الإثنين, 18-يوليو-2011
علي حسن الخولاني ٭ -
تسعى السياسة الخارجية لأية دولة إلى تحقيق مصالحها الوطنية، السياسية، الاقتصادية، الأمنية ووحدة وسلامة أراضيها. وتتحدد فعالية هذه السياسة بمقومات الدولة الأساسية، جغرافية، بشرية، سياسية، اقتصادية، عسكرية وتكنولوجية. فكلما ازدادت مقومات القوة الشاملة لدى الدولة، ازداد اتجاهها نحو تبني سياسة خارجية نشطة على المستوى الإقليمي أو الدولي، والعكس صحيح. وبما أن اليمن أحد دول هذا العالم، فلها سياسة خارجية تسعى إلى تحقيق عدة أهداف مرتبطة بالمصلحة الوطنية العليا لليمن، وخاصة صيانة الأمن الوطني، والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي اليمنية، وبناء القوة الذاتية اقتصاديا، سياسيا وعسكريا وخلق علاقات تعاون مثمرة مع الأشقاء والأصدقاء، بما يحقق الأهداف والمصالح المشتركة والحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والعالمي.
ومن أجل تحقيق تلك الأهداف، كان لابد على اليمن أن يغلق ملفات الحدود مع كل من سلطنة عمان، المملكة العربية السعودية، ودولة إريتيريا، حيث إن مسألة الحدود السياسية لها أهمية قصوى في تحديد كيان الدولة كوحدة سياسية قائمة بحد ذاتها إضافة إلى أهميتها في تحديد علاقتها السياسية والاقتصادية والحضارية مع الدول المجاورة لها.. حيث إن عدم تسوية ملفات الحدود مع الدول الثلاث الأنفة الذكر كانت حجر عثره في التعاون مع تلك الدول، وحاجزاً ضد مسيرة التنمية والتقدم والرخاء لذا حرص فخامة الرئيس عن تجاوز هذه المعضلة .
تسوية الحدود اليمنية العمانية
لقد قامت اليمن بقيادة صانع الوحدة الرئيس علي عبدالله صالح بإنهاء مشكلة الحدود اليمنية العمانية في أكتوبر من عام 1992 ولقد مثل هذا الاتفاق سابقة قومية في وقت كانت فيه مشاكل الحدود العربية من اعقد معوقات التعاون العربي المشترك، ولقد أظهرت تلك التوجهات المبكرة للرئيس علي عبد الله صالح نحو تصفية كافة الموروثات المعقدة من عهد التشطير عزما شديداً للنهوض باليمن من كبواته التي أصيب بها عبر التاريخ والانتقال به نحو أفق واسع ورحب من التطور والتنمية. وقد مثل هذا الأنموذج حافزاً لكثير من الاقطار العربية لتغيير وجهة نظرها تجاه مشاكل الحدود، وأعاد إليها الأمل بإمكانية تسوية مثل تلك المشاكل في حالة توفر الإرادة السياسية، وفقاً للمبدأ ـ لا ضرر ولا ضرار ـ وهو المبدأ الذي تبناه الرئيس علي عبد الله صالح واستطاع من خلاله القضاء على كل مظاهر التحجر والتمترس الفكري والسياسي.
تسوية الحدود اليمنية الإريتيرية
لقد شكل احتلال إريتيريا لجزيرة حنيش الكبرى في 15 ديسمبر 1995م مفاجأة للعالم أجمع بما فيها اليمن التي ما فتئت تقدم الدعم لاستقلال إريتيريا منذ زمن بعيد، وكان الجميع يتوقع رداً يمنياً حازماً على ذلك الاحتلال في ظل حسابات موازين القوى التي تحتل اليمن أغلب مساحاتها، ولكن رد اليمن جاء منافياً لتلك التوقعات، واتسم تعامل الرئيس/ علي عبد الله صالح مع هذه القضية بالحكمة والتروي وبعد النظر وظل يؤكد عزم اليمن على حل تلك الأزمة عبر الوسائل السلمية والقانونية، انطلاقا من ثقة الجانب اليمني في ضعف حجج ومبررات الجانب الإريتيري في قيامه بمثل هذا السلوك. واستطاعت اليمن بتوجهاتها السلمية والقانونية كسب تأييد إقليمي وعالمي لموقفها تجاه الأزمة، التي انتهت بصدور قرار التحكيم الدولي في أكتوبر 1998 بأحقية اليمن في السيادة على جزيرة حنيش الكبرى، والأرخبيل التابع لها، وشكل هذا نصراً سياسياً ودبلوماسياً كبيراً للسياسة اليمنية بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح، الذي أكد ومنذ اللحظات الأولى للأزمة على أن اليمن سيعالج هذه المشكلة بالحكمة وبالطرق السلمية التي تكفل لليمن حقوقها المشروعة.
الحدود اليمنية السعودية
كذلك استطاعت اليمن بقيادة الرئيس علي عبد الله صالح أن تنهي مشكلة الحدود مع المملكة العربية السعودية الشقيقة التي استمرت أكثر من 65 عاماً، وذلك بطرق سلمية حيث إن هذه المشكلة لم تنته عن طريق المفاوضات فقط، حتى وإن كان لها أثر إيجابي على مستوى التواصل بيت قيادتي البلدين، ولكن الدور الأكثر أهمية كان بفضل الإرادة السياسية الحكيمة في البلدين الشقيقين من اجل الوصول إلى حل ينهي مشكلة الحدود، وذلك عن طريق تقديم التنازلات المتبادلة، وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة حتى يكون هناك استقرار وسلام في شبه الجزيرة العربية. ومن هنا برز النشاط الدبلوماسي والسياسي المكثف للرئيس علي عبد الله صالح من خلال اتصالاته وزياراته المتكررة للعديد من العواصم العربية والعالمية ومنها الرياض. والجدير بالذكر هنا أن الرئيس علي عبد الله صالح الذي يتقن مهارات الحوار ويمتلك القدرة على توصيل الأفكار ووجهات النظر مما يجعل أكثر القضايا استعصاء ذات قابلية للتعاطي الموضوعي المشترك. وبفضل ذلك أثمرت تلك الجهود بوضع نهاية لمشكلة الحدود المزمنة بين اليمن والمملكة العربية السعودية اثناء زيارة الرئيس علي عبد الله صالح للسعودية في شهر يونيو عام 2000م وكانت المفاجأة لكل المراقبين بتوقيع اليمن والمملكة العربية السعودية لاتفاقية جدة التاريخية وترسيم الحدود بينهما في 12 من شهر يونيو/ عام 2000م وجاءت تلك الاتفاقية ملبية لطموحات البلدين والشعبين الشقيقين، ولتبدأ بعدها العلاقات اليمنية السعودية بالتحرك نحو الأمام، ابتداء بتنسيق التعاون الاقتصادي عبر مجلس التنسيق اليمني السعودي وانتهاء بالتنسيق السياسي عبر توحيد المواقف والسياسات الإقليمية والدولية من خلال الاتصالات والمشاورات والزيارات المتواصلة بين قيادتي البلدين، ومن هنا يتضح بأن الرئيس علي عبدالله صالح من خلال إدارته لقضية تسوية الحدود منذ بداية تسعينيات القرن الماضي بشكل خاص استطاع ان يوجد علاقات مميزة بين اليمن والمملكة العربية السعودية الشقيقة، ركائزها الأساسية الثقة المتبادلة بعيدا عن خلفيات الشك والتوجس والريب التي كانت سائدة قبل تسوية الحدود بين البلدين. وبالتالي اثبت الرئيس علي عبد الله صالح للعالم أجمع بأن اليمن الموحد بلد ينشد السلام والاستقرار. بلد يدافع عن حقوقه المشروعة بالطرق السلمية أولاً، بلد لا يضمر الشر لأي دولة في الإقليم أو في العالم أجمع، وكل تلك التجارب الحدودية قد أكدت للعالم أيضا مدى ثبات ومصداقية مبادئ السياسة الخارجية اليمنية التي ارسى مداميكها فخامة الرئيس، التي من ضمنها اتباع سياسة حسن الجوار بهدف الحفاظ على الأمن والاستقرار في الجزيرة العربية والخليج العربي ومنطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي، واللجوء إلى الطرق السلمية في حل الخلافات حرصاً على تعزيز مبادئ الاستقلال والاعتماد على الحوار والتفاوض، وهذا كله يجعل من بناء العلاقات مع اليمن أمراً استراتيجياً مضمون النتائج.
اليمن والقرن الافريقي
إن نشاط السياسة الخارجية اليمنية تجاه منطقة القرن الأفريقي والتي استطاعت أن تؤسس وتكوِّن «تجمع صنعاء للتعاون» (يضم كلاً من اليمن، السودان، أثيوبيا، الصومال وجيبوتي عضو مراقب)، هذا التجمع الذي رأت فيه اليمن منذ تأسيسه محاولة من أعضائه بشكل جماعي، ومن خلال تنسيق السياسات وتكاملها من أجل إعادة الصومال إلى الحظيرة الدولية، وذلك من خلال إرساء أسس السلام فيه، ليتمكن من بناء مؤسساته، بعد ذلك يكون له التزاماته واستحقاقاته تجاه المجتمع الدولي، حيث نبه الرئيس علي عبدالله صالح، ومنذ انهيار الدولة الصومالية عام 1991م أنه إذا لم يتم تلافي هذا الانهيار فسيكون هناك إرهاب وقرصنة وتهريب بكافة أنواعه، وتهديد للأمن والسلم الدوليين، وكذلك تواجد للقوات الأجنبية، وكذلك حدوث موجات كبيرة من النازحين الصوماليين الذين سيرهقون كاهل دول المنطقة الفقيرة أصلاً. ولذلك دعا الرئيس كافة دول منطقتي القرن الإفريقي إلى الانضمام إلى تجمع صنعاء والتاكيد مراراً وتكراراً، مؤكدا أن هذا التجمع ليس موجهاً ضد أحد كون اريتريا توجست منه خيفة وظنت أن التجمع موجه ضدها بسبب دخولها في مشاكل حدودية مع كل من اليمن والسودان وجيبوتي ودخولها في حرب مع أثيوبيا لأجل الحدود أيضاً .. (الأمر الذي يؤكد على ثقافة السلم والتعاون الذي يتمتع بها) الرئيس/ علي عبدالله صالح، وتأكيداً منه على أن المصالح الاقتصادية المتبادلة تكون أكبر وأقوى أثراً من التناقضات والتناحرات.. لقد حرص الرئيس علي عبدالله صالح، من خلال المساهمة في تكوين «تجمع صنعاء « أن يقيم نواة لشراكة إقليمية دولية فاعلة في مكافحة الإرهاب والقرصنة والتهريب بكافة أنواعه.. وذلك يهدف إلى جعل هذه المنطقة الاستراتيجية - جنوب البحر الأحمر والقرن الإفريقي- بعيدة عن كافة التوترات والتجمعات العسكرية الأجنبية حفاظاً على أمنها وسيادتها، وبما يعود على شعوبها بالسلام والاستقرار.
٭ باحث دكتوراه في العلاقات الدولية- جامعة الجزائر- مختص في شؤون القرن الإفريقي والبحيرات العظمى

تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:46 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-22063.htm