الإثنين, 28-فبراير-2011
الميثاق نت -  سامي شرف الأهدل -
نحن أمام دراسة موجزة ومختصرة توضح خطورة السياسة الأمريكية في المنطقة, والدور الذي تلعبه الصهيونية العالمية وإعلامها الموجه في إسقاط الدول العربية في مستنقع الفوضى والأزمات المتلاحقة.
تشهد الدول العربية اليوم متغيرات في المسرح السياسي العربي، وصراعاً محموماً بين الحاكم والمحكوم كما أراد له الغرب أن يكون. ذلك ليس كما يظنه البعض منا من انه ناتج عن الفساد والظلم وان كان ذلك شيئاً لا ينكره إلا أعمى البصيرة والبصر. فالفساد في دولنا العربية يستشري فيها كما يستشري المرض الخبيث في الجسم السليم, ولدينا من الفساد ما يكفينا لقرن من الزمان بل ومنه ما يجعل الغلمان شيبا. ولا يستطيع أحد منا أن يُنكر أن حُكامنا قد أكل عليهم الدهر وشرب. ولا ننكر أبدا من وجود المظالم والمفاسد, واللعب والاستهتار بمقدرات الدول, ولا ننكر أيضاً الفقر والبطالة والمحسوبية والرشوة والوساطة والاستقواء بالقبيلة والعشيرة وتغييب القانون.
ولكن ومع كل ذلك فهل يأتي الإصلاح عن طريق التخريب؟
وهل نحصل على الأمن عن طريق إقلاق السكينة؟
وهل يُقضي على الفساد بالفساد ؟
أم أن الحوار الصادق هو الخلاص الوحيد وهو الحل لكل ما تعانيه بلداننا العربية من جور وقهر. لماذا إذن نحن الشعوب العربية ومع الأسف نحتكم كثيراً للسلاح وللعنف ولا نحتكم للعقل وللحوار كبقية شعوب الله في أرض الله؟ لماذا التعنت منا؟ فهل الخطأ فينا؟ أم في ثقافاتنا؟ أم في بُعدنا عن تعاليم ديننا؟
ما أحوجنا حقا في الظروف الراهنة لحوار العقلاء ذوي الألباب الرشيدة والمحبة للخير والسلام لأوطانها، وليست العقول المرتهنة والمبيعة سلفاً للجهات الخارجية، أو لتلك العقول الصدئة التي يسيل لعابها وهي تفكر بكرسي الحكم, ذالك الكرسي الذي تحلم به ليلاً وتنقلب عليه نهاراً. الجميع اليوم بحاجة ماسة إلى الحوار الجاد والبناء والمبتعد عن المناورات والمراوغات التي لا تخدم سوى أعداء الأمة.
لماذا لا نستخدم عقولنا ونبحث عن الحلول؟ لماذا لا نفكر؟ لماذا لا نضع سؤالاً مهماً نصب أعيننا في هذه اللحظات التاريخية العصيبة التي تمر بها امتنا العربية من محيطها إلى خليجها ونسأل : ما هو السر الحقيقي الذي جعل الشعوب العربية جميعها تنتفض بين عشية وضحاها ؟ لماذا؟
نعلم بان البعض سيقول أن هذا نتيجة القمع والظلم, وأخر سيقول هذا نتيجة كبت الحريات, وثالث سيتحدث عن غياب العدل والمساواة، وكلٌّ سيُدلي بدلوه للإجابة عن هذا السؤال من منظوره الخاص ومن رؤيته للواقع. إجابات سليمة وموفقة ستقنع الكثير منا إلى حد ما. إلا أن تلك الإجابات ستقودنا إلى سؤال أخر في غاية الأهمية وهو: ما هو ما سر التوقيت الزمني الذي سارع بالإحداث وجعل لجميعها توقيتا زمنيا واحداً ؟ وهل سيتوقف هذا الطوفان الجارف؟ وهل من رابح فيه وخاسر؟
في الواقع وبعد الانتهاء من الإعداد النهائي للمرحلة الأولى من مشروع «الشرق الأوسط الجديد» وفق استراتيجية وخطة خمسية تتألف من خمسة فصول ولخمس سنوات متتالية 2011-2015, وقد بدئ فعلاً العمل بهذه الخطة ونقلها إلى حيز التطبيق مع مطلع العام الحالي 2011 وستستمر حتى نهاية هذا العام لنشهد بذلك انتهاء الفصل الأول من تنفيذ خطة المشروع التي ستعمل على إسقاط العديد من الأنظمة العربية, مُقابل, كما يُدعى, نشر المزيد من الديمقراطية والسير في طريق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والتنموية.
الفوضى العارمة
ومع مطلع العام 2012 سيُطبق الفصل الثاني من الخطة وهكذا ستتوالى الخطوات, وقد نصل مع نهاية الخطة أي في العام 2015 وقد دخل العالم العربي في فوضى عارمة لم يشهد لها مثيلاً عبر التاريخ. والفكرة وان كانت أمريكية إلا أنها تظل بنكهة إسرائيلية, فقد سبق لزعيم حزب العمل الإسرائيلي شيمعون بيريز وان طرح مثل هذه الفكرة في كتابه الشهير The New Middle East الذي كان قد اقترح فيه دخول دول الشرق الأوسط في سوق مشتركة من خلال فكرة الشرق الأوسط الكبير. أما المشروع الأمريكي ففكرته أوسع واخطر فهو يهدف إلى تغير خارطة العالم العربي كلياً وليس فقط الأنظمة العربية, والغرض من ذلك هدفان اثنان:
الأول : هو التوسع في خارطة العالم العربي, فالإدارة الأمريكية ترى اليوم بان التقسيم القديم للدول العربية من قبل الدول الاستعمارية (بريطانيا وفرنسا) لم يعد صالحا للمرحلة الراهنة, وبالأخص لمصالحها ومصالح حليفتها إسرائيل. فنتيجة للأهمية الجيوستراتيجية لدول الوطن العربي ولتمتعها بمواقع جغرافية متميزة وموارد بشرية هائلة وكذلك اقتصادية ضخمة تميل بالكفة لصالح المجتمع العربي، ذلك كله ألقى بظلاله على معادلة التوازن الإقليمي, وجعل من الدول العربية تعد رقماً مهماً وصعباً في معادلة الصراع العربي - الإسرائيلي. فلذلك تسعى الإدارة الأمريكية ومن خلال «مشروع الشرق الأوسط الجديد» الى توسعة خارطة العالم العربي من خلال تقسيم دوله ولا سيما الكبرى منها وتجزئتها كما حدث مع السودان على سبيل المثال, لتستطيع إسرائيل التسيُد على المنطقة بعد إضعافها.
والهدف الثاني هو إيجاد أنظمة جديدة في العالم العربي لضمان نجاح عملية التطبيع, ويأتي ذلك عن طريق إقصاء بعض الزعماء الذين قد انتهت فترات صلاحياتهم بالنسبة لأمريكا حتى وان كانوا من كبار الموالين لها, واستبدالهم بدماء جديدة وزعماء جدد سيخدمون هم أيضا السياسية الأمريكية ولكن بأساليب مختلفة أكثر حداثة ورقي.
دعم الفيسبوك
إذن الولايات المتحدة الأمريكية اليوم تقود الشعوب العربية لمنزلقات خطرة, وخطرة جداً, ومع الأسف وجدت هذه الدولة الكثير من هذه الشعوب تهرول وتنجر وراء هذه المخططات الاستعمارية الحديثة والجهنمية. فالسياسية الأمريكية تعلم جيداً بان زمن الاستعمار التقليدي العسكري قد انتهى من على الأرض, وان الاستعمار الحديث قد صعد إلى السماء. فهي تركز على غزو الفضاء, والتحكم بالإعلام, والسيطرة التامة على فكر التكنولوجيا ووسائل الاتصال. بهذه العناصر تسعى إمبراطورية العصر لاحتلال العالم العربي وإدخاله في صراعات مستمرة ومشاكل مزمنة لا تقوم له على أثرها قائمة, ويتسنى لسيدة الكوكب الأرضي نهب ثرواته وخيراته. وهاهي الخزينة الأمريكية وفي أسبوعيين فقط تكسب مليارات الدولارات من وراء مظاهرات الدول العربية التي غذتها أمريكا ومن تحت الطاولة بالملاليم كما تبين أخيرا من خلال دعمها للشبكة العنكبوتية «بمبلغ خمسة وعشرين مليون دولار لدعم الفيس بوك والمواقع الأخرى في كلٍ من سوريا وإيران وكوبا» وغيرها من الدول. في المقابل باعت بمليارات الدولارات أسلحة قمع المظاهرات «هراوات, قنابل غازية, رصاص مطاطي وما الى ذلك», بالإضافة إلى الكثير من المنتجات الأخرى. وما قاله فيدل كاسترول الزعيم الكوبي بان أمريكا تدعم المتظاهرين والسلطة والمعارضة على حد سواء, يعد كافياً لمعرفة الدور الأمريكي في المنطقة..
ثورة الشباب
لسنا هنا لغرض الدفاع عن احد أو التقليل من أهمية ثورات الشباب الجبارة التي زلزلت الأرض من تحت أقدام المُتنفذين وأرعبت الخونة. أو للانتقاص من إرادة الشعوب لاسمح الله، فالشعوب لها الحق كل الحق أن تعبر بكافة الطرق والوسائل السلمية عن إرادتها وان تعبر عما يُمارس عليها من ظلم وقهر واستبداد وامتهان لكرامة الإنسان وسلباً لحقوقه في العيش الكريم. لكن عليها أن تكون في الوقت ذاته منطقية وحذره وان لا تسمح للعابثين بآمن الأوطان بالاندساس بين صفوفها, وان تغلب دوماً منطق الحوار والعقل على منطق الفوضى والعنف.
ب- الموساد يتدخل, والخلايا النائمة تستيقظ
لقد عملت الصهيونية العالمية ومنذ أمد بعيد على تفتيت العالم العربي, ولإدراكها بان إضعاف هذا العالم وتفتيه لا يمر إلا عن طريق الشعوب وحكامها, وبان ضرب الأوطان العربية من الداخل هي الوسيلة الأسلم لضمان امن إسرائيل. فلقد سعى الموساد في زرع شبكات تجسس في معظم الأقطار ليتسنى له من خلالها الإطلاع عن كثب لكل ما يدور بتلك الدول, وتحريك شبكاته فيها والتدخل حيثما ومتى أراد. الاستخبارات الإيرانية بدورها استشعرت الخطر وأدركت بان ما يقوم به الموساد قد يقوض من نشاطها وتواجدها في المنطقة, فبادرت إلى زرع خلاياها النائمة في كثير من الدول العربية ومنها الخليجية, ولقد كان لهذه الخلايا الدور الأبرز في زعزعة امن واستقرار البحرين مؤخراً. ومن هنا بدا ما يمكن لنا تسميته بالحرب الباردة بين قوتين عظيمتين في الشرق الأوسط (أسران) أي إسرائيل وإيران. وبذلك أصبح الوطن العربي برمته عرضة للمخاطر وللانفلات الأمني. وما نشهده اليوم خير دليل على ذلك, فشبكات الموساد تتحرك في معظم المظاهرات, وخلايا إيران النائمة استيقظت لتقودها, وعناصر القاعدة ترقُب الأوضاع عن حذر, واستخباراتنا الباسلة لم تفلح سوى في قمع الشعوب.
كثيرة هي العمليات التي نجح فيها الموساد, أهمها عمليات الاغتيالات التي كان أخرها اغتيال المبحوح, ولكن البعض منها آل إلى الفشل. وبما أن قادة الموساد يرفضون سياسة الفشل, فلقد صاروا يعملون ليل-نهار على استحداث أساليب أكثر فاعلية لتنفيذ مخططاتهم العدوانية.
الساسة الأمريكان من جانبهم يحاولون تغيير قواعد لعبة الشطرنج ليجعلوا من إسرائيل الدولة العظمى في المنطقة. فبعد أن أدركت الإمبراطورية الأم بان الحروب التقليدية بين العرب وإسرائيل لم تعد مجدية, وان المواجهات العسكرية بكافة إشكالها لم تعد الخيار الأنجع وبالذات بعد أن فشلت إسرائيل بالانتصار على بعض دول المنطقة سياسياً واستخباراتياً وعسكرياً, لجأ الأمريكان لشن حرب جديدة ومن نوع جديد على العالم العربي برمته وهي الحرب الفكرية والإعلامية.
جـ - الوطن العربي وخطر الإعلام الموجه
تزايدت في السنوات الأخيرة شبكات التجسس الإعلامية التي تعمل بعضها لصالح الموساد وبعضها لصالح جهات أجنبية أخرى تقاطعت مصالحهم جميعا بهدف نقل الفوضى والبلبلة ولاسيما الفوضى الإعلامية إلى معظم أقطار الوطن العربي بحجة حرية الرأي والتعبير وما إلى ذلك من مسميات ليمر من خلال هذه البوابة اخطر المؤامرات الصهيونية ضد الأمة العربية والإسلامية في مختلف مراحل التاريخ السياسي.
المتتبع الدقيق لبعض القنوات الإخبارية الناطقة بالعربية سيجدها إعلاما موجهاً بحتاً لما يخدم سوى مصالح القائمين عليها, وسيلاحظ أنها تشترك بطريقة أو بأخرى في تنفيذ المخططات سالفة الذكر, وبأنها تعزف على وتر واحد وهو تهييج الشارع العربي وإحداث تصدعات عميقة في مجتمعاته. فإذا أردت مثلا أن تسمع حرباً إعلامية على البحرين, في هذه الأيام بالذات, فما عليك إلا أن تضغط على قناة «العالم», وان أردت حرباً إعلامية على ليبيا فما عليك إلا أن تختار قناة «الجزيرة», أما أن رغبت في أن ترى حرباً إعلامية على إيران فعليك أن تتوجه لقناة «العربية» وقس الأمور على ذلك, وهذا ما يعرف بالإعلام الموجه.
ولتسليط الضوء على الإعلام الموجهة وبشكل مختصر, سنأخذ هنا قناتين ناطقتين بالعربية تعملان وفق توجهات الخارجية الأمريكية. إحدى هذه القنوات معروفة بأنها قناة أمريكية وتعمل بحرفية عادية وأخرى تعمل بحرفية ومهنية عالية جدا بحيث يصعب على المشاهد أن يدرك بان القناتين معاً يتبعان لسياسة واحدة ويعملان في إطار «مشروع الشرق الأوسط الجديد» كإعلام موجه تديره أمريكا وتشرف على برامجها الاستخبارات الصهيونية. القناة الأولى هي قناة «الحرة» وهي قناة يعرفها الجميع والفكرة القائمة عليها «حاليا» هو التغطية والتمويه عن دور القناة الثانية التي سيأتي ذكرها لاحقا, ليقتنع المشاهد بان لأمريكا قناتها الخاصة بها ولا يشك في عمل الثانية.
قاعدة العديد بقطر
كما يعرف الجميع ولدعم التوجهات الأمريكية في المنطقة ومساندة الكيان الإسرائيلي في تنفيذ مشاريعه وتطلعاته، حرصت القيادة ألأمريكية على إنشاء قواعد عسكرية لها في بعض الدول ومنها العربية, إلا إنها في دولة قطر أقامت قاعدتين هامتين وليست قاعدة واحدة كما يتخيل للبعض.. فالقاعدة الأولى عسكرية وهي قاعدة العديد، أما الثانية فهي إعلامية وهذه القاعدة هي الأشد خطراً من القواعد العسكرية, فهي لا تغزو الدول فقط بل تغزو كل بيت. ومن خلال هذه القناة استطاع الأمريكان والموساد بعثرة الكثير من الأوراق العربية ونسف مستقبل الأمة ونزع الثقة القائمة بين الشعوب وحكامها. وهذه القاعدة أو بالأصح القناة التي حاولنا الإشارة لها مسبقا هي قناة «الجزيرة» الإعلامية, تلك القناة التي بعد أن كانت مشروعا قطرياً بحتاً (حتى وان كانت فكرتها أمريكية) وناجحاً بكل المقاييس, لا كما وصفتها وثائق وكيلكس بأنها « أداه ابتزاز سياسي لدولة قطر» أو بأنها العصا التأديبية التي تستخدمها الدولة لمعاقبة أولئك الذين لا تنسجم سياساتهم مع سياساتها, تحولت بها الأمواج واُستُقطبت من قبل الاستخبارات الأمرو- صهيونية. فبعد أن نجحت القناة نجاحا باهرا واستأ سرت قلوب وعقول الشارع العربي وخصوصا بعد تأليبه على العدو الصهيوني, وجد فيها الموساد ضالته فانقض عليها بضوء اخضر من أمريكا وبالضغط منها على كبار القائمين على القناة. فتم توقيع الاتفاقات السرية بين القائمين وكبار المخضرمين الصهاينة، على أن تعمل القناة، لما لها من جمهور عربي عريض, لصالح السياسة الأمرو- صهيونية، مقابل حمايتها وحماية الدولة المالكة لها, وكان ذلك جلياً حينما قطعت السلطات المصرية بث القناة, فتضامن العالم الغربي والمنظمات الأمريكية كلها معها احتجاجا على قطع البث وان ذلك يتعارض مع الأعراف الإعلامية.
الجزيرة تقود التطبيع
لقد استطاع الموساد أن يحول مسار خط القناة من مسار يضر بمصالحه وتطلعاته إلى مسار يخدمه ويخدم أهدافه. القناة ونتيجة للاحترافية المتميزة التي تمتهنها فهي ترتكز في سياستها على مهاجمة إسرائيل وبطريقة شرسة أمام الرأي العام «ظاهرياً» وتنفذ مشاريع الكيان الصهيوني وتقود التطبيع معه «باطنياً». ومن هنا نستطيع التأكيد بان ليس لدولة قطر أي علاقة بالقناة, وان قطر كدولة عربية بريئة مما يلصق بها من تهم يحاول البعض مع الأسف إلصاقها بها. وهذا ما أكده الكثير من الساسة القطريين حينما قالوا بان القناة هي قناة مستقلة. وبما أن القناة مستقلة فذلك لا يدع مجال للشك بأنها تدار بريموت كنترول أمريكي وبمهنية عالية جداً لدرجة أن موظفي وعاملي ومعدي برامج القناة (الذين لا يعرفون ما يدور من وراء الكواليس من اتفاقات بين القائمين الحقيقيين على القناة والموساد) لا يشعرون بذلك التوجه إطلاقا بالرغم لما يتمتعون به من ذكاء وحنكة لان الطرف الأخر اشد حنكة وذكاء منهم, فلم يشعر القائمون يوماً على الإطلاق بان المواضيع الساخنة التي تقدمها القناة هي تحت إشراف المخابرات الصهيونية.
مؤامرة على فتح وحماس
بالفعل استطاع الموساد حقا أن يخترق القناة اختراقاً كاسحاً، وكيف لا، وهو من اخترق كافة الأنظمة العربية الهزيلة. ومن السذاجة أن تستخف القناة بعقول العرب وان نصدق، على سبيل لمثال، بان القناة حصلت على وثائق تدين السلطة الفلسطينية! وكأن لهذه القناة استخبارات تفوق الاستخبارات الروسية! أيعقل بان الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بهذه السذاجة لان تُفقد بعض أوراقها ووثائقها الهامة بهذا الشكل، أم أن في الأمر شيء؟ أن كل ما في الأمر هو أن الموساد يُسرب الوثائق التي يُراد لها أن تُسرب, ويحتفظ بالوثائق التي يُراد لها أن تُحتفظ. فالوثائق وصلت للقناة إذن بأيادي صهيونية لضرب السلطة بحماس مجدا عن طريق منابر الحرية ومنابر من لا منبر له. ونفس الشيء كررته القناة حينما قالت بان طائرات إسرائيلية تحمل أسلحة لمصر, وكأن مصر خالية من السلاح! ما هذا العبط وما هذا الاستخفاف بعقول البشر, ألا يوجد بمصر أسلحة؟ وكان غرض ذلك حينها هو تأجيج الصراع بين السلطة والشارع المصري لإسقاط النظام بآي ثمن، لان الموساد أيقن جيداً بان المظاهرات إذا فشلت في مصر و لم تأت أوكلها، فان ذلك سيُعد مؤشرا سلبياً في سير خطة الفصل الأول من «مشروع الشرق الأوسط الجديد».. فشُنت الحرب الإعلامية الضخمة على مصر وتحول مبارك إلى رجل يفوق الوليد بن طلال بثروته, بل وتعدت تلك الثروة لان تتجاوز ميزانية ليبيا للعام 2010م وهي الدولة التي تحتل المرتبة الثانية عشرة عالمياً بين الدول المصدرة للنفط، بينما وهي «أي ثروة مبارك» والى الآن بحسب التصريحات الأخيرة، لم تتعد الملايين بعد أن كانت قد وصلت إلى السبعين مليار دولار بحسب القناة التي اعتمدت في تقريرها على ما نظن على «صحيفة الجارديان البريطانية».. وها هو اليوم يكرر نفس السيناريو في العزيزة ليبيا وبشعبها الأبي. الأمر حقا مضحك مبكي أن نرى أبناء جلدتنا يشاركون في مهازل تاريخية تقود أوطاننا للخراب والدمار. نكرر هنا لنؤكد بأننا لسنا بصدد الدفاع عن الأنظمة الجائرة والعياذ بالله والتي نبرا بأنفسنا إلى الله مما تقوم به، أو أن نتحامل على قناة كان لها الفضل في «بداية نشأتها» على توعية الشعوب من المخاطر الحقيقة التي تواجهها, لكننا بصدد الدعوة إلى اخذ الحيطة والحذر من الإعلام الموجه.
الجزيرة تتبنى الفوضى
وهنا نتساءل لنقول: ألا يدرك القائمون على القناة بأنها ساعدت على زرع الفتن والعنصرية وبث روح الكراهية بين الشعوب بذريعة حرية التعبير؟ وبأنها ساعدت على إضعاف الأمة العربية ومقدراتها بحجة التحرر من الأنظمة الجائرة؟ ألا يعلمون بان قناتهم أنست الكثير منا القضية الفلسطينية وجعلتنا نركز على مواضيع فتح وحماس وألهتنا عن الموضوع الجوهري في هذه القضية الأم؟ بل وجعلتنا اليوم ننحرف بالمسار ونتوجه نحو دولٍ عربية أخرى.. الم يدرك هؤلاء بأنه كان لدينا فلسطين واحدة وبفضل سياستها صار لنا أكثر من فلسطين وفي أكثر من بلد عربي جريح؟ الم يتساءل القائمون على القناة من هو المستفيد الأول من نشر الفوضى في عالمنا العربي؟ ألا يعلمون بان المخابرات الصهيونية وبفعل إعلامها الموجه هي من أسقطت العراق في مستنقع صعُب الخروج منه وهي من قسمت السودان إلى دولتين وهي من دمرت الصومال، وضربت تونس ومصر، وتهدد امن ليبيا واليمن والأردن والبحرين، وان المخطط الأمرو- صهيوني لن يتوقف حتى يطال كافة الدول العربية, الصديق منها قبل العدو وبدون استثناء, ولكل اجل كتاب ولكلٍ وقته وحينه؟
ويحق لنا أيضاً أن نتساءل لماذا لم تلعب القناة دوراً ايجابياً أخراً يعود بالنفع على الأمة العربية وتلاحمها طالما وهي قناة تهتم بمصالح الأمة العربية وشؤونها بحسب ما يقولون، كأن تعمل على الدفع بالشباب العربي من أقصاه إلى أقصاه وتهيج مشاعره نحو التظاهر والمطالبة بالوحدة العربية وباتحاد عربي مشترك، وفك حدود الدول فيما بينها؟ لما لم تشحن الشعوب نحو مظاهرات يومية تنادي بإيقاف الاستيطان وتضغط على الدول العربية لمنع تصدير النفط ولو برميلا واحداً إلى أن تُرفع الوصاية على القدس الجريح؟ ولكن يا تُرى لو كانت القناة حرضت على ذلك, فهل كانت ستلقى كل هذا الدعم وكل هذا التأييد وكل هذا التضامن من المنظمات الغربية حين يُقطع بثها؟ لا نظن.
علينا إذن التعامل وبحذر ونحن نتلقى معلوماتنا من الإعلام الموجه، وبالذات ذلك الإعلام الذي يعتمد على الأسلوب الصهيوني «في التخدير الذهني والمؤثر على أدمغة المشاهدين باستخدامه طريقة التنويم البطيء في تعامله معهم». فشعوبنا العربية تدفع اليوم كثيراً وستدفع غدا أكثر وأكثر نتيجة مشاهدة هذا النوع من الإعلام. فلقد صار الإعلام مندسا كما يندس المخربون بين أوساط الوطنيين الأحرار والمناضلين الثوار. وهل كان ليحصل ما يحصل اليوم في أوطاننا لولا هذا النوع من الإعلام؟؟؟
فلنسع للتغيير إذن وان ننزل للشارع إن أردنا وبحسب القانون, شريطة أن نرتقي بمطالبنا، وان نتصرف في مظاهراتنا كما علمنا ديننا الحنيف. فلا نقطع شجرة ولا نقذف حجر، ولا نهدم مؤسسة، ولا نروع طفلاً، ولا نستبيح عرضاً، ولا نقتل شيخاً مسناً، أو نضرب بعضنا بعضا. علينا أن لا ندمر الأوطان بل نبنيها، فالزعماء راحلون والأوطان باقية.
مراجع
1- الأيديولوجية الصهيونية, لعبد الوهاب المسيري.
2- الصهيونية في فلسطين, لا اندريه جيريه (كتاب بالفرنسية).
3- العرب وتحديات الشرق الأوسط الكبير, لتوفيق المديني.
4- النشاط السري اليهودي في الفكر والممارسة, لغازي محمد فريج.
5- أوهام مشروع الشرق الأوسط الكبير, لمحمد أحمد النابلسي.
6- بروتوكولات حكماء صهيون, لمحمد خليفة التونسي, وترجمته عباس محمود العقاد.


٭ باحث أكاديمي في علوم الاستشراق - فرنسا.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:44 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-19994.htm