يحيى علي نوري -
تأتي الذكرى الـ29 لقيام المؤتمر الشعبي العام في ظل ظروف غاية الصعوبة والتعقيد يمر بها الوطن نتيجة للأزمة المصطنعة من قبل الانقلابيين على الشرعية والثوابت الوطنية.
إن هذه تمثل محطة من المحطات الوطنية الرائدة للمؤتمر الشعبي العام وهي لاشك مناسبة مهمة يمكن للمؤتمريين من خلالها الاطلالة على مستقبل الوطن على صعيد التداعيات التي يشهدها وكذا مستقبل المؤتمر كتنظيم سياسي والوقوف على مدى قدرة آلياته وأساليبه كحزب في التعاطي مع المتغيرات القادمة والتأثير فيها بالصورة التي تنتصر للمبادئ والقيم والاهداف العظيمة التي قام المؤتمر الشعبي العام من أجل تحقيقها خدمة للوطن.
ولاريب ان المؤتمريين اليوم وهم في غمرة مسؤولياتهم ومهامهم الوطنية والتنظيمية ذات العلاقة بالهم الوطني مطالبون أكثر من أي وقت مضى أن يقفوا وقفة مسؤولة أمام دلالات مناسبة التأسيس والاستشراف من خلالها لكافة أبعاد المشهد اليمني والبحث المتفحص عن كل ما من شأنه ان يمد المؤتمر الشعبي بكل ما يبعث فيه الحيوية والفاعلية ويعزز من آلياته الاتصالية وقدراته التأثيرية على كافة المعطيات والتحولات المتسارعة التي يشهدها الوطن وتلك مهمة لم يكن أعضاء المؤتمر الشعبي العام في غفلة عنها، فقد وجدناهم وعبر العديد من التكوينات المؤتمرية القيادية والقاعدية والوسطية يحتفلون كل عام بذكرى التأسيس بصورة تجعلهم الحزبيين الوحيدين على الساحة اليمنية الذين يحتفون بذكرى تأسيس تنظيمهم ويحاولون من خلال احتفائهم هذا تشخيص المشهد السياسي والتنظيمي ومراجعة كافة أساليبهم والبحث عن جديد يتفق مع طبيعة المتغيرات وينسجم ويتفق مع عظمة التحديات التي يواجهها الوطن والمؤتمر.
وتلك مجهودات ايجابية تقدر كثيراً ما خلص اليه من نتائج سواءً أكانت من خلال الندوات الموسعة أو الحلقات النقاشية النوعية التي كرست لمناقشة الهم الوطني والمؤتمري وبحثت بمسؤولية عن متطلبات التجديد والتطوير.. لكن ما نأخذه على هذه المجهودات الايجابية هو ان ما خلصت اليه من مفردات وتوصيات ورؤى لم تجد معظمها طريقها الى البلورة على الواقع وقد يعكس ذلك وجود حالة قد نسميها هنا بالفجوة بين الوسط المؤتمري النوعي وبين القيادات المؤتمرية المناط بها مهمة التخطيط والإعداد للبرامج والخطط المؤتمرية والتي قد تخلو من عام لآخر من أفكار التجديد التي عبرت عنها المناشط المختلفة الأمر الذي أكسب العمل المؤتمري حالة من الرتابة في أحايين عدة وهي رتابة كان لها التأثير البالغ في عدم قدرة المؤتمر على تحقيق التأثير الايجابي الاكبر في الحياة اليمنية.
ولعل المتابع للعمل والنشاط المؤتمري يلاحظ بجلاء مدى ما مني به هذا النشاط بفعل ضعف التخطيط الاستراتيجي القادر على تحقيق اعلى درجات الاستفادة من حالة التنوع الكبيرة الهائلة في الوسط المؤتمري المليء بالكفاءات والقدرات والتخصصات المختلفة التي لم يتم الاستفادة منها حتى اليوم بالصورة الكاملة التي قد تتفق مع حجم مسؤوليات المؤتمر الوطنية كتنظيم سياسي قائد معني بكافة القضايا والهموم الوطنية وبكافة الارهاصات والتداعيات والمؤثرات التي تنتج بين الحين والآخر نتيجة التطورات المتتالية.
ولاريب أن هذا الضعف في الأداء قد جعل البعض يتصور ان المؤتمر الشعبي العام هو حزب الرئيس وان الرئيس إذا ما خرج من السلطة سيخرج معه المؤتمر من الحياة السياسية والتنظيمية، وهو قول- للأسف الشديد - نجد هناك العديد من الابواق الاعلامية تحاول، عبثاً، التطبيل له في محاولة لترسيخ رأي لدى الجماهير عن المؤتمر بما من شأنه أي هذا الرأي ان يخفف كثيراً من حالة الزخم والتعامل الشعبي الكبير الذي يتمتع به المؤتمر الشعبي العام على امتداد التراب الوطني، وذلك هدف- بالطبع- يخدم أجندة حزبية تقف وراء هذا التطبيل والتشويه خدمة لأحزابها التي باتت تعيش بعيداً عن الزخم والتفاعل الشعبي.
وعودة الى ذكرى تأسيس المؤتمر الـ29 والتي تطل علينا الاربعاء القادم فإن المؤتمريين بالرغم من فعالياتهم الاحتفائية المختلفة مع كل ذكرى تأسيس لم يتم الاخذ برؤاهم وتصوراتهم أو بالقدر الكافي منها.. فإنهم لاشك اليوم سيواصلون بقوة وعنفوان هذا المسلك ويحدوهم الامل الكبير في بلوغ حياة تنظيمية زاخرة بالانجاز والعطاء بل وقدرة على التفاعل مع متطلبات الحاضر وتحديات المستقبل.
فالأزمة الراهنة التي تعيشها البلاد تمثل أكبر تحدٍ يواجهه المؤتمر الشعبي العام خلال مسيرته الحافلة وهو تحد يتطلب الاسراع من قبلهم في القضاء التام على كافة المنغصات التي تشوب حياتهم التنظيمية خاصة بعد عودة الكثير من القيادات المحسوبة عليه الى أحزابها الأصلية والتي دفعتهم الى ذلك إفرازات الأزمة الراهنة.
ولاريب أن هذا الخروج من المؤتمر لهذه العناصر يمثل هو الآخر فرصة ثمينة للمؤتمر الشعبي العام من شأنها أن تجعله يستفيد من قدراته وإمكاناته البشرية الهائلة بدلاً من الاستعانة بعناصر جاهزة من خارج أطره التنظيمية، وان يستفيد من الدرس الذي لقنته إياه العناصر العائدة الى أوكارها الحزبية التي كان لها الاثر البالغ في تثبيط عزيمة المؤتمر والتأثير على حراكه التنظيمي والسياسي وعلى مستوى قدراته الاتصالية والتفاعلية مع الرأي العام.
إنها فرصة للمؤتمر لا بد له في ذكرى تأسيسه الـ29 ان يجعل من هذا الموضوع قضية رئيسية ويعمل باهتمام اكبر على إيجاد القاعدة القوية الصلبة التي تمكنه من الاستغلال الامثل لقواعده المؤمنة بأهداف ومضامين وقيم الميثاق الوطني وبأهداف المؤتمر كتنظيم سياسي جبل منذ التأسيس حتى اليوم على تحل مهام ومسؤوليات البلاد، كما أن الازمة الراهنة وما أفرزته من تداعيات خطيرة تتطلب من المؤتمريين القيام بعقد اكبر ورشة عمل للمراجعة والتمحيص حول كافة جوانب تجربته سواء أكانت على الصعيد التخطيطي أم التنظيمي وفي آلياته الاشرافية وطرق المتابعة والتقييم والرقابة.. الخ من متطلبات العملية التنظيمية للمؤتمر والتي تعد اليوم في أمس الحاجة الى جهود اكبر باتجاه جعلها تعيش دوماً في دائرة الأضواء والتفاعل وفي إطار من الخطط الواضحة التي تحدد بدقة اهداف التحرك السياسي والتنظيمي وتستفيد بدرجة كبيرة من اللامركزية التنظيمية التي حرص المؤتمر على جعلها قاعدة لعمله التنظيمي على مستوى المحافظات والمديريات والدوائر، بالاضافة الى تفعيل دور الدوائر المتخصصة بالأمانة العامة للمؤتمر باعتبارها تمثل مراكز مهمة للمعلومات والخبرات الفنية الإدارية في عملية المتابعة لكافة مناشط العملية التنظيمية وتقويمها بالاضافة الى التفعيل المهني لدور هيئة الرقابة والتفتيش المالي ورفع مستوى أدائها بالصورة التي تجعلها قادرة دوماً على فض المنازعات والاشكالات وإيجاد المعالجات الناجعة وفقاً للأنظمة واللوائح المؤتمرية.
إن هذه المهام تعد ضرورات ملحة لرفع قدرة وإمكانات المؤتمر في التفاعل مع إدارة الازمات ومن خلال رؤية أكثر ثاقبة تستفيد من مهام ومسؤوليات مختلف الهيئات المؤتمرية الاستشارية والشوروية والنيابية والوزارية وكذا الهيئات التنفيذية للمؤتمر بالمحافظات.
وان البدء بكل ذلك يتطلب هو الآخر قراراً قيادياً نثق أن القيادة التنفيذية للمؤتمر الشعبي العام وعلى رأسها الاخ المناضل عبدربه منصور هادي النائب الاول لرئيس المؤتمر الشعبي العام - الأمين العام سيعمل على تهيئة كل ما من شأنه ان يعزز من وتيرة النشاط المؤتمري خلال هذه المرحلة وبما يتفق مع طبيعة الخدمات القادمة والتي تتطلب- كما أشرنا - حالة مستمرة من اليقظة والجاهزية والفاعلية، كما أننا واثقون ان الفعاليات المؤتمرية وفي إطار احتفالاتها اليوم بذكرى التأسيس ستضمن استمرارية العطاء المؤتمري المنتصر للوطن على مستوى كافة جوانب الحياة وبما يحقق إنجازات جديدة للمؤتمر يضاف الى رصيده الكبير من الإنجازات التاريخية في الوحدة والديمقراطية والتنمية وتعزيز المشاركة الشعبية وبناء الدولة اليمنية الحديثة وتطويرها وتحديثها من يوم لآخر.
خلاصة: ان المؤتمر الشعبي العام أمام مرحلة جديدة تتطلب منه وضع لبناتها بروح أكثر انفتاحاً واستجابة لمعطيات التطور وان المؤتمريين قادرون على مواصلة المسيرة ومواجهة التحديات باقتدار.