أحمد مهدي سالم - مفارقات عجيبة تكشف غياب الحجة الدامغة، والتوازن العقلي والانتماء الوطني، وحضور الهاجس العدائي، والاضطراب النفسي والنزوع التخريبي، فإذا حصل شيء من التراخي الأمني وظهرت أعمال فوضوية لا يسكتون عن مثلها حتى في موئل قبلتهم الديمقراطية أمريكا.. وغاب الأمن، تزايد المحتجون وعتاولة المشترك غير المؤتلف: أين النظام وأين القانون؟؟ السلطة راحت فين؟ وعندما يحضر الأمن لفرض هيبة الدولة، وإنفاذ سلطة القانون وإنصاف المواطنين.. يصرخون: هذا إرهاب، هذه أعمال إجرامية، ويزيد المزايدون بالمزايدة حبتين.. بالجهر العلني ومحاولة رفع حسم الأمن لمظاهر شغب وتعطيل مصالح المواطنين وتدمير المصالح العامة إلى مصاف النكوص عن الديمقراطية وارتكاب القتل المجاني وجرائم الإبادة، يا الله من تصعيد!! أليس ذلك تناقضاً غريباً؟!
يغلقون الجامعات، ويوصدون أبواب الكليات، ويوقفون المدارس عن أداء رسالتها التربوية والتعليمية ويصيحون: أين التعليم؟ لماذا السكوت عن هذه الجرائم؟! السلطة تمارس الجهل والتجهيل لأبنائنا؟!
ما شاء الله مهاراتهم في المصطلحات اللئيمة لا تُبارَى، وإذا حصل أن مدرسة أو مدرستين نظمت الدراسة أرغموها على التوقف عنوة، بالتهديد وبالسحب للمدير أو المديرة أمام الطلبة والطالبات والمعلمين والمعلمات حتى يمتثل الجميع لأفكار الخراب، ودعوات السراب، وصرخات الأرض اليباب.. يفرضون التعطيل التعليمي و الإداري بمنتهى العنجهية، وهم مستعدون لإراقة الدماء في سبيل تركيع شرائح هذا الجيل بقوة «الصميل» ويتبارون- من خلال أبواقهم الغرابية- إلى تحميل السلطة وتحديداً الرئيس وحزبه المؤتمر الشعبي العام مسئولية حماقاتهم بإيقاف التعليم.. أليس هذا تناقضاً؟!
يوقفون امدادات البترول والغاز من مأرب بقوة الشيطنة القبلية، وإرهاب الفكر التدميري، وتخرصات الأعمال الإرهابية خالقين أزمات خانقة وحادة في العاصمة صنعاء وبقية المحافظات، وإذلال المواطنين واثقال كواهلهم المحدبة أصلاً بما لا يستطيعون، وتهرب الدولة برزانة الحكيم لا بجبن الأرنب تجنباً للاصطدام وإراقة دماء لتستورد المنتج المحلي «البترول والغاز» من الخارج بأسعار باهظة لتغطي متطلبات السوق المحلية، وآخر تصريح قرأته «الاستيراد يكلف أو يكعف- لا فرق- الدولة أكثر من ملياري ريال أو دولار لا أذكر الرقم بالضبط ولكن أعرف أنه موجع ويضرب الاقتصاد يومياً..
شيء غريب وتناقض عجيب.. والسؤال لماذا مكائد هذا الفريق تعذب المواطن، وتحمله ما لا يطيق، وهو الذي صدره يضيق يومياً بمكابدة أعباء المعيشة في الظروف العادية فما بالكم وقد زادوا فوق المواجع مواجع؟! ثم يدَّعون- بكل صلف وبجاحة- أنهم يمثلون هذا المواطن ويسعون إلى التخفيف من معاناته، وتحسين مستواه المعيشي.. هذا واضح من الآن يا خبرة!! ضحكتم على الشباب ثم على المواطنين، وفقهاء الكذب وفلاسفة الدجل الإعلامي لا يضيعون تسويق هذه الفرصة، والتباكي المقرف على أنين هم السبب في صنعه.. تجدهم يصرخون: السلطة دهورت اقتصاد البلد وغيرها من عبارات الأباطيل والترهات التي لا يصدقها إلاّ الأغبياء، وأزعم أن كثيراً من الأغبياء عقلوا وعرفوا، والفضل يعود لله ثم لهم، وليس لحكمة وصبر الرئىس.. على طريقة يخدمني الحقود، وهو لا يعلم..
يساعدون المخربين ويغررون بالشباب ويشجعون الخارجين على القانون على إسقاط المناطق أو المديريات أو المحافظات من خلال نشر التلفيقات واخفاء الحقائق، والتمهيد ثم المسايرة «المواكبة» بثقافة تبرير الأعمال الإجرامية ويخرجون، كالعادة، مولولين شاكين باكين محرضين وصائحين: أن النظام ساعد هذه الجماعات، وسلمها المرافق العامة والمعسكرات، في تنظير سخيف أجوف، وتحليل سمج تافه، وقراءات حاقدة هدامة تجرح الأنفس اللوَّامة، ويرحبون بالتدخل الخارجي والاستعمار الأجنبي عيني عينك.. أين الوطنية والشرف والكرامة، وعندما تشمر الدولة عن مظاهر الحزم والجد- انطلاقاً من واجباتها الدستورية- لاستعادة السيطرة على ما تم احتلاله هنا أو هناك يتقافزون من كل الثقوب كالفئران صائحين أو مستغيثين: هذا إرهاب أو لعبة مكشوفة، رغم أن الآلاف من الأسر قد نزحوا من مناطق النزاع وتحولوا إلى لاجئين في انتظار المساعدات المحلية أو المعونات «الخارجية» وبيوتهم مدمرة أو مسروقة.. مثل هذه المغالطات لا يخجلون من ترديدها وتعميمها بهدف تزييف وعي الناس، وتوجيه البعض منهم إلى السخط والنقمة على النظام والوحدة..
ولو كان هذا الصنف المريض من الأميين أو شبه الأميين لكنا عذرناهم، والطامة الكبرى أن معظمهم دكاترة ومثقفون، و«القرش يلعب بحمران العيون»!!
مع أن المواجهات دامية.. وفي كل دقيقة تنزح خمس أُسر، والشوارع مليئة بالدماء، وبلغ التدمير حداً لا يطاق، والرعب يخيم على كل الأجواء، ويقولون: هذه لعبة، وأحتفظ بتعليق طريف ولاذع لزميل عن حقد ودناءة معظم الدكاترة والمثقفين الذين كانوا متواجدين في ساحات التغرير: كيف نأمن هؤلاء الكاذبين الحاقدين على أولادنا وبناتنا في الكليات ومرضانا في المستشفيات ومتدربينا في حلقات النقاش وورش العمل!!
الوضع يؤلمني كثيراً.. ويدفعني إلى شحذ الذاكرة المتعبة لاستذكار قول حافظ إبراهيم شاعر النيل:
لا تحسبن العلم ينفع وحده
لما يُتوَّج ربه بخلاقِ
فصاحب العلم أضاع الأخلاق وتمنطق بالرياء المفضوح، والدجل المسيس، والفكر الهدام.. وأية أخلاق تحسب لمثل هذه النوعية المحسوبة على النخب أو النخبة التي يُفترض أن نتعلم منها ونهتدي بأفكارها وتحليلاتها، إذا كانت في أفق المسار الصحيح.. وأزيدكم من الشعر بيتاً.. قول أحمد شوقي أمير الشعراء:
وإذا أُصيب القوم في أخلاقهم
فأقِمْ عليهم مأتماً وعويلا
دكاترة ومثقفون.. عقولهم ملوثة بهوس التحزب، ونزعة القبيلة، وهواجس الانتقام من الوطن العظيم، وتشريع تصفية الحسابات الشخصية في صورة زائفة مغلفة بالقلق على وحدة وتطور البلاد، وطرد الفساد.. ألا إنكم الفاسدون وأنتم لا تعلمون، يا من على الشباب تكذبون، وتدعونهم إلى الزحف وتهربون، وتدفعون بهم إلى المسيرات الساخنة، وتعودون إلى الخيام.. تُخزنون.. في انتظار شهي مأفون، وبخبث لئيم وملعون.. شهداء يسقطون لتبدأ حفلات الصخب التهييجي المجنون، وقد سمعت أن الشرفاء لن يدعوكم تغادرون، وتتمسحون وتتملصون، ولجلودكم تبدلون، لابد من الحلاقة لكل من نبتت في رأسه قرون، ولو كانت قرون نعجة.
افهموها.. صح!
متى يفهم الذين لم يفهموا بعد.. أن دول الخليج- مهما اختلفت أو اتفقت مع النظام- تتحسس من كلمات ثورة، ثورات، اعتصامات، انتفاضات، مظاهرات، إسقاط النظام، محاكمة الرئيس وعائلته، وقوة الوحدة اليمنية.. حتى في قناة «العربية» السعودية لا تقول: ثورة بل تذكر: احتجاجات أو مسيرات غاضبة؟!
نحاول أن نتعلم ونقرأ المشاهد والأزمات السياسية قراءة متوازنة، ولنترك الشطح والنطح والهلس.. والزبج، ولنتذكر المثل القائل: «ما كان عند جارك.. أصبح في دارك».
رخيص.. وموجود عندنا
نداء عاجل إلى القنوات العربية والإسلامية والأجنبية- قيد التأسيس- لا تهدري أموالك الخضراء واليورية في التعاقد مع محللين.. عليك بساحات التغرير بمن بقي فيها، أو غادرها، وبأثمان زهيدة ترتفع قليلاً كلما كان حجم التحريض على تنفيذ مؤامرة ما.. كبيراً..
يا عيباه
من مستجدات الأزمة.. عرفنا مصطلحات قبلية جديدة لم يكن لنا بها سابق علم مثل «العيب الأسود» الذي يعني الغدر أو ضرب لجان الوساطة، ونتمنى أن تتوافر لنا فرص استيعاب وفهم مفردات الثقافة القبلية ذات الجوانب المشرقة، والتشطيب النهائي لتعابير القيم القبلية السلبية التي لا تناسب العصر، أو حفظها في مكان عزيز.. هو المتحف..
قبل الختام
أبين.. أطلق عليها فخامة الرئيس بوابة النصر في حرب هزيمة الانفصال بتاريخ 7 / 7 / 1994م.. اليوم هل نصلي عليها صلاة العصر؟!
يقول غاندي:
- الغضب وانعدام التسامح.. أعداء التفاهم.
- الكراهية تقتل دائماً.. والحب لا يموت أبداً..
وقال حكيم:
«إن من أعظم البلايا معاشرة مَنْ لا يوافقك ولا يفارقك».
آخر الكلام
يرى الجبناء أن العجز عقلٌ
وتلك خديعة الطبع اللئيم
وكلُّ شجاعة في المرء تُغْنِي
ولا مثل الشجاعة في حكيم
وكمْ من عائب قولاً صحيحاً
وآفته من الفهم السقيم
المتنبي
|