نجيب شجاع الدين -
لا يوجد مواطن يمني شريف تدفعه حالة التأمل في الوضع الراهن الذي يمر به البلد الا ان يرفع يديه للسماء داعياً خالقه بالقول: »اللهم أدمها أزمة واحفظها من الزوال« بل على العكس من ذلك يسود غالبية أبناء الشعب اليوم شعور عارم بالنقمة والسخط مما هم عليه وفيه جراء معايشتهم لتسعة أشهر مضت بأحداث سريعة الاشتعال شديدة السواد يمكن اختزالها بملصق عابر لبيان نعي استشهاد طفل، شاب، شيخ مسن، رجل آمن وغيرهم ممن صرت تصادفهم باستمرار، كما لو كنت تقرأ حظوظ الابراج الفلكية لمواليد اليمن على زجاج حافلة المواصلات أو باب محل مغلق. هنا يتزايد إرهاق القلوب، المسامع، الحناجر، المقابر نتيجة لمواقف كافة الاطراف السياسية سلطة ومعارضة.
ذلك أن الحكومة لاتزال رغم بشاعة الاحداث والجرائم تتعامل مع الارهابيين والقتلة، كما الاطفال وتسعى لمحاورتهم مهما أساءوا لنا.. في المقابل كان من المفترض أن يكتب لاحتجاجات الشباب النجاح ليصبح ما فعلوه انجازاً لمطلب بات ضرورياً من أجل مستقبلهم ومستقبل كل فرد في المجتمع.. الا أن احزاب المشترك سارعت في تنصيب نفسها وكيلاً لآدم في عياله الشباب فقط وبالتالي انحرفت العملية 180 درجة عن مسارها الصحيح حتى غدا الامر أقرب الى الفكاهة والرعب في آن واحد.
ماذا تفعل آراء ومسيرات وهتافات »الشعب يريد..« التي لا تحل اشكالاً بقدر ما تزيد من حجم المصائب على رؤوس أفراد الشعب وتجمع بين مطالب متناقضة غير ممكن تحقيقها على الواقع في نفس الوقت.
يدرك الجميع بأن الشباب اخفق في أن يجد لنفسه مكاناً تحت هذه الشمس يكون ملائماً لسلامتهم وسلمية خطواتهم ويضمن قدرتهم على مناقشة أفكارهم والخروج برأي وموقف موحد من القضية يغلب مبدأ الحل السلمي والملبي لتطلعات كل أبناء اليمن ويتجنب مخاطر شروطهم وتبعات تحويل الأزمة الى أزمات.. مبادرات، نغمات، ألعاب جافا، ساحات، اعتصامات، خلفيات شاشة، عناوين جمعة، انفجارات، اغتيالات، اختطافات، مهرجانات.. وبيع واستبدال الشرائح وخدمات العمل بنظام الشريحتين .. أي خدمات؟
ينبغي على الشباب بعد خوضهم تجربة الثورات الاعتراف بجرأة وشجاعة بأن حماسهم واندفاعهم نحو التغيير والتعبير عن تطلعاتهم المشروعة سرق واستغل من قبل المشترك لتكون وسيلة للتمويه والخداع بغية تحقيق مكاسب يرفضها الجميع وفي مقدمتهم الشباب المعتصم في الساحات.
وهذه هي الحقيقة التي لم تعد بشاعتها خافية على أحد إذ أعرف الكثير من الشباب الذين كان من المفترض أن يكونوا في مقدمة صفوف المعتصمين لأنهم عايشوا طويلاً حياة الظلم والاحباط، ظلم شهادة جامعية نامت سنوات عديدة تحت وسادة المخدة المدنية، عفواً أقصد وزارة الخدمة المدنية.
كما أن الوضع المقلوب جعلهم كثيراً أمام زملاء الوساطات وأبناء المشائخ ومحترفي الفساد ونهابي الأراضي يتصورون أنفسهم مجرد متخلفين عقلياً، وإذا كان أحدهم قد نجح في الحصول على وظيفة فإن المطلوب منه أن يركز جهوده بتفانٍ وإخلاص في إظهار جهوده ابتسامة عريضة كتلك التي في إعلانات معجون الاسنان وكما سمع أخبار القلم السحري الذي مكن اشخاصاً جاءوا قبله بلا مؤهلات يحتلون مكانة في الترقيات والمكافآت والحوافز.
بكلمات أخرى كان للشباب مطالب مشروعة وشرعية الا أنه تم طمس ذكرها ولم يعد لها وجود في تفاصيل الـ40 اسبوعاً الماضية.
هذه الصورة تبدو جلية القبح اليوم كما نراها تنعكس من أمام جامعة صنعاء على بقية أفراد المجتمع اليمني لتؤكد بأن الأزمة المفتعلة لن تغير ولن تتغير للأحسن أو تستجيب لأي نداء منطقي طبيعي لأن هناك عدة عوامل داخلية وخارجية تشجع على بقائها كما هي عليه سلمية مدججة بالأسلحة والشهداء وفي وضع يوشك أن يكون مستحيلاً احتواء معالجاته عبر كل المبادرات التي عرفها العالم.
يظل أغلب الشباب ممن غادروا الساحات يعبرون عن مخاوف وتحذيرات أصبح بعضها باهظ الثمن كون النتائج خطفت أرواحاً بريئة.
ولأن مشكلة اليمن الاساسية تتمثل في وجود ماكرين وأذكياء يفتشون عن مشروع آخر غير مصلحة الوطن ويبحثون بدرجة أساسية عن مكافآت مالية بالدولار والدرهم والريال..
هؤلاء يعلمون علم اليقين انهم يشاركون في تنفيذ أجندة مشبوهة لا تخدم البلد وتطلعات ابنائه بأي حال من الاحوال.
لعل الثابت حتى اللحظة أن تلك المحاولات السخيفة للتغلب على إرادة الشعب اثبتت مدى التباعد بين الشباب وأحزاب المشترك، لدرجة يكاد يتمزق فيها الوطن.. ولدرجة أصبحت فيها ساحة الاعتصام توازي جامعة صنعاء في الفشل ولم يتبقَ سوى احضار معتصمين بنظام الموازي.
إذاً مثلما كانت الجامعة صارت الساحة لا تقوم بأي شيء من واجبها الذي وجدت لأجله.
ودعك من الهتافات التي تتردد كونها لا تعني اكثر من صدى صيحات تنطلق من الخارج ولا تنطبق على الداخل وتثير الحيرة والتناقض الشديدين بشكل عام وتظهر بشكل خاص الفرق بين ساكن الكهوف ومن يسكن ديوان الشيخ على أنه صنعاء بأكملها وبين ساكن المدينة الذي حرمته مطالب الدولة المدنية وغيرها من ابسط حقوقه كمواطن وكإنسان.
بكل بساطة أحياناً نجد الشباب جزءاً ملازماً للأزمة وما يسمونه الثورة وأحياناً مجرد إضافة وتكملة لها أو ورقة ضغط احتياطية بيد المشترك للحصول على نسبة 4٪ من الحكومة.
وأحياناً يجهزون للخروج بصدور عارية لتقديمهم كطبق تحلية لعيون القناصة.
والحقيقة أن هناك أكثر من عبقري يلعب على حبل الازمة ويأكل من موائدها لحماً ودماً يمنياً.
وفي الاخير يأمل أبناء الشعب بأن تحل مشكلات اليمن قريباً لكن ذلك ليس سهلاً ولن يكون من خلال قيام مسؤول حكومي من قيادة المشترك بشرب كوب شاي مع مسؤول أجنبي.
حل مشكلة اليمن بيد اليمنيين انفسهم وكل ما عليهم هو تحمل مسؤولية ما يحدث والتحلي بالمسؤولية الوطنية لايجاد مخرج ملائم.