الإثنين, 26-سبتمبر-2011
الميثاق نت -  عبدالرحمن مراد -
< لا أظن أن تصريحات بعض رموز المعارضة اليمنية كانت مسئولة مسئولية وطنية وأخلاقية تجاه الدعوة إلى الحوار باعتبارها جنوحاً إلى السلم، ولم تكن تلك المراوغة السياسية التي بدت على شفاه أولئك الناس سوى تعبير عن فراغ وعدم وطموح قاتل إلى السلطة، وتظل مصلحة الجماهير اليمنية على عمومها هي الغائب الأوحد من كل تجليات الأزمة الراهنة.
الذين يتكلمون بمنطق الحالة الثورية في ظل غياب المشروع الحضاري الذي يحدد ملامح الدولة القادمة إنما يتكلمون عن وهم عايشناه زمناً كان كافياً ليصبح خطوطاً عريضة وواضحة المعالم، ذلك أن الحديث عن الدولة المدنية في ظل وجود من يناوئ هذا التوجه يظل حديثاً عائماً وواهماً ولا يستطيع أن يصنع لحظة حضارية فارقة في حياة وتاريخ الشعب اليمني..
لقد تهيأت المناخات والضمانات الأقليمية والدولية لحوار يفضي بنا إلى صياغة ملامح الدولة القادمة في ظل حالة التوازن بين القوى التي بالضرورة لا يسعها إلاّ المزايدة على مصالح الجمهور في عمومه ووصولها إلى حالة من التوافق قد يحد من تكوّن قوى نفعية أو قوى عدمية أو انتهازية جديدة أو يعيد إنتاج ما كان فارضاً وجوده في الظروف التاريخية الاستثنائية لهذا الوطن.
ولعل إصرار المعارضة على الحالة الثورية والشرعية الثورية ورفض الحوار للوصول إلى صيغة توافقية تحدد ملامح اليمن الجديد ومعالمه، قد يفضي بها ذلك الاصرار إلى دائرة أخرى غير دائرة العدمية التي قدمتها كثورة في ظل ظروف كل القيم وتباعدها وتكتل اليائسين من المستقبل، هذه الدائرة هي دائرة الفعل الثوري الحقيقي الذي يقتضي نفي الفترة الزمنية الواقعة بين (1962-2011م) نفياً تاريخياً، وقبل ذلك محاكمتها وفق منهجية المادية الجدلية، ومحاكمة رموزها محاكمة تاريخية ووطنية لنصل إلى حالة من التطهر منها ومن ثم إلى حالة النفي، لنتمكن بعد ذلك من البناء الحضاري الجديد الذي لا يشبه ذلك الماضي وقد يدل على ذاته وينطلق من لحظته التاريخية الفارقة، وذلك النفي لا يعني الحدث فقط بل الحدث ورموزه وامتداده بحيث يبدأ زمن آخر وجيل آخر متغاير لصناعة التاريخ القادم لليمن الجديد.
وقد تقتضي المادية الجدلية الوقوف عند المحطات التاريخية المتمثلة في ثورة 26 سبتمبر 1962م، وتتجاوز ثورة 14 أكتوبر 1963م، لأنها كانت صراعاً ضد مستعمر، ثم صراع مجلس السيادة مع المعارضة في البدايات الأولى لثورة سبتمبر وصولاً إلى حركة (5 نوفمبر 1967م) ثم انقلاب 23 أغسطس 1968م على المجلس الجمهوري الذي قاده سلاح المدرعات والقوى القبلية، فالحركة التصحيحية في 1969م التي أطاحت بقحطان الشعبي بانتفاضة شعبية هائجة، فمقتل إبراهيم الحمدي في 11 أكتوبر 1977م، فمقتل سالم ربيع علي الذي تفجر بالنار وتسربل بالدم حسب وصف البردوني، ومن ثم حادث اغتيال أحمد الغشمي وانقلاب أكتوبر 1978م في صنعاء، وخروج عبدالفتاح إسماعيل من السلطة في عدن ووصول علي ناصر محمد الذي ارتقى كما يقول البردوني من الرئاسة إلى الرئاسات، رئاسة الجمهورية، رئاسة هيئة مجلس الشعب الأعلى، رئاسة مجلس الوزراء، الأمانة العامة للحزب، فأحداث الجبهة الوطنية، فأحداث 13 يناير 86م والوقوف طويلاً أمام حرب صيف 1994م، وحرب صعدة التي امتدت من (2004-2010م)، وقراءتنا لهذه المحطات التاريخية تجعلنا على دراية مطلقة وتامة ووافية بأسباب الاشكالية وجوهرها الحقيقي وتضع أمامنا الفرضيات اللازمة لتجاوزها ومعالجتها معالجة جذرية تمنع تكرارها وتحقق العدل وتشيع السلام.
حينها نكون على مشارف ثورة حقيقية قادرة على إعادة الحقوق إلى أهلها (أي رد المظالم) ومنح الحقوق العادلة لمواطنة متساوية لكل الذين كانوا ضحايا صراع سياسي بدءاً من بيت حميد الدين وحكام المحميات الجنوبية (السلاطين) وانتهاءً بعلي سالم البيض وزمرته، والحوثية وأصحاب المواقف الفردية المعارضة للنظام ولا يفترض أن تتكرر المأساة في أحد إذا أردنا ثورة حقيقية تصنع واقعاً جديداً ويمناً جديداً، يكفل حياة آمنة ومستقرة وعادلة لكل مواطنيه.
ولعل اشتغال المعارضة على السلام وكذا السلطة على الحوار والسلام يجعل كل الأطراف المتضادة أمام مفردة «السلام» كقضية وطنية وليس كشعار، واشتغال كل الأطراف على مبدأ السلام يفضي بالضرورة إلى القول بوجوب إعلان المصالحة مع التاريخ ومن ثم نفي التاريخ لتبدأ مرحلة تاريخية جديدة من معالمها القول بالفصل بين السلطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية، القضائية) وإعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس وطنية وتكون من ضمن مهامها حماية السيادة الوطنية والانتصار للدستور وحماية شرعيته، بحيث تصبح مؤسسة وطنية محايدة، والانتقال من النظام الرئاسي إلى النظام البرلماني، ومن نظام الدائرة الانتخابية إلى نظام القائمة النسبية، وإعادة هيكلة الدولة والمؤسسات بما يتوافق والتطورات العصرية وبحيث يصبح الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة تابعاً للسلطة التشريعية، والهيئة العامة لمكافحة الفساد تابعة للسلطة القضائية بما يحقق حد السلطات لبعضها البعض وتعديل قانون المجالس المحلية بحيث يمنع التداخل بين التنفيذي والرقابي وفصل المجلس المحلي أو البلدي عن المجلس التنفيذي وبحيث يتحول أمين عام المجلس إلى رئيس للمجلس المحلي أو البلدي ويصبح المحافظ مع مكتبه التنفيذي مسئولاً أمام المجلس المحلي ومساءلاً من قبله والعمل على تطوير النظام الاجتماعي بحيث تتحول مصلحة القبائل إلى مجلس للشيوخ، له فروع في المحافظات وله اجتماعات دورية ومن مهامه الوقوف أمام ظاهرة الثأر ومساندة الأجهزة الأمنية في تحقيق الأمن والسكينة والاسهام في عصرنة البنية الاجتماعية وبما يكفل خروجها من وعي الغنيمة إلى الوعي الانتاجي وتطوير نظمها وأدواتها وتجديد عُرفها بما يتوافق ومظاهر العصر الحضارية وترسيخ دولة المواطنين وهو المشروع الحضاري الذي اشتغلت عليه حركة (13 يونيو) وكانت له محاسنه ونجاحاته مع ما عاناه من ضيق أفق وقيد في الحريات حسب تجليات المرحلة الزمنية ومناخاتها الوطنية والاقليمية والدولية.
إن أزمة العقل السياسي العربي تنحصر في ثلاثة محددات هي: القبيلة، الغنيمة، العقيدة.. كما عبر عن ذلك الجابري في كتابه «العقل السياسي العربي» ومن الغنيمة، والعقيدة، تجلت أزمة القيم التي برزت بشكل جلي وواضح منذ «السقيفة» ووصلت ذروتها في زمن الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث انشغل الناس في زمنه بالدنيا وتنمية الأموال، فزاد الأغنياء غنى والأقوياء قوة ولم تتحسن أوضاع المستضعفين، وكان لميل عثمان (رضي الله عنه) إلى ذوي قرباه وإيثاره لهم في الثروة والسلطة أثر في خروج عبادة بن الصامت، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر.. منكرين سوء الفعل ومحذرين من عاقبته التي كانت اغتيالاً اشعل فتنة ظلت متقدة الأوار في مراحل التاريخ المختلفة وهو الأمر الذي يضعنا أمام سؤال تاريخي كبير يبحث عن إجابة له شافية من بين تجاعيد الأزمة السياسية الحالية التي تعصف بالأمة أجمع وباليمن على وجه الخصوص وذلك في سياق من التلقي والاتصال كوسيلة تفاعل أساسية بين الجماعات للتحكم بالأنظمة المادية والرمزية في سياقها التاريخي والثقافي ومن حيث تقبل الحدث وإعادة إنتاج دلالته في وسط زمني مغاير لتشابه الأسباب والدوافع.
لذلك فالقول بالخروج من وعي المحددات الثلاث ومن ظلال المحددات التي أوصلتنا إلى أزمة القيم التي بدت جلية وواضحة في جل المسلكيات وفي الخطاب السياسي الذي تفاعل مع الحدث السياسي في صورته المقروءة في الواقع المعيش يتطلب وعياً حداثياً عصرياً مغايراً.
وحين يتحقق الوعي الحداثي تصبح هناك ثورة ذات هوية حضارية وذات قيمة ومضمون وشكل، تتجاوز من خلال المضمون والمعنى والقيمة حالة الفراغ التي نلمسها وحالة العدمية التي قدمتها كثورة في ظل ظروف كل القيم وتباعدها وتكتل اليائسين من المستقبل.
تلك أبرز مرتكزاتنا للقول بالثورة والإيمان بها كحالة مغايرة وفي المقابل فنحن نجد صعوبة بالغة لكل مظاهر اللحظة السياسية التي تقول بالمشروع المؤجل لأننا على يقين أن القائلين به هم في الحقيقة لا يحملون مشروعاً ولكنهم يحلِّقون في عالم من فراغ وثورة من عدم ولا هدف يجمعهم سوى بريق السلطة وبهرجها الزائف ولعل رفض صيغة الحوار من حيث المبدأ ورفض التوافق مع ملامح اليمن الجديد دال على نية سياسية في الاستبدال والإحلال وليس التغيير الذي يتوهمه كثير من الناس.






تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 06:15 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-23155.htm