أحمد الحبيشي - سبق لنا القول في مقالات سابقة أن الاسلام السياسي شهدتحولاً خطيراً بعد التزاوج الذي تم بين الاخوان المسلمين والمؤسسة الدينية غير الرسمية في المملكة العربية السعودية على تربة الصدام بين جمال عبدالناصر وثورة 23 يوليو من جهة، وبين التنظيم الدولي للاخوان المسلمين بعد فرار الاخوان الى السعودية عقب فشل محاولة اغتيال جمال عبدالناصرالتي خطط لها الجهازالسري الخاص للاخوان ونفذها في ميدان المنشية بالاسكندرية عام 1954م، ما أدى الى صدور قرار من مجلس قيادة ثورة 23 يوليو بحل تنظيم الاخوان المسلمين وهجرة قياداته وكوادره الى السعودية، الأمر الذي أسفر عن إعادة بناء الايديولوجيا الجديدة للاسلام السياسي على تربة تكفير المجتمع العربي والاسلامي والنظام الدولي وتقسيم العالم الواقعي الى فسطاط للايمان وآخر للكفار وغير ذلك من الأفكار المتطرفة التي تبلورت في كتاب«معالم على الطريق»للمفكر الاخواني سيد قطب في الستينات من القرن العشرين المنصرم.
ثم تبلورت في ما تُسمى الصحوة الاسلامية والفكر الصحوي في الثمانينيات، خصوصاً بعد اختلاط الايديولوجيا الجديدة للإسلام السياسي بمخرجات فقه عصر الانحطاط والفكر الوهابي التكفيري في بيئة الجهاد الأفغاني التي لا يجب إنكار وتبرئة دور التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في صناعة تلك البيئة الجهادية التي ألحقت كوارث خطيرة بالعالم العربي والإسلامي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية التي جعل الأخوان المسلمون من أراضيها ومؤسساتها الخيرية منشأًً للايديولوجيا الجديدة للإسلام السياسي، ولعل ذلك يفسر المعاني العميقة للتصريح الشهير الذي أصدره الأمير نائف بن عبدالعزيز عام 2004م وتداولته على نطاق واسع وسائل الاعلام السعودية والعربية والعالمية، والذي أتهم فيه الإخوان المسلمين بأنهم أصل المصائب في العالم العربي والإسلامي.
ومن نافل القول إن المملكة العربية السعودية دفعت ثمناً كبيراً من جراء انتشار الفكر الضال والثقافة المتطرفة في المجتمع السعودي من خلال المناهج الدراسية والمدارس الدينية وتكايا المساجد والجمعيات الخيرية والتجمعات والمخيمات الصيفية ومدارس تحفيظ القرآن، بالإضافة إلى نمط الحياة المتشددة الذي يحاول المتطرفون تسويقه وفرضه بالقوة تحت واجهة حماية الفضيلة وردع المنكرات، عبر تحريم الغناء والموسيقى والألعاب الرياضية والسينما ومختلف الفنون، وصولاً إلى تكفير المجتمع والدولة وممارسة الإرهاب والعنف ضد مؤسسات الدولة والتجمعات السكنية والمواطنين الأبرياء.
من يتابع المشهد السياسي والثقافي والإعلامي في السعودية سيلاحظ بكل وضوح أن الأفكار المتطرفة تتراجع في بلد المنشأ، وأن الحوار مع تنظيم (القاعدة) الذي يدعوا اليه بعض الاخوانيين الصحويين في اليمن ليس جديداً أو إختراعاً يمنياً.. فقد كان شيوخ الحركة الصحوية الاخوانية في السعودية سباقين في ذلك، بيد أنهم فوجئوا بموقف رافض وحازم من الحكومة السعودية التي رفضت الحوار مع الارهاب واستبدلته بما تسمى (لجان المناصحة) التي كانت ولا زالت تناقش أعضاء وأتباع تنظيم (القاعدة) من المتورطين بارتكاب جرائم إرهابية في السجون السعودية على غرار ما كان يفعله الأخ القاضي حمود الهتار مع الموقوفين في سجون الأمن السياسي، مع الاخذ بعين الاعتبار ان الهتار كان يفاخر كثيراً بأنه حاور أتباع تنظيم (القاعدة) فكرياً حول (وجوب طاعة ولي الآمر)، استناداً الى ما أسماها (نصوصاً قاطعة من الكتاب والسنة لا تقبل النقاش أو التأويل أو الاجتهاد)، ثم انقلب على هذه النصوص القاطعة بحسب وجهة نظره وأعلن خروجه على الحاكم الذي كان يدافع عنه ويصدٍّع رؤوسنا بوجوب طاعته ويصدر له الفتاوى على امتداد ربع قرن ونيف من الزمان عمل خلالها الهتار مع الرئيس علي عبدالله صالح كهمزة وصل بين السلطة والاخوان المسلمين.
والثابت ان المحور الرئيسي لحوار الهتار مع ارهابيي تنظيم القاعدة استند الى فكرة واحدة تدور حول (طاعة ولي الأمر) وتتسم بالهشاشة والالتباس والنفاق السياسي.. ومن حقنا أن نسأل الهتار عما ينوي فعله مع الارهابيين الذين حاورهم بالأمس ونصحهم بوجوب ما كان يسميه في تصريحاته وأحاديثه الصحفية (طاعة ولي الأمر حتى ولو جلد ظهور الناس وأخذ أموالهم وأتى بعضا من المعاصي)، وما الذي سيفعله الارهابيون في ارحب وابين ومارب والجوف وهم يسمعون اليوم الخطب الثورية للشيخ (الهتار) بعد أن اصبح يحرض الشباب والناس عموما على (وجوب الخروج والثورة واسقاط النظام)!!!.
المثير للدهشة ان الهتار لم يكتف فقط بدعوته (الثورية الجديدة) الى (الخروج عن طاعة ولي الأمر) التي كان مفتونا بها الى درجة الهوس، بل تجاوز ذلك الى تسويق ثقافة وصناعة الموت والافتاء بوجوب سفك الدماء لتعميد (الثورة) التي يباركها ويدعو اليها، من خلال ما أسماها في احدى خطبه التحريضية (مشاريع الشهداء)، مع يقيني التام بأن الهتار الذي قبل لنفسه الخروج عن طاعة ولي نعمته، لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يسترخص دمه و يقدم نفسه أو أياً من أولاده تحت مسمى (مشروع شهيد)!!!.
وبهذا الصدد يتوجب الاعتراف بأن ثقافة الموت التي تعد واحدة من أبرز مفاعيل الارهاب الدموي هي التي جعلت من تنظيم (القاعدة) صاحب السبق في اختراع صناعة الموت وإقامة المجازر الجماعية التي ينفذها انتحاريون ذوو صدور وأجساد مفخخة وناسفة تحت مسمى (مشاريع شهداء)، فيما أضاف اليها المتاجرون بدماء الأبرياء في اليمن خلال عام 2011م نمطاً جديداً من صناعة الموت و(مشاريع الشهداء) بواسطة التغرير ببعض الشباب الذين يتم استخدامهم كدروع بشرية يحتمي خلفها الانقلابيون بأسلحتهم الثقيلة والمدرعة، سعياً للاستيلاء على السلطة والمؤسسات السيادية للدولة فوق جماجم الضحايا وأنهار الدماء و(مشاريع الشهداء)!!.
لا أريد أن أعلق على نتائج حوارات الهتار التي يرى كثيرون أنها لم تمنع استمرار الجرائم الإرهابية، ناهيك عن الأسرار الخطيرة التي كشفها ناصر البدري سائق أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة في حوار مهم جداً نشره موقع (نيوز يمن) بتاريخ 8 يوليو 2007م وأعادت نشره صحيفة (الوسط) آنذاك، حول كيفية تعاطي أعضاء وأتباع تنظيم (القاعدة) مع حوارات الهتار!!، لكنني سأتحدث حول نتائج عمل لجان المناصحة في السعودية والتي لم يكن لها أي تأثير على وقف انتشار الجرائم الإرهابية في السعودية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ثمة مواجهة جادة للإرهاب في السعودية تتمحور بدرجة رئيسية حول تجفيف وسد منابع الثقافة المتشددة والأفكار المتطرفة في مناهج التعليم والمساجد والجمعيات الخيرية والخطاب الديني والمناشط الدعوية بأشكال ووسائل مختلفة.. ولعل من يقرأ الصحف السعودية اليومية ملاحظة أنها أكثر جرأة وجدية في مواجهة هذه الثقافة في بلد المنشأ قياساً إلينا في اليمن، وكانت الصحف السعودية قد نشرت قبل عامين ونيف آراء كوكبة من الأكاديميين والمثقفين والمفكرين بشأن حال الفكر المتطرف في السعودية وحال لجان المناصحة التي أعاد القاضي الهتار إنتاجها في اليمن!!.
وبوسعي القول استناداً الى معطيات نشرتها الصحف السعودية، أن حملة (المناصحة) ظلت مقصورة على الموقوفين في السجون بتهمة اعتناق الفكر المتشدد، وهدفها تغيير قناعاتهم الناشئة عن بعض التأويلات لبعض النصوص الدينية التي يسوغون بها الأفكار التي يعتقدون بها والجرائم الارهابية التي ينفذونها، وقد لفت هذا التزايد في أعداد معتنقي هذا الفكر أنظار المسؤولين السعوديين في وزارة الداخلية مما جعلهم يدركون حقيقة أن وقف انتشار هذا الفكر الضال لا يتطلب "مناصحة" مَن وقع في الشَّرَك فقط أو الحوار معه على طريقة القاضي حمود الهتار، بل لابد من تجفيف المنابع الحاضنة التي تغذيه وتنميه وتنشره بين صغار السن خاصة، وهو ما تفعله السلطة والمعارضة في اليمن، وقد أشار كثير من الكتاب والباحثين السعوديين منذ سنوات إلى بعض تلك المنابع وفي مقدمتها المدارس وبعض النشاطات التي تقام في المساجد وبعض النشاطات في (المخيمات الصيفية)، واستغلال حلقات تحفيظ القرآن الكريم والجمعيات الخيرية، وكما هو معروف فقد تعرض بعض هؤلاء الكتاب والباحثين لكثير من اللوم والتشنيع والتهديد من قبل الذين يدافعون بحسن نية أو بسوئها عن الممارسات الخطرة التي كانت تنشط في البية الثقافية والاجتماعية السعودية.
المثير للدهشة أن بعض التقارير التي صدرت عن المؤسسة الدينية غير الرسمية في السعودية كانت توحي بنجاح حملة المناصحة في إقناع بعض الموقوفين بخطأ تأويلاتهم وما يقومون به من أعمال العنف مما سمح بخروجهم من السجون لاستئناف حياتهم الطبيعية.. لكن ما يلفت النظر أن أعداد معتنقي الفكر المتشدد لا تزال تتزايد في السعودية بحسب ماكتبه في صحيفة (الوطن) السعودية الأكاديمي السعودي الدكتور حمزة الزيني الذي قال انه على الرغم من الجهود الواضحة التي تُبذل في مكافحة الفكر المتشدد، فإن بعض معتنقي هذا الفكر يصلون إلى الطرف الأقصى فيخرجون من المملكة للمشاركة في بعض الفتن الداخلية في بلدان متعددة بحجة (الجهاد) ونصرة المسلمين، فيما يُقتل أكثرهم في هجمات انتحارية ربما يكونون مرغمين عليها، كما يقبع كثير منهم في سجون البلدان المختلفة مهددين بفترات سجن طويلة أو بما هو أسوأ. ويرى حمزة المزيني أن بعض المتأثرين بالفكر المتطرف يظلون على مستوى أقل من العنف فلم يخرجوا الى الجهاد خارج السعودية، لكن كثيراً من هؤلاء يُفرِغون طاقاتهم الملتهبة في بعض أعمال تصب في مسار العنف، وليس أقلها التشغيب على المناسبات الثقافية والاجتماعية واستخدام أيديهم في تغيير ما يرونه منكراً.
لعل ما تفعله وزارة الداخلية السعودية ممثلة في «لجان المناصحة» الآن يشهد بصحة موقف أولئك الكتاب والباحثين الذين لم يكونوا يتحدثون من فراغ، بل من معرفة حقيقية بخطر ما كان يمارس من تلك النشاطات التي يحاول المدافعون عنها تبرئتها.
ومما يشهد بتحقق وزارة الداخلية من خطر تلك المنابع ما نشرتْه بعض الصحف السعودية عن قيام "لجان المناصحة" بنشاطات اجتماعية ذات طابع ديني متشدد خارج جلسات المناصحة التي تتم في السجون، لكن كثافة تلك النشاطات تبرهن على أن المجتمع السعودي كما هو حال المجتمع اليمني يعاني من مشكلة التشدد الذي يمكن أن يفضي إلى العنف، إلا أنها تشير كذلك إلى أن حكومة المملكة العربية السعودية بدأت تعترف بهذه المشكلة من غير تحفظ.. بل وبصراحة وشجاعة تستحقان التقدير والاعجاب والاقتداء بها من قبل الحكومة اليمنية!!.
وعلى النقيض من حوارات حمود الهتار، أشار بعض "المناصِحين" إلى القصور في أداء بعض المسؤولين في مكافحة هذا الفكر، ومن ذلك ما قاله الدكتور عزام الشويعر في محاضرة بعنوان (أمور قد تخفى على المربين والمعلمين)، أوضح من خلالها الدور الكبير والمهم للمعلم والمربي وذلك من خلال معايشته لحالات الموقوفين، حيث أكتشف أهمية هذا الدور للمعلم، مستشهداً بكثير من القصص والروايات، ما دفعه في تلك المحاضرة الى التأكيد على أهمية التصدي لمثل هذه الأفكار الضالة، والانحرافات الفكرية وإنكارها وعدم المجاملة أو التهاون بمصائر البلاد والعباد بحسب استطلاع نشرته صحيفة (عكاظ) السعودية في العام الماضي.
هذا الكلام الذي صدر على لسان بعض المناصحين يؤكد ما قرأته في استطلاعات صحفي نشرته صحيفة (الشرق الاوسط) بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، أوضحت فيها خطورة تحوُّل بعض المعلمين والمعلمات عن واجباتهم التعليمية ليصيروا وعاظا لا همَّ لهم إلا الحديث عن "الجهاد"، والموت، وهو ما يدخل في مفهوم "المنهج الخفي" الذي يعني أن بعض المعلمين والمعلمات ينفِّذون منهجا موازيا للمنهج الذي تقره وزارة التربية والتعليم ،و ينشرون من خلاله كثيرا من الأفكار المتطرفة، بل ربما يصل الأمر إلى دعوة الطلاب إلى الخروج "للجهاد"، ورفْع "الشباب" السعوديين المشاركين في الفتن الخارجية إلى مراتب "الرموز" التي تستولي على إعجاب الطلاب الصغار وتغريهم باتباع طريقهم.
ولذلك فان كثيرا من الباحثين السعوديين يرون بأن المناصحة الحقيقية يجب أن تنتقل من مناصحة الموقوفين في السجون الى مناصحة المعلمين والمعلمات بهدف تحقيق هدفين: الأول أن يُقلعوا هم أنفسهم عن الفكر المتشدد، والثاني أن يتوقفوا عن النشاطات الموازية التي كانوا يمارسونها لغرس الأفكار المتشددة في لا وعي تلاميذهم، ويمكن لهذا أن يقضي على مصدر مهم من مصادر نشر الأفكار المتشددة.
أكثر المناصِحين في السعودية أكدوا على الأسباب الداخلية الثقافية والدينية التي تنتج عنها هذه الأفكار، وهو ما لم يحدث في الحوارات التي أجراها القاضي حمود الهتار مع المتطرفين من أتباع تنظيم "القاعدة"، ولا يعرف المجتمع المدني في اليمن شيئا عنها، وقد أوضح أحد أساتذة جامعة الملك عبدالعزيز بن سعود وهو الدكتور سعيد الوادعي بعض هذه الأسباب في مقال نشره في صحيفة «الرياض» بتاريخ 4 مايو 2008م، والذي أشار فيه الى أن هناك أخطاء واضحة وقع بها شباب السعودية بسبب قلة العلم الشرعي وصغر السن وأخذ المعلومة من مصادر مجهولة وغير دقيقة، مؤكداً على أن العديد من أسباب انحراف الشباب مصدرها الشاب نفسه أو الأسرة أو المدرسة أو الخطيب أو الواعظ، وإن بعض المناصِحين لا يزالون يكررون الحجج القديمة التي تتمثل في إلقاء اللوم على المؤامرات الخارجية التي استغلت (الشباب المسلم) وغررت بهم، واستغلتهم في مخططاتها، ومن ذلك ما قاله الدكتور محمد بازمول الذي تحدث عن مسؤولية (الصهيونية العالمية التي تتربص بالإسلام)، وما نتج عن ذلك من حرب إعلامية شرسة ضد المسلمين في صحيفة (الرياض) أيضاً.. وأتذكر أنني قرأت كلاماً كهذا على لسان القاضي حمود الهتار .
في اليوم التالي لنشر هذا الكلام في صحيفة "الرياض" السعودية قال الدكتور علي نفيسه مدير التوجيه والتوعية بوزارة الداخلية وعضو لجنة المناصحة في تصريح نشرته (الحياة) السعودية التي صدرت في لندن بتاريخ 5/5/2008م ما مفاده أن إلقاء اللوم على الآخرين سهل جداً، لكنه لا يحل مشكلاتنا، بل يمكن أن يعمي أبصارنا عن الطرق الصحيحة لعلاجها، أما الطريق الصحيح والأقرب لحل مشكلاتنا بحسب الدكتور علي نفيسه فهو الاعتراف بشجاعة بأن بعض جوانب ثقافتنا تدفع شبابنا للوقوع في هذه المشكلات، ومن أهمها: «الشبهات التي يعاني منها الشباب مثل "التكفير" و"الولاء والبراء" وضوابط الجهاد والبيعة والطاعة لولي الأمر، والموالاة، وإخراج المشركين من جزيرة العرب.. وهذه مشكلات ثقافية ودينية داخلية بامتياز، ولا علاقة للعوامل الخارجية بها، وسأكون سعيداً جداً لو قرأت في الصحافة رأي الهتار في هذه المشكلاتّ!!.
وقد أعجبني كثيراً قول هذا المسؤول السعودي الذي يدير ادارة التوجيه المعنوي في وزارة الداخلية السعودية أنه لا يمكن أن نأمل خيراً من الصهيونية، فهي في حالة حرب مع المسلمين منذ أكثر من مئة سنة، وهي حريصة على أن تعمل أي شيء يمكن أن يضر بالمسلمين، إلا أن السؤال الصعب الذي يجب أن نواجه به أنفسنا هو: لماذا يسهل وقوع "الشباب" السعوديين واليمنيين والعرب في شباك هذا الأخطبوط؟
صحيفة (شمس) السعودية نقلت على لسان الدكتور ماجد المرسال إشارته في محاضرة بعنوان (أمور قد تخفى على الخطباء والوعاظ) إلى أهمية أن يعي من يتصدر للخطابة أو الدعوة حال المتلقين، خصوصاً وإن نسبة كبيرة من المتلقين تتأثر بالخطاب المدعم بالآيات والنصوص بدون التفكير أحياناً بمضمونها أو أسباب نزولها أو مغزى الخطيب من الاستشهاد بها، ولا يبرئ الدكتور ماجد المرسال بعض الخطباء من المسؤولية عن عن نشر الأفكار المتشددة، أو عدم قيامهم بواجباتهم في مكافحتها، وهو ما نعاني منه في اليمن أيضاً.
من جانبه أوضح الدكتور إبراهيم الميمن وهو مفكر اسلامي سعودي معروف أوضح في محاضرة تناولتها بعض الصحف السعودية بعنوان: (رسالة إلى كل مسؤول)، خطورة هذه الأفكار المتطرفة والملتبسة بالدين على المجتمع، محذراً من خطورة التقليل أو التبرير أو التساهل في هذه الانحرافات وأثرها على الوطن والدين.. كما شدد على أثر التفاعل والتكامل بين أفراد المجتمع في معالجة ومحاربة الأفكار الهدامة، فالمسؤولية كبيرة ليس على رجل الأمن أو لجان المناصحة فحسب بل الأسرة والمدرسة والمسجد ورجال الدعوة وكل مسؤول».
يبقى القول ان تقويم المفكرين والمسؤولين السعوديين للفكر التكفيري الذي أقتضى وجود تجربة المناصحة في السعودية، يتضمن رصداً للمصادر الحقيقية التي تولد وتدير ماكنةالارهاب من خلال تغذية هذا الفكر ورعايته، وهو ما نحتاجه هنا في اليمن، خصوصاً في ظل تزايد النشاط المحموم لنشر الأفكار التكفيرية التي تعتبر الغناء والموسيقى حراماً وكفراً بواحاً، وتصف الذين يطالبون بتعديل القوانين التي تكرس التمييز ضد المرأة، وتمنع مساواة دية المرأة القتيلة بدية الرجل القتيل وتجيز زواج القاصرات والأطفال الاناث، بأنهم ينفذون مخططاً يهودياً وعلمانياً معادياً للاسلام، حيث بدأ المتشددون يطالبون قيادة الدولة جهاراً نهاراً بتمكينهم من التحول الى رجال اكليروس في الدولة والمجتمع، وانشاء محاكم تفتيش دفاعا عن الفضيلة وتكوين شرطة دينية لهدم البيوت وتنفيذ الحدود بالشبهات، وملاحقة وإيذاء الناس والعائلات في المصانع والجامعات وأماكن العمل والمنازل والشوارع والشواطئ تحت غطاء الولاء والبراء، وحماية الفضيلة والنهي عن المنكرات.
|