يحيى علي نوري -
المتابع لكل الآراء والمواقف ذات العلاقة بقضايا الشأن الوطني والتي يتم تدوينها من قبل الجمهور المستخدم لخدمة التواصل الاجتماعية عبر صفحات «الفيس بوك» سيلاحظ بجلاء أن معظم ما يدون عبر هذه الخدمة يتسم بحالة فظيعة من التعصب الأعمى والتشدد في عرض الأفكار والترويج لها حد الإسفاف، ما يجعل الحوار المسؤول عبر هذه الصفحات من المستحيلات، نظراً للتزايد المريع في أعداد المتعصبين لآرائهم من الذين لا يرون أفقاً إلا وفق تصوراتهم وأجندتهم الخاصة.
وحقيقةً.. إن تحول صفحات هذه الخدمة الى متارس للرأي الأوحد أمر يبعث على الحزن والأسى كون المتضرر الأكبر من ممارسات كهذه هو الوطن وقضاياه الاستراتيجية ومتطلبات استكمال بناء مشروعه الحضاري.. كما أن مستخدمي خدمة «الفيس بوك» حتماً سيكونون أكثر تضرراً مما سلكوه من نهج يكرس فكرة الانغلاق أمام الآخر ومن ثم يباعد بينهم بصورة تجعلهم في جزر معزولة بالرغم من أن كونهم جميعاً في إطار خدمة اجتماعية تحتم عليهم الاستغلال الأمثل لها من خلال تحقيق المزيد من التواصل المثمر القائم على إعلان الآراء والمواقف بما يتيح للآخر المشاركة الفاعلة في اشباعها بالآراء والتصورات وتقبُّل كل ذلك بروح وصدر رحب دون رفض وشطح ونطح في مواجهتها، كما يلاحظ حالياً من قبل كثيرين وصل بهم الأمر- للاسف الشديد- الى تحويل صفحاتهم مساحات لشتم الآخر وبصورة تبعث على التقزز.. ومع استمرار ظاهرة كهذه بتأثيراتها وتداعياتها السلبية غير العادية على الجميع دون استثناء، فإن الآمال مازالت عريضة أن تتسع مساحة الآراء والمواقف البنَّاءة والقادرة على إحداث التفاعل الايجابي والمستمر معها من خلال إشاعة ثقافة الحوار المسؤول عبر هذه الخدمة الاجتماعية وجعلها تصب في بوتقة واحدة هي المصلحة الوطنية العليا وبما يعزز من مشاركة الجميع والاسهام في عملية البناء الوطني بعيداً عن المزايدة والمناكفة السياسية، وأن نجد هذه الصفحات الالكترونية متجردة تماماً من كل أساليب ووسائل الاحزاب العقيمة وخاصة على صعيد الخطاب السياسي والاعلامي لها وهو الخطاب المأزوم الذي طالما شكل مشاهد سوداوية للواقع اليمني على عكس ما يعيشه الوطن من معطيات وتحولات..
وهو واقع نأمل أن لا نجده يستأثر على صفحات «الفيس بوك» من خلال التأثير الحزبي على الشباب وجرهم الى مستنقع مناكفات ومزايدات.
إن على الشباب اليمني مستخدمي «الفيس بوك» أن يرفضوا بقوة أي تأثيرات حزبية على أدائهم عبر هذه الخدمة الاجتماعية وان يحرصوا على تقديم الانموذج الحضاري والديمقراطي الرائع من خلال مساهمات فاعلة لهم عبرها وبما يجبر الاحزاب والتنظيمات السياسية على احترام كل ما يطرحونه من آراء وأفكار ويروجون له من مواقف تستند بقوة لمثل وقيم الدستور والديمقراطية والإفادة من كل ذلك وبما يحقق ارتقاء حقيقياً في تناول قضايا الشأن اليمني الذي مازال ينتظر من شباب الوطن هذه المهمة والمسؤولية الوطنية العظيمة.