د. عبدالعزيز المقالح -
لا يوجد - من وجهة نظر عامة - أدنى شك في أن المصالحة الفلسطينية التي تمت أخيراً في مكة المكرمة ستكون نموذجاً عربياً يقتدى وذلك إذا ما نجحت وحققت الهدف المنشود في إقامة حكومة وحدة وطنية حقيقية ووضع حد نهائي لاستخدام السلاح الفلسطيني بين أهله. وستعمل هذه المصالحة على حل معظم الخلافات الساخنة التي تؤرق الساحة العربية وأخطرها وأكثرها سخونة هي تلك التي تجري على الساحة العراقية، حيث تأخذ الخلافات شكل الإبادة المستمرة وحيث صار القتل وجبات يومية ومنظر الدماء أمراً مألوفاً لا يتكرر إلا في مسالخ الحيوانات.
وإذا كان الأشقاء في فلسطين قد نجحوا في حقن الدم الفلسطيني واحتكموا إلى العقل وادركوا المخاطر المحيطة بهم فما احوج الأخوة من العراق إلى مثل هذا الموقف الشجاع الذي يحتكم إلى الضمير ويقبل المساعي الحميدة وينظر عواقب ما يجري بعين العقل ومن منطلق المصلحة التي تحفظ للعراقيين كلهم دون استثناء وحدة بلادهم وسيادتهم وتصون دماءهم المهدرة بصورة غير مسبوقة في تاريخ أي بلد عربي أو غير عربي. ويبدو أن بعض الأنظمة العربية مسؤولة عن تقديم مبادرة عاجلة لوضع حد نهائي وسريع لهذه المجازر التي تقض المضاجع وتبعث الرعب في النفوس.
لقد انهت المصالحة التي تمت في مكة المكرمة الخلاف بين الأشقاء الفلسطينيين وغابت عن الشوارع حشود الاقتتال المريب وصمت دوي الرصاص وعاد الأمن إلى غزة وبقية مدن الضفة باستثناء العدوان الذي يمارسه العدوان الصهيوني، وقد صار طبيعياً بالنسبة للفلسطينيين كما هو بالنسبة لنا وللعالم، وبات من المشاهد اليومية التي اعتاد الناس على رؤيتها كما اعتادوا شرب الشاي والقهوة وتناول الفاكهة في غياب موقف عربي صارم ومساندة دولية مخلصة، ولكن الشاذ والمخالف لطبيعة الحياة أن تدور المعارك بين الفلسطيني وشقيقه وأن يتولى الرصاص الفلسطيني دور الرصاص الصهيوني، وهو ما يتمنى الجميع أن لا يتكرر وأن يكون لقاء مكة وما أسفر عنه من تصافح القلوب قبل الأيدي هو العودة الصحيحة إلى الأصل وإلى ما كان ينبغي أن يكون دائماً وأبداً.
والملاحظ أن الحال في العراق لا يختلف عنه في فلسطين، هناك احتلال وهناك مقاومة، وبينهما قوى تلعب في الظلام لخدمة الاحتلال وإطالة زمن وجوده ولو على حساب تدمير الشعب والقضاء على كل مقومات التعايش بين أبناء الوطن الواحد وقد أدرك الفلسطينيون خطورة هذه الحالة وعاد إليهم رشدهم، فمتى يتعلم العراقيون الدرس ويدركون أبعاد اللعبة المدمرة، لعبة الطائفية والمذهبية، وما تقوم به قوى الظلام الخفية من تعميق الفتنة والقيام بضربة هنا وأخرى هناك لاستمرار القتل وتمزيق أجساد الأبرياء في مأساة تراجيدية هي الأفجع في كل ما شهده العالم قديماً وحديثاً من تراجيديات مأساوية.
الخليج