الأربعاء, 29-يونيو-2011
محمد علي عناش -




تخصيص آبار نفط قطرية لدعم التآمر على اليمن


لوحظ في السنوات الأخيرة أن تنظيم القاعدة كثف من عملياته الإرهابية الإجرامية داخل اليمن بوتيرة عالية لم تكن معهودة من قبل، تزامن هذا التصعيد مع ظهور مشاريع صغيرة متخلفة وتدميرية من كل لون، روج لها دعاة الديمقراطية والمدنية، وجندوا لها صحفهم الحزبية والمستقلة لإثارتها باعتبارها مشاريع قضايا مطلبية، ضمن مشروع حرب الاستنزاف الذي مورس مبكراً. كما تزامن هذا الزخم القاعدي، تحديداً منذ أن توحدت قيادتا تنظيم القاعدة في اليمن والسعودية في قيادة واحدة بتاريخ 24 يناير 2009م سمي «تنظيم القاعدة في جزيرة العرب» وتنصيب ناصر الوحيشي يمني الجنسية زعيماً للتنظيم، والسعودي سعيد الشهري نائباً له، والوحيشي هذا كان قد اعتقل في إيران عام 2001م، ثم سلم لليمن عام 2003م. القيادة الموحدة للتنظيم جعلت من اليمن مقراً له، ومركزاً استراتيجياً للتخطيط والتنظيم والتحرك ليس فقط على مستوى الداخل اليمني، بل وعلى مستوى الخارج، كما أنيط إليه إدارة الشبكة التنظيمية للقاعدة في أماكن عدة خارج اليمن.. كخطوة إجرائية أولية لمشروع إقامة الخلافة الإسلامية ومركزها اليمن.. وهو مشروع مبكر واستراتيجي لأسامة بن لادن الذي يحظى بعاطفة روحية كبيرة لدى نخب ورموز ومؤسسات دينية عدة في اليمن، ولا يمكن لهذا المشروع أن يتحقق ويُكتب له النجاح إلاّ في بيئة مضطربة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً تستهدف النظام العام في اليمن وتقلص تدريجياً نفوذ الدولة وتغلغلها إلى الحد الذي يسمح بقيام هذا المشروع.. هذا التحول الخطير المتمثل في نقل نشاط التنظيم إلى اليمن وتركزه في أكثر المناطق سخونة على المستوى السياسي والاجتماعي، يحمل في مضامينه أبعاداً متعددة وطنية واقليمية، وضعت اليمن أمام تحدٍ جديد يضاف إلى جملة من التحديات الراهنة، توجت في النهاية بتحدٍ أكثر خطورة يستهدف إسقاط النظام العام في البلاد، مُشكّلة مشهداً عاماً مضطرباً يصعب التكهن بكيفية تجاوزه بدون حوار وطني مسؤول وإجراء إصلاحات شاملة، تدعم وتعزز المشروع الديمقراطي والتنمية والتحديث.. إن تكثيف تنظيم القاعدة لعملياته ومواجهاته في اليمن، وبقدرات فائقة مادياً وتنظيمياً، مثل تحولاً خطيراً في نشاط القاعدة حجماً وقدرةً، كان يتطلب أن يقابله احساس وشعور وطني من كل القوى السياسية، للتكاتف لمواجهة هذا الخطر الداهم كقضية مصيرية جمعية، غير أن فقدان هذا الشعور الوطني المسؤول جعل المعارضة كعادتها تستهين بهذا الخطر، وتعتبره مجرد فزاعة يهول من شأنها النظام، حتى في الأحداث الأخيرة في زنجبار، رغم حجم الأحداث والعمليات العسكرية، ظلت تطلق هذه التصريحات مستهينة بأرواح الشهداء الأبطال من الجيش والأمن، هذه المؤسسة التي اجترحت أشرف المواقف الوطنية التي نفخر بها ونجلها. كنا ندرك أن مثل هذه التصريحات ستقابل باستخفاف كبير من كل المنظمات الاقليمية والدولية المهتمة بشئون القاعدة والتطرف والإرهاب، وهو ما حدث بالفعل وعلى وجه السرعة، الأمر الذي أفقد المعارضة الكثير من مصداقيتها وجعلها محل شك وريبة، في كل مطالبها وتحركاتها المغلفة باسم الديمقراطية والحرية والمدنية، عزز ذلك الشريط الصوتي للشيخ عبدالمجيد الزنداني الذي يدعو فيه للجهاد ويحث أتباعه على الاستعداد التام لمواجهة الغزو الصليبي، والذي جاء بنفس الطريقة التي يتبعها الظواهري وبن لادن وأمراء الجماعات الجهادية، الأمر الذي عكس نفسه على ما يسمى ثورة الشباب في اليمن، التي بات ينظر إليها بأنها تخفي وراءها أسراراً ومفاجآت لا تصب في خانة المستقبل المنشود والدولة المدنية الحديثة، عزز هذا التوجس، التحالفات غير المضبوطة لقوى المعارضة اليمنية، وجعلها غير جديرة بإدارة المرحلة القادمة، وأيضاً عدم انجازها إلى الآن المشروع التفصيلي الدقيق لقضية التحديث والتنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية وشكل الدولة في المرحلة القادمة.

الاخوان والقاعدة

إن تخوف المؤسسات الغربية مما يجري في اليمن، ومن هذا الفضاء السياسي المليئ بالمتناقضات، وتقييمها المسبق لحجم القاعدة في هذا البلد الذي يشهد تحديات عنيفة، لم يأتِ من فراغ بل من هذه المعطيات وما تراكم لديها من معطيات سابقة، بخصوص أن معظم الجهاديين الذين التحقوا بمعسكرات بن لادن في أفغانستان لجهاد السوفييت في النصف الثاني من عقد الثمانينيات، كانوا من السعودية واليمن، وفيما بعد شكلوا القاعدة الأولى للتنظيم، للبدء في تحقيق الحلم الكبير لبن لادن المتمثل في إقامة الخلافة الإسلامية ومركزها اليمن، وحلم الخلافة الإسلامية حلم مشترك بين كل التيارات الإسلامية بما فيها الاخوان المسلمون، وكما ورد في كتاب سعيد علي عبيد الجمحي «تنظيم القاعدة النشأة- الخلفية الفكرية- الامتداد- اليمن نموذجاً» أن تنظيم القاعدة تشكل من مختلف التيارات الإسلامية «السلفية- الاخوانية- التبليغية- المستقلون» وبيَّن أن الفكر الجامع لكل من انتمى للتنظيم هو الفكر السلفي، وأن المنهج الفكري للتنظيم هو رسالة «العمدة في إعداد العدة للجهاد في سبيل الله» لمؤلفها عبدالقادر بن عبدالعزيز. كما بيَّن الجمحي في كتابه، أن أكثر من التحق بتنظيم القاعدة عند التأسيس من اليمنيين كانوا من الجنوب، لأن هدف بن لادن بعد تحرير أفغانستان هو تحرير الجنوب من سطوة الحزب الاشتراكي. ويندرج في هذا الإطار، ما كشفته تقارير المخابرات الأمريكية عام 2006م، بأن الكثير من أعضاء القاعدة انتقلوا في وقت واحد من باكستان وأفغانستان والسعودية صوب اليمن، وهو ما تأكد بالفعل في أحداث زنجبار الأخيرة التي تلقى فيها التنظيم ضربات موجعة، حيث وُجد بين مقاتلي القاعدة باكستانيون وأفغان ومصريون وسعوديون وسوريون وصوماليون. ومن المؤكد أن تنظيم القاعدة ينمو وينتشر بسرعة فائقة، عندما تتوافر له البيئة الثقافية والاجتماعية المواتية والمناسبة وعندما تسود الفوضى والاختلالات والانقسامات، وهو ما جعل مخاوف الغرب تتزايد من خطر القاعدة في اليمن انطلاقاً من عدة اعتبارات منها: - موقع اليمن الاستراتيجي المتاخم بحرياً للصومال، التي اصبحت على وشك السقوط تحت سيطرة مليشيات حركة الشباب الصومالية القاعدية. - الوضع السياسي والاقتصادي المتدهور في اليمن. - توافر البيئة الثقافية والاجتماعية المناسبة لتغلغل التنظيم خاصة في ظل انتشار المدارس والجامعات والمؤسسات الدينية التي ترتبط روحياً وفكرياً مع القاعدة.. وأخيراً وهو الأهم ما تشهده البلاد من حركة احتجاجات تطالب بإسقاط النظام وبالثورة منذ خمسة أشهر والتي يتزعمها الاخوان المسلمون في اليمن. هذه الاحتجاجات التي أفرزت إلى الآن جملة من الحقائق والنتائج، التي تؤكد بما لايدع مجالاً للشك، أنه ليس في اليمن مشروع ثورة حقيقية، لفقدانها للمضمون الوطني والمشروع التحديثي والأدوات الثورية الحقيقية، واستنزاف اللاعبين السياسيين في داخل الساحات للكثير من القيم الوطنية والديمقراطية، ومبادئ وأسس السلم الاجتماعي والأمن والاستقرار، فالحادث الإجرامي الذي استهدف رئيس الجمهورية، وكبار قيادات الدولة في جامع النهدين، واحتفال الساحات الثورية بما نتج عن هذا العمل الإرهابي، مثل ذروة سقوط القيم والأخلاق السياسية والديمقراطية، وذروة سقوط أخلاق المهنة الإعلامية عندما سارعت قناة «الجزيرة» إلى ترويج أن الحادث مفبرك ومخطط له من قبل الرئيس نفسه.. وأن استهداف محطات الكهرباء والمنشآت الحيوية بالتدمير والحرق والنهب، ضمن خطة إسقاط النظام، مثل ذروة البربرية السياسية، التي تتكلم باسم الثورة المدنية، كما أن تصريحات قادة المعارضة، ونخب الرموز الدينية كالزنداني والهتار، فيما يتعلق بموضوع القاعدة في اليمن عندما قالوا إنها مجرد فزاعة يستخدمها النظام لتخويف الغرب، مثل ذروة الانتهازية السياسية والدينية وذروة فقدانه المصداقية وإفلاس ما تسمى ثورة لمشروع التغيير والتحديث والسلم الاجتماعي. وأمام هذا السقوط والإفلاس فإن ما يحدث من احتجاجات يقال عنها إنها ثورية لا يخرج عن كونه فوضى تتداعى بصورة جنونية، يلعب الإعلام الداخلي والخارجي دوراً كبيراً في استثمارها، لتنفيذ أهداف غير ديمقراطية متجردة من القيم الوطنية، وتمرير مشاريع متخلفة ضد الحرية والتحضر وضد المستقبل والديمقراطية، خُصصت من أجلها آبار من النفط القطري وكان الأولى بها بدلاً من أن ترعى هذه الفوضى الديمقراطية، أن تلتفت إلى مؤشرات التقرير العالمي للتنمية السياسية والاجتماعية، الذي يضع قطر في ذيل القائمة العربية، كما يشير إلى أن التحولات السياسية في قطر راكدة ومعطلة، وأن الوعي السياسي في المجتمع القطري متدنٍّ جداً، في مقابل النمو المضطرد للوعي الديني السلفي، نتيجة لإغراق البلاد بالمؤسسات والجمعيات الدينية السلفية التي تعمل على أسر وتدمير العقل السياسي، والوعي المدني بالحياة، الذي يعزز ثقة الإنسان بنفسه كمنتج ومشارك في صنع القرار.. وهذه الممارسة تعتبر من أشد صور واشكال القهر والإذلال الآدمي بتدجين الإنسان واغتصاب إرادته وعقله وطموحاته الإنسانية الحديثة والمعاصرة.

علماء للفتنة

البيان الذي أصدره علماء الدين السياسي برئاسة الزنداني، واندفاع الثوار في الساحات بالتهليل والترويج له، إبان عودة المشروع المعاصر للثوار ووعيهم بالدولة المدنية الحديثة، التي تقوم على مبدأ ثابت، أن الشأن السياسي تقرره إرادة الناس المنتمين لمشاريع سياسية، وينظمه ويفصل فيه دستور وقوانين ولوائح، لا إرادة مشائخ ورجال دين، كما أن هؤلاء العلماء طرحوا أنفسهم وكأنهم أهل الحل والعقد، وهذا المنصب الروحي ارتبط بعصر الخلافة الإسلامية وهو يتعارض اليوم مع النظام الديمقراطي الذي لا يوجد فيه أهل الحل والعقد وإنما مجالس ومؤسسات منتخبة من كل أفراد الشعب، لذا فتدخل مشائخ وعلماء الدين في السياسة إلى الحد الذي يتجاوز النصح والموعظة، مفسدة ومثير للقلاقل والفتن ويسلب الدين جوهره الروحاني، فيتحول الناس من طاقة سلام وأُلفة، إلى طاقة تشنجات واستعداءات ثورية مدمرة باسم الدين.. لأنه أولاً وأخيراً هناك دستور قد فصل ونظم كل شئون الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وعلى الجميع احترام هذا الدستور الذي تعاقدنا عليه جميعاً.

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 11:08 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-21829.htm