علي عمر الصيعري -
إن ما يحدث في بلادنا حالياً من ثورة مزعومة لا يمت بأية صلة إلى مفهوم الثورات الشعبية التي يفجرها الشعب نفسه والتي تهدف في مجملها إلى التحرر من الاستعمار أو الحكم الاستبدادي للحزب الواحد - النظام الشمولي- وتأسيس نظام حكم ديمقراطي تقدمي يحقق للشعب الأمن والاستقرار، ليختط طريق التنمية وتطوير الاقتصاد الوطني، كما تهدف إلى وضع دستور يكفل الحريات الاجتماعية وينظم مختلف مناحي الحياة.
إن ما يحدث حالياً في ساحات الاعتصامات وبعض شوارع وأحياء صنعاء وتعز، لم يكن منطلقاً من إرادة الشعب اليمني الذي منح ثقته لنظام سياسي أعاد له تحقيق وحدته وأسس لتجربة ديمقراطية كفلت حرياته السياسية في التعددية الحزبية وحرية الرأي والتعبير، كما وضع مقومات تنموية وخدمية واقتصادية كان من شأنها الارتقاء باليمن، لولا التشويش والتخريب الذي مارسته أحزاب المعارضة “المشترك” ولا يزال يمارسه قطبها الأكبر الجماعة الإسلامية والعصابات القبلية التي كانت وراء زعزعة الأمن والاستقرار وبالتالي التنمية والاقتصاد.
بصريح العبارة نقول: إن ما يحدث في بلادنا هو مخطط جهنمي استكمل حياكة حبائله منذ عقد ونيف من الزمن في مطابخ الجماعة الإسلامية “ الأخوان المسلمين” الذين يرون أن اليمن هي مركز ومنطلق الخلافة الإسلامية الموعودة، وينظر بدورهم أخوان اليمن إلى هذا الاتفاق بين فصائل الجماعات الإسلامية على انه فرصة ثمينة للقفز على السلطة وبدعم لوجستي من الجماعات أولاً ومن ثم إقامة هذه الخلافة.. ألم يعلن الزنداني في العام الماضي وتحديداً في شهر رمضان بمهرجان “أرحب” أن أمريكياً بشره بالخلافة الإسلامية القادمة في العام 2015م ومركزها اليمن؟ إذاً أين الثورة المزعومة من هذا المشروع الخيالي الذي مني بالفشل في أفغانستان ثم السودان، ثم الجزائر، وأخيراً تركيا؟!
وما الذي يتطلع إليه جهابذة الأخوان في حال سقوط النظام والبدء في إقامة خلافتهم الإسلامية؟! وما هي الإرهاصات الأولى لهذا المشروع الذي سيهز شبه الجزيرة العربية كافة ويدخلها في فتنة عاصفة لا تبقي ولا تذر؟
عودة إلى تاريخ العرب القديم، سنكتشف أن قبيلة “جرهم” اليمانية حظيت بسدانة الكعبة الشريفة عندما تزوج نبي الله إسماعيل عليه السلام بإحدى بناتهم فورثوا بذلك سدانة الكعبة ثم ضعفت عصبية “جرهم” فوثبت عليها “خزاعة” وهي أيضاً قبيلة من اليمن وعلى الرغم من انتقال هذه السدانة، بعد حروب طويلة إلى بيت ابن عبد المناف من قريش منتصف القرن الخامس الميلادي وهكذا إلى أن حاز عليها آل سعود، فإن الحق الأول كما يعتقد أصحاب الخلافة الإسلامية القادمة يبقى لليمن رجوعاً إلى هبة نبي الله إسماعيل !
وعليه فإن أولى إرهاصات هذا المشروع الفتنوي - إذا قدر له النجاح- ستكون المطالبة بسدانة الكعبة من الأشقاء في المملكة العربية السعودية، ولن يتسنى لهم ذلك ببساطة بل عن طريق تقويض النظام السعودي، ولكم إن تتصوروا ما الذي سيحدث بعد ذلك لليمن؟! هل ستصدق نبوءة مؤسس المملكة العربية السعودية عندما قال لإخوانه وأبنائه “خيركم وشركم من اليمن”؟!
فالخير عرفناه في عهد النظام الحاكم الذي تمثل في تمتين العلاقات الأخوية بين اليمن والشقيقة الكبرى، وإغلاق السبل التي طالما فكرت فيها “ الجماعة”و “ القاعدة” لزعزعة نظام آل سعود الحاكم, أما الشر فسيتجلى في انتصار هذه الجماعة وسقوط النظام وإقامة الخلافة الإسلامية المزعومة على أنقاضه.
قال الشاعر:
تُسائل عن حُصين كُلَّ رَكْب
وعند جُهينَةَ الخبرُ اليقينُ
(الأخنس بن كعب)