الإثنين, 26-فبراير-2007
الميثاق نت -
هذه‮ ‬رحلة‮ ‬من‮ ‬ماضي‮ ‬صحا‮ ‬فتنا‮.. ‬نعتقد‮ ‬في‮ ‬أهمية‮ ‬ان‮ ‬نتعرف‮ ‬عليها‮.. ‬ان‮ ‬نقف‮ ‬على‮ ‬تجاربها،‮ ‬ومراحلها،‮ ‬نستقرئ‮ ‬ظروفها،‮ ‬وتحدياتها،‮ ‬الى‮ ‬جانب‮ ‬اجتراحاتها‮ ‬للانجاز‮ ‬في‮ ‬الزمن‮ ‬الصعب‮ ‬والمكان‮ ‬الأصعب‮.‬
< صدر أول عدد من أعدادها في ١٣ أكتوبر 1946م في مدينة عدن، وترأس تحريرها القاضي محمد محمود الزبيري ومدير تحريرها احمد محمد نعمان.. وهي جريدة اسبوعية. وكانت تصدر في أول الأمر في اربع صفحات، ثم صارت في ثمان صفحات مقاس ٥٤*١٣سم.. وتطبع منها في حدود ألف نسخة في أول‮ ‬الأمر‮ ‬ثم‮ ‬تضاعف‮ ‬العدد‮ ‬مع‮ ‬زيادة‮ ‬الاقبال‮ ‬عليها‮.. ‬ومعظم‮ ‬نسخها‮ ‬كانت‮ ‬توزع‮ ‬في‮ ‬مدينة‮ ‬عدن‮ ‬ومنها‮ ‬بعض‮ ‬النسخ‮ ‬تتسرب‮ ‬سراً‮ ‬الى‮ ‬مملكة‮ ‬الإمام‮ ‬يحيى،‮ ‬وبعضها‮ ‬ترسل‮ ‬الى‮ ‬المهاجرين‮ ‬اليمنيين‮ ‬في‮ ‬الخارج‮.‬
وتعتبر‮ »‬صوت‮ ‬اليمن‮« ‬أول‮ ‬جريدة‮ ‬حزبية‮ ‬يمنية،‮ ‬كانت‮ ‬معظم‮ ‬موادها‮ ‬موجهة‮ ‬ضد‮ ‬حكم‮ ‬آل‮ ‬حميد‮ ‬الدين،‮ ‬واعوانهم‮ ‬ورجال‮ ‬حاشيتهم‮.‬
وكانت في أول امرها تركز على تعرية وفضح ولي العهد الأمير »سيف الاسلام« احمد بن يحيى حميد الدين، وتطالب بإزاحته من ولاية العهد، وتنادي بالاصلاحات الداخلية في جميع المجالات، وقد اعتمدت على المقالات الموجهة لنقد الاوضاع في مملكة الامام يحيى، ومناشدة الامام القيام بالاصلاحات والتخلص من العابثين والمفسدين من رجال حاشيته والمقربين إليه، ونبهت الى المظالم التي كانت ترتكب بوسائل شتى منها الأخبار ورسائل القراء، وكانت تنشر باستمرار رسائل الشكاوى التي تصلها من المواطنين من داخل المناطق الخاضعة لحكم آل حميد الدين.. وكانت‮ ‬ايضاً‮ ‬تنشر‮ ‬الاخبار‮ ‬المحلية‮ ‬والعربية‮ ‬والعالمية‮ ‬والتعليقات‮ ‬عليها،‮ ‬وتقوم‮ ‬بتحليل‮ ‬الاحداث‮ ‬السياسية‮.‬
وتعمقت صلتها بالمواطنين اليمنيين في داخل البلاد وخارجها وزاد عدد مراسليها وتضاعف قراؤها وكثر روادها، وكانت تصلها بين الحين والآخر رسائل من العلماء والمشائخ والاعيان موجهة الى الإمام تطالبه فيها رفع المظالم وتخفيف اعباء الضرائب عن كواهلهم.
وفيما يتعلق بالقضايا العربية والدولية وقفت »صوت اليمن« مع القضية الفلسطينية، وساندت الشعب الفلسطيني المنكوب باغتصاب ارضه، وطالبت بإعادة اللاجئين الى ديارهم، كما وقفت ضد التدخل الامريكي في اليمن، ولكنها لم تتعرض لوجود الاستعمار البريطاني في عدن وسائر مناطق جنوب‮ ‬اليمن‮ ‬المحتل‮.‬
وكانت بين الحين والآخر تشيد ببعض الاصلاحات الطفيفة التي كانت تقام في عدن لخلق الحماس الوطني في نفوس المواطنين من ابناء الشمال للمطالبة بإدخال اصلاحات في مناطقهم، والقيام بمشاريع مماثلة لتلك التي تقام في عدن.
وكانت ايضاً تنشر مقتطفات من أقوال الصحف العربية وخاصة تلك التي تتناول الاوضاع اليمنية والعربية، كما نشرت بعض البيانات التي كانت توجه من سيف الحق ابراهيم ابن الامام يحيى الذي هرب الى عدن وانضم الى صفوف المعارضة لحكم ابيه، كما تخصصت في نشر بيانات »الجمعية اليمانية الكبرى« الى الشعب اليمني، ونشرت »الميثاق الوطني المقدس« وبعض فقرات من برنامج الجمعية..وكانت معظم موادها مركزة حول فضح الاوضاع في شمال اليمن، والمطالبة بإصلاح نظام حكم آل حميد الدين او اسقاطه.
وكانت »صوت اليمن« من الناحية النظرية والفكرية تنحو منحى الاخوان المسلمين، ومن الناحية العملية ذات اتجاه اصلاحي توفيقي، ومن الناحية السياسية تدعو الى حكم شورى دستوري يستمد احكامه من الشريعة الاسلامية..واستطاعت »الجمعية اليمانية الكبرى« من خلال جريدتها »صوت اليمن« ان تلفت الانظار اليها فالتف اليمنيون حولها، وصارت تشكل مصدر ازعاج وقلق للإمام يحيى ورجال حكمه واتباعه وحاشيته، خاصة انه كان من بين اعضائها احد افراد الاسرة المالكة وهو الامير »سيف الاسلام« ابراهيم الذي لقبه الاحرار »سيف الحق« لأنه آثر الوقوف مع الحق‮ ‬على‮ ‬الوقوف‮ ‬مع‮ ‬باطل‮ ‬ابيه‮ ‬واتباعه‮.‬
وكان سيف الحق ابراهيم يبعث برسائل ونداءات الى زعماء العرب وقادتها، والى الجامعة العربية يطالبهم فيها التدخل لاقناع حكام اليمن في اقامة العدل ونشر التعليم والثقافة وبناء المشاريع العمرانية والنهوض بالبلاد.. وكانت معظم او كل تلك الرسائل تنشر في »صوت اليمن« مما‮ ‬اشعل‮ ‬نار‮ ‬الجحيم‮ ‬في‮ ‬قصور‮ ‬الإمام‮ ‬ورجال‮ ‬حاشيته،‮ ‬لأن‮ ‬الذي‮ ‬يفضحهم‮ ‬كان‮ ‬أحدهم‮ ‬ويعرف‮ ‬الكثير‮ ‬عن‮ ‬اسرارهم‮.‬
وظلت »صوت اليمن« تقارع النظام الإمامي حتى انقلاب ٨ ربيع الثاني 1367هـ الموافق 17 مارس 1948م، الذي تم على اثره اغتيال الامام يحيى بن محمد حميد الدين في عملية انتحارية جريئة نفذها علي ناصر القردعي وبعض رفاقه، حين نصبوا له كميناً في الطريق الجنوبية من صنعاء، وامطروه‮ ‬بوابل‮ ‬من‮ ‬الرصاص‮ ‬اردته‮ ‬قتيلاً‮ ‬في‮ ‬الحال‮.‬
وعلى اثر ذلك سارعت جماعة المعارضة بتشكيل حكومة دستورية نصبوا على رأسها عبدالله بن احمد الوزير، وعينوه اماماً جديداً لليمن خلفاً للإمام يحيى.. واعلنوا على الشعب عبر جريدة »صوت اليمن« وغيرها من الصحف نبأ الانقلاب ووجهوا بياناً الى الشعب اليمني يطالبونه الالتفاف‮ ‬حول‮ ‬حكومة‮ ‬الانقلاب‮ ‬والوقوف‮ ‬الى‮ ‬جانبها‮..‬اعلنت‮ ‬الحكومة‮ ‬الجديدة‮ ‬في‮ ‬صنعاء‮ »‬الميثاق‮ ‬الوطني‮ ‬المقدس‮« ‬وبيان‮ ‬الانقلاب،‮ ‬ونشرتهما‮ ‬ايضاً‮ ‬جريدة‮ »‬صوت‮ ‬اليمن‮«.‬
وعلى اثر سماع نبأ الانقلاب الجديد اعلنت الجماهير اليمنية ولاءها للنظام الجديد وتجمهرت في حارات صنعاء تأييداً للحكومة الجديدة والإمام الجديد، كما اعلن ايضاً بعض الامراء في الاسرة الحاكمة تأييدهم للنظام الجديد.. وكانت »صوت اليمن« تتابع كل ذلك باهتمام وتنشر انباء‮ ‬الانقلاب‮ ‬اولاً‮ ‬بأول‮.‬
ولكن الامير احمد ولي العهد، وامير تعز حينذاك، رفض الاعتراف بالنظام الجديد وجمع القبائل وألَّبها ضد الحكم الجديد، وحرضها لدخول صنعاء واسقاط الحكومة، واباح لها سلب ونهب المدينة، وحثها على اسقاط الحكومة الجديدة مهما كانت النتائج ولو دمار صنعاء بمن فيها.
شعرت الحكومة الجديدة بخطر اكتساح القبائل لمدينة صنعاء، ومداهمة سكانها وسلب ما فيها، فأرسلت وفداً الى الرياض لمقابلة وفد الجامعة العربية لطلب المساعدة في انقاذ الموقف في صنعاء، وتجنيب العاصمة النهب والخراب والدمار، ولكن الجامعة تلكأت وخاب ظن الحكومة الجديدة‮ ‬فيها،‮ ‬وضاع‮ ‬أملها،‮ ‬وقاومت‮ ‬اكتساح‮ ‬القبائل‮ ‬للمدينة‮ ‬حتى‮ ‬سقطت‮ ‬المدينة‮ ‬في‮ ‬أيديهم‮ ‬في‮ ٣ ‬جمادي‮ ‬الأولى‮ ‬عام‮ 1367هـ‮ ‬الموافق‮ 1948م،‮ ‬بعد‮ ‬شهر‮ ‬واحد‮ ‬من‮ ‬قيام‮ ‬الحكومة‮ ‬الجديدة‮.‬
وكانت‮ »‬صوت‮ ‬اليمن‮« ‬تتابع‮ ‬كل‮ ‬تلك‮ ‬الاحداث‮ ‬باهتمام‮ ‬كبير،‮ ‬وقلق‮ ‬متزايد‮.‬
لقد تكالبت الظروف من الداخل والخارج على الحكومة الجديدة، حتى سقطت وهي لاتزال في مهدها، وبسقوطها اعتلى العرش ولي العهد الأمير احمد وصار ملكاً على البلاد، واعلن نفسه اماماً خلفاً لأبيه، في ٣ جمادي الأولى 1367هـ 1948م. وبدأ الإمام عهده بسلسلة جديدة من المجازر وملاحقة الاحرار ورجال القبائل الذين ساندوا الانقلاب، وراح ضحيتها عشرات من الشباب اليمني، والعلماء ورجال القبائل وزهرات اليمن من الضباط الاحرار، ورُمي بالمئات من المواطنين في غياهب السجون المظلمة وتشرد الآلاف وهرب من هرب، وتفرقوا في بقاع شتى من العالم..لقد‮ ‬كان‮ ‬الإمام‮ ‬الجديد‮ ‬احمد‮ ‬كابوساً‮ ‬رهيباً‮ ‬جاثماً‮ ‬على‮ ‬الشعب‮ ‬لا‮ ‬يستطيع‮ ‬منه‮ ‬فكاكاً،‮ ‬وكان‮ ‬وحشاً‮ ‬كاسراً‮ ‬ضحاياه‮ ‬من‮ ‬المواطنين‮ ‬الابرياء‮.‬
وبعد ان تمكن من الامساك بزمام الموقف على بركة من الدماء، طلب من بريطانيا وحكومة عدن ايقاف اي نشاط سياسي معادٍ له ولحكومته في عدن »المستعمرة«، فاستجابت بريطانيا لطلبه ومنعت رجال المعارضة من البقاء في عدن، وحظرت نشاطهم السياسي فيها، وأمرت بإغلاق مكاتبهم، واوقفت‮ ‬اصدار‮ ‬جريدتهم‮ »‬صوت‮ ‬اليمن‮«.. ‬وبذلك‮ ‬توقفت‮ ‬الصحيفة‮ ‬عن‮ ‬الصدور‮ ‬في‮ ‬عدن،‮ ‬الى‮ ‬أن‮ ‬عادت‮ ‬للظهور‮ ‬من‮ ‬جديد‮ ‬في‮ ‬القاهرة‮ ‬عام‮ 1955م‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 13-نوفمبر-2024 الساعة: 10:33 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-2328.htm