الإثنين, 17-أكتوبر-2011
منصور الغدره -
الحديث عن الملحمة البطولية التي خطها أبطال الكفاح المسلح في صفحات تاريخ ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيد، التي تفجرت من جبال ردفان الشماء، بقيادة البطل الشهيد غالب بن راجح لبوزة.. نحتاج الى وقوف جاد، خصوصاً وأن المرأة اجترحت بطولات عظيمة في هذه المعركة لا يمكن تجاوزها وبهذه المناسبة نتحدث عن الدور الكبير للمرأة اليمنية في مقارعة الحكم الكهنوتي والاستعمار.
نحاول هنا، إنصاف المرأة اليمنية، وإبراز الجزء اليسير من دورها النضالي الذي قدمته في حرب التحرير.. كشهادة للتاريخ.
فالمرأة شاركت في الكفاح المسلح، في الريف والمدينة، سواء من خلال انضمامها إلى بعض الفصائل والتنظيمات المنخرطة في حرب التحرير، أو أنها مشاركتها من خارج تلك التنظيمات..
وحسب وثائق أرشيف حرب التحرير، أن أعداداً كبيرة من النساء التحقن في الكفاح ضد المستعمر البريطاني سراً من خلال موقعهن في جمعية المرأة العربية، وعند الإعلان عن قيام ثورة أكتوبر عام 1963م، وإعلان الكفاح المسلح ضد المستعمر حتى نيل الاستقلال.. نشأت التنظيمات السياسية والفصائل المسلحة للقيام بهذه المهمة وقيادة الكفاح المسلح والعمل الفدائي، فمثَّل ذلك نقطة تحول كبير في مسيرة نضال الشعب اليمني وتحرره.
عمل سري..!
الأمر الذي دفع بالعديد من النساء اليمنيات المناضلات الى إعلان انضمامهن إلى التنظيمات والفصائل المناهضة للمستعمر- حيث انضمت بعض المناضلات اللواتي كن في التنظيم النسائي السري إلى جمعية المرأة العربية ليمارسن نشاطهن العلني ضمن هذه الجمعية التي كان مصرحاً لها بالعمل العلني، وكان من أوائل تلك المناضلات، الأخوات: زهرة هبة الله(نعمة)، عائدة علي سعيد، نجوى مكاوي(خالدة)، فتحية باسنيد (سلمى)، أنيسة محمد سعيد الصائغ (خديجة).
كانت هذه المجموعة من أوائل النساء اللواتي انضممن الى الجمعية ليمارسن النشاط التنظيمي واستقطاب النساء المناصرات والعضوات للجبهة القومية، كما انضمت كثير من النقابيات في النقابات العمالية (النقابات الست) المشهورة وعلى رأسها نقابة المعلمين وانضمت إليها ابرز ست معلمات، هن: ثريا منقوش (رجاء)، فوزية محمد جعفر الشاذلي (وفاء)، فطوم علي احمد، أنيسة احمد سالم (خديجة)،آمنة عثمان يافعي (سعاد)، رجاء احمد سعيد، واللواتي عملن في صفوف المعلمات على كسب العناصر المؤمنة بالكفاح المسلح للانضمام إلى التنظيم السري للجبهة القومية.
فدائيات
البطولات التي سطرتها المرأة اليمنية جنبا إلى جنب مع شقيقها الرجل في مسيرة حرب التحرير، جسدته المناضلة، الفقيدة العميد دعرة بنت سعيد، في كثير من جبهات القتال.. الجميع يدرك عظمة الدور النضالي البارز الذي جسدته المرأة اليمنية في الكفاح المسلح ونيل الاستقلال.. منذ ما قبل ثورة أكتوبر، وقد تعاظم مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الاكتوبرية، وحتى نيل الاستقلال الناجز في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م- أربع سنوات شكلت عصارة النضال الوطني، ونهاية استعمار رزح الأكثر من قرن ونيف على صدر الشعب اليمني.. ذهب خلالها العديد من الفدائيين الشرفاء الذين سطروا بدمائهم تاريخ مشرق لانتصار شعبنا، ومثلما كان للرجل شرف الاستشهاد في معركة الكرامة، كان أيضا للمرأة هذا الشرف العظيم- حيث كانت أول من نالت شرف الاستشهاد، الفدائية الشهيدة خديجة الحوشبية من منطقة الحواشب، في إحدى العمليات الفدائية في تلك المناطق الوعرة.
ولم يقتصر دور المرأة في المسيرة النضالية، على الدور الاجتماعي والتوعوي، بل أنها شاركت في تنفيذ العمليات الفدائية، بالإضافة إلى أن نجاح معظم العمليات الفدائية ضد القواعد العسكرية والمراكز والمنشآت الحيوية للمستعمر البريطاني، كان يعود الفضل في ذلك للمرأة بمختلف المحافظات.. وبالمدن كانت كوكبة من النساء المناضلات يعملن على تهيئة الظروف المناسبة والآمنة لتنفيذ العمليات المسلحة ضد الاستعمار.
ووفقاً لرواية قيادات الحركة الوطنية النسائية، ان الدور النضالي للمرأة اليمنية، تمثل بشكل بارز في تنفيذ المهمة الإعلامية لمسيرة التحرير الوطني، والتي كانت توكل معظمها للقطاع النسائي.. حيث كن النساء يقمن بطبع المنشورات على الطابعة (الرونيو)، ويتولين توزيعها في شوارع المدينة،بالإضافة إلى إذاعة أخبار العمليات الفدائية والتحريض على القيام بالمسيرات.
ولا يزال احد المنازل في مدينة كريتر،الذي كان تتواجد بداخله المطبعة الرئيسية، يحتضن في جنابته إحدى مناضلات القطاع المنسيات، بالإضافة إلى العديد من المنازل التي شهدت غرفها في كل مناطق مدينة عدن الاجتماعات السرية وإعداد المنشورات وإخفاء الأسلحة وإيواء الفدائيين.
كما كان القطاع النسائي السري في تنظيم الجبهة القومية يعد الدينامو المحرك لكافة الأنشطة، حيث كانت توكل إليه معظم المهمات السرية للقيام بها، من أبرزها نقل الأسلحة من منطقة إلى أخرى وإخفاؤها تحت الشيادر»الملابس» والمرور بها من نقاط تفتيش القوات الاحتلال البريطاني، والعمل على إيواء الفدائيين المطلوبين من قبل السلطات البريطانية في مناطق آمنة.
وفي عام 1966م، مرت الجبهة القومية بأزمة مالية جراء قطع المعونات والأسلحة بسبب واقعة فك الدمج القسري، فتولى قام القطاع النسائي بحملة تبرعات كبيرة، ودفعت الموظفات ربع راتبهن، وساهمت في إخفاء (شوليات) الذهب التي كانت تؤخذ من محلات الذهب آنذاك.
شهيدات في موكب التحرير
وحظيت العديد من قياداته بشرف الاستشهاد والاعتقال وقيادة دبابات القوات البريطانية عند سقوط مدينة كريتر في أيدي فدائيي الجبهة القومية في 20 يونيو 1967م.. وحتى الحكم بإعدامها من قبل قائمة أنزلتها جبهة التحرير والأدلة تؤكد ذلك:
إذ أن الشهيدة خديجة الحوشبية، قتلت برصاص الانجليز في منطقة الحواشب، ونجوى مكاوي وفوزية محمد جعفر اعتقلتا أثناء توزيعهن منشور الشهيد بدر في منطقة كريتر أمام فندق الجزيرة، وقد سحبت سيارتهما بدبابة بريطانية إلى شرطة خورمكسر.. نجوى مكاوي قامت بقيادة الدبابة البريطانية التي قتل فيها البريطانيون يوم سقوط مدينة كريتر في 20 يونيو 1967م.
وحكم على المناضلتين نجوى مكاوي وفوزية محمد جعفر الشاذلي بالإعدام، ابان حملة الصراعات والاغتيالات بين الجبهة القومية وجبهة التحرير. أما المناضلات، زهرة هبة الله وعائدة يافعي وأنيسة الصائغ، تم محاصرتهن في مسجد الشيخ عبدالله بالزعفران من قبل قوات الاحتلال البريطانية عندما كن يذعن منشوراً عبر منبر المسجد وبقين طوال النهار معتقلات في المسجد حتى غادرته القوات البريطانية بعد مغرب ذلك اليوم.
وهناك العديد من المناضلات مطمورات، اللواتي تعرضن للضرب والاعتقال من قبل سلطات الاستعمار البريطاني، وبالذات عندما كن يقمن بالاعتصام أمام سجن المنصورة الذي كان فيه العديد من المعتقلين.
وهكذا نجد أن المرأة اليمنية قد صنعت مع أخيها الرجل تاريخ انتصارات شعبنا والتي تتوج بإعلان الاستقلال يوم الـ30 من نوفمبر 1967م ورحيل بريطانيا عن بلادنا الى الأبد.
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:58 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-23497.htm