الثلاثاء, 30-يناير-2007
بقلم‮: ‬عبد‮ ‬الحفيظ‮ ‬النهاري

< على خلفية نقاش جاد دار في دار الميثاق حول موضوع التوزيع السكاني غير المدني الذي تتسم به ديموغرافيا اليمن ،واتصالا بما عرضه الأستاذ اسكندر الأصبحي، في مقالته الضافية العدد الماضي " الطريق إلى مجتمعات عمرانية جديدة" دب الحماس في قلمي للمشاركة في هذا النقاش _ مع تسليمي بالتعقيد الذي تتسم به هذه الظاهرة التي تستحق ذات الجدية في النقاش على مستوى الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع المدني والسلطات المحلية والوزارات والجهات المعنية بالتخطيط وبالخدمات.
وقد‮ ‬استوفت‮ ‬مقالة‮ ‬اسكندر‮ ‬مسألة‮ ‬الطريق‮ ‬كعامل‮ ‬رئيسي‮ ‬للتجمعات‮ ‬الحضرية‮ ‬عبر‮ ‬التاريخ‮ ‬اليمني‮ ‬كعامل‮ ‬اقتصادي‮ ‬ومادي‮ ‬أولي‮ ‬في‮ ‬تشكل‮ ‬المجتمعات‮ ‬العمرانية‮ ‬الجديدة‮. ‬
وكما أن الضرورة والواقع السكاني يدفعنا إلى التفكير الاستراتيجي والعناية بالدراسات المستقبلية التي هي الوسيلة المنهجية الأنجع لتجاوز المشكلات الحالية والمستقبلية، بل هي استباق لتشكل المعضلات الاجتماعية والاقتصادية، وأداة لازمة للتقدم ومواجهة شحة الموارد الطبيعية‮ ‬التي‮ ‬يقابلها‮ ‬انفجار‮ ‬سكاني‮ ‬وتضاعف‮ ‬الحاجة‮ ‬إلى‮ ‬بدائل‮ ‬تمكن‮ ‬الناس‮ ‬من‮ ‬العيش‮ ‬المتوازن‮ ‬بشروط‮ ‬حضارية‮ ‬تليق‮ ‬بهم‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬العصر‮. ‬
غير أن مقاربة معضلة الشتات السكاني في اليمن ،تستحق مزيد من النقاش وخاصة من منظور اجتماعي- تنموي، لاسيما مع غياب شروط وحوافز التخطيط والتفكير الاستراتيجي وتدني مستلزمات التطبيق الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.غير أن هذا الغياب لا يبرر توقفنا عن التفكير أو التراجع‮ ‬عن‮ ‬التخطيط‮ ‬الاستراتيجي،‮ ‬ذلك‮ ‬أن‮ ‬حتمية‮ ‬التغير‮ ‬والتكيف‮ ‬واردة‮ ‬في‮ ‬التحولات‮ ‬الاجتماعية‮ ‬الجديدة‮.‬
وسأركز في طرحي على العامل الاجتماعي والثقافي باعتبارهما عاملان يتعامدان مع العامل الاقتصادي ومنه "الطريق" بحسب مقاربة "اسكندر" نظرا لما لهذين العاملين من أثر كبير في النزوحات والتجمعات اليمنية عبر التاريخ. ونحن هنا إنما نستقرئ التاريخ لكي نستبصر الحاضر والمستقبل‮ ‬بوضوح‮ ‬أكبر‮ ‬وفهم‮ ‬للواقع‮ ‬الاجتماعي‮ ‬الذي‮ ‬هو‮ ‬وليد‮ ‬كل‮ ‬التاريخ‮ ‬وليس‮ ‬وليد‮ ‬اللحظة‮ ‬كما‮ ‬هي‮ ‬عليه‮ ‬بعض‮ ‬المجتمعات‮ ‬الحديثة‮ ‬والمستحدثة‮.‬
ويبرز في ملامستنا لأدوات التغيير نمطان هما: التغيير التلقائي والانسيابي الذي يستقيم ضمن سياق طبيعي للأحداث والمتغيرات بعيد اعن العوامل الخارجية القاهرة ،يقابله التغيير القسري/ القصدي في حركة المجتمعات ،وهو ما يتم تنفيذه خارج السياق الاجتماعي معتمدا على التخطيط‮ ‬المعزول‮ ‬بإسناد‮ ‬خارجي‮ ‬سواء‮ ‬أكان‮ ‬إسنادا‮ ‬اقتصاديا‮ ‬أو‮ ‬عسكريا‮ ‬أو‮ ‬أيديولوجيا،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فإن‮ ‬التغيير‮ ‬القسري‮ (‬القصدي‮) ‬غالبا‮ ‬لا‮ ‬يكون‮ ‬جوهريا‮ ‬ما‮ ‬لم‮ ‬ينتج‮ ‬عن‮ ‬ثقافة‮ ‬وتنتج‮ ‬عنه‮ ‬ثقافة‮ ‬وهنا‮ ‬تكمن‮ ‬المعضلة‮. ‬
‮ ‬التحولات‮ ‬الديموغرافية‮ ‬عبر‮ ‬التاريخ‮: ‬
التحولات‮ ‬الديموغرافية‮ ‬التي‮ ‬حدثت‮ ‬للمجتمع‮ ‬اليمني‮ ‬عبر‮ ‬التاريخ‮ ‬توفر‮ ‬لها‮ ‬عاملان‮: ‬عامل‮ ‬القسر‮ ‬والضرورة‮ ‬،‮ ‬والعامل‮ ‬الموضوعي‮ .‬
إلا أن حركة التاريخ ترجح طغيان العامل الأول في عدة تحولات منها: عامل انهيار سد مأرب ،الذي تسبب في انفراط عقد المدينة السبأية في جنوب الجزيرة العربية وهو عامل اجتمعت فيه كل الأسباب . وحتى العامل الثقافي لم يكن في كل الأحوال عاملا موضوعيا بقدر ما كان القسر غالبا‮ ‬فيه‮ ‬،‮ ‬مثل‮ ‬التحول‮ ‬عن‮ ‬النصرانية‮ ‬إلى‮ ‬اليهودية‮ ‬في‮ ‬عهد‮" ‬ذي‮ ‬نواس‮" ‬،‮ ‬يوازيه‮ ‬فيما‮ ‬بعد‮ ‬محاولة‮ "‬إبرهة‮" ‬نقل‮ ‬مركز‮ ‬الاهتمام‮ ‬الديني‮ ‬والمديني‮ ‬إلى‮ ‬صنعاء‮ ‬بدلا‮ ‬من‮ ‬مكة‮.‬
تحولات‮ ‬عهد‮ ‬الإسلام‮: ‬
‮ ‬ما‮ ‬تلى‮ ‬ذلك‮ ‬من‮ ‬تحول‮ ‬ديموغرافي‮ ‬بظهور‮ ‬الإسلام‮ ‬،‮ ‬وهو‮ ‬عامل‮ ‬ثقافي‮ ‬،‮ ‬ديني‮ ‬،‮ ‬أيديولوجي‮ ‬،‮ ‬غير‮ ‬ديموغرافية‮ ‬اليمن‮ ‬بما‮ ‬لا‮ ‬يقل‮ ‬عن‮ ‬تأثير‮ ‬سد‮ ‬مأرب‮. ‬
إذ‮ ‬شكلت‮ ‬الدعوة‮ ‬المحمدية‮ ‬بداية‮ ‬بذرة‮ ‬الحراك‮ ‬السكاني‮ ‬بين‮ ‬شمال‮ ‬وجنوب‮ ‬الجزيرة‮ ‬العربية‮ ‬من‮ ‬جديد‮ ‬،‮ ‬بدءا‮ ‬باتجاه‮ ‬القبائل‮ ‬الداخلة‮ ‬في‮ ‬الإسلام‮ ‬إلى‮ ‬الشمال‮ ‬واتجاه‮ ‬الدعاة‮ ‬إلى‮ ‬الجنوب‮.‬
و شكلت الفتوحات الإسلامية بعد ذلك مجالا مناسبا للطبيعة القتالية لقبائل اليمن ومسرحا هاما نقلهم إلى مواطن جديدة سواء في الحواضر الإسلامية في دمشق وبغداد والفسطاط أو في الأمصار الجديدة في المشرق والمغرب حتى بلغت الأندلس وفرنسا غربا وأقاصي السند والهند شرقا‮ ‬وشمالا‮. ‬
لكن الدعوة المحمدية لم تظل عاملا ثقافيا دينيا بحتا بل حملت معها قيما اقتصادية مهمة قوضت المفاهيم الاقتصادية التي كانت تحكم حركة الاقتصاد والبشر قبل ذلك ، وفي مقدمة تلك القيم الزهد وأولوية الآخرة على الدنيا، فضلا عن إعادة توزيع الثروة من خلال الزكاة والغنائم،والأوقاف‮. ‬
لكن تمركز الحواضر الإسلامية في بغداد ،ودمشق ، والفسطاط بعد ذلك ،بالإضافة إلى توزيع الحاميات العسكرية التي شكلت نوويات مهمة للاستيطان في الشرق والغرب أثرت بصورة مباشرة على التوزيع السكاني اليمني إذ وجد اليمنيون فيها سعة فأسسوا مجتمعات بشرية جديدة مع إخوانهم‮ ‬المجاهدين‮ ‬والمرابطين‮ ‬في‮ ‬الحاميات‮ ‬الإسلامية‮.‬
وفي المقابل أصبحت اليمن كموقع ، خارج دائرة الحاضرات الإسلامية ،ملاذا للأفكار والتجمعات المتصادمة مع المركز الحضري ، وأضحت موطن هجرة للأفكار والتيارات الهاربة من قبضة المركز الأموي أو العباسي ،أو الفاطمي،أو المملوكي ، أو العثماني.
وخلق التهميش من الطبيعة الجبلية الوعرة والبعيدة عن السيطرة الرسمية بيئة طاردة للتمدن جاذبة للتمرد والانزواء . كما أن الصراع الداخلي المستمر وتعدد الدويلات والتغير الدائم في مراكز القوى وعوامل الصراع لم يساعد على نشوء مجتمعات مدنية كبيرة ومستقرة ، ذلك أن كل‮ ‬دويلة‮ ‬صنعت‮ ‬لها‮ ‬عاصمتها‮ ‬المغايرة‮ ‬جغرافيا،‮ ‬الأمر‮ ‬الذي‮ ‬فتت‮ ‬فكرة‮ ‬المدينة‮ ‬باستثناء‮ ‬فترات‮ ‬التوحيد‮ ‬والاستقرار‮ ‬وهي‮ ‬قليلة‮ ‬ومن‮ ‬أبرزها‮ ‬الفترة‮ ‬الصليحية‮.‬
‮ ‬الراهن‮ ‬الديموغرافي‮: ‬
وإذن،فإن السياق التاريخي المتصل هو الذي خرجت من تحت جلبابه مشهدية التوزع السكاني الراهن ، لا سيما مع انغلاق اليمن ومحيطه عن اللحاق بركب الحداثة حيث ظلت عوامل الخوف والتحفز والتمترس والحماية من العدوان والتوجس من الخارج هي الجذور التي أسست لتشكل الاستيطان البشري‮ ‬القائم‮ ‬الآن‮.‬
والمجتمع اليمني كمجتمع زراعي تقليدي يحمل إرثا مختلا فرضته الطبيعة الصعبة ومحدودية الرقعة الزراعية الجبلية و شحة الموارد الطبيعية ، يتمثل في الجهد العالي والنشاط المضاعف للإنسان مقابل إنتاج متواضع غير متكافئ مع ذلك الجهد. الأمر الذي جعل الارتباط الروحي والوجودي‮ ‬والأمني‮ ‬بالمكان‮ ‬مقدم‮ ‬على‮ ‬العائد‮ ‬والإنتاج‮ ‬والرفاه‮ ‬لدى‮ ‬المستوطن‮ ‬اليمني‮. ‬
ما جعل الارتباط بالمكان ارتباطا روحيا ، وهو ما يبدو سمة مشتركة بين كل شعوب الأرض، إلا أننا بصدد إنسان يلوذ بالمكان وهاجس البقاء والاستمرار والصمود أقوى من هاجس الرفاه. ولذلك كان ازدهار الصناعة والتجارة في اليمن القديم مقابل شحة الموارد الطبيعية وهذا ما لم‮ ‬يمنعها‮ ‬من‮ ‬تأسيس‮ ‬مدنية‮ ‬لا‮ ‬تقل‮ ‬عن‮ ‬مدنيات‮ ‬الروافد‮ ‬الطبيعية‮.‬
وإلى عهد ما قبل الثورة ظلت الزراعة التقليدية مصدرا رئيسيا لعائدات الدولة الرسمية ومصدرا للدخل الوطني وكان الريف هو الذي يغذي المدينة ، حتى تغير الحال حيث شحت الأمطار والموارد الطبيعية وحدث تغير أيقولوجي وعوامل جفاف وتعرية غيرت في إنتاجية الأرض وفي جيولوجيتها، وهددت مستقبل المدرجات الجبلية التي تعتمد على مياه الأمطار والجداول الصغيرة والعيون،ولا يتناسب معها تقنية الميكنة الزراعية الحديثة التي تحتاج إلى أرض واسعة وملكية غير مفتتة ومنخفضات تساعد على استغلال المياه الجوفية ،صاحب هذا زيادة سريعة في نمو السكان ،ما جعل شروط التشبث بالمكان تضعف شيئا فشيئا تأخذ أشكالا جديدة ليس مغادرة الجبل إلى الوادي أوالمرتفع إلى المنخفض هو الحل المثالي بالنسبة لهذا الوضع الذي قد يأخذ صورا تحاول التشبث بالمكان إلى حين.
هجرة‮ ‬النفط‮: ‬
وباستقراء‮ ‬المجتمعات‮ ‬السكانية‮ ‬في‮ ‬الحاضر،‮ ‬نجد‮ ‬المجتمع‮ ‬اليمني‮ ‬أسير‮ ‬بنية‮ ‬تقليدية‮ ‬فقدت‮ ‬شروطها،‮ ‬وبنية‮ ‬حديثة‮ ‬لم‮ ‬تتوفر‮ ‬شروطها‮ ‬بعد،‮ ‬وضياع‮ ‬التجمعات‮ ‬البشرية‮ ‬النموذجية‮ ‬بينهما‮. ‬
فأسباب ارتباط اليمني بالمكان هي أسباب وجود وهوية وليست أسباب ضرورة إنتاج وجدوى اقتصادية.ذلك أن ظهور النفط في الجزيرة العربية (دول الخليج العربي حاليا) شكل عامل جذب اقتصادي كبير للهجرة والعمالة بالنسبة لليمني أولا، بحكم الجوار الجغرافي، ثم بالنسبة للآخرين.
لكن هذه الهجرة حملت شروط الهجرة المؤقتة بسبب القيود السياسية والاجتماعية لدويلات النفط ما جعلها تختلف عن هجرات اليمنيين السابقة وجعلت اليمني أكثر ارتباطا بوطنه الذي ترغمه هجرته العودة إليه بخلاف هجرات النصف الأول للقرن العشرين إلى شرق إفريقيا وجنوب شرق آسيا‮ ‬التي‮ ‬حققت‮ ‬استقرارا‮ ‬استيطانيا‮ ‬للمهاجرين‮ ‬في‮ ‬تلك‮ ‬الأوطان‮ ‬‭_‬‮ ‬عدا‮ ‬بعض‮ ‬متغيرات‮ ‬شرق‮ ‬إفريقيا‮ ‬التي‮ ‬أعادت‮ ‬عددا‮ ‬كبيرا‮ ‬من‮ ‬أبناء‮ ‬وأحفاد‮ ‬المهاجرين‮ ‬إلى‮ ‬وطنهم‮ ‬الأصلي‮- .‬
وشكلت طفرة النفط في السبعينيات والثمانينيات موارد اقتصادية رئيسية للمغتربين- ولا أقول المهاجرين- تسببت في إهمال الأرض الزراعية التقليدية في اليمن بسبب هجرة العمالة وشحة عائد الأرض وارتفاع تكلفة الاستصلاح مقابل قيمة الإنتاج.
لكن القرية ظلت هي الموطن الذي يتعزز تمسك المغترب به من خلال بناء المساكن الجديدة وجلب الخدمات المدنية الحديثة والمكلفة وجلب وسائل النقل ، لتظل صعوبة الطبيعة ووعورة الجبال عائقا رئيسيا لحلم المغترب في محاكاة المجتمع المديني - وهذا ينسحب حتى على المغتربين في ألولايات المتحدة الأمريكية حيث يتاح لهم هناك فرص التمتع بالمواطنة والاستقرار بخلاف إخوتهم في الخليج- محاولين توفير شروط الاستقرار النسبي في الريف من خلا ل مساهمة المجتمع المحلي في توفير الطرق الأولية والمدرسة والمياه والحد الأدنى من الخدمات ،محاولا التغلب‮ ‬بها‮ ‬اليمني‮ ‬عبر‮ ‬الحقب‮ ‬على‮ ‬صعوبة‮ ‬التضاريس‮ ‬وشحة‮ ‬الموارد‮.‬
الهجرة‮ ‬الداخلية‮: ‬
وكان من أبرزها قبل الاستقلال وبعده الهجرة إلى عدن باعتبارها المدينة الأولى المعاصرة التي بناها البريطانيون واكتسبت شروط المدينة الحديثة وشكلت سوقا للعمل وللتجارة لبقية أبناء اليمن منذ نهايات القرن التاسع عشر حتى الاستقلال وبعده.
وما أن انحسرت طفرة النفط، مع بداية تسعينيات القرن العشرين، وظهور أزمة الخليج الثانية، حتى أصبح اليمني خارج موطن الاغتراب والعمل وخارج إمكانية العيش المثالي والمكلف في الريف.ولم يبق أمامه إلا أحد أمرين : إما أن يستصلح الأرض محدودة المساحة والموارد والإنتاج حفاظا‮ ‬على‮ ‬وجوده‮ ‬أو‮ ‬الهجرة‮ ‬الداخلية‮ ‬إلى‮ ‬قرية‮ ‬كبيرة‮ ‬،‮ ‬تسمى‮ ‬المدينة‮ ‬مجازا‮ ‬،‮ ‬كونها‮ ‬لا‮ ‬تتوفر‮ ‬على‮ ‬أية‮ ‬شروط‮ ‬للمدنية،‮ ‬ليعيش‮ ‬على‮ ‬هامشها‮ ‬باحثا‮ ‬عن‮ ‬فرصة‮ ‬عمل‮ ‬قد‮ ‬يجدها‮ ‬وقد‮ ‬لا‮ ‬يجدها‮. ‬
وقد‮ ‬تمظهرت‮ ‬الهجرة‮ ‬اليمنية‮ ‬الداخلية‮ ‬المعاصرة‮ ‬في‮ ‬عدة‮ ‬موجات‮ ‬متضادة‮ ‬
‮ ‬الهجرة‮ ‬الوظيفية‮ ‬والتعليمية‮:‬
وهي تلك التي ظهرت بعد الثورة والاستقلال مع تأسيس نويات مؤسسات الدولة وبناء المدرسة الحديثة في المدن الرئيسية والتي جذبت بدورها عددا كبيرا من أبناء الريف اليمني للتعلم والوظيفة الحكومية ومجالات العمل الجديدة .
‮- ‬هجرة‮ ‬التشطير‮: ‬
حيث تسبب التشطير في النزوح والنزوح المضاد، الأول لأسباب اقتصادية تتعلق بالتأميم الذي تبناه الحزب الاشتراكي اليمني، في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والثاني لأسباب أيديولوجية تتعلق بملاحقة اليسار في الجمهورية العربية اليمنية.
‮- ‬عودة‮ ‬المغتربين‮: ‬
واقصد بها ظاهرة عودة أكثر من مليوني مغترب يمني كانوا يعملون في مواطن النفط في الخليج وعادوا إثر أزمة الخليج الثانية إلى مواطنهم الأصلية في الريف اليمني الذي هاجروا منه مؤقتا للعمل. بينما شكل من لم يعد له موطنا في الريف ملاذا جديدا على شكل تجمعات سكانية هامشية‮ ‬فقيرة‮ ‬أشبه‮ ‬بمدن‮ ‬الصفيح‮ ‬وعاشوا‮ ‬على‮ ‬هامش‮ ‬ما‮ ‬نسميه‮ ‬بالتجمعات‮ ‬المدينية‮ ‬الجديدة‮ ‬خارج‮ ‬شروط‮ ‬المجتمع‮ ‬الحضري‮ ‬محل‮ ‬النقاش‮. ‬
‮- ‬هجرة‮ ‬الإدارة‮: ‬
وهي الهجرة التي حدثت بعد تحقيق الوحدة الوطنية في 22 مايو 1990 حيث عززت الحراك المتبادل الشمالي- الجنوبي وخاصة انتقال أبناء الجنوب والشرق إلى عاصمة دولة الوحدة في الشمال من ساسة وإداريين وعسكريين مقابل انتقال عسكريين ورجال أعمال ومستثمرين وتجار وباعة إلى الجنوب‮ ‬،وعودة‮ ‬مهجرين‮ ‬سابقين‮ ‬إلى‮ ‬ديارهم‮ ‬في‮ ‬الشمال‮ ‬وفي‮ ‬الجنوب‮. ‬
الشتات‮ ‬السكاني‮ ‬والتنمية‮: ‬
ومع تعاظم العملية التنموية الحديثة تتضاعف المعوقات الجغرافية والديموغرافية لتجعل التنمية في اليمن أكثر كلفة منها في بلدان هي أكثر يسرا ، بسبب العامل الطبيعي الجغرافيا والتوزيع السكاني.إذ أن توزع أكثر من عشرين مليون نسمة على 106 ألف تجمع سكاني في أقل من ثلث‮ ‬مساحة‮ ‬اليمن‮ ‬مسألة‮ ‬تستحق‮ ‬الاهتمام‮ ‬وإعادة‮ ‬النظر‮ ‬فيها‮ ‬والوقوف‮ ‬على‮ ‬مظاهرها‮ ‬توخيا‮ ‬للمعالجة‮ ‬السليمة‮.‬ذلك‮ ‬أن‮ ‬هذا‮ ‬الواقع‮ ‬يجعل‮ ‬التنمية‮ ‬أمام‮ ‬عائق‮ ‬تاريخي‮ ‬وطبيعي‮ ‬يصعب‮ ‬تجاوزه‮ ‬ويمكن‮ ‬ترويضه‮ ‬جزئيا‮. ‬
لكن‮ ‬حالة‮ ‬الفقر‮ ‬وشحة‮ ‬الموارد‮ ‬وتدني‮ ‬الإدارة‮ ‬تجعل‮ ‬مهمة‮ ‬ترويض‮ ‬العامل‮ ‬الجغرافي‮ ‬والسكاني‮ ‬أصعب‮ ‬وأكثر‮ ‬تركيبا‮ ‬وتعقيدا‮. ‬
والبدء بالتفكير الطموح في إيجاد تجمعات بشرية جديدة أو بالأصح بديلة، يشكل معضلة كبيرة على مستوى التخطيط والتنفيذ. ذلك أن البنية الاجتماعية والاقتصادية لليمن تراوح في مكان لم يبرح التقليد ثقافيا واجتماعيا ولم تلامس التحديث اقتصاديا وأدواتيا.
ومما‮.‬يثبط‮ ‬الانتقال‮ ‬إلى‮ ‬المجتمع‮ ‬الحديث‮ ‬غياب‮ ‬الحامل‮ ‬الاقتصادي‮ ‬أو‮ ‬الرافعة‮ ‬الاقتصادية‮ ‬القوية‮ ‬التي‮ ‬يمكن‮ ‬أن‮ ‬تبني‮ ‬مجتمعات‮ ‬جديدة‮ ‬،‮ ‬نرنو‮ ‬إليها‮ ‬في‮ ‬رغباتنا‮ ‬الممكنة‮ ‬منها‮ ‬والمستحيلة‮. ‬
إذ لا يمكن للجميع أن يسلم بخيار التجمع أو التجميع السكاني المديني كحل للتنمية في الوقت الذي تبدو فيه قدراتنا وميولنا أقرب إلى المحاكاة التقليدية ،ذلك أن المجتمع المديني يتطلب ثقافة مدينية ناجعة في تحمل مسؤوليات المدينة ، بما تتطلبه من تقسيم في العمل وتراتب‮ ‬في‮ ‬الوظائف‮ ‬وتنظيم‮ ‬للإنتاج‮ ‬وفقا‮ ‬لحاجات‮ ‬المجتمع‮ ‬وما‮ ‬تمليه‮ ‬القيم‮ ‬الجديدة‮ ‬وليس‮ ‬إعادة‮ ‬انتاج‮ ‬القيم‮ ‬التقليدية‮ ‬في‮ ‬شكل‮ ‬جديد‮ ‬وفي‮ ‬تجمع‮ ‬كبير‮.‬
وبغض النظر عن التباينات النظرية حول بنية المجتمعات الحديثة إلا أن المدينة حين تلبي حاجة اجتماعية ستكون أفضل منها حين تلبية حاجة التخطيط التنموي في حد ذاته، تذكرنا بذلك بعض التجارب التي حاولت استباق حاجات المجتمع ،سواء منها ما كان يهدف إلى تعزيز البناء الوطني والتكامل والوحدة مثل التجربة اللينينية أو الستالينية أو تجربة بعث العراق في صهر قومياته ،أو ما يحمل أهدافا استعمارية مثل الاستيطان الإسرائيلي واستيطان النظام العنصري في جنوب إفريقيا والاستيطان البريطاني-الأوروبي في القارة الأمريكية وفي القارة الاسترالية‮ ‬من‮ ‬القرن‮ ‬ال15‮ ‬وحتى‮ ‬الآن‮ ‬والنماذج‮ ‬الأخرى‮ ‬المشابهة‮. ‬
وعملية إعادة التوزيع السكاني القسري غالبا ما تتم من قبل أنظمة قوية تمتلك اقتصادا قويا وقدرة مادية على مواجهة كلفة ذلك التوزيع فضلا عن الهدف القوي سواء أكان ثقافيا - أيديولوجيا أو حضاريا رياديا أو لمجرد الهيمنة والاستئثار.
أما روابط المواطن اليمني بالمكان فهي متداخلة وصعبة وليست _ كما أشرت في بداية حديثي- مختزلة في العامل الاقتصادي. وهو غالبا ما يعتبره علماء الاجتماع سرا من أسرار ارتباط الإنسان بالأرض/المكان وبالبيئة.
بينما يعده آخرون تعبيرا عن عجز الإنسان عن التغيير أو قصور إدراكه وثقافته عن التكيف مع الجديد ويضربون مثلا بالمجتمعات العمرانية الحديثة في ألقارة الأمريكية والاسترالية التي ازدهرت أكثر من المجتمعات الأوروبية الأصلية.
‮ ‬وأيا‮ ‬كانت‮ ‬النظرية‮ ‬الاجتماعية‮ ‬الأقرب‮ ‬إلى‮ ‬الصواب‮ ‬فإن‮ ‬خصائص‮ ‬التوطن‮ ‬السكاني‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬تستلزم‮ ‬الوقوف‮ ‬على‮ ‬ملامحها‮ ‬لمقاربة‮ ‬ما‮ ‬نحن‮ ‬بصدده‮ ‬من‮ ‬ضرورة‮ ‬إعادة‮ ‬توزيع‮ ‬السكان‮. ‬
التفكير المنطقي يفترض أن وسائل النقل والاتصال والتكنولوجيا الحديثة قادرة على نقل وتوفير حياة الرفاه للإنسان حيثما كان ، أي أن تأتي الحياة وتجلب إلى الإنسان في بيئته ،وليس أن ينتقل بالضرورة هو إلى حيث تكون الحياة أفضل.وهي مفارقة تصطدم مع ما نحن بصدده من دعوة‮ ‬إلى‮ ‬التجمع‮ ‬البشري‮ ‬لغرض‮ ‬تيسير‮ ‬وتوفير‮ ‬كلفة‮ ‬التنمية‮. ‬
لكن‮ ‬يظل‮ ‬الخيار‮ ‬الأكثر‮ ‬اعتدالا‮ ‬هو‮ ‬الخيار‮ ‬المبني‮ ‬على‮ ‬الحوافز‮ ‬،‮ ‬حوافز‮ ‬الخدمة‮ ‬والتنمية‮ ‬والعمل‮ ‬والإنتاج‮ ‬،‮ ‬فحيثما‮ ‬وجدت‮ ‬فرصة‮ ‬العمل‮ ‬والإنتاج‮ ‬يتأسس‮ ‬التجمع‮ ‬الاستيطاني‮ ‬الحديث‮.‬
لكن‮ ‬هل‮ ‬الاقتصاد‮ ‬وحده‮ ‬هو‮ ‬البعد‮ ‬الذي‮ ‬يحرك‮ ‬التجمع‮ ‬السكاني‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬؟‮ ‬
يصعب الإجابة على هذا السؤال ، لأن العامل الاقتصادي ليس إلا واحدا من عوامل أخرى أكثرها ثقافية واجتماعية وأمنية. فالرابط القبلي بقدر ماهو رابط علائقي أسري- اجتماعي ثقافي هو رابط جغرافي أيضا، ورابط له علاقة وطيدة بالأصل أكثر مما له علاقة بالملكية.
إذ تغيب هذه الفواصل في فترات الرخاء والاستقرار النسبي ، لكن سرعان ما تبرز إلى السطح في الظروف غير المستقرة حيث يعود الفرد فيه إلى مرجعيته الاجتماعية والجغرافية الأصلية حتى حين تخلو من مصالحه الاقتصادية ،وهنا تقدم الحاجة الأمنية على حاجة الاقتصاد.
وتركيزا على عوامل الجذب التنموي والاستثماري التي كونت المجتمعات الحديثة فإن الطرق وسكك الحديد والمجمعات الصناعية والخدمات كتوفير الماء والكهرباء والمدارس والمستشفيات هي عامل الجذب الاختياري الذي يكون التجمعات الجديدة والتي قصدتها مقالة الأستاذ اسكندر.
لكن ما يحدث لدينا نتيجة لقصور الإمكانات أن الخدمات تلحق التجمعات البشرية وليس العكس ما يتسبب في تكون تجمعات هامشية عفوية تصبح واقعا وبيئة غير حضرية . فمدن الصفيح أو هوامش المدن لا تتوفر على أية شروط مدنية تسوغ وجودها بسبب استباقها للتخطيط الاستراتيجي أو أن‮ ‬قصورالإمكانات‮ ‬يفرغ‮ ‬التخطيط‮ ‬من‮ ‬محتواه‮ ‬المدني‮ ‬والحضاري‮ ‬إن‮ ‬وجد‮. ‬
البعد‮ ‬الحضاري‮ ‬للتجمعات‮ ‬السكانية‮ ‬ورهانات‮ ‬المستقبل‮: ‬
وإذن‮ ‬فالتجمع‮ ‬السكاني‮ ‬بدون‮ ‬شروط‮ ‬حضرية‮ ‬ليس‮ ‬له‮ ‬معنى‮ ‬بل‮ ‬يمكن‮ ‬أن‮ ‬يشكل‮ ‬بيئات‮ ‬متخلفة‮ ‬وغير‮ ‬سوية‮ ‬أسوأ‮ ‬مما‮ ‬هو‮ ‬عليه‮ ‬الشتات‮ ‬السكاني‮ ‬الحالي‮.‬
لكن العجز الرسمي عن ملاحقة النمو السكاني يزيد من المدن الهامشية لكنه لا يحد يحد في الوقت ذاته من الشتات السكاني أو ما أطلق عليه التجمع السكاني القزمي لأن التجمعات العشوائية لا تقدم فرص عمل ولا خدمات ولا بدائل ولا حوافز بل هي مجرد تجمعات اضطرارية اعتباطية فقيرة‮ ‬لا‮ ‬تقدم‮ ‬غير‮ ‬التجمع‮ ‬في‮ ‬حد‮ ‬ذاته‮ ‬وهذا‮ ‬يخلق‮ ‬بيئات‮ ‬غير‮ ‬طبيعية‮ ‬يمكن‮ ‬أن‮ ‬تختزن‮ ‬قيم‮ ‬غير‮ ‬سوية‮ . ‬
ويظل التعويل على عامل التحول الأيقولوجي رئيسيا كونه يساهم في تقويض البقاء في الشتات ، أي اندثارالعوامل الطبيعية ذاتها،التي خلقت الشتات ، مثل توفر الحاجة من الماء والكلأ والأرض الزراعية والمراعي والتحصن من الكوارث الطبيعية والإنسانية ، حيث أصبحت البيئة تقدم‮ ‬النقيض‮ ‬الذي‮ ‬يزعزع‮ ‬السكون‮ ‬السكاني‮ ‬المكاني‮ .‬
وحين تبدو شروط التوزيع السكاني الحضاري غير متوفرة يستوي عندها التجمع والتشتت ويبقى الرهان ن في القرن الواحد والعشرين بالنسبة لليمن ، على مقومات المجتمعات البشرية الحديثة للقرون الخمسة الماضية في غيرها،على اعتبار أن العالم المتقدم ينتقل إلى مرحلة ما بعد الحداثة " المجتمع الإلكتروني" بينما نتلمس طريقنا بصعوبة بالغة للولوج إلى حداثة المجتمع الصناعي الأول بوسائل لا بد منها مثل سكة الحديد وشبكة الطرقات والتجمعات الصناعية والبنية التحتية الأساسية للخدمات كالماء والكهرباء والتلفون والنقل التقليدي والخدمات الأولية‮ ‬كالصحة‮ ‬والتعليم‮ ‬والاقتراب‮ ‬من‮ ‬البحر‮ ‬كمورد‮ ‬دائم‮ ‬للطاقة‮ ‬،‮ ‬وملئ‮ ‬فراغات‮ ‬الوديان‮ ‬الشرقية‮ ‬والسهل‮ ‬الساحلي‮ ‬التهامي‮.‬
ثقافة‮ ‬المركزية‮: ‬
وتبدو معضلة المركزية هي السبب الرئيسي في تشكيل مدن هامشية هي أقرب إلى شروط القرية المتخلفة ، وهي مركزية سياسية وإدارية وثقافية واقتصادية واجتماعية ، وليست تشريعية _باعتبار الخطوات الهامة التي أنجزت على طريق اللا مركزية (السلطة المحلية على سبيل المثال) وهي ليست مركزية إدارية بحتة بقدر ما هي عجز في انسياب القرار الإداري وتكريس لثقافة الاتصال المباشر، ذلك أن القصور الإداري هو الذي يجعل مواطن حضرموت مثلا يضطر للذهاب إلى صنعاء لإنجاز معاملة أو مراجعة أو منفعة لا تساوي عشر ما تلكفه تلك الرحلة من وقت وجهد وعطالة.
ونستعرض مثالا آخرا هو استمرار نمو إنشاء مصانع ومعامل في العاصمة صنعاء ، مع غياب أية مقومات بيئية وطبيعية للصناعة فيها حيث لا تتوفر لا على مياه ولا شبكة تصريف المياه ناهيك عن المقومات الأخرى،بينما يفترض أن الصناعيين أكثر الناس وعيا بأهمية توفر بيئة صناعية ومقومات‮ ‬طبيعية،‮ ‬لكن‮ ‬قربهم‮ ‬من‮ ‬مركز‮ ‬القرار‮ ‬المالي‮ ‬والإداري‮ ‬والسياسي‮ ‬وغياب‮ ‬الاستراتيجيات‮ ‬الرسمية‮ ‬هو‮ ‬الذي‮ ‬يجعلهم‮ ‬يتعاملون‮ ‬مع‮ ‬مصانعهم‮ ‬ومعاملهم‮ ‬وكأنها‮ ‬مراكز‮ ‬إدارية‮ ‬وسياسية‮. ‬
فبأي‮ ‬مبرر‮ ‬تتنامى‮ ‬تلك‮ ‬المصانع‮ ‬والمعامل‮ ‬في‮ ‬محيط‮ ‬فقير‮ ‬بيئيا‮ ‬كهذا‮. ‬إنه‮ ‬واقع‮ ‬لا‮ ‬يمت‮ ‬بصلة‮ ‬إلى‮ ‬أية‮ ‬رؤية‮ ‬استراتيجية‮.‬
ولعل تقديم العامل السياسي والأمني هو الذي يئد الرؤى الاستراتيجية ويجعل المركز السياسي يحيط ذاته بهوامش اقتصادية وصناعية ومالية وإدارية غير مشوهة . وهذا يعيدنا إلى مربع الأمن الذي سيطر على تاريخ الديموغرافيا اليمنية باعتباره عاملا حيويا في مسألة التوزيع السكاني .التفكير الاستراتيجي يجب أن يتخلص من تبعات الحسابات الحينية السياسية والأمنية ، حتى يصبح استراتيجيا في مضمونه، إذ يلاحظ أننا قتلنا هذا المصطلح _(مصطلح الإستراتيجية) في المرحلة الراهنة بسوء استخدامه وتجزئة المفهوم وتفتيته ،ولعل أول مصدر لا ستخدامه كان لغة‮ ‬الجهات‮ ‬المانحة‮ ‬وليس‮ ‬لغتنا‮ ‬،‮ ‬ذلك‮ ‬أن‮ ‬ثقافتنا‮ ‬اليومية‮ ‬أبعد‮ ‬ما‮ ‬تكون‮ ‬عن‮ ‬التفكير‮ ‬الاستراتيجي‮. ‬
فلماذا لا نفكر مثلا في خطورة توسع العاصمة صنعاء في محيط بيئي غير موات ولما ذا لا يكون التفكير في بدائل جريئة مثل نقل بعض المؤسسات الرسمية إلى مدن أخرى للتخفيف من المركزية ومن التوسع المشوه لصنعاء التاريخية وتجفيفا لثقافة المركزة لأن هذه الثقافة الإدارية،تشكل هجرة قسرية بسبب المركزية السياسية والإدارية التي تضطر الأفراد ذوي الحاجات والباحثين عن فرص عمل ،تضطرهم، إلى الهجرة أو النزوح القسري إلى صنعاء والمدن الرئيسية بما يفوق طاقة الاستيعاب وعلى حساب نمو مدن وتجمعات ثانوية تستحق التنمية .
وكل هذه الحيثيات لا تمنع أن يكون الطريق هو الطريق إلى مجتمعات جديدة، آخذين في الاعتبار الشرط الاجتماعي والثقافي المؤسس لنسيج التجمع البشري متضافرا مع الشرط الاقتصادي كرافعة أساسية للإستراتيجية المتحدث عنها.
‮- ‬فما‮ ‬ذا‮ ‬أعددنا‮ ‬للطريق‮ ‬؟‮ ‬
‮- ‬هل‮ ‬نحن‮ ‬جادون‮ ‬في‮ ‬بناء‮ ‬سكة‮ ‬الحديد‮ ‬الساحلية؟‮- ‬هل‮ ‬سنكون‮ ‬جادين‮ ‬في‮ ‬إلزام‮ ‬المصانع‮ ‬والمعامل‮ ‬بالانتقال‮ ‬من‮ ‬صنعاء‮ ‬إلى‮ ‬بيئات‮ ‬أكثر‮ ‬ملاء‮ ‬مة؟
‮- ‬هل‮ ‬لدينا‮ ‬العزيمة‮ ‬الكافية‮ ‬لتبني‮ ‬مجمعات‮ ‬صناعية‮ ‬كبيرة‮ ‬على‮ ‬الساحل‮ ‬تصبح‮ ‬محل‮ ‬جذب‮ ‬لتجمعات‮ ‬سكانية‮ ‬جديدة‮ ‬؟‮ ‬
‮- ‬وهل‮ ‬نستطيع‮ ‬نفسيا‮ ‬التخلص‮ ‬من‮ ‬ثقافة‮ ‬المرتفع‮ ‬؟‮ ‬لنصبح‮ ‬أقرب‮ ‬من‮ ‬أحواض‮ ‬المياه‮ ‬الجوفية‮ ‬ومياه‮ ‬البحر‮ ‬وإمكانية‮ ‬التخلص‮ ‬من‮ ‬النفايات‮ ‬وتوفير‮ ‬بيئة‮ ‬مثالية‮ ‬؟
‮- ‬وهل‮ ‬نتمكن‮ ‬من‮ ‬الحصول‮ ‬على‮ ‬تمويل‮ ‬لهذه‮ ‬الأولويات‮ ‬وتوجيه‮ ‬استثمارات‮ ‬كافية‮ ‬لها‮ ‬؟
تظل‮ ‬هذه‮ ‬أمنيات‮ ‬أكثر‮ ‬منها‮ ‬استراتيجيا‮ ‬حتى‮ ‬نمتلك‮ ‬العزم‮ ‬الكافي‮ ‬والموارد‮ ‬الكافية‮ ‬والإرادة‮ ‬الكافية؟‮ ‬والإدارة‮ ‬الكفؤة‮.‬
وعود‮ ‬على‮ ‬بدء‮ ‬يلح‮ ‬علينا‮ ‬السؤال‮: ‬هل‮ ‬أن‮ ‬التجمع‮ ‬السكاني‮ ‬في‮ ‬حد‮ ‬ذاته‮ ‬هو‮ ‬الرهان‮ ‬؟‮ ‬أم‮ ‬أنه‮ ‬التجمع‮ ‬النموذجي‮ ‬المرتبط‮ ‬بنمط‮ ‬الحياة‮ ‬والإنتاج‮ ‬العصري‮ ‬؟

تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 12:00 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-2055.htm