الميثاق نت - C:UsersMansourDesktopاحمد الحبيشي- الميثاق نت

الخميس, 28-يوليو-2011
أحمد الحبيشي -
ينطلق مخططو وممولو ومنفذو العمليات الإرهابية من أفكار متطرفة ومنغلقة يحاول اصحابها إضفاء وتلفيق قداسة دينية زائفة عليها بهدف الحصول على نوع من الشرعية واليقين ، استنادا إلى منظومة فكرية تحث على الجهاد المقدس ، وتهدي " المجاهدين " وعداً بالشهادة والجنة ، ولذلك فانها تُوجب استخدام العنف لتحقيق هذه الغاية ، وتبرر قتل المدنيين بزعم ان الأبرياء منهم سيبعثون على نياتهم يوم القيامة. وفي هذا السياق لا يضع مدبرو وممولو ومرتكبو هذه العمليات الإرهابية أي إعتبار لما ينجم عنها من ضحايا بشرية وكوارث بيئية وخسائر اقتصادية وتداعيات سياسية وامنية تلحق الضرر الفادح بالمجتمعات والدول والعلاقات الدولية والسلام العالمي .!!
تعود جذور بعض هذه الأفكار المتطرفة إلى تأويلات فقهية متشددة لمفاهيم سياسية سلفية تتعلق بالحاكمية والجهاد والعلاقة بين دار الإسلام و دار الحرب، وهي تأويلات موروثة عن عهود مظلمة سادها الإنقطاع الحضاري و الإنغلاق والتشدد ، وغابت عنها شمس الحضارة و هيمنت عليها القساوة و البداوة !!
جانب آخر من هذه الأفكار نشأ على تربة آيديولوجيا الجهاد الأفغاني التي جسدت مصالح سياسية لإرادات دولية وإقليمية مختلفة في ذروة الحرب الباردة بعد الغزو السوفييتي لأفغانستان اواخر السبعينات . وكانت هذه الآيديولوجيا الجهادية قد ولدت منذ البدء مشوّهةً إذْ كانت مصالح القوى المتحالفة في الحرب ضد الوجود السوفييتي في أفغانستان تقتضي إحياء الأفكار السلفية الأكثر تشدداً وتزمتاً وإنغلاقاً ، وفي مقدمتها تلك التي تتعلق بالتكفير والتفسيق والتبديع باعتبارها لازمة ً للتعبئة والحشد وإثارة مشاعر الكراهية الدينية ضد الإتحاد السوفييتي وحلفائه في العالم العربي والإسلامي .
زاد من تشوُّه هذه الآيديولوجيا ان التخلف الشديد للبيئة القبلية الأفغانية ساعد على إختلاط وتزاوج المفاهيم السلفية الموروثة عن الفقه البدوي المتشدد في عصور التراجع الحضاري والإنغلاق ، بالأفكار التكفيرية الجهادية للجماعات الإسلامية الراديكالية التي استخدمت العنف والإرهاب لمحاربة الحكومات العربية والإسلامية في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين ، بذريعة انها تمثل طوائف ممتنعة عن تطبيق الشريعة الإسلامية ، وما انطوت عليه تلك الأفكار التكفيرية من إباحة محاربة اهل الشرك والبدع ، وقتل المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ الذين تتمترس بهم الأجهزة المدنية والعسكرية للنظم التي تمتنع عن تطبيق الشريعة .
وبعد إنتهاء الحرب في افغانستان وإنسحاب الجيش السوفييتي أنتجت آيديولوجيا " الجهاد " المشوّهة حروباً اهلية دامية بين الجماعات والفصائل الجهادية الأفغانية ، وممارسات إجرامية الحقت ضرراً جسيماً بكرامة الإنسان المسلم في افغانستان ، وشوّهت صورة الدين الإسلامي تحت يافطة تطبيق الشريعة الإسلامية ، فيما واصلت الجماعات الجهادية التكفيرية ذات المنشأ العربي والآسيوي حروباً جهادية عابرة الحدود والقارات ضد الحكومات والمجتمعات العربية والإسلامية بدعوى امتناعها عن تطبيق الشريعة ، وضد العالم بأسره بدعوى الجهاد المقدس ضد فسطاط الكفر . !!
على هذا الطريق توّحدت هذه الجماعات في اطار " الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى " ، وانشأت جهازاً خاصاً مقاتلا ً بإسم " القاعدة " لتحقيق اهداف الجبهة التي تتمثل في " إقامة الحاكمية ومحاربة انحرافات الأمم الجاهلية مثل الأحزاب والنقابات والجمعيات النسائية والمصارف والموسيقى والتصوير والسينما والسفور والديمقراطية والإنتخابات ، بذريعة انها كلها مخالفة لإجماع السلف والخلف " ، بحسب ما جاء في البيان التأسيسي الذي اصدرته هذه الجبهة في فبراير 1998م ، وكذلك ما تضمنته الكتب التثقيفية التي يتربى عليها مقاتلو تنظيم " القاعدة " ، وما احتوت عليه الوصية الأخيرة لقائد هذا التنظيم أسامة بن لادن ، الذي كتبها بخط يده ومهرها بتوقيعه في نوفمبر الماضي 2001 م .
لاتقيم هذه الجماعات وزناً للحياة كقيمة انسانية وهبها الله للناس ، ولا تضع حدوداً لساحات معاركها الجهادية ، ولا تعرف سقوفاً للأهداف التي تسعى إلى تحقيقها ، بدعوى ( ان الدين لا يجيز ان يبقى شبر على وجه الأرض لا يحكمه الإسلام ، ولا يجيز في الوقت نفسه ان يبقى انسان بين البشر لا يدين بالإسلام ، فالله لم يرسل نبيه ( عليه الصلاة والسلام ) ليدعو ويبقى في مكانه ، بل قال له ولأتباعه : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ، فالصراع مستمر على هذا الأساس ، والمعركة قائمة لهذا الغرض ) ، بحسب ما جاء في كتاب " الحصاد المر " لأيمن الظواهري ، الرجل الثاني في قيادة الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى . !!
امّا اخطر ما تتضمنه هذه التربية الفكرية التي تمتلئ بها كتب المتطرفين فهي الدعوة إلى " تدمير وإحراق كنائس النصارى واليهود و معابد المشركين واضرحة المبتدعين ، وعدم موالاة الأفكار العلمانية مثل حرية الصحافة وانشاء الأحزاب، وهو ما يعني افساح المجال للمبتدعة المخالفين من اهل الفرق الضالة مثل الشيعة والمعتزلة والصوفية والأباضية واهل الرأي الذين خالفوا اهل الحديث وخرجوا عن اجماع السلف .. فليس لهؤلاء عصمة في الدم والمال ، ولا تقبل شهادتهم ولا يُصلّى خلفهم ولا يؤخذ عنهم العلم ولا يُناكَحون ولا يُعطى لهم الحق في الرأي .. فالمجاهدون مأمورون بعداوة هؤلاء المبتدعين والتشريد بهم والتنكيل بمن انحاز إلى جهتهم بالقتل فما دونه " !!!!
شهدت بلادنا خلال السنوات الأخيرة عدداً من الأعمال الإرهابية التي وصلت ذروتها في اسقاط مدينتي زنجبار وجعار في محافظة أبين .. ولا ريب في أن هذه العمليات الإرهابية اثبتت حقيقة مهمة لا يجوز تجاهلها ، وهي ان خلايا " القاعدة " الناشطة في اليمن هي جزء من منظومة قتالية إرهابية متعددة الجنسيات وعابرة الحدود تخطيطاً وتمويلاً وتنفيذاً ، ما يؤدي إلى إختراق سيادتنا الوطنية ، وتجاوز قوانيننا النافذة ، وتهديد امن واستقرار مجتمعنا ، والحاق الضرر بعلاقات بلادنا بالدول الأخرى ، ومصالحنا الإقتصادية الحيوية وفي مقدمتها القطاعات التي تضررت بشكل مباشر من الإرهاب مثل الموانئ والملاحة البحرية والنفط ووالسياحة والشحن والإستيراد والتصدير .
ثمة من يقول ان احزاب " اللقاء المشترك " تلجأ إلى العويل والتباكي والمزايدة على السيادة لدواعٍ انتخابية صرفة ، إذْ وجدت في التعاون اليمني - الأميركي لمكافحة الإرهاب وجبة دسمة لتسمين خطابها السياسي والإعلامي الهزيل ، وإستباق ضربةٍ دعائية انتخابية مبكرة استعداداً للإنتخابات البرلمانية القادمة ، بيد ان هزال الخطاب السياسي لأحزاب " اللقاء المشترك " بقدر ما يدل على تكلُّسها وشيخوختها وعقمها ، بقدر ما يفسر إدمانها على تعاطي الشعارات الشعبوية السهلة نتيجة إعاقتها المزمنة ، وعجزها عن التجدد المعرفي ، وإصرارها على الإقامة الدائمة في الماضي .
ربما لا تدرك احزاب " اللقاء المشترك " حقيقة ان مفهوم الأمن تغير في عصرنا، ولم يعد مرتبطاً بالقدرة على التصدي للعدوان من الخارج ومنع وقوعه ، بعد ان اظهرت تجارب الدول المعاصرة ان هذا المفهوم لا يناسبها ، وان وتطوير جيوشها وزيادة تسليحها لا يؤديان بالضرورة إلى زيادة الأمن ، بل إلى ردود فعل سلبية من قبل دول مجاورة ترى في ذلك التسلح تهديداً لأمنها ‍‍‍‍‍. ‍. مع الأخذ بعين الإعتبار ان دولاً كثيرة لا تستغني عن مبدأ الإعتماد المتبادل من خلال تعاونها مع دول اخرى رغم امتلاكها جيوشاً قوية واجهزة امنية واستخبارية متطورة !!‍
ولذلك شهدت العلاقات الدولية المعاصرة ما يسمى بالإعتماد المتبادل بين الدول في المجالات الأمنية ، وهو ما يقتضي تبادل المعلومات والخبرات والمساعدات الميدانية ، خصوصاً في الظروف التي تستدعي محاصرة الكوارث الطبيعية والبيئية ، ومكافحة الإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة .
من المفارقات المثيرة للدهشة ان بلادنا ليست وحدها التي تأخذ بمبدأ الإعتماد المتبادل وهو مبدأ معترف به في القانون الدولي ، إذْ ان الكثير من دول الجوار الإقليمي والدول العربية والإسلامية ذهب إلى أبعد مما ذهبت اليه الجمهورية اليمنية ، حيث اقدمت هذه الدول على تقديم تسهيلات حربية ( براً وجوّاً وبحراَ) للولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الكبرى في مياهها واراضيها واجوائها السيادية .. وتصل هذه التسهيلات إلى مستوى القواعد العسكرية الثابتة والمتحركة ذات التجهيزات المتطورة ، دون ان يعني ذلك تفريطا ً بالسيادة طالما وان التعاون يتم باتفاق مشترك وعلى اساس مبدأ الإعتماد المتبادل .
الثابت ان التعاون اليمني - الأميركي في المجال الأمني لم يصل إلى هذا المستوى الذي وصلت اليه بلدان مجاورة وبلدان عربية واسلامية اخرى ، بل انه لم يصل إلى مستوى التعاون الأمني والإستخباري الذي كان قائماً بين الشطر الجنوبي قبل الوحدة والإتحاد السوفييتي ، اثناء حكم الحزب الإشتراكي اليمني الذي يتظاهر اليوم بالتباكي على السيادة الوطنية ، بسبب التعاون اليمني الأميركي في مجال مكافحة الإرهاب ، ومعه بقية احزاب اللقاء المشترك.
والمعروف ان الشطر الجنوبي الذي كان يحكمه الحزب الإشتراكي قبل الوحدة، استعان بقطعات بحرية متطورة من الأسطول الثالث عشر السوفييتي في المحيط الهندي لحراسة وحماية السواحل اليمنية الطويلة للشطر الجنوبي في البحر الأحمر والبحر العربي من مخاطر التهريب والتسلل والإختراق والتجسس والإرهاب.. وقد حظيت القوات البحرية السوفييتية آنذاك بتسهيلات عسكرية وإستخبارية نوعية في المياه والأجواء الإقليمية اليمنية ، نظراً لضعف امكانات القوات البحرية والإجهزة الإستخبارية للشطر الجنوبي سابقاً ، وعجزها عن توفير متطلبات حماية سواحله الجنوبية والشرقية الطويلة ، ما أدّى إلى ان تأخذ حكومة الحزب الإشتراكي اليمني قبل الوحدة بمبدأ الإعتماد المتبادل .
مما له دلالة عميقة ان الخلايا الإرهابية التي تسللت إلى بلادنا تضم ناشطين اجانب من جنسيات متعددة دخلوا البلاد او يقيمون فيها بطريقة غير قانونية، ويدين هؤلاء الناشطون لقيادات سياسية من جنسيات متعددة في الخارج ترسم لهم الخطط وترسل اليهم الأموال والأوامر لإنتهاك سيادتنا الوطنية و تنفيذ جرائم ارهابية في بلادنا . . والحال إن ما يقوم به هؤلاء الإرهابيون يعتبر انتهاكاً سافراً لسيادة الدولة على اراضيها ومياهها ، ما يستدعي التصدي له بحزم دفاعاً عن السيادة والمصالح الوطنية العليا .
صحيح ان الإستعانة بالمساعدة و الخبرات الأميركية لملاحقة هؤلاء الإرهابيين تستهدف بالأساس درء أي انتهاكات ارهابية اخرى للسيادة اليمنية .. لكن الأصح من ذلك انفضاح الخطاب الإنتهازي لموقف احزاب " اللقاء المشترك " التي تتظاهر بالتباكي على السيادة بذريعة التعاون اليمني - الأميركي في مجال مكافحة الأرهاب.
لعل ما تقوم به هذه الأحزاب بهذا الشأن لا يعدو أن يكون محاولة مفضوحة للتذاكي وإخفاء هروبها المخزي والمشين من الوفاء بواجبها الوطني والديمقراطي والأخلاقي الذي يحتم عليها إدانة العنف والإرهاب ، إذْ تصر هذه الأحزاب على التعاطي مع خطاب إعلامي يتماهى مع الإرهاب ، وإظهار مرتكبي الجرائم الإرهابية في صورة الأبطال والشهداء والمعتدى عليهم ، بالإضافة إلى محاولة تحريض المجتمع ضد الدولة والحزب الحاكم بدعاوى الدفاع الزائف عن حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية ، بينما تتجاهل هذه الأحزاب علاقة الإرهاب العضوية بالأفكار المتطرفة ، وتمتنع عن نقد الأسس الفكرية لهذه الجماعات الإرهابية التي تعادي الديمقراطية وتمتهن حقوق المرأة ، وتصادر الحريات وحقوق الإنسان وفي مقدمتها الحق المقدس في الحياة ، وتدعو إلى " الغاء الأحزاب والنقابات وحرية الصحافة وحرية الفكر والتعبير بزعم انها من انحرافات الأمم الجاهلية التي تخالف اجماع السلف والخلف " ، الأمر الذي يفضح المزايدات الإنتهازية لأحزاب " اللقاء المشترك " حول الديمقراطية وحقوق الإنسان ويفقدها اية مصداقية !!
لم يعد للإرهاب حدود جغرافية ثابتة منذ ان اصبح خطراً بإمتياز يهدد كافة دول العالم، ويتربص بالحضارة الحديثة والإقتصاد العالمي .
وتزداد خطورة الإرهاب العابر للحدود والقارات في الظروف الراهنة ، بسبب انطلاقه من مرجعية فكرية متطرفة تؤمن بتقسيم العالم المعاصر إلى دار للإسلام وآخر للكفر ، ما يفسر تباهي اسامة بن لادن وايمن الظواهري حين دشنا معاً بداية " المعركة الفاصلة بين فسطاط الإسلام وفسطاط الكفر " في احاديثهما المتلفزة ، ودعوتهما كافة المسلمين في جميع انحاء العالم إلى " الجهاد الديني المقدس " ضد فسطاط الكفر، والقضاء على " انحرافات الأمم الجاهلية " والمقصود بها قيم الحضارة الحديثة .
بمقتضى هذه المرجعية الفكرية التي ترتدي طابع اليقين الإيماني يوزع قادة تنظيم " القاعدة " على طريقة «الإكليروس» وعوداً لمرتكبي الجرائم الإرهابية بالجنة وحياة النعيم الأبدي والفوز بالبنات الحور ، ويسرفون في مخاطبة لا وعي المغرر بهم من خلال الترويج للخرافات التي تزعم بأن ملكوت الله يساندهم في جهادهم ، ويؤازرهم بخوارق وكرامات الملائكة التي تقاتل إلى جانبهم ضد اعدء الله المفترضين !!
يعود الخطاب الخرافي الجهادي إلى ظروف حشد المتطوعين من العالم العربي و الإسلامي لمحاربة القوات السوفييتية في افغانستان ، وبهذا الصدد اشار الأكاديمي الباكستاني المعروف ، البروفيسور أحمد رشيد مؤلف كتاب TALBAN " " الذي طبع بعدة لغات وبيعت منه ثلاثة ملايين نسخة ، إلى وثيقة صادرة عن المخابرات المركزية الاميريكية ( CIA ) عام 1998 برّرت فيها لجوءها إلى التوسل بالخرافات المعادية للعقل ، بهدف تحفيز اكبرعددٍ ممكن من المتطوعين العرب والمسلمين للقتال تحت راية الجهاد ضد الإتحاد السوفييتي في افغانستان ، وتحويل وجهة الشباب العربي إلى جهة بعيدة خارج الشرق الأوسط الذي كان يشهد موجات من المتطوعين العرب للقتال إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية ضد القوات الإسرائيلية في شمال اسرائيل وجنوب لبنان ، وفيما بعد ضد الغزو الإسرائيلي للبقاع وبيروت ، والإنزال الإميركي لقوات المارينز في ميناء " جونية " شرق بيروت اوائل الثمانينات ، حيث تزامنت هذه الأحداث مع بداية الحرب الأميركية الأولى في افغانستان بدماء واموال عربية واسلامية ضد الإتحاد السوفييتي الذي كان حليفاً رئيسياً للثورة الفلسطينية والقضايا العربية آنذاك .!! يحظى التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب بشرعية دولية غير مسبوقة .. فقد صدرت عدة قرارات ومعاهدات دولية في العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين المنصرم ، نصّت على تقنين الجريمة الإرهابية وحماية الشخصيات الدولية الإعتبارية للأفراد والمباني والممتلكات والبواخر والطائرات والأموال، وتجريم القرصنة الجوية والبحرية واختطاف واحتجاز الرهائن ، وصياغة قواعد دولية لمحاكمة المتهمين بإرتكاب جرائم الجنس والتصفية العرقية بإعتبارها اعمالاً إرهابية ، بالإضافة إلى مشروعية الرد الجماعي على الأعمال التي تهدد السلم والأمن الدوليين.. واذا كان ثمة جديد في هذا الإجماع ، فهو نجاح الولايات المتحدة الأميركية في استثمار المناخ الدولي الغاضب في اعقاب احداث (سبتمبر) الإرهابية المأساوية التي وقعت على اراضيها ، واستهدفت رموز القوة الإقتصادية والعسكرية فيها ، وابادت عدة آلاف من مواطنيها خلال اقل من نصف ساعة .
في هذا السياق انتزعت الولايات المتحدة الأميركية القرار الدولي رقم (1373) الصادر في 20 سبتمبر 2001 ، واصرت على ان يُصدر مجلس الأمن الدولي هذا القرار بموجب البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على استخدام العقوبات الدولية ضذ أي دولة تخالف احكام هذا القرار وبضمنها استخدام القوة . وقد نص هذا القرار صراحةً على إلزام كافة دول العالم بالتعاون في المجالات الأمنية والإستخبارية والمصرفية والسياسية والمالية لمحاربة الإرهاب وعدم تمكينه من الحصول على ملاذ آمن ، وتجفيف منابعه وقطع مصادر تمويله.كما نجحت الولايات المتحدة بعد أقل من اسبوعين ، في انتزاع قرار دولي آخر ، وهو القرار رقم (1386) الصادر في مطلع اكتوبر 2001 ، والذي يعطيها الحق في الدفاع عن النفس والرد بصورة منفردة او بالتحالف مع دول صديقة على مصادر الإرهاب الذي استهدفها في الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، دون الرجوع إلى مجلس الأمن الدولي .. وبهذا القرار اضفت الولايات المتحدة شرعية دولية على الحرب التي شنتها ضد دولة " طالبان " ومعسكرات " القاعدة " في افغانستان بالتحالف مع دول أخرى ، بعد بضعة ايام معدودة من صدور القرار الأخير . !!
ما من شك في أن اليمن شريك دولي في مكافحة الإرهاب ، ولا تتحقق هذه الشراكة بمقتضى التضامن مع الدول والشعوب التي يستهدفها الإرهاب فقط، بل ايضاً بمقتضى أن بلادنا تعد واحدة من ضحايا الإرهاب ، وسبق لها ان اكتوت بناره ، الأمر الذي يجعل من مكافحة الإرهاب في اليمن مهمة وطنية بالدرجة الأولى . وبقدر ما تكتسب مشاركة اليمن شرعية عربية بحكم التزام بلادنا بتنفيذ الإتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب التي وقّع عليها وزراء الداخلية العرب بالاجماع عام 1998 ، والإتفاقيات الأمنية الثنائية مع العديد من البلدان العربية الشقيقة ، بقدر ما تكتسب ايضاً شرعية دولية بحكم التزام اليمن بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشأن تقنين الجرائم الإرهابية ، والردع الجماعي للأعمال التي تهدد السلم والأمن الدوليين ، ومكافحة الإرهاب وعدم تمكينه من الحصول على ملاذ آمن وتجفيف منابعه وقطع مصادر تمويله .
من نافل القول أن مشاركة اليمن في الحرب على الإرهاب تتم بغطاء الشرعية العربية والدولية إلى جانب شرعية المصالح الوطنية العليا ، وإذْ تتجاهل احزاب " اللقاء المشترك " هذه الحقيقة ، فإنها تقدم دليلاً اكيداً على افلاسها السياسي حين ترفض بغباء لا تحسد عليه إدانة الإرهاب ، وتندد بمشاركة بلادنا في مكافحة الإرهاب والتطرف ، كما يعد هذا التجاهل دليلاً اضافياً على جهل هذه الأحزاب في قراءة واقع الحراك السياسي الداخلي والإقليمي والدولي ، وهو جهل ناتج عن مأزق هذه الأحزاب المصابة بالشيخوخة والتحجر الفكري والتبلد الذهني ، وعدم قدرتها على تحديث برامجها وتجديد معارفها وإعادة بناء فكرها السياسي وتأهيل نفسها للإنخراط الفاعل في العملية الديمقراطية.
هكذا يبدو الإرهاب خطرا متعدد الأبعاد وتبدو مكافحته ضرورة متعددة الأبعاد ايضاً.. ولما كان الإرهاب الذي يمارسه تنظيم " القاعدة " ينطلق من مرجعية فكرية ملتبسة بالدين ، فاننا امام خطر ينطلق من ثقافة معادية للديمقراطية والتعددية والتنوع والتسامح ، فيما يستخدم العنف للتحريض على إثارة الحروب والصدامات بين الأديان والطوائف والمذاهب والحضارات والمجتمعات ، والإعتداء على اية مصالح او رموز مفترضة لأهل " الكفروالشرك والبدع " والموالين لهم ، وصولاً إلىالقضاء على " مخالفات الأمم الجاهلية وإقامة الحاكمية".
ولئن كان هذا التحدي الإرهابي يهدد السيادة الوطنية واقتصاد البلاد ومصالح المجتمع، فإن من شأن التهاون معه وتجاهل الأبعاد الخطيرة لمرجعيته الفكرية ووسائله واهدافه، ان يدمّر السلام الإجتماعي والوحدة الوطنية، ويمهد الطريق لقلب نظام الحكم والقضاء على الديمقراطية التعددية، وفرض حكم شمولي استبدادي متخلف على غرار العديد من نماذج الدولة الدينية التي أبتلي بها العالم العربي والاسلامي في التاريخ القديم والحديث.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:52 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-22208.htm