الميثاق نت - مراد القدسي - الميثاق نت

الإثنين, 11-أبريل-2011
مراد القدسي -
لا يختلف اثنان في أن الوضع الذي آلت إليه بلادنا اليمن لا يسر عدواً ولا صديقاً حيث يتجه يوماً بعد يوم إلى الأسوأ،وتبدو الأحداث بكل تفاصيلها مغايرة لما جرى في تونس ومصر وليس كما كان يعتقد البعض ويرغب في الوصول باليمن إلى بر الأمان بعيداً عن الاختلاف والصراع ودون إزهاق الأرواح.

مشاهد الأزمة اليمنية أخذت تنحو في اتجاه التعقيد والسير في طريق الصراع والفوضى نظراً لما يتوافر في الساحة السياسية من قوى ذات توجهات متباينة ومتناقضة فمنها من تستند إلى منطلقات مذهبية وطائفية ومناطقية وجميعها تعد نفسها قوى مؤثرة في المجتمع اليمني ولو في حدود مساحات تواجدها وتواجد مناصريها .. ومنها قوى حزبية معترف بها في الخريطة السياسية اليمنية ومنها من لم تزل تعمل في الظلام.

من المعلوم ان التحالفات السياسية التي شهدتها المنظومة السياسية الحزبية اليمنية كانت في مجملها تقوم على المصلحة الضيقة أكثر من المصلحة الوطنية ولذا فقد كانت ارتباطات مرحلية ذات أهداف وغايات منفردة ومتقاطعة مع حلفاء اليوم،فقط تنتظر من هذا التحالف الفرصة لتحقيق مآربها وبأي كيفية كانت ولو على حساب الوطن أو ضد طرف يعد اليوم من الحلفاء الرئيسيين لها، وهو ما جعل من الأزمات السياسية تتوالى دون أن تشهد انفراجاً حقيقاً ، بل ازداد الوضع السياسي تأزما مع ظهور قوى متباينة ومتقاطعة بأهدافها أيديولوجياً ووطنياً وهو مايجعل من الأزمة الحالية تنذر بعواصف لن تهدأ ولو بعد تحقيق ما يسمى (إسقاط النظام) فهناك قوى انفصالية تتربص لإسقاط النظام ليتاح لها تنفيذ مشروعها الاستراتيجي المتمثل بفك الارتباط بين الشمال والجنوب وهو ما أكده البيض مؤخراً حين دعا علنا إلى فك الارتباط بين الجنوب والشمال.

وفي الجهة الشمالية حركة الحوثيين وهذه الحركة لها مناصرون وحلفاء من جهات خارجية وكذا من داخل النظام نفسه، وهي كما يعلم الجميع تسعى لفرض هيمنتها كقوة طائفية مذهبية في جزء من المحافظات الشمالية وقد بانت مواقف بعض الدول في دعمها لهذه الحركة ولم يعد ذلك خافياً على احد. فيما ينتظر تنظيم القاعدة هو الآخر سقوط النظام ليعلن عن إمارته الإسلامية في بعض محافظات الجنوب وهو ما أكدته تحركات خلايا التنظيم التخريبية مستغلة الفلتان الأمني والفوضى التي تعيشها اغلب محافظات الجنوب .

كثير من المحللين السياسيين والاقتصاديين أعادوا هذه الأزمة المصاحبة لحالة الانهيار السياسي والاقتصادي إلى أسباب عدة أبرزها في الجانب السياسي غياب الرؤى العقلانية لأحزاب اللقاء المشترك التي لم تقدم شيئاً لإنهاء الأزمة والعودة إلى الحوار مع الحزب الحاكم، بل وجدت ضآلتها في مطالب الشباب وركبت بكل حماس موجة تلك المطالب التي كانت في بدايتها مجرد عناوين مطلبية شرعية بل وشعبية أرادت إنهاء حالة الفساد وتوفير فرص عيش جديدة للعاطلين عن العمل وتوظيف الخريجين وكلها مطالب شرعية.. وحيال تلك المطالب بدأت الدولة تتجه بقوة ونوايا طيبة نحو تحقيقها، إلاّ أن اللقاء المشترك استطاع أن يعيد صياغة تلك الحقوق واختزالها في مطلب واحد لم يكن في حسبان الشباب وهو العمل بكل وسائل الفوضى والعصيان المدني من اجل تحقيق الهدف الاستراتيجي للمشترك - وليس الشباب- هذا الهدف المشخصن هو رحيل النظام رحيلاً منتقصاً وليس سلمياً ولذا نجد تلك الأحزاب تدفع بالأزمة إلى ما أرادت هي وليس إلى ما أراد الشباب والشعب اليمني .

وقد بات الواقع بمفرداته اليومية في ساحات المعتصمين يؤكد - بما لا يدع مجالاً للشك- فرض اللقاء المشترك نفسه مجريات تلك الساحات وبخاصة من الإخوان المسلمين ( التجمع اليمني للإصلاح ) المنضوي في تحالف المشترك والأغرب من ذلك أن هذه الحركة صارت المتسيدة على مكونات هذا التحالف كما هي اليوم متسيدة ومسيطرة في ساحات الاعتصام على كل هؤلاء الشباب الذين لم يكن لهم أي أجندات سياسية تحاكي أو حتى تقترب من أحزاب اللقاء المشترك وبخاصة حركة التجمع اليمني للإصلاح ، وهي الحركة التي غيرت مواقفها من السلطة والمكونات السياسية الأخرى في البلد منذ نشأتها عقب تحقيق الوحدة اليمنية في عام 1990م فكانت تارة في صف السلطة وترى فيها الشرعية الإسلامية والديمقراطية، وتارة في صف الشريك ، وأخرى في إطار فك الارتباط ، وهذا التحول من التحالف إلى الشراكة وإلى التنافس ثم إلى صف المعارضة يؤكد حقيقة التناقض الفكري والسياسي وحتى الشرعي للمكون التنظيمي والأيديولوجي لمواقف ورؤى التجمع اليمني للإصلاح غير الثابتة، ويرى المحللون السياسيون أنها ناتجة عن التزام هذا الحزب بأدبيات غير منهجية أو ثابتة وغير متصلة بالواقع اليمني ومتطلبات تطوره وفقاً لآليات سياسية فاعلة وقريبة من الشعب بل عملت هذه الجماعة على اتجاه واحد دون سواه يتمثل بتنمية أدبيات الهيمنة الفكرية في كل مستويات التنظيم وهي أدبيات لم تعد مجدية في ظل المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية فهي لم تستطع أن تستوعب تلك المتغيرات وان كانت تحاول الظهور بملابس المجتمع المدني إلا إنها سريعا ما تكشف عن حقيقة امتعاضها وبعدها عن ذلك المجتمع .

حقيقة لم يعد التضارب الفكري والسياسي في مواقف هذه الحركة مقنعاً لغالبية المواطنين بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية والثقافية، خاصة بعد أن جربها الشعب في عام 2006م عندما حصلت على بعض الحقائب الوزارية وحولت هذه الحقائب إلى حقائب شخصية وثكنات لمناصريها ولم تتعد ذلك.

اليوم حركة التجمع اليمني للإصلاح وهي ترى رياح التغيير تهب على المنطقة ذهبت بكل قوتها لاغتنام الفرصة وركوب موجة الشباب بل وتعدت في سيطرتها على هذه الساحات إلى إقصاء أولئك الشباب وصارت هي (الكل في الكل) هي: المتحدث الرسمي عنهم والمنظمة لهم والمخططة لاماكن تحركاتهم والمعاقبة لمن يخرج عن أوامرها وهي الصوت الذي لا يعلو صوت عليه فنجدها تغرق ساحات الاعتصام بالبيانات المحرضة للفتنة والفوضى، ولم يبق لدى الشباب المعتصمون غير النفور من عناصر التجمع اليمني للإصلاح بعد أن نفد الاشمئزاز من تواجدهم فيما البعض منهم صابر على تصرفات عناصر الإصلاح وكأن جبلاً فوق رؤوسهم - كما اخبرني احد الشباب - مضيفاً في قوله: مواقف هذه الجماعة أثرت سلباً على الأهداف التي كنا نسعى إلى تحقيقها .

في حين أن حركة أو تنظيم الإخوان المسلمين - التجمع اليمني للإصلاح- وهي تقتنص هذه الفرصة لعلها تحقق بعضاً من أحلامها في الوصول إلى السلطة ، نجد ان هذا التواجد في هذه الساحات مكن الشباب من الاقتراب كثيراً من المنهجية الأدائية والفكرية للتجمع اليمني للإصلاح وهو ما دفعهم إلى الشعور يقيناً أن هذه الحركة لا تمتلك الرؤى العصرية سياسياً واقتصادياً التي تمكنها من قيادة ولو مجاميع قليلة من الأفراد في المستقبل، لأنها كما يخبرنا الواقع حركة تفردت بكثير من التناقضات خلال مسيرة نشأتها ، ومن ذلك تواجدها ضمن ائتلاف اللقاء المشترك ومكوناته اليسارية والتقدمية والثورية المتناقضة والمتعارضة مع حركة الإخوان المسلمين ،ولا يخفى على احد أن بقية أحزاب اللقاء المشترك باتت تضيق ذرعاَ المواقف قيادات “الإخوان المسلمين” الذين استطاعوا أن يقضوا على أدبيات الحزب الاشتراكي والناصري وبقية الأحزاب المنضوية في هذا الائتلاف ليتم تحويلها من أدبيات قائمة على المجتمع المدني إلى مجتمع مشيخات ووجاهات قبلية، وقد بات “الشيخ “هو الصوت والموقف المعبر عن هذه الأحزاب وتوجهاتها مما جعل من قواعد تلك الأحزاب إلى جانب القيادات الوسطية وحتى العليا تضيق ذرعاً بسياسات ومواقف الحركة ولولا أن الوضع السياسي القائم يستدعي الصبر والتأني من قبل بقية أحزاب المشترك للإبقاء على التحالف مع الإخوان المسلمين لكانوا قد أسرعوا إلى فك الارتباط معها ،وهي الأخرى تنتظر الفرصة لتعود مرة أخرى إلى خندق المؤامرة والصراع مع حلفاء اليوم كما عملت مع حلفاء الأمس ولن يكون مستغرباً إن أصدرت ضدهم فتاوى التكفير ، والأيام القادمة ستثبت ما ذهبنا إليه.

المشهد اليمني مع مرور الأيام يزداد تعقيداً وأطراف الصراع يتحركون دون وعي وإدراك بمخاطر هذه المرحلة وتداعياتها على مستقبل اليمن ومستقبل شبابه الذين باتوا دون إرادتهم هم الضحايا والمغلوب عليهم عندما اختلطت عليهم الأوراق وبرزت على السطح أهداف غوغائية وعوامل قوة لهذا الطرف أو ذاك فيما الواقع بتفاصيل أحداثه يؤكد حقيقة وجود مخطط انقلابي استفاد من أحداث تونس ومصر يستهدف أولاً إضعاف النظام اليمني واستنزافه عبر إشعال الحرائق في أكثر من مكان حتى تصل الدولة اليمنية إلى مرحلة متأخرة من الوهن والضعف وهو ما أكدته تلك المساعي الشيطانية بشق المؤسسة العسكرية - وهي الأخطر حتى اليوم- عبر زرع الخلافات والفتن بين القيادة السياسية والعسكرية.

من هنا ومن واجب المسؤولية الوطنية والإنسانية علينا إدراك الواقع بحيادية وسنجد حتماً أن ما يجري لا يخرج عن المؤامرة على الوطن..نعم مؤامرة خطيرة جداً وعلى الشباب أن ينتبهوا إليها قبل فوات الأوان وان لا ينجروا وراء أطروحات بعض القوى والعناصر المتناقضة والمختلفة فيما بينها ، جميعها حالمة بالسلطة والاستحواذ على ثروات ومقدرات الوطن وتوظيفها لمصالحهم الشخصية، فهؤلاء لم يكن لهم في يوم من الأيام أي أطروحة أو حتى خطة أو مجرد مقترح لحل مشكلة ما لأنه ليس لهم أي أجندة وطنية تعود بالنفع والخير على الوطن والمواطنين على حدٍ سواء.

ويبقى الطريق الذي نريده وصولاً للتغيير هو الطريق السلمي بعيداً عن الفوضى والتخريب وقذف الآخر بألفاظ وشتائم لم تكن موجودة في قاموس ثقافتنا وتهيئ لمستقبل ضبابي كل يسعى فيه إلى إقصاء الآخر ، كما نريد أن يكون الأشقاء والأصدقاء حريصين على ما يعزز من وحدة اليمن وأمنه واستقراره وتطوره، ولا نريد استغلال الأحداث والمتاجرة بها خدمة لأجندة قوى تآمرية تسعى لتدمير اليمن والقضاء على وحدته ومنجزاته.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:35 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-20706.htm