الأربعاء, 13-أبريل-2011
الميثاق نت - د. طارق المنصوب د. طارق المنصوب -

«الشقيقة»، قد تكون بمعنى الأخت الصغرى التي تستحق الاحترام والرعاية والتقدير، أو تكون بمعنى الصداع المزمن الذي يلازم بعض الناس طيلة حياتهم لدرجة تجبرهم على تعاطي العقاقير والأدوية للتخفيف منها، أو ربما الشقية، التي تحتاج إلى التأديب أو العقاب. ولكل قارئ أن يختار من تلك المعاني ما يتناسب مع فهمه لما ورد في هذه التناولة، ومع ما يعتقده يعبر عن حقيقة الموقف القطري من الأزمة اليمنية.
لقد نجحت دويلة قطر «الشقيقة» في تحريك الأحداث في دول عربية عدة، وتدخلت في كثير من الأحداث فيها بصفتها وسيطاً أو - كما يفترض فيها - طرفاً محايداً، وقد نجحت إلى حين في إخفاء حقيقة تنامي طموحاتها ورغباتها في دس أنفها في جميع قضايا المنطقة، ولعب دور دبلوماسي في المنطقة أكبر مما يؤهلها حجمها الديمو - جغرافي. يساعدها في ذلك أموال النفط والغاز التي فاضت عن ميزانيتها خلال السنوات الماضية، وتطور علاقاتها بأطراف غير عربية.
لكن، يبدو أنها تخلت مؤخراً عن دبلوماسيتها؛ حيث كشرت عن أنيابها ودفعت كثير من تلك الأحداث إلى غاياتها النهائية، ولعبت دوراً لن ينسى في تنفيذ كثير من الأجندات الغربية في المنطقة. فقد قادت الوساطة بين أطراف النزاع المسلح في السودان، ولم يهدأ لها بال حتى نجحت في دفع تلك الأطراف إلى تفتيت الوحدة الوطنية للسودان الشقيق. ولا أحد ينكر دورها في قيادة الأحداث في جمهورية مصر، ولم يسكت بوقها الإعلامي (الشريرة) أو يهدأ حتى تم إعلان تنحي الرئيس مبارك عن الرئاسة، كما شاركت في دعم الأعمال الحربية ضد ليبيا، وتولت دون غيرها تسويق النفط الليبي لدعم مايسمى «المجلس الانتقالي الليبي»، ولن تكل أو تمل حتى تنجح في مساعيها بإسقاط النظام السياسي الليبي.
وليتها فعلت ذلك لأسباب لها علاقة بنوايا طيبة هدفها دعم الثورات العربية الشبابية ومطالبها في الإصلاح والتغيير السياسي، لكنا أول من يرحب بذلك الدور المطلوب من جميع الأنظمة العربية. لكننا نؤكد أن العملية تمت في إطار عملية الانتقام، والانتقاء. ناهيك عن أنها أتت في إطار التدخل المباشر وغير المقبول في الشئون الداخلية للدول والأقطار العربية.
وفعلت نفس الشيء في اليمن، فقد كانت الدولة العربية والخليجية الوحيدة التي عبرت عن موقفٍ نشازٍ من الأحداث التي شهدها المجتمع اليمني، وسبق لها أن لعبت دور الوسيط بين الأطراف اليمنية في حروب صعدة، ولكنها لم تكن تتدخل إلا في اللحظات التي كانت تشهد تقدماً ملحوظاً لقواتنا المسلحة على قوات التمرد الحوثي. والأمور هذه كانت مدعاة للتساؤل والنظر في أسباب التدخل المباشر والمتكرر لهذه الدويلة في الشئون الداخلية للدولة اليمنية.
لقد خطر لي منذ فترة ليست بالقصيرة أن أقوم بتصفح عدد من الوثائق السرية الأمريكية المعروفة باسم (وثائق ويكيليكس)، لعلي أجد إجابة شافية للتساؤل السابق. وكانت المفاجأة، عدداً كبيراً من المقالات والوثائق التي تربط بعض الأطراف العربية والوطنية (وتحديداً دولة قطر، وشبكة الجزيرة) بتلك الأحداث برباط وثيق يصعب إنكاره أو إخفاؤه في ظل ثورة الإنفوميديا وسرعة انتشار المعلومات عبر شبكة الانترنت.
تنسيق اسرائيلي
وتذكر بعض تلك الوثائق (خمس وثائق كاملة، ويقال أن قطر دفعت مبالغ كبيرة لشراء تلك الوثائق، واستطاعت فعلاً إخفاء معالم إحداها) تفاصيل دقيقة لكل ما دار خلال عدد من اللقاءات المتكررة التي جمعت مسئولين من تلك الأطراف مع بعض المسئولين الرسميين من قادة إسرائيل والدبلوماسيين الأمريكان، وشبكة النت وحدها شاهد عيان على كثير من تلك اللقاءات السرية والمعلنة التي تمت بين تلك الأطراف. وقد جرى تسريبها ونشرها عبر صحف الواشنطن بوست الأمريكية، والغارديان البريطانية، قبل فترة من الوقت، وحتى قبل تحرك الأحداث في بعض مجتمعاتنا العربية، عن دور قطر و«الجزيرة» في أحداث الفتنة.
ما فاجأني هو الطريقة التي جرى بها تسريب تلك الوثائق، وكميتها، بكيفية تشي بوجود نية واضحة ومتعمدة لكشف المستور، وفضح المخبأ عن علاقات كثير من قادة الدول العربية بأمريكا وإسرائيل، تمهيداً لصناعة حدث أو أحداث خطير، أو ربما من أجل تهيئة الشعوب العربية لتقبل بعض التغييرات في الخارطة السياسية والاجتماعية والجغرافية للمنطقة، تمهيداً لتشكيل «الشرق الأوسط الجديد».
هذا المصطلح القديم / الجديد الذي بشرت به الدبلوماسية الأمريكية منذ زمن ليس ببعيد، ورفضته كثير من القوى السياسية العربية الحية على طول الساحة العربية وعرضها، لأسباب عدة أبرزها أنه يؤسس لإعادة رسم خارطة المنطقة وتقسيمها بأيدٍ محلية ومعونة عربية وأمريكية وغربية مباشرة إلى مجموعة من الدول الفسيفساء الصغيرة، تتحكم فيها «الشقيقة الكبرى» «إسرائيل»، وتشترك معها مجموعة من دول الجوار الجغرافي «تركيا، وإيران، وإثيوبيا». وهو الأمر الذي يتيح ظهور بعض الدول العربية الصغيرة (بحجم قطر) الطامحة في لعب دور دبلوماسي كبير، ومنافسة جميع الدول العربية الكبرى في قيادة العمل العربي.

قراءة سطحية
لم يدفعني لذلك دافع شخصي، بل جرى في إطار محاولة بحثية جادة وحثيثة لمعرفة الأطراف التي تقف وراء ما يجري من أحداث في كثير من مجتمعاتنا؛ لأن كل ذي فطرة سليمة لا يمكنه أن يصدق أن الصدفة وحدها يمكن أن تقف وراء تسارع جميع الأحداث التي شهدتها مجتمعاتنا، ولا التقليد، أيضاً - كما يحلو لبعض المحللين أو المتحدثين غير المتخصصين عبر شاشات التلفزة ووسائل الإعلام المختلفة- يمكن أن يكون محركاً لكل ما جرى، لأن في ذلك تبسيطاً شديداً لحقيقة المسألة، وهي أخطر من ذلك بكثير، وأعقد مما نظن بكثير، مما لا يترك لطرف واحدٍ بمفرده فرصة أن يقود إلى انفراجة، أو حل جميع طلاسمه وألغازه.
إن ما يجري في كل مجتمع عربي مختلف من أوجه عدة عن الحدث أو الأحداث التي شهدتها مجتمعات عربية أخرى، وإن بدت بعض ملامحها متشابهة. كما أن بعض محركات الأحداث في كل مجتمع اختلفت بشكل لافت للنظر من مجتمع إلى آخر، وإن اشتركت في بعضها (مثل: الظلم، والتسلط، والحرمان، والإقصاء السياسي، والتهميش، وضعف المشاركة السياسية، وكبت الحريات الثقافية والسياسية، والبطالة، والفساد، وتزييف نتائج الانتخابات، ... وغيرها) مما شكل قاسماً مشتركاً بين أغلب الثورات العربية.
كما اختلفت بعض الأطراف التي ساهمت في تحريكها، وتباينت نواياها الحقيقية، وإن كان ما يجمعها هو العداء للنظام السياسي، والرغبة الشديدة في الانتقام منه، والهوس الشديد بالوصول إلى سدة الحكم بعد أن تعذر عليها تحقيق ذلك بالوسائط السلمية والديمقراطية.
باستثناء عنصر الشباب الذي كان القاسم المشترك في جميع الأحداث، ولدوافع وأسباب مختلفة من مجتمع عربي إلى آخر، مما يجعلهم العنصر الأكثر أهمية، والأشد تأثيراً في حركة الأحداث، وتسلسل جريانها، خاصة إن تمسكوا بسلمية وعدالة مطالبهم، ولم يسمحوا لبعض الأطراف أن تجرهم إلى معارك وصدامات عنيفة مع السلطة وباقي أفراد الشعب تخرج ثورتهم عن دائرة التصحيح والتغيير السلمي لكثير من المفاهيم والممارسات السياسية الخاطئة، وبما يكفل الانتقال الآمن والسلمي للسلطة.
في الأخير أدعو القراء الأعزاء، وشبابنا الأحرار لتأمل الدور الذي قامت به قناة «الجزيرة»، ودولة قطر، وفضيلة الشيخ القرضاوي، وأمثاله في تحريك وتحريض الأحداث في مجتمعاتنا، والبحث عن النوايا الخفية لتلك الأطراف، وهل تستحق فعلاً لقب «الشقيقة»؟!.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:23 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-20726.htm