محمد حسين النظاري > -
دوام الحال من المحال، والمصالح الذاتية أضحت مقدمة على الانتماء، ومبادئ السنين تذوب سريعاً في أول تحدٍ، كل ذلك نستحضره ونحن نطالع بشكل شبه يومي ما تتناقله الصحف وتذيعه القنوات عن تقديم البعض لاستقالاتهم ومعظمها من مواقع حزبية سواء من الحزب الحاكم أو أحزاب اللقاء المشترك ,وليس الغريب في الاستقالة ذاتها، فهذا حق شخصي لأي شخص لا يريد الاستمرار في العمل الذي هو فيه عند تقديمه للاستقالة، ولكن الغريب هو توقيت الاستقالة ذاتها والأغرب منها المسببات التي أرفقت بها، فالبعض يبدوا أن قلبه تحرك بعد أن كان متوقفا لسنوات عدة، وبعد أن كان يدوس الشباب الطامح تحت قدميه إذا ما اعترضوا طريقه، فبدأ يبكي الآن عليهم, مع أن هؤلاء هم أنفسهم من تحطمت أحلامهم على أيديهم .
كنت أتمنى لو أن كل مستقيل امتلك الشجاعة الأدبية واعترف بأن المرحلة الآن ليست مع من كان معهم لسنوات طويلة بدلاً ان يجعل الشباب شماعة يعلق عليها هروبه من موقع طالما كان فيه الجلاد، فكيف بالجلاد يتباكى اليوم على ضحيته، إنها مفارقات عجيبة , تجعلك تشعر بازدراء من أناس كنت تظنهم على مبدأ ولو كانوا مخطئين وإذا بك تكتشف سريعا زيف واقعهم الذي كانوا يتسترون وراءه، لست هنا من موقع المدافع عن الحزب الحاكم أو أحزاب اللقاء المشترك، ولكني أناقش قضية خطيرة ألا وهي لمن كان ولاء هؤلاء ولمن سيصبح، الأكيد أن ولاءهم لأنفسهم فقط , وأينما وجدت
مصالحهم فهم إليها سائرون .
ما يجعلك تضحك على هؤلاء أن انقلابهم على أحزابهم خصوصا المنتمين للمؤتمر الشعبي العام كان سخيفا لدرجة لا يتصورها احد، فكيف يؤمَن جانب أناس كان لحزبهم الفضل الكبير في وصولهم إلى ما وصلوا إليه ولولا انتماؤهم إليه لما وصلوا إلى البرلمان أصلاً، ولما أصبحوا أثرياء من قوت الشعب , أعلنوا توبتهم , فهل كان دم الشعب قبل هذه الأحداث مباحا وأصبح بين ليلة وضحاها من اكبر الكبائر .
أيها الشباب يا من جعلتم الجميع يستمع إليكم ويضرب لكم ألف حساب، ولو لم تكونوا كذلك لما انقلب المنقلبون، أحذركم من مكر هؤلاء فهم ألذ الأعداء، لأنهم يتلونون بتلون المكان والزمان، وكما كانوا عونا في السابق عليكم سيكونون غداً كذلك ولكن برداء جديد هيهات أن يخدعكم تباكيهم عليكم أو تسمحهم بكم, فهم لم يغيروا ولاءهم إلا لأنهم يعتقدون بأن الكفة ستتغير، ومثل هؤلاء هم اأشد خطراً من أي عدو، فالذي يبيع ولاء ثلاثين عاما من اليسير عليه أن يجعلكم مطية لمآرب جديدة وان يبيعكم لآخرين تحت مسميات جديدة أيضاً.
أيها الشباب لو كان فيهم خيرا فكيف سكتوا على الفساد الذي يتبرأون منه اليوم، أليسوا بذلك شركاء فيه، لو كانوا ناصحين لنصحوا من قبل ولغيروا الأوضاع ولنادوا بإنصافكم خصوصاً أنهم كانوا من القيادات، ولو كانوا غير راضين عن المؤتمر لما اكتفوا أن يقدموا استقالاتهم الحزبية بل لاتبعوها باستقالاتهم من المجلس ذاته، لأن المؤتمر هو من أوصلهم لمجلس النواب أو للمراكز القيادية الأخرى.. الأكيد أنهم فاسدون ومتورطون في قضايا فساد كثيرة، وظنا منهم ان مجرد الاستقالة هي من ستبيض صفحاتهم لدى الشباب، ولم يدركوا أن الشباب لم تعد تنطلي عليهم هذه الحيل التي يعرفها ابن ذات الخمس سنوات.
العجيب أن المستقيلين لم يكونوا هم الوحيدون الذين وقعوا في الخطأ، فأحزابهم أيضاً تمارس نفس الخطأ حين تعلن أن هؤلاء فاسدون وما استقالوا إلا لخوفهم من أن يقدموا للمحاكمة، فإذا كانوا متورطين في قضايا فساد فلماذا لم يحاولوا من قبل، ولماذا أعيد انتخاب بعضهم وترقية البعض الآخر لمناصب ارفع, ولماذا ننتظر حتى يطل علينا هذا أو ذاك باستقالته وعندها فقط نتذكر انه فاسد ومتهرب ومرتشٍ وغاصب للأراضي والممتلكات العامة، ورغم أن بعضهم فعلا مفسدون إلا أن تأخير التهم إلى ما بعد تقديمهم للاستقالات يجعل منهم أبطالاً رغم أنهم ليسوا كذلك، وهنا ينبغي على الدولة أن تسارع في تقديم المتورطين في كل أنواع قضايا الفساد إلى النيابة العامة، ولا يصح أن تكون القرابة أو الانتماء أو الولاء أو المنصب حامياً له من العقاب، وسوف تضيع المصداقية إذا ما ارتبط الفساد بأسماء المستقيلين فحسب .
فخامة الأخ الرئيس والله إنها فرصتك التي منحك الشعب إياها فاغتنمها بتقديم كل الفاسدين إلى القضاء، لا تدعهم يخدعون الشعب مرتين ولا تجعل منهم أبطالاً، وسارع بكشفهم أمام الرأي العام، فالشعب لن ينتظر كثيرا ولن يصدق فيما بعد إذا ما استقال احدهم وقلتم عنه انه فاسد، ففي ذلك الوقت موقفه سيكون إقوى لأنه سيعتبر أن ذلك جاء رداً على رفضه للفساد مع انه غارق فيه من رأسه حتى أخمص قدميه، فخامة الأخ الرئيس الكل ينتظر قوائم الفاسدين، لان الشباب ما خرجوا للشارع إلا لأن الفساد قهرهم وذلهم , فلا تجعل ممن ذلوهم بالأمس أسياداً عليهم في الغد .
فخامة الأخ الرئيس اجزم بأن الواقفين مع الشباب هم على أربعة أوجه، الأول شاب غاضب من الفساد والثاني فاسد يريد أن يمسح فساده ببطولة مزيفة، والثالث طامع بالسلطة وسيجعل من الشباب مطية لأهدافه، والرابع متآمر على الوطن لا يريد له الخير لا في أمنه ولا في استقراره ووحدته، فلا تمكنهم من الشباب، احمٍِ شباب الوطن من مثل هؤلاء، الحماية لن تكون إلا إذا بدأت بالتغيير الشامل .
وأنتم يا شباب الوطن يا من ملأتم ساحة الجامعة والتحرير وساحات عدة في مختلف مناطق الوطن، انتم تدعون إلى التغيير والتغيير آت لا محالة، ولكن كيف يعقل أن تشكوا من الاستبداد، وتستبدلونه باستبداد أفظع منه، إنه أمر لا يعقل، يا ليت وان الأمر سيؤول إلينا معشر الشباب، انظروا إلى تونس ومصر هل آل الحكم إلى الشباب أم إلى من كانوا يتربصون بالشباب.
إخوتي الشباب أمامنا فرصة ذهبية كي نقود تغييراً حقيقيا بصورة مغايرة لما حدث في الدول الأخرى، أوضاع بلادنا ليست كدولهم فمستوى الوعي السياسي مرتفع لديهم ومعهم من الثروات ما يمكن أن تعوض خسائرهم فالسياحة في مصر وتونس تعادل النفط في ليبيا، أما نحن الساعين إلى التغيير بالتدمير لن نجد من يعيننا، وعندها فقط سنخسر نحن الشباب لان كل من حولنا من أحزاب وقبائل وتجار سيلوذون بالفرار ونبقى نحن تحت أطلال الدمار، فهل نتعظ قبل فوات الاوان؟.
باحث بجامعة الجزائر
[email protected]