د.علوي عبدالله طاهر - يقتضي قانون الحياة أن تكون هناك علاقات بين الفرد وغيره، وأهم هذه العلاقات هي العلاقة بين الإنسان وربه، وبينه وبين الناس، وهذه العلاقات تقوم على أساس التزامات كل طرف نحو الآخر، وهي باعتبار أدائها للغير تسمى حقوقاً، وباعتبار استحقاقها لدى الغير تسمى حقوقاً.. والحقول والواجبات متلازمان، يتوقف أحدهما على الآخر، وذلك في معظم الحالات، وبصورة متفاوته والناس بالنسبة للحقوق والواجبات صنفان:
- صنف يركز اهتمامه على الحقوق، فهو يطالب بحقوقه ويشغل أكثر أوقاته في الفتن للحصول عليها، متجاهلاً النظام الاجتماعي القائم على تبادل الالتزامات والمنافع.
- وصنف آخر يركز على الواجبات، فهو يؤدي واجباته كأمر ملزم به، فهو يقوم بواجباته تبرئة لذمته، أما ما يقابلها من حقوق فهو إما مترقب لها، أو غافل عنها، وهو في كلتا الحالتين من ذوي القدر والمكانة الرفيعة، أو هكذا يجب أن يكون حاله في مجتمعه.
ومما لاشك فيه أن الصنف الأول الذي يركز اهتمامه على الحقوق فقط هو صنف شقي، بل هو عامل قلق وفتنة في المجتمع، أما الصنف الثاني الذي يركز على الواجبات هو صنف سعيد، لأنه قد أراح ضميره، وسعد بأداء واجباته، فهو يشعر أن حقه لن يضيع، لأن الله لايضيع أجر من أحسن عملاً، فيكون حينئذ على يقين أن مكافأة قيمة تنتظره.
ويقتضي قانون العدل الإلهي بحرمان الإنسان من حقه لدى ربه إذا لم يؤد الواجب الذي عليه، فإن أعطاه الله فهو ابتلاء وامتحان، والتسوية بين المجدين والمقصرين خروج على منطق التعامل، ويتناقض مع قانون العدالة الإلهية، والله تعالى يقول: »أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض، أم نجعل المتقين كالفجار«.
ومعاملات الناس مع بعضهم بمقتضى العدالة الإلهية تستوجب ان يوجد نوع من التوازن بين الحقوق والواجبات، فكل حق لابد له من واجب، والسعي إلى الحق بدون أداء الواجب يعتبر نوعاً من الطمع، لأن الحق مقترن بالواجب، وبمقتضى ذلك فإن أي إنسان يطلب حقاً لابد له أولاً أن يؤدي ما عليه من واجب، فإن لم يؤد الواجب الذي عليه فلا حق له.
ومما يؤسف له أن بعض الناس في مجتمعنا يطالبون لأنفسهم بالحقوق قبل أن يؤدوا ما عليهم من واجبات، لذلك لاغرابة ان ينال بعض الناس حقوقاً ليست لهم، وإنما هي لغيرهم ممن أدوا ما عليهم من واجبات.. وفي الوقت نفسه هناك أشخاص يحرمون من حقوقهم بالرغم من أنهم أدوا واجباتهم كاملة غير منقوصة.
وربما تقتضي ظروف الحياة ان يؤدي الإنسان واجبه أولاً فإن حصل على حقه كان بها، وإن جاز له ان به بالحسنى واللين فذلك أمر مستحب، وفي كثير من الحالات قد يجد المرء نفسه مضطراً للتنازل عن حقه إما طوعاً أو كرهاً، غير انه لايعفى أبداً من أداء واجباته بصرف النظر عن الاستحقاقات المقابلة لها، لذلك ليس من المنطقي ان يطالب الإنسان بحق دون ان يؤدي الواجب الذي عليه في مقابل ذلك.. وفي الوقت نفسه لايجوز أن يحرم الإنسان المخلص الذي أدى واجباته على أكمل صورة وأحسنها، ويساوى في الاستحقاقات مع الخاملين والمهملين والكسالى والمقصرين، لأن في ذلك هضم لحقوقه وسرقة لجهوده.
وعليه، فإن كثيراً من العاملين أو الموظفين في كثير من المؤسسات، وكذا بعض أساتذة الجامعات قد بذلوا كل ما في وسعهم لأداء واجباتهم في خدمة المجتمع طوال سنوات خدماتهم وتحملوا كل مشاق العمل في أحلك الظروف وأصعبها، إلى أن حان موعد تقاعدهم فتمت إحالتهم إلى المعاش، بموجب القوانين النافذة، باعتبار ذلك حقاً من حقوقهم، غير ان ما يؤسف له ان عملية الإحالة إلى المعاش في الواقع لم تراع حقوق المتقاعد التي تكفلها القوانين النافذة، كما لم تراع ظروفه وحالاته وقدراته وطبيعة عمله، فهي تنظر إلى المتقاعد باعتباره شخصاً استوفى سنوات خدمته، أو انه قد تجاوز الستين عاماً من عمره، بصرف النظر عن قدراته وحاجة العمل إليه من عدمه، ومن أمثلة ذلك ما جرى مع النخبة من أساتذة الجامعات اليمنية الذين أحيلوا إلى المعاش بدعوى تطبيق القانون، من دون النظر إلى قدراتهم وكفاءاتهم العلمية وحاجة الجامعات إليهم، ومدى ما سيتركونه من فراغ عند تركهم الجامعات، وصعوبة تعويض كلياتهم بالبدائل الكفؤة التي تحتاجها، فوجدت نفسها مضطرة لمد خدمات بعضهم من دون أية استحقاقات، في حين كان ينبغي استكمال إجراءات التقاعد وفقاً للقانون، ثم التعاقد مع الأساتذة ا لذين تقتضي الحاجة بقاؤهم.
وإذا كان من حق الأستاذ الجامعي ان يتقاعد، فيقتضي الواجب ان يكون تقاعده مشرفاً، واعطاؤه كامل الحقوق المكتسبة، بل وتكريمه التكريم اللائق به، والتكريم المطلوب ليس مادياً فحسب، بل معنوياً كذلك، ويندرج في إطار التكريم توظيف أبناء الأساتذة المتقاعدين في المرافق التابعة للجامعة، وفقاً لتخصصاتهم وإمكانياتهم باعتبار ذلك حقاً من حقوقهم، وهوما تفعله المؤسسات والمرافق المختلفة التي تقوم بتوظيف بعض أبناء المتقاعدين من العاملين فيها، كنوع من الوفاء لآبائهم الذين أمضوا معظم سنوات أعمارهم في خدمتها، فهؤلاء المتقاعدون مثلما أدوا واجباتهم فإن لهم حقوقاً يجب أن ينالوها، حتى يتحقق التوازن بين الحق والواجب.
|