المحامي/ محمد علي الشاوش - تميز الشيخ المرحوم عبدالله بن حسين الأحمر بمميزات كثيرة ولكن هناك ميزة قد لا يلحظها الكثير ميزه لم تتوافر لأغلبية السياسيين اليمنيين منذ قيام الثورة اليمنية سبتمبر واكتوبر حتى يوم الناس هذا، فكثير من السياسيين ظهروا وبرز نجمهم وسطوعهم لفترة زمنية محددة ثم اختفى ذلك السطوع والبروز بالموت المبكر او الخروج عن المشهد السياسي لأي سبب، وهذا معيار عام يشترك فيه جميع السياسيين ايا كانت مرجعيتهم سواء كانت قبلية ام حزبية ام عسكرية. الشيخ عبدالله الأحمر وعلى مدى خمسة عقود من العمل السياسي ظل نجمه في سطوع مستمر ومتزايد يوماً بعد آخر حتى آخر لحظة في عمره، حيث توفى الرجل وهو في قمة سطوعه السياسي، ففي لحظة موته كان يقف على رأس قبيلة حاشد ان لم يكن على رأس مشايخ اليمن كافة، اضافة الى وقوفه على رأس واحدة من الحركات الاسلامية في العالم وهو تجمع الإصلاح، وفوق كل ذلك وبالرغم من ان حزبه لم يكن يحوز الاغلبية إلا انه كان رئيساً لمجلس النواب اليمني لدورات عديدة حتى لحظة وفاته، وفوق كل ذلك علاقاته المتميزة المحلية والاقليمية والدولية القوية، وقد ظل الشيخ عبدالله كذلك حتى وافته المنية، وبغض النظر ان نتفق مع الرجل الذي في نهجه السياسي واسلوبه او نختلف معه إلا ان هذه كلمة حق يجب ان تقال وفاء لذلك الرجل الذي ظل في سطوع مستمر حتى آخر لحظة في حياته.
لماذا تميز الشيخ عبدالله عن معظم السياسيين اليمنيين بذلك وماهي مصادر هذا التميز بالرغم ان الرجل يعتبر واحداً من مشايخ اليمن مثله مثل باقي مشايخ المشايخ فكيف وصل الى هذه الدرجة الرفيعة؟
لم تكن قبلة حاشد هي التي اعطت الرجل هذه المكانة فكثير من رموز حاشد كسروا قبل الأوان مثلهم مثل السياسيين الآخرين، ولم تكن الحركة الاسلامية هي التي اعطته هذا الوهج فكثير من رموز هذه الحركة افلوا وانطووا وانتهى ذكرهم، كما انها ليست العلاقات الاقليمية فكثير من مشايخ اليمن لهم علاقات اقليمية، حيث لم يصل الشيخ عبدالله الى ما وصل اليه بهذه الاسباب كلها فهي جميعاً ليست سبب قوة الرجل ولا تعدو عن كونها عوامل مساعدة لقوة الرجل الحقيقية، فأين هي الأسباب التي جعلته يتبوأ هذه المكانة؟
في اعتقادي ان قوة الرجل تكمن أولاً وأخيراً في حكمته وقدرته على أن يقف في المكان الصحيح وتجنبه الصراع المسلح إلّا في ضرورات محدودة جداً ومن أجل الوطن ومع الدولة فقط.
وباستعراض جزء من تاريخ الرجل يتضح ذلك جلياً ونأخذ -المحطة الأولى- خلاف الرجل مع الرئيس المرحوم عبدالله السلال عام 7691م، وبالرغم من قدرة الرجل على إثارة صراع مسلح حينها إلّا انه آثر خلاف ذلك وانطلق الى قبيلته ومنطقة خمر ومكث هناك حتى انتهت تلك الازمة مع عدم تخليه عن دوره كسياسي- ليس كمحارب- محنك في تلك الاثناء، وتكرر ذات الأمر عند خلافه مع الرئيس المرحوم ابراهيم الحمدي فقد آثر الخروج من صنعاء الى «خمر» وظل فيها سنوات، في حروب المنطقة الوسطى بداية الثمانينات وقف الرجل مع الدولة بكل مايملك، وفي حرب صيف 49م وقف الرجل كذلك مع الدولة ودافع عن الوحدة بجانب الرئيس علي عبدالله صالح، قال عن الحوثيين انهم حركة متمردة وشجرة خبيثة يجب ردعها، ووقف ضد الحراك الانفصالي وتنظيم القاعدة على طول الخط ولم يؤارب في كل تلك المواقف ادنى مواربة.. حتى على صعيد التصرفات غير المسلحة كان يحسب حساب مآلاتها ويقف الموقف الذي يحافظ على الوطن وفق نظرة ثاقبة، ففي الانتخابات الرئاسية عام 6002م وبالرغم انه رئيس حزب التجمع اليمني للاصلاح هذا الحزب الذي اختار المرحوم فيصل بن شملان مرشحاً لمنصب الرئاسة ووقف معه بقضه وقضيضه إلّا ان الشيخ عبدالله رشح مرشح المؤتمر الرئيس علي عبدالله صالح وحين عوتب الرجل في ذلك قال بالحرف الواحد شعبنا غير واع بما فيه الكفاية وديمقراطيتنا مبتدئة لم ترسخ بعد وبحاجة الى رعاية والبلد لاتحتمل مشادة اكثر من قدرتها على الاحتمال، وقال ايضاً: جني تعرفه ولا انسي ماتعرفه وهو القول الذي اشتهر عنه كثيراً، تلك هي النظرة الثاقبة التي تريد المحافظة على البلد أولاً والمحافظة على التجربة الديمقراطية ورعايتها ثانياً حتى تكتمل نشأتها ويشتد عودها ويكتمل بنيانها، وهذا هو الأمر الطبيعي والمنطقي لنشأة واستمرار أي أمر أو تطوره سواء كان خاصاً بفرد أو جماعة فما بالكم وهو يخص شعباً بأكمله.. ذلك جزء من سيرة الرجل التي يستفيد منها القريب والبعيد سواء لمن عرف الرجل عن قرب أو لمن عرفه عن بعد عبر وسائل الإعلام أو من خلال مذكراته.
أولاد الشيخ عبدالله هم أكثر الناس قرباً منه والتصاقاً به وهم امتداد له بانتسابهم اليه، ارى انهم لم يستفيدوا من حكمة أبيهم وتجربته الطويلة في العمل السياسي، تلك الحكمة التي لم تأت بين يوم وليلة وانما صنعتها سنوات وعقود من العمل السياسي في ظل ظروف صعبة أصعب مما يتصور المرء ففي اول اختبار جاد لهم سقطوا، بوقوفهم الموقف الخطأ الذي سيعرض اليمن لاخطار محدقة لاقدر الله ويعرضهم كأشخاص وكاسرة لاخطار جمة على المدى القريب والبعيد، سقطوا بمحاولتهم اقحام حاشد في صراع مسلح مع الدولة بالرغم ان حاشداً لا تريد ذلك الصراع وعبر معظم مشايخها عن موقفهم الواضح بوقوفهم مع الدولة والشرعية، سقطوا في دخولهم في صراع مسلح مع الدولة في العاصمة وادخالهم المساكين والبسطاء ممن معهم في محرقة، سقطوا في تخلي معظم حاشد عنهم نتيجة مواقفهم الارتجالية والأحادية الجانب والتي لاتحترم الآخرين ولاتراعي مكانتهم، سقطوا حتى في نظرة حلفائهم الاقليميين لأنهم وقفوا مواقف لاتتماشى مع استقرار اليمن وهو موقف سوف يؤثر عدم الاستقرار هذا على تلك الدول، سقطوا بدعوتهم الى قيام دولة مدنية وقيامهم بتصرفات أقل مايمكن القول عنها انها همجية يرجع تاريخها الى القرون الوسطى، سقطوا لمخالفتهم سيرة أبيهم وتاريخه النضالي الطويل، سقطوا بعدم التزامهم بالانظمة والقوانين، سقطوا في اقتحامهم بعض مؤسسات الدولة وتخريبها ونهبها وكأن هذه المؤسسات ملك للرئيس علي عبدالله صالح أو المؤتمر الشعبي العام متناسين ان هذه المؤسسات مملوكة للشعب اليمني، سقطوا وانكشفت عدم حنكتهم السياسية امام حلفائهم المحليين والاقليميين وتخلى الجميع عن تصرفاتهم غير الموزونة، سقطوا فأصبح بينهم شروخ مع قبيلة حاشد ومشايخها وباقي مشايخ اليمن وقبله لن تندمل في المدى المنظور، سقطوا حين أثاروا حرباً داخل أمانة العاصمة لم يسبقهم احد الى ذلك، سقطوا وأصبحوا قاب قوسين أو أدنى من الأفول السياسي والقبلي بهذه التصرفات غير السوية فهل يعون ذلك قبل فوات الآوان أم اننا امام سنن إلهية ماضية وفق قول الله تعالى (تلك الأيام نداولها بين الناس لعلهم يتفكرون) صدق الله العظيم،
الاجابة عن هذه التساؤلات تحملها في طياتها الأيام القادمة وما علينا إلّا الانتظار. |