أحمد عبدالله الصوفي -
لقد فرضت طبيعة الأطماع والحسابات الخاطئة لرأسي الفتنة عبدالملك الحوثي ويحيى الحوثي علينا الحرب وهي كره لنا لكن المتغير الجوهري في هذه الحرب انها أتت بعد ان استنفدت الوسائل السلمية وتشكيل لجان تحكيم وطرح المسألة على البرلمان ومناقشة أبعادها في كل هيئات النظام السياسي والأدوات الدبلوماسية، وبعد ان أشركت الفعاليات السياسية والدولية في المعلومات والحقائق وهو متغير مهم يحدد طبيعة تعريف وفهم هذه الظاهرة التي اتخذت بعداً متطرفاً في العنف لخصته عمليات تعذيب لمختطفين اقتلعت أظافرهم، وبعد تكشف لطبيعة الاعداد العسكري والتجنيد الفئوي التي قدمت بما لا يدع مجالاً للشك المبررات الامنية والسياسية للتصدي ومكافحة هذه الظاهرة المسيئة لشخصية الانسان اليمني السياسي الذي استوعب كل التعبيرات الفكرية و السياسية ما دامت تعمل ضمن قواعد الممارسة الديمقراطية التي ابت هذه الثلة الا التمرد عليها بصلافة وغرور، معتقدة ان المتغيرات التي تستدعي ايقاظها مرة اخرى لتنفيذ مخطط اقليمي اكبر من حجمها في لحظة تشهد فيه المنطقة حالة استيعاب لخطر وتهديدات جدية سواءً من نشاط الارهاب او تنامي اطماع اقليمية تحاول ان تفرض نفسها بقوة على دول المنطقة. هذه الاطماع وجدت ضالتها في هذا الطيش الحوثي الذي هزته المغامرات الاقليمية في العراق ولبنان ليكرر ذات السيناريو مستفيداً من محفزات الصراع الاقليمي الذي نعتقد انه السبب الرئيسي لتجدد هذه الظاهرة بعد ان اعتقدنا اننا قد احتويناها ببصيرة وحكمة القيادة التي قدمت العديد من الفرص وكانت تصطدم بعنف من يريد ان يفرض علينا خيار الحرب لأن الحرب سيناريو خارجي ولد ظاهرة الحوثية للاسباب التالية: أسباب تجدد الظاهرة الحوثية تتخذ ظاهرة بدرالدين الحوثي مظهراً جديداً يتسم بالعنفوان العسكري والصلافة السياسية والتحدي لقواعد النظام وطبيعة المجتمع اليمني للعب دور وطني واقليمي يأخذ مصادره من القوة والطاقة من ثلاث محفزات اساسية هي: - تزايد القلق الايراني من ضربة عسكرية امريكية يدفعها الى العمل المتسارع لبناء مرتكزات وتحصينات دفاعية ضاغطة نحو فضاء المملكة العربية السعودية ودول الخليج من خلال تشجيع ودعم المجموعة الحوثية في اليمن لتكون ساعداً وذراعاً لتأجيج بؤر يلعب فيها الاثنا عشريون دور المحفز للشعور الشيعي بالتضامن والوحدة مع استراتيجية آيات الله الايرانية التي لا تقبل بغنيمة في صراعها الراهن مع اوروبا وامريكا بأقل من ذلك النفوذ الذي ورثته من شاه ايران كلاعب رئيسي ومهيمن على شؤون منطقة الخليج وتمسك بورقة تثوير الاقليات الشيعية في هذه المناطق للقيام بأنشطة عسكرية كمقدمة ضرورية لطرح مشكلة اختلال التركيبة السكانية في دول الخليج العربي، وفي اغلب الظن ان الاعتماد على الجماعات الحوثية نابع من اعتقاد ان اليمن يمتلك إرثاً من الحكم على يدي السادة يتجاوز الف ومائة عام ما يعطي انطباعاً خاطئاً للايرانيين ان اليمنيين بطبيعتهم وبأغلبيتهم ميالون الى المذهب الاثني عشري، او انهم يبنون استراتيجيتهم على تقديرات ربما تكون صائبة من قدرتهم ونتائج الجهود السابقة في تحويل معتنقي الزيدية الى مذهب الاثني عشرية. - تأجج الرغبة الليبية بعد ان اتخذ ملف تورط ليبيا في مؤامرة اغتيال للعاهل السعودي الملك عبدالله للرد على ذلك التشهير الذي اضعف مركز ليبيا الاقليمي والدولي واحرق قيادتها صور ادعاء الحكمة والرشاد وفرض شعوراً كاسحاً بعدم الثقة بها دفعها لالتقاط اول عرض تقدم به احد ابناء الحوثي للقيام بدور تصعيدي يجعل المملكة تعيد النظر في سياستها تجاه ليبيا من خلال الضغط وافتعال ازمة امنية او بذر شروط ثورة شيعية تكون انطلاقتها صعدة وفرسانها المجموعات الحوثية التي قدمت نفسها بصورة لا لبس فيها لمليشيات مأجورة هدفها خلق توتر وثورة وصراع في الحدود اليمنية السعودية وهذا يجعل منها قوة سياسية قادرة على افساد العلاقات اليمنية السعودية التي حسمت بإنهاء ملف الحدود عن طريق فتحه بافتعال منازعات وفتح المشاعر اليمنية على الكثير من المطالب التي تنازلت عنها اتفاقية الحدود.. ان الدعم الليبي للمجموعات الحوثية يتركز في توفير المورد المالي وتأمين منابر اعلامية تؤول الصراع على نحو يجعل المملكة امام حقيقة انهما دولتان هشتان امنياً في مواجهة اي نفوذ ليبي مدروس. لقد منح اتفاق عام 2005م بما حمله من موارد وبما مثله من اعادة الاعتبار قرار العفو العام وبذلك التضامن الذي سوقته صحف المعارضة نقطة انطلاق محورية لاكتساب الشعور بالثقة بالنفس وامكانية المضي في مغامرات مدروسة ستؤدي في النهاية الى ذات النتيجة الاولى المتمثلة في استعصاء القضاء عليهم رغم التضحية برأس الجماعة المسلحة حسين الحوثي الا انها أدت في حقيقة الامر الى احراز ثلاثة مكاسب رئيسية هي: - استغلال تسامح القيادة السياسية قدمت تعويضات مالية مكنتهم من اعادة تسليح انفسهم بصورة جيدة آخذين بعين الاعتبار ثقل المورد الخارجي المضاف اليه مكنهم من خلق منظومة اقتصادية خارج اي ارتباطات بالنظام الاقتصادي والعلاقات التي تربطهم بالمجتمع سواءً في صعدة او في المجتمع اليمني وتسريع وتيرة التجنيد واستيعاب مئات المقاتلين بل واغراء العديد من علماء الزيدية بالتمادي في التعبير عن طموحات سياسية اكبر من تلك التي كان يفكر فيها حسين الحوثي نفسه وبزمن قصير جداً. - إعطاؤهم نصراً شجعهم وحفزهم على فكرة التمسك باستراتيجية المقاومة والتنوع في الاساليب ليس فقط لكونهم يعتبرون زهق الارواح لمثل هذه الغايات جزءاً من العقيدة وشكلاً من اشكال الالتزام بالاستراتيجية الايرانية، بل لأن هذا النصر مثل علامة على امكانية تكرار تجربة حزب الله عن طريق خلق انتصارات صغيرة تتوج لتبلور جسم استراتيجي يستحق الرعاية من مكتب خامنئي شخصياً والفوز بموارد وخبرات تجعل منه الدرس الثالث بعد تجربتي حزب الدعوة في العراق وحزب الله في لبنان. - تبلور زعامة محصورة في بيت الحوثي وقيادات اخرى تتوزع الادوار في امانة العاصمة وخارج الجمهورية لتمثل جوقة متناسقة تعزف لحن المرجعية التي تفرض نفسها كأمر واقع لا يمكن للدولة تحاشيه بعد ان سار علماء الزيدية في الركب من خلال مقترحات رفعت للاخ الرئيس لا يشوبها غموض على الرغم من لغتها الملتبسة وسعيها الى دغدغة شعور الرئيس بأنه فرد زيدي وليس رئيس دولة لكنها كانت واضحة وصارمة بل وخطيرة في حديثها عن اشارات جغرافية تبدأ من ذمار وتنتهي بصعدة وتؤسس الهدنة على انسحاب الجيش لتكون صعدة معقلاً محرراً من اي ضغوط عسكرية ثم تساوي المنازل بين مركز الدولة والجماعة الحوثية وتفرض تقاسماً للمسؤوليات بين المحافظ وعبدالملك الحوثي في تنفيذ الاتفاق، بل انها تمضي ابعد من هذا وفي خطوة خطيرة تخلط بين التعبير عن المذهب الزيدي وحاجاته والتعبير الاثني عشري وكأنهما قوة واحدة لتكون بذلك صورة للزعامات المعبرة للمرة الاولى عن ثقل سكان هم كل الزيود الذين تتحدث الوثيقة عن ضميرهم بلغة السادة بعد اكثر من 45 عاماً من الثورة المباركة التي احاطت بمشروعيتهم الحوثي الاب والابن لم يكونوا يوماً تياراً فكرياً حتى يقبلوا ان يكونوا حزباً سياسياً، وهم بنزعتهم العرقية غير قادرين على احترام حقوق اليمنيين المسلحين فكيف لهم ان يعترفوا بحق الاقلية اليهودية. هذه الاسباب الثلاثة تفرض التعامل والتسريع في اللجوء الى العنف المبني على فهم لعمق الظاهرة التي تكشفها فيض المعلومات الاستخباراتية التي تضافرت مع تسريبات مقصودة احدثها الاعلام السياسي بهدف تشويه لسلوك الدولة بالاضافة الى عوامل اقليمية متنامية السرعة تجعل التفكير في كيفية التعاطي مع خيار الحسم - ان صح التعبير - للظاهرة الحوثية يستلزم التفكير بعدد وافر من الخطوات ربما كان اهمها: - التقييم الجدي للتوجيهات الايرانية يبنى على صلات ولقاءات وحوارات معمقة مع الجانب الايراني حتى لا يتصرف كقوة محشورة في زاوية من العداء الاقليمي عبر تقديم قراءات مغايرة لتصوراته عن قيمة هذه الظاهرة في صميم استراتيجيته وحقيقة دور اليمن في حال استمرار السياسة الايرانية في دعم هذه الجماعات وهو دور تخشاه حقيقة ايران كعامل معزز للممانعة الخليجية لأي نفوذ مستقبلي لايران على هذه المنطقة. - الدخول في حوار معمق وعلمي يمكن تلخيصه بالارقام مع الجانب الليبي لتقديم البرهان على سخف اعتماده على هذه الجماعة لتنفيذ سياسات لا تخدم ليبيا ولا تحفظ ماء وجهها وتقديم الادلة على ان الخسارة السياسية لها اذا ما مضت خلف اوهامها سيكون اكبر من منافعها. - اشراك المملكة ودول الخليج ذات التركيبة السكانية التي يتمتع الشيعة فيها بثقل ورجاحة كفها من خطورة المؤامرة وحقيقة الدور التي تلعبه هذه المناطق ليس فقط لتسهم في فهم طبيعة هذا التعقيد في هذه الظاهرة اليمنية وانما بهدف بناء استراتيجيات وسياسات تعزز من الامن وتوفر المنافذ لتكون اليمن عنصراً فاعلاً في تعزيز الامن ولتفهم كذلك اي اجراءات يمكن ان تتخذ لمراقبة وحصار هذه الظاهرة التي تبدو الآن جنينية ولكنها يمكن ان تصبح ذات وزن اقليمي مؤثر ومقرر لأوضاع المنطقة المستقبلية ونقصد بالمستقبلية السنوات الثلاث القادمة وعلى ابعد مدى السنوات الخمس التالية. في غضون ذلك قد يتبادر الى الذهن سؤال وجيه حتى لو تم عزل العامل الايراني والليبي كيف يمكن التعامل مع واقع التحدي الحوثي في صعدة الذي يمعن في تأكيد عنفوانه وقوته من خلال حوادث يفتعلها بذكاء كحادثة آل سالم من الاقلية اليهودية او حوادث استفزاز وقنص واستهداف لرجال القوات المسلحة الذين هيئوا وأهلوا للاضطلاع بمهمات قتالية تقليدية بينما يتباهى الحوثيون بنقطة تفوقهم التي تمكنهم من تقرير نوع الحرب والمواجهة بوسائل حرب العصابات وهنا نقول: ان السياسة الحكيمة للاخ الرئيس قد توخت تجنب الوقوع في الاخطاء الممكنة الحدوث والتي لا تحصر في المواقف التالية: - تحاشت القيادة السياسية ما امكن من الانجرار نحو الميل الى المواجهة العسكرية وعدم الرغبة في تعميم او تعزيز الاعتقاد بأن الهدف هو التصفية الجسدية لهذه المليشيات المسلحة وعلى ان لا يكون قرار الحرب وشكله واحدة من الوسائل التي يحتكرها هؤلاء لفرضها على الدولة والمجتمع اليمني فإن خيار الحرب له مخاطر ان كان خياراً تبادر اليه الدولة ويتمثل ذلك في انعاش خارطة خصوم النظام السياسي وبناء تحالف خفي دفين لاستنزاف وتشتيت قدرات وموارد الدولة العسكرية والامنية لكن خطره الاكبر يكمن في انه يحولهم الى جماعة متكتلة متوحدة ومحتشدة خلف خيار الموت. - سعي القيادة السياسية لحل الصراع بالطرق السلمية والحوار عن طريق تجنب كل جهد وكل تدبير يسعى لأي نوع من التعاطف او المؤازرة لهذه الجماعة واهدافها لحرمانهم من ثقل رمزي وجسم اجتماعي يمكن للموارد المالية ان تستغل الاوضاع الاقتصادية لجعل فرص المواجهة تنتقل الى خارج صعدة او يتنامى تأثيرها الى انعاش الروح المناطقية في العديد من مناطق اليمن التي ستقرأ في الحدث وابعاده السياسية ما يجعلها مرآة قادرة على توليد انماط من الحوثية او الشافعية او السلفية او الوهابية او حتى الجنوبية. -ان اية استراتيجية مواجهة تغفل عن قراءة تاريخ حزب الله وحركة امل وحزب الدعوة في العراق ولا تعمل على بناء استراتيجية منهجية تفضي الى القضاء على فكرة المقاومة المذهبية وليس المذهب بذاته وتغالب الشعور بالقوة وتخفي التدابير الامنية والعسكرية وتفرط في ابداء نمط من العجز لاستدراجهم والتمكن من خلق بؤر داخلهم والكشف عن خيوط مصادر تمويلهم وفضح الاهداف والغايات التي جعلتهم في حقيقة الامر كمرتزقة قبل ان يكون الخيار العسكري قد نضجت شروطه وتأكد من قصر الفترة التي يمكن اللجوء اليه كعمل نهائي يتوج طائفة من الاعمال والتحركات الدبلوماسية والاعلامية والاعمال الفكرية وحتى الندوات التي يجب ان تخلو من كل صور التهييج والكراهية او التهويل من طبيعة هذا الخطر. ان استراتيجية الصبر واطالة الحوار هو انفع واحصف من اي خيار عسكري لا يمتلك قدرة الحسم السريع ولا يستطيع بدرجة اساسية ان يفصل الرأس عن الجسد. ان التحدي هو في الرأس الذي يمكن ان يولد مئات المتطلعين لعودة هكذا شكل من الحكم هو جوهر الخطر كونه يناهض فكرة المساواة ويبحث عن مصدر للمشروعية ضمن منظومة عرقية تصطفي نفسها فوق ارادة الشعب ثار صبيحة الـ 26 من سبتمبر ليؤسس اللبنة الاولى لنشوء نظام ديمقراطي يمنح اليوم الحق لكل ابناء الوطن التطلع الى المراكز الرفيعة والانخراط في الشأن العام. لكن هذه الجماعة التي ارادت ان تركب موجة المتغيرات الدولية والاقليمية تسعى لإعادة عقارب الساعة الى الوراء بوسائل فيها احتقار لنضال الشعب اليمني وتضحياته وفيه خسة الارتزاق لتحويل الوطن الى ساحة لطموحات مشبوهة ونزاعات لا مصلحة لليمن في استضافتها.. ربما كانت فكرة الشباب المؤمن هي واحدة من اخطر التحديات التي ظلت كامنة تحت طبقة رقيقة من الصخب السياسي الذي اتضح انه لا يميز بين الغث والسمين ولا يفرق بين المصالح العليا والمصالح الحزبية، وآن لهذا الامر ان ينتهي.. فمصير الشعب والمجتمع اليمني يجب ألاّ يكون لعبة تختفي وراءها الاغراض الحزبية الضيقة. اخبار الخليج – 27-2-2007