عبدالملك الفهيدي -
تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية يوم أمس الأول عن اليمن والتي وصفت فيها الدستور اليمني بالدستور القوي، وأكدت أن أي تحول أو انتقال أو تغيير يجب أن يتم وفقاً للدستور..؛ هو تصريح بلا شك يستحق الوقوف أمامه باعتباره يعكس إدراكاً ولو متأخراً من قِّبل المجتمع الدولي حيال الأزمة السياسية في اليمن..
منذ بداية الأزمة السياسية التي تشهدها البلاد والقيادة السياسية ممثلة بفخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية، وأيضاً قيادة المؤتمر الشعبي العام تؤكد أن أي تغيير يمكن حدوثه لا بد أن يكون وفقاً للدستور وفي إطار الشرعية الدستورية.. لكن مثل هذا الحديث ظل يقابل بآذان صماء من قبل أطراف المعارضة اليمنية وتحديداً أحزاب اللقاء المشترك.
الموقف الأمريكي الذي جاء عقب الحادث الإجرامي الإرهابي الذي استهدف اغتيال فخامة الرئيس وكبار قيادات الدولة، ومع أنه جاء متأخراً إلا أنه موقف يجب أن يقرأ في سياق وأبعاد عديدة، لعل أهمها أن مسألة التغيير في اليمن لا بد أن تتم وفقاً للأطر الدستورية وضمن الحفاظ على النهج الديمقراطي.
منذ أعوام والغرب يتحدث عن ضرورة دعم الأنظمة الديمقراطية في الشرق الأوسط ومساعدة الدول التي انتهجت هذا النهج تنموياً وسياسياً.. لكن تلك الأحاديث انهارت مع غزو العراق واحتلاله، وهو الأمر الذي أدركته الولايات المتحدة والغرب عموماً فعاودوا الحديث عن ضرورة الانتقال نحو الديمقراطية.. لكن ما حدث في تونس ومصر جعل الدول الغربية تستغل تلك الأحداث لتسعى لنشر ما سُمي بـ"الفوضى الخلاقة" دون استيعاب أن لكل بلد خصوصياته الثقافية والسياسية والديموغرافية والاقتصادية..
وانطلاقاً مما سبق كررت القيادة اليمنية التأكيد على أن اليمن ليست تونس ولا مصر، وأن ما حققته من نجاح ديمقراطي طيلة عقدين من الزمن كفيل بأن يجعل أي تغيير تشهده البلد محكوم بالأطر الديمقراطية ووفقاً للدستور والشرعية الدستورية.. لكن تلك التأكيدات ظلت تواجه بعدم إصغاء داخلي من قبل أطراف المنظومة السياسية من جهة، وبعدم قراءة واقعية من قِّبل الخارج الذي بنى مواقفه انطلاقاً من حملات إعلامية مضللة ومعلومات مغلوطة، وهو ما أدى إلى أن تتحول الأزمة السياسية وتأخذ منحى نحو العنف بعد أن عجزت المحاولات الانقلابية على السلطة تحقيق أهدافها، لتلجأ القوى المتآمرة إلى استخدام العنف مثلما حدث من تمرد مسلح في حي "الحصبة" من قِّبل أولاد الأحمر وعصاباتهم، قبل أن تأتي محاولة الاغتيال الإرهابي الإجرامي الذي استهدف رئيس الجمهورية وكبار قيادات الدولة.. وهو الأمر الذي أكد بالدليل القاطع أن اليمن لم تكن تشهد ما حاول البعض تسميته بـ"الثورة"، وأن ما حدث لم يكن سوى مجرد أزمة سياسية استغلت الظروف التي تمر بها المنطقة لتتحول إلى محاولة انقلابية بعيدة عن الديمقراطية، قبل أن يتطور الأمر إلى تصعيد تلك المحاولة الانقلابية باستخدام العنف المسلح الذي وصل حد استهداف رئيس الدولة وكبار قادتها.
إذاً.. اليمن بنجاحاته الديمقراطية التي حققها منذ إعادة تحقيق وحدته في 22 مايو 1990م، ومن خلال المحطات الديمقراطية الانتخابية التي خاضها (نيابية ورئاسية ومحلية) استطاع أن يؤسس لدولة مؤسسات تحتكم في عملها وفي إدارة شئونها إلى تبادل سلمي للسلطة من خلال الآلية الديمقراطية المجسدة في صناديق الاقتراع والتي تمنح الشعب حق الاختيار لحكامه باعتباره مالك السلطة ومصدرها وفقاً لما ينص عليه الدستور اليمني.
ولذلك كان ينبغي أن يستوعب المجتمع الدولي ذلك باكراً ويسعى إلى مساعدة اليمن لتعزيز هذا النهج وإحداث عملية التطوير والتغيير وفقاً للمنظومة الدستورية وفي إطار الشرعية الدستورية، ومع ذلك فقد جاءت تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية لتؤكد استيعاب هذه الصورة بشكل متأخر، ومن قبله أحاديث المسئولين الأمريكيين مع نائب رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي وعلى رأسهم مستشار اوباما للأمن القومي الذي أدان الحادث الإرهابي وكذا السفير الأمريكي في اليمن.
لكن ومع أن أي حوار لا بد أن تسبقه معرفة نتائج ملابسات الحادث الذي استهدف رئيس الجمهورية وكبار قيادات الدولة ومحاسبة وتقديم الجناة إلى العدالة،إلا أن ما نامله حفاً هو أن يسعى أصدقاء اليمن وشركاؤه وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية إلى الانتقال إلى مرحلة متقدمة في العمل مع القيادة السياسية ومع أحزاب المعارضة في اليمن من اجل العودة إلى طاولة الحوار والتوافق على الوصول إلى إصلاحات عميقة عبر الالتزام بالدستور والنهج الديمقراطي خصوصاً وان دستور الجمهورية اليمنية قد حدد الطرق والأساليب للتبادل السلمي للسلطة من جهة ومن جهة أخرى فان القيادة السياسية وكذا قيادة المؤتمر لديها إيمان بضرورة إجراء إصلاحات وتغييرات عميقة تشارك فيها كل الأطر السياسية والشبابية وهو ما سيكفل إحداث التغيير والتبادل السلمي للسلطة بعيدا عن العنف والصراعات ويجنب اليمن الخسائر من جهة ومن جهة أخرى يضمن عدم تأثير أي انزلاق لأمن اليمن ووحدته واستقراره على امن المنطقة والعالم .