محمد علي الجعاشي* -
صبيحة يوم السبت 24 ذي القعدة 1432 نعي الينا خبر وفاة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية وزير الدفاع والطيران،بعد حياة حافلة بالخير وزاخرة بالعطاء، فقد كرس حياته لخدمة وطنه وامته، أسهم وشارك عملياً في قيادة المملكة نحو النمو والتطور والتحديث حتى اصبحت تتبوأ مكانة مرموقة رفيعة بين الأمم والشعوب، فكانت خطط التنمية الشاملة التي شهدتها وتشهدها المملكة في جميع الميادين والحقول، يتنقل ميدانيا بين المناطق والمدن، يتفقد احوال الناس ويتلمس همومهم ويعمل على حل مشاكلهم بنفسه وتذليل أي عقبات تعترض طريقهم، يقاسمهم ويشاطرهم السراء والضراء فما من مناسبة الا ونراه يعيش وسط المواطنين يشاركهم افراحهم وأتراحهم، فكان حتى في ايام الأعياد نراه فجأة وقد انتقل الى مناطق الجنوب ثم ما نلبث في اليوم التالي نراه قد انتقل الى تبوك في الشمال ثم الى الشرقية وهكذا الى باقي المناطق الأخرى يعيش افراح الأعياد مع المواطنين ويتبادل معهم التهاني والأماني،ورغم مشقة الأسفار وما يبذله من جهد وعناء فإن الإبتسامة لا تفارق محياه فيبتسم ويرحب بالجميع الكبير والصغير والفقير والغني الأمير والمأمور، وأسعد اللحظات هو عندما نراه يحتضن الأطفال يبتسم لهم ويداعبهم بل ويسألهم ماذا يريدون من هدية يهديها لهم فكانت أحاديثه تخرج من القلب الى القلب. لقد كان يرحمه الله ذخراً وسنداً لليمن واليمنيين قلبه ومكتبه مفتوح، يغيث ملهوفهم ويؤمن خائفهم ويداوي مريضهم وكل من يجيء اليه منهم إما فزعا من جور أومثقلا بدين أو حاجة وإما منهكا من شدة مرض هذا ما عهده اليمنيون بسموه، لذلك فإننا اليوم قد فقدنا ركنا وأخا شقيقا نعزي قيادة المملكة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز واصحاب السمو الملكي الأمراء وانجال الفقيد وكافة ابناء الشعب السعودي الشقيق ونعزي انفسنا في هذ المصاب الجلل بوفاة سموه الكريم سائلين من الله له الرحمة والغفران وان يسكنه فسيح جناته. لقد بادله الجميع المحبة والوفاء فكان كريما عطوفا سخيا،ولئن كان حاتم الطائي يشعل النار على قمم جبال اجا وسلمى في (نجد) من اجل أن يهتدي بها القادمون والزوار ويأتوا اليه ليكرمهم ،فقد كان سلطان الخير والعطاء نجما لامعا يتوسط كبد السماء في قلب ( نجد) تستضيء به الوفود من كل انحاء الجزيرة ومن غيرها، تفد اليه اذا ادلهمت بها الخطوب، فكم من الأيتام والأرامل والمحتاجين قضى حاجاتهم وكم من الأيامى والمعسرين وغير القادرين على أن يكملوا نصف دينهم فسترهم وزوجهم فرادى وجماعات في اليمن وفي غيره من البلدان فعفهم وحصنهم، وكم من رقاب أعتقها من حد السيف كاد يقطع رأسها فطلب لها العفو ودفع الدية عنها ،وكان آخر ما جاد به لليمن من مشاريع ذلكم المشروع العملاق تحلية مياه البحر من المخاء كي تشرب محافظة تعز وإب وما جاورهما من المدن والبلدات مياها عذبة نقية وحل مشكلة شح المياه فيها، ولكن الأحداث التي طرأت مؤخرا في اليمن هو ما أعاق قيام مثل ذلك المشروع وغيره والذي مازال قيد الدراسة، واملنا إن شاء الله فيمن يخلفه بأنجاز مثل ذلك المشروع لكي يصله بإذن الله تعالى ثوابه واجره ،لأن هذا ما عهدناه بهم أنهم خير خلف لخير سلف وأن الوفاء هو طبعهم وديدنهم، فحالما تهدأ الأحوال وتتهيأ الظروف سيباشر بإذن الله بإكمال ما أبتدئ به، لأن علاقات الشعبين تاريخية ومصيريةفلم تتأثر يوما بما يقوم به بعض المرجفين اوالمتخرصين من ترهات، كان أخرها تلكم التصريحات التي اطلقها ( أحدهم / أو احداهن) عقب اخر زيارة لأمين مجلس التعاون الدكتور الزياني بأنهم سيصدرون القلق الى دول الجوار،وأن مثل تلك التصريحات وغيرها تذهب مع الريح وأن الجبال الرواسي لاتهزها الرياح ولا نطح التيوس، فالمملكة واليمن يعيشان في قارب واحد وكل منهما تربطه علاقات مصيرية واستراتيجية مع الأخر ولن يسمح الشعب اليمني بما يعكر امن واستقرار المملكة من أي جهة كانت وأن ما قام به أو يقوم به البعض أثناء هذه الأزمة من تقولات هو مردود على القائلين أنفسهم ، والشعب اليمني وفي لإخوانه واشقائه في المملكة وأن أقل وفاء يعبر اليمنيون به عن ألمهم وحزنهم هو ما أعلنه فخامة الأخ الرئيس الحداد 3 أيام مشاركة وتعبيرا منهم عن ما أعتصرهم من الألم والحزن في هذ المصاب الجلل ،كيف لاوقد جاء فخامة الأخ الرئيس الى المملكة محمولا حيث صرح فخامته كان (بين الحياة والموت لمدة 15يوماً) في المستشفى الذي كان يعالج فيه فأعادوه الى اهله وشعبه مشافى ومعافى أحسن مما كان عليه قبل الحادث الأليم الذي تعرض له. لقد لعب سموه دورا بارزا في اطفاء نار الحرب التي أشتد أوارها بعد ثورة سبتمبر1962واصبحت أشبه بالحرب الأهلية واستمرت لما يقارب الثماني سنوات اكلت الأخضر واليابس واسهم بجهوده الحثيثة على اطفاء نار تلك الحرب وداوى الجراح ولم الشمل واصلح بين المتقاتلين بما كان يسمى انذاك الجمهوريين والملكيين ،وترك للشعب بأن يقرر مصيره بنفسه،وتم على أثر ذلك الإعتراف بالنظام الجديد في اليمن وأرسى بذلك اقامة علاقات اخوية بين الشعبين مبنية على الإحترام وتبادل المنافع فكان من جراء ذلك أن أعطى لليمن المزيد من الإهتمام والرعاية ودعم مشاريع التنمية فيه في جميع المجالات، وكان لسموه ايضا الدور الكبير والأبرز في ترسيم الحدود واتفاقية مكة عام 2000أنهت بذلك قضية كانت معلقة ما يربو على الستين عاماً . ومع الأسف الشديد لقد نشبت الأزمة الحالية وسموه كان يخضع للعلاج وربما كان استطاع ان يحلها بسرعة وذلك لما له من تأثير ومن علاقات شخصية وطيدة لدى كل الأطراف ، وقد سعت وبذلت القيادة في المملكة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز جهودا جبارة حثيثة في حل الأزمة ولكن تعنت بعض الأطراف هو ما اعاق التوصل الى الحل حتى الآن . والسؤال الذي يطرح نفسه ويوجه الى الأخوة في المعارضة أما كانت الرياض هي الأقرب لكم والأجدى والأ نفع ؟فيها بيت الله أولا ،وهي بيت الحكمة والعقل الرشيد المتزن أستطاع ساستها حل أشد المعضلات ومنها القضية اللبنانية التي استمرت 17 عاما من الإحتراب والإقتتال في اتفاقية «الطائف»،واستطاعوا بحكمتهم حلها وفك عقدها، وذلك بدلاً من أن تذهبوا الى موسكو ونيويورك وبعض العواصم الأخرى تطلبون لديهم حلا لمشكلتكم ،ذلك لأن الجار هو أولى بأخيه من الغريب وهو الأحرص والأنفع من غيره ،وثانياً لأنهم من يستوعب اكثر من مليون عامل يمني في سوق العمل لديهم حرصا منهم على منفعة اليمن من منطلق الأخوة والجوار ،ألا تدركون ذلك.. ألا تعقلون ؟ ومع الأسف الشديد أتضح في كثير من الحالات أنكم لا تحرصون على مصلحة بلدكم ومنفعته فأين من يحرص على مكتسبات بلده وهو يدمر المدارس والمصا لح ويغلق الجامعات الخ ... نسأل الله أن ينور بصركم وبصيرتكم لتدركوا ما أنتم عليه وتعودوا إلى رشدكم والى الحق والصواب. أملنا كبير في أن ما يحظى به اليمنيون من عناية ورعاية داخل المملكة وفي اليمن نفسه أن تستمر هذه العناية والرعاية وهذا ما لمسناه وحظيت به الجالية اليمنية المقيمة في المملكة في الماضي والحاضر وفي المستقبل إن شاء الله .عهدا بأن نكون الأوفياء لشعب يحبنا ونحبه واكلنا معه العيش والملح أن نبادله الوفاء بالوفاء ، ولقيادته وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز كل الحب والتقدير والثناء والعرفان ، لوقوفهم مع شعبنا في هذه الأزمة وعلى ما قاموا به من علاج ومداواة لكبار مسؤولي الدولة في اليمن وعلى جميل معروفهم ووقوفهم الى جانب اشقائهم في اليمن بشكل عام في كل الأحوال والظروف ( كل صنيع لا نضيعه إنا نلقنه الأجيال تلقينا).
*
[email protected]