالم الإنساني، ولم يكن بوسع الحروب الدينية والإقطاعية والعرقية والاستعمارية التي أنهكت البشرية، أن تحول دون أن يتخذ التاريخ الإنساني مساراً تعددياً تتلاقح فيه الحضارات والثقافات لكافة الأمم والشعوب، على نحو يفرز وحدة وتكامل العالم الواقعي الذي أضافت إليه منجزات الحضارة الحديثة وفتوحات العلوم والتكنولوجيا أبعاداً إنسانية عميقة لم يعُد بالإمكان تجاهل تأثيرها المباشر على مصير الحياة والحضارة في هذا الكوكب.
من نافل القول إنّ العقل الإنساني كان يعيد اكتشاف العالم في العصور التي هيمنت فيها حروب التوسع، وهيمنت على ثقافاتها تصورات نمطية انقسم العالم بموجبها إلى ساحات متحاربة، إذ برزت حاجة الحضارات آنذاك إلى مناطق آمنة تحكمها عهود ومواثيق سلمية بين القوى المتصارعة.
وحين وصلت مسيرة التطور الحضاري للبشرية ذروتها بازدهار الكشوفات الجغرافية والبحوث العلمية وانطلاق الثورة الصناعية وميلاد الرأسمالية، أفرزت الحضارة الحديثة معاهدة وينسفاليا عام 1648م التي وضعت نهاية للغزو التوسعي، وأقرت مبدأ سيادة الدول على حدودها وأراضيها ومياهها ومواطنيها، ثمّ تطورت هذه المعاهدة عبر عملية تاريخية استغرقت ثلاثة قرون إلى صيغة معاصرة أكثر نضجاً، تمثلت بتأسيس عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى، وصولاً إلى التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة عام 1947م بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
صحيح أنّ الحضارة الرأسمالية المعاصرة لم تخلُ من تشوهات ألحقت ضرراً جسيماً بحياة البشرية من خلال حروب التوسع الاستعماري في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حتى ظهور النازية العنصرية التي فجّرت الحرب العالمية الثانية وأزهقت حياة أكثر من عشرين مليون إنسان، بيد أنّ مقاومة الشعوب لهذه الحروب لم تكن تستهدف تقسيم العالم وتمزيق وحدة البشرية ، بل أنّها استهدفت حماية الحضارة البشرية المعاصرة من مخاطر الثنائيات المتضادة التي تتعارض مع وحدة وتكامل العالم الإنساني.
تجلى ذلك بوضوح في حروب الاستقلال التي خاضتها حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار.. فلم يكن هناك مجال لإضفاء الطابع الديني أو العرقي على تلك الحروب العادلة التي خاضتها الشعوب المستعمرة ضد الغزاة وقوات الاحتلال، وقد توحد في مجرى حركات التحرر الوطني العربية والعالمية مناضلون من مختلف الأديان والأثنيات دفاعاً عن الحق المشروع في مقاومة الاحتلال وانتزاع الحرية والاستقلال.. وكان العدو في تلك المعارك هو الاستعمار لا الشعوب في بلدان المتروبول، حيث كانت الدول الاستعمارية تواجه في داخلها معارضة القوى الحية ممثلة بالنقابات والأحزاب العمالية والمنظمات الحقوقية وحركات السلام والتضامن الأممي.
كانت الشعوب المناضلة من أجل الحرية تقاتل من أجل دحر الاستعمار، وتحاور في الوقت نفسه شعوب الدول الاستعمارية بلغة القيم الإنسانية المشتركة للحضارة المعاصرة، وفي مقدمتها قيم الحرية والمساواة والعدالة والسيادة والسلام.. وكان من أهم عناصر القوة في نضال حركات التحرر الوطني العربية والعالمية أنّها لم تلجأ إلى تعويم الصراع وتجريده من مضمونه التحرري الحقيقي، حيث حرصت منذ البدء على عدم وضع حكومات الدول الاستعمارية وشعوبها في خانة واحدة انطلاقاً من توصيف ديني أو عرقي للصراع ، على غرار ما يفعله تنظيم "القاعدة" والجماعات السلفية الجهادية هذه الأيام ، الأمر الذي كان سيؤدي إلى عزل وإضعاف حركات التحرر الوطني وحرمانها من دعم وتضامن القوى والشعوب المحبة للحرية في العالم، بقدر ما كان سيضعف في الوقت نفسه الوحدة الوطنية للشعوب المناضلة ضد الاستعمار والتي كانت تضم طوائف متعددة الأديان والأعراق والثقافات.
هكذا تعززت القيم المشتركة للشعوب المناضلة ضد الاستعمار والقوى الحية للشعوب التي تعارض السياسات الاستعمارية لحكوماتها في دول المتروبول.. وعلى قاعدة هذه القيم أمكن للدول المستقلة عن الاستعمار أن تنضم إلى عضوية المجتمع الدولي وتنخرط في التنمية الاقتصادية والإنسانية، وتتطلع إلى المشاركة في صنع الحضارة وبناء عالمٍ خالٍ من الحروب بعيداً عن الثنائيات المتضادة.
لا ريب في أنّ الحرب العالمية الثانية أفرزت نوعاً من الثنائية المتضادة من خلال وجود معسكرين دوليين انقسم العالم تحت تأثيرهما إلى عالمين مفترضين (اشتراكي ورأسمالي).. غير أنّ هذه الثنائية لم تصمد أمام الوجهة العامة لتطورالحضارة المعاصرة باتجاه صياغةعالم متكامل يستحيل تقسيمه انطلاقاًمن فرضيات أيديولوجية مطلقة.
ومما له دلالة أن يتم انهيار المنظومة الاشتراكية الدولية بدون حرب، إذ كان للقيم الإنسانية المشتركة دور حاسم في وضع نهاية سلمية لتلك الثنائية المفترضة، والتي قسمت العالم إلى شطرين، الأمر الذي يفسر انتشار رياح الديمقراطية وانعتاق المجتمع المدني في العالم بأسره، بعد أن أدت الحرب الباردة والاستقطابات السياسية والأيديولوجية بين شطري العالم (الاشتراكي والرأسمالي) إلى إلحاق المجتمع المدني بسلطة الدولة ومصادرته بدواعي مناهضة الرأسمالية أو الشيوعية على حدٍ سواء!!
بعد عقد ونيف من انتهاء واختفاء ثنائية تقسيم العالم بين نطاق اشتراكي وآخر رأسمالي تواجه الحضارة المعاصرة تحدياً طارئاً بسبب انبعاث بعض التصورات الموروثة عن العصور الوسطى ورواسب الحرب الباردة في العصر الحديث، حيث تسعى هذه التصورات البالية إلى مصادرة القيم الإنسانية المشتركة، وإلغاء التعددية ونشر الأوهام حول إمكانية تقسيم العالم إلى فسطاط إسلام وفسطاط كفر، أو قوى الخير وقوى الشر، ومحاولة تجويف الحضارة الحديثة من خلال نشر الأفكار التي تنفي وحدة وتكامل العالم، وتروج للحروب الدينية وصدام الحضارات والاستحلال الحضاري، وتدق طبول الجهاد المقدس تحت بيارق مختلفة وفرضيات جامدة.
على قاعدة القيم الإنسانية المشتركة يكون الحوار بين الشعوب والأمم والثقافات والحضارات.. ومن خلال الحوار يتحقق التضامن في مواجهة التحديات التي تواجه وحدة العالم ومصير الحياة ومستقبل البشرية.
تكمن قوة القيم الإنسانية المشتركة في قدرتها على توليد الحوار والتضامن إزاء المشكلات التي تهدد الحياة والطبيعة والحضارة في هذا الكوكب.. وثمة تجليات ساطعة لهذه القيم في الحركات الاجتماعية التي تناهض الإرهاب والتطرف والحروب والفقر واستنزاف الطبيعة وتلويث البيئة في مختلف قارات العالم.
ولما كان الحوار لازماً للديمقراطية التي غدت تشكل اتجاهاً عالمياً للتطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي للبشرية المعاصرة في هذه الحقبة التاريخية من عصرنا، فإنّ ممارسة الحوار من قبل الفعاليات الدينية والفكرية والأدبية والسياسية على نحوٍ ما جرى ويجري في العديد من الملتقيات التي يتحاور فيها ممثلون للأديان والتيارات السياسية والفكرية والمتنوعة، ستؤدي بالضرورة إلى توليد المزيد من الحوافز لعمليات التجديد الديمقراطي للنظام العالمي الذي يواجه مخاطر جدية بتأثير نزعات الهمينة والتسلط الرامية إلى فرض سيطرة أُحادية على مصائر الدول والشعوب، وتحويل مخرجات الحضارة الحديثة إلى عملية لا نهائية تهدف إلى زيادة وتائر السيطرة والتحكم بمصير العالم، وما يترتب على ذلك من مخاطر جدية تدفع بالقيم الإنسانية المشتركة والعَلاقات بين الدول والأمم والمجتمعات إلى مصير مجهول، وتحول دون توظيف المعارف البشرية من أجل ضبط العَلاقة بين الناس والطبيعة من جهة،وصياغة معايير تعددية ومتحضرة لمستقبل الحياة والحضارة من جهةٍ أخرى.
يجمع المؤرخون على أنّ بداية الحضارة الإسلامية لم تكن معزولة عن الغرب (الآخر) منذ عصر الترجمة عن اليونان في القرن الثاني الهجري، وفتح الأندلس والاحتكاك بحضارة الغرب، حيث ارتبط تطور الحضارة الإسلامية بالتجارة بين الدول الإسلاميةوإمبراطورية شارلمان،ابتداءً من القرن الخامس الهجري وعلى مدى عقدين كاملين .
في باريس ، وتحت تأثير الصدمة الحضارية التي اكتنفته بعد أن رأى بعينيه المستوى المتقدم للحضارة الغربية في القرن التاسع عشر، قال الشيخ محمد عبده مقولته الخالدة : ( رأيت في فرنسا إسلاماً ولم أجد فيها مسلمين ) !
هذا القول لا يخلو من إشارة واضحة إلى ان الحضارة الغربية كما رآها رواد الفكر الإصلاحي الإسلامي ، استوعبت كثيراً من قيم ومنجزات الحضارة الإسلامية وهضمتها في سياق سيرورة تلاقح الحضارات . بيد أنّ الحضارة الغربية التي استفادت مما سبقها من الحضارات وفي مقدمتها الحضارة الإسلامية،أصبحت تشكل المحتوى الرئيسي للحضارة البشرية المعاصرة في ظل غياب أو تراجع مساهمة الحضارات الأخرى في بناء الحضارة المعاصرة.
لعل ذلك ما كان يقصده الشيخ الأزهري رفاعة الطهطاوي في كتابه الشهير " تخليص الأبريز في تلخيص باريز" ، حيث أشار بوضوح إلى حاجة الشرق المسلم الذي أصابه الانقطاع الحضاري لاستعادة بريق حضارته الغائبة (تخليص الأبريز – الذهب) .. وبهذا الوعي النقدي الجدلي لا يكتب الطهطاوي عن (تلخيص باريز) بمعنى التوحد مع فرنسا التي ترمز الى الغرب ، بل من أجل استخلاص سر قوتها (تخليص الأبريز) والعودة به إلى مصر (الشرق).
الثابت أنّ هجمات التتار والمغول المسلمين على الشرق المسلم أيضاً ، ارتبطت في الوعي التاريخي للشعوب الإسلامية ببداية تراجع الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى ، وصولاً إلى ذروة انحسارها على يد الهجمات الاستعمارية الأوروبية في العصر الحديث ، حيث تمت المواجهة مع الآخر (الغرب) الذي هضم أفضل ما أنتجته الحضارات السابقة ، بما فيها الحضارة الإسلامية واستوعبها في حضارته الحديثة ، بينما تخلف الشرق الإسلامي الذي لم يتبق له من حضارته الغابرة سوى الوهم بامكانية الإقامة الدائمة في ماضيها ، واضفاء القداسة على كتب التراث القديمة التي يعزي نفسه بها ، بعد أن انحصرت علاقته بالحضارة المعاصرة في نطاق استهلاكها فقط.
من الواضح أنّ الفكر الإسلامي الحديث كان يرى نفسه في مرآة حضارة الغرب ، ولم يتخذ موقفاً عدائياً منها ، وهو ما تجسد في كتب وأقوال المفكرين المصلحين والرواد وعلى رأسهم الشيخ محمد عبده والشيخ رفاعة رافع الطهطاوي اللذان جعلا من انبهارهما بحضارة الغرب حافزاً لدراستها والتثاقف معها، بمعنى فهم الآخر والتفاعل معه لا محاربته والقطيعة عنه على غرار ما يدعو إليه الفكر السلفي المتشدد منذ انتعاش (( الصحوة الجهادية للإسلام السياسي )) على أثر اعتماد الادارة الاميركية مذهب بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأسبق بشأن استخدام الاسلام السياسي في ذروة معارك الحرب الباردة في ثمانينات القرن العشرين المنصرم .
في هذا السياق ثمة مؤرخون يرون بأنّ الحروب الصليبية وإن كانت قد تمت على شكل احتكاك عنيف بالحضارة الغربية ، إلا أنّها لم تضعف شوكة الحضارة الإسلامية ، فقد ارتبط تراجع الحضارة الاسلامية بهجمات الشرق على ذاته . حيث يؤرخ تفكك الدولة الاسلامية بسبب حروب دول وملوك الطوائف بالاضافة الى زحف التتار والمغول على الشرق المسلم بداية هذا التراجع الذي مهد الطريق للركود والضعف وصولاً إلى الانقطاع عن صنع الحضارة في عصر الانحطاط الذي لم يخل هو الآخر من حروب الشرق المسلم مع نفسه على نحوٍ ما حدث في حروب ملوك الطوائف الجدد ، إلى جانب حروب مركز الخلافة العثمانية مع الدول الطائفية الاسلامية التي نشأت في مركز الخلافة بعد قيام الثورة الصناعية .
من المفارقات المذهلة أنّ الإسلام السياسي الذي خرجت الجماعات والأفكار المتطرفة من تحت عباءته في القرن العشرين لم يرَ في الحضارة الغربية صورة (الذات) الضائعة ، كما رآها المفكرون الإسلاميون الإصلاحيون الرواد في القرن التاسع عشر. فالإسلام السياسي لا يرى في العلاقة مع الآخر (الحضارة الغربية) جدل الحوار والتلاقح والتثاقف والتفاعل ، بل جدل الصراع و الجهاد والإلغاء.
في هذا المُناخ برزت الأفكار السلفية المتشددة التي لا ترى أي مدخل لانبعاث نهضة الحضارة الإسلامية إلا بسقوط الآخر الذي يمثل الجاهلية الحديثة (الحضارة الغربية) وغيابه ، بمعنى أنّ الطريق الوحيد لاستعادة العالم الإسلامي دوره في إنتاج الحضارة هو سقوط الغرب واستحلال حضارته بحسب سيد قطب وابو الحسن الندوي ، وإن كان ذلك غير ممكن فمن الواجب إعلان الحرب على الغرب وإسقاطه بحسب اسامة بن لادن وايمن الظواهري !!
من رحم هذه المفاهيم والتصورات الخاطئة والساذجة ولدت الأفكار والجماعات السلفية المعادية للحداثة والديمقراطية ، والداعية إلى إحياء أنماط الحياة والسلوك القديمة بما فيها أنماط العيش والحكم واللباس عند أسلاف المسلمين في الأزمنة الغابرة، واعتبار ما عداها كفراً بالله ، وخروجاً عن شريعة الإسلام ، وتعارضاً مع " الإسلام الصحيح " !!
ولذلك كان طبيعياً أن تتحول هذه المفاهيم والتصورات الساذجة إلى واحدة من المصادر الفكرية والثقافية للإرهاب المتستر بالدين ، والذي يرى في تدمير الآخر، على غرار ما حدث في نيويورك وواشنطن ، وفي الدعوة إلى تديين السياسة وصراع الأديان أساساً لإعلان الحرب الدينية على الحضارة الغربية (( الجاهلية )) تحت راية الجهاد في سبيل الله ، من خلال تقسيم العالم إلى فسطاط (معسكر) إيمان وفسطاط كفر، على نحو ما دعا إليه أسامة بن لادن ورفاقه في تنظيم " القاعدة ".
الأخطر من ذلك أن يجري الاستخفاف بالعقل والتضحية به ، حين يتم تحويل هذه المفاهيم المتحجرة إلى دروس غير شرعية ، يتلقفها طلاب مهووسون على يد مدرسين أنصاف متعلمين في مدارس يحاول البعض إضفاء صفة القداسة الدينية عليها ، كما هو حاصل الآن في المدارس الدينية المنتشرة في بيشاور على حدود أفغانستان الجنوبية مع باكستان، وكما كان حاصلا ايضاً في المدارس الدينية التي كانت موجودة في اليمن قبل عام 2000م ، حيث تم الغاؤها بتطبيق قانون التعليم الذي اقره مجلس النواب الاسبق عام 1992 ، وتأخر تنفيذه لمدة 8 سنوات بسبب معارضة الاخوان المسلمين في حزب التجمع اليمني للإصلاح لتطبيق ذلك القانون اثناء مشاركتهم في الحكومة الإئتلافية بعد حرب 1994 ، واصرارهم على تولي حقيبة وزارة التربية والتعليم اثناء مشاركتهم في تلك الحكومة الإئتلافية ، وكانت مخرجات نلك المدارس تتلخص في مأساة " طالبان" والنموذج المشوّه الذي أساء إلى الإسلام في أفغانستان اثناء حكم (( طالبان )) ، فيما تواصل المدارس الدينية المنتشرة حاليا في باكستان وبعض البلدان العربية والاسلامية إنتاج المزيد من " الطالبان" الجدد الذين سيواصلون مهمة تسويق هذا النموذج في مختلف بلدان العالم الإسلامي.
لا ريب في أنّ تجاهل هذا الخطر سيعيد العالم الإسلامي إلى منطق حروب التتار والمغول ضد الشرق المسلم من داخله ، تلك الحروب التي دشنت بداية تراجع الحضارة الاسلامية وانقطاع المسلمين عن المشاركة في الحضارة الحديثة .
وإذا قيض لهذا المنطق أن يستمر، فإنّ ضربة قوية ستوجه إلى آمال الشرق المسلم في الاستفادة من منجزات الحضارة المعاصرة، واستعادة دوره الضائع في إنتاج الحضارة المعاصرة بعد قرون طويلة من الانقطاع والاكتفاء بلعب دور المستهلك.
ووفقاً لهذا المنطق المدمر، يصعب على العقل أن يتصور إمكانية أن يكسب من يعيد انتاج التخلف و يستهلك الحضارة ويخضع لشروطها ، حرباً يصر على خوضها مع من ينتجها ويفرض على الآخرين شروطه.
|