الثلاثاء, 01-نوفمبر-2011
الميثاق نت - عبدالرحمن مراد عبدالرحمن مراد -
لا أجد مبرراً منطقياً واحداً لذلك المزج بين الفعل الدنيوي والفعل الديني الذي بدأ يمتد الى الأصول العقائدية دون وعي بما سوف ينتج عنه في قابل الأيام من إخلال بالنظام العام والطبيعي وبالمنظومة العقائدية السليمة والصافية التي انبثقت من مشكاتها الاولى وهو الرسول الاعظم - عليه الصلاة والسلام - المبلّغ عن ربه.
في سياقات التاريخ المختلفة ظهرت جماعات وطوائف عدة أفرزتها عوامل الصراع، انحرفت بها معتقداتها الى مزالق خطيرة وخدشت وجه الدين واصوله وعقائده الثابتة، ذلك لكون «الأنا»- كما يقول علم النفس- تقوم بسلطة الاشراف على الحركة الارادية نتيجة للعلاقة التي تتكون من قبل بين الادراك الحسي وحركة الواقع ،وينصب دور «الأنا» في حفظ الذات عن طريق تخزين الخبرات المتعلقة بها «في الذاكرة» وبتجنب المنبهات المفرطة «عن طريق الهرب» وبالتصرف في المنبهات المعتدلة «عن طريق «التكيف» وأخيراً بتعلم عمل التعديلات المناسبة في العالم الخارجي وفقاً لمصلحة «الأنا» الخاصة عن طريق «النشاط» وهو الأمر الذي حدث في سياقات التاريخ المختلفة ونتج عنه نشوء جماعات وطوائف أحدثت تعديلاً في عالمها الخارجي يتوافق ورؤية «الأنا» ومصالحها ومايزال يحدث في الساحات العامة للاعتصامات وسيظل يحدث طالما وكوننا النفسي تتجاذبه القوى الثلاث المتضادة «الهو» «سلطة الماضي» و«الانا» «سلطة الواقع» و«الأنا العليا» «سلطة المثل والايديولوجيا».
وباستحضار «كربلاء» بما تحمله من بعد إنساني مأساوي مدمر نجد أن «الذاكرة» تمتلئ بمخزون معرفي عن «الوقعة» وبتفاصيل دقيقة وجزئيات مهمة تبعث الاحساس بالألم عن طريق زيادة التوتر الذي تحدثه المنبهات من خلال «الهو» «سرد التفاصيل التاريخية» ثم خفض تلك المنبهات عن طريق «الهروب» و«التكيف» وصولاً الى الاحساس باللذة وهو ما يمكن لنا وصفه بالنشاط الحركي المصاحب للحسينيات باعتبارها تعديلاً مناسباً لواقع كان لابد من الهروب منه الى واقع مغاير أو أفضل.
ولذلك يمكن القول: إن أنشطة «الحسينيات» عند الشيعة ذات بعد نفسي عميق تتجاذبه المتضادات / زيادة/ وخفض، وألم/ ولذة تمهيداً للانتقال أو تعديلاً للواقع المأساوي، وقد تطور ذلك النشاط بفعل عامل الزمن ليصبح طقساً تعبدياً عقائدياً بلغ ذروته بالمزج بين المعنوي والحسي في الوصول الى الألم كما نشاهد ذلك فى «الحسينيات».
«فكربلاء» أحدثت تعديلاً لها يتجاوز مأساتها ويتكيف مع مفرداتها ومثلها كل الأحداث التي مرّت في التاريخ والتفاوت كائن في قدرات كل حدث في التأثير في البنى العامة للمجتمعات الانسانية.
وما يحدث الآن هو تماثل وتشاكل مع «كربلاء» ذلك لأن «الهو» «الماضي» ظاهرٌ على «الأنا» «الحاضر» وغلبة البعد الثقافي الماضوي في المكون العام «للأنا».. يجعلنا نعيش ذات اللحظة التاريخية التي أنتجته ونشعر بذات التفاعل تجاهه كوننا لم نصل الى حالة من التوازن كي تحدث الانتقال الثقافي، وتبعاً له يحدث الانتقال النفسي، لذلك تشابهت مراحل الهروب والتكيف والتعديل، فالذي كان يعيبه أرباب السنة على الشيعة تكاد السنة «الاخوان المسلمون» أن تصل اليه في الساحات والميادين العامة للاعتصامات ذلك أن« الاخوان» تماثلوا مع «حزب الله» في لبنان من حيث الاعتماد على النشاط الحركي العضلي المصاحب للشعار السياسي وقد ذهب بعض قادتهم الى القول إن مثل ذلك النشاط عبادة - «قال ذلك فؤاد دحابة وأذاعته قناة سهيل» ومثل ذلك تداخل ومزج بين الديني والدنيوي والا كيف للدنيوي أن يتحول الى أصل من الأصول العقدية؟!!! وقد ظل عند «حزب الله» «وهو من أصحاب العقائد الضالة في رأي الاخوان» فعلاً سياسياً له مرتكزاته في البناء التنظيمي التربوي الحزبي ولم نسمع أحداً من رموز «حزب الله» أو قياداته الوسطية والدنيا من يقول إن طقوس ترديد الشعار الذي يصحبه النشاط الحركي عبادة، وهو أصيل في ثقافتهم وفي المقابل فإن مثل ذلك النشاط طارئ على ثقافة الاخوان وهو ليس في مرجعياتهم، وقد مر معنا بيان ذلك في السياق والرابط الموضوعي بين كربلاء وميادين الاعتصام هو تفجر الاحداث ودمويتها ومأساويتها ومبدأ الخروج واختلال النظام العام والقانون الطبيعي وهو الأمر الذي فرض على «الأنا» الحفظ في الحالين بالوصول الى إحداث التعديلات هروباً من مخزون الذاكرة وتكيفاً مع لحظة زمنية مغايرة.
إذاً فالقول إن النشاط الحركي المصاحب للشعار بأنه عبادة اشراف عليه وحفظ للذات وليس من الدين في شيء وقد تكرر معنا القول كثيراً إن اسقاط المتعالي «الدين» في وحل المدنس «السياسة» قد يفسد قيمته في الوجدان الجمعي العام وهذا واقع لا محالة إذْ أنّ الازمة بملامحها الدموية المتشاكلة مع غيرها في السياق التاريخي قد تشعبت وتشظت، فالسلفية التي كانت تعزف عن السلطة والتمكين أصبحت تشرعن ذلك بالقول بامتلاك الارض لتحقيق حاكمية الله فيها وهناك من يرى أن التمكين شرط لإقامة أركان الدين مستنداً إلى الدلالة القطعية لنص الآية «41» من سورة الحج التي تشترط التمكين لإقامة الاركان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وثمة تخريج ظهر إبان الازمة يبتعد عن التأصيل الفقهي وفق قواعده واشتراطاته المتعارف عليها عند الفقهاء المسلمين ليقترب من تبرير الفعل السياسي وأقرب مثال على ذلك بيان هيئة علماء اليمن «هيئة الزنداني» الذي يفند ما ورد في بيان جمعية علماء اليمن، فقد كاد التفنيد أن يكون بياناً سياسياً - لغة وموقفاً- ولم نجد فيه بلاغاً شافياً يتفاعل مع اللحظة الزمنية وتجاذباتها بلغة التأصيل ووفق منطق واشتراطات «علم الاصول» وهو العلم الذي عمل قروناً على ضبط إيقاع الحياة في التعاملات وفق محددات وقواعد تقترب كثيراً من العقل وأبرز من اشتغل عليه الإمام أبو حنيفة النعمان وهذا العلم أهمله النظام العام للتعليم، كما أهمل المنطق والفلسفة وعلم الاجتماع وأهمله كثير من الفقهاء وذهبت الحوثية الى القول بعدم جدواه ومبررها أن مقاصد الله في القرآن واضحة ولا تحتاج الى قواعد الاصول ولا منطقه، وربما كانت حاجتنا اليه والى العقل في هذا الظرف التاريخي اكثر من اي وقت مضى لالتباس المفاهيم في الأذهان وشيوع الفوضى المعرفية وغلبة الظني على القطعي والنقلي على العقلي في الخطاب الديني والميل الى نسج الخرافات والقول بالأساطير في الترغيب والترهيب وشيوع ذلك في الخطاب قاد الامة الى دوائر التيه التي سبق لنا الحديث عنها في مقالات سابقة وهذا الأمر يتطلب بعثاً حقيقياً وقداسة غير مبالغ فيها للعقل قبل أن يطغى أولئك الواقفون على أبواب النار والداعون الى جهنم، إما جهلاً أو سوء تقدير من حيث مقصدية الاصلاح والوقوع فيما يناقضه، وقد أوضحت ذلك الآيتان «11 ، 12» من سورة البقرة بما يغني عن التكرار هنا.
بيد أن ما يُستغرب له فعلاً أن الازمة السياسية رغم قدرتها على إثارة المنبهات وقدرتها على التفجير والتوظيف للحدث الا أنها لم تنتج الا تفاعلاً أصولياً وقد ظل العقل اليساري والليبرالي والحداثي وما بعد الحداثي غائباً في مظاهر الحدث وإفرازاته وفي تفاعلاته وذلك دال على الغبن الذي مورس على عقولنا وعلى هيمنة الاصولي والبراغماتي وتلك الهيمنة نتيجة منطقية لسياسة التوازنات التي انتهجها المؤتمر وتركيزه على سياسة إضعاف القوى الأكثر ميلاً الى العقل واشتغاله المتعمد على إقصاء المثقف والنوعي من قائمة اهتماماته والاكتفاء بفئة اجتماعية بعينها وهي فئة نفعية لم تفده بشيء في إدارة الأزمة الحالية بل قد أدارت ظهرها له بحثاً عن القوة وقد مالت الى الحوثية لا «تحوثاً» وإيماناً بأيديولوجيا الثقافة القرآنية وإنما تعزيزاً لمكانتها الاجتماعية وانتصاراً على قيم الضعف فيها وهروباً وتكيفاً مع ملامح جديد سيأتي وبلغة علم النفس حدث تعديل مناسب «للأنا» يتوازى ومخزون الذاكرة.
وتأسيساً على ما سبق.. قد يجد القارئ الحصيف لتموجات اللحظة التاريخية الفارقة التي تمر بها اليمن الآن، أن هناك تمدداً رأسياً وأفقياً للاصوليات بشقيها السني والشيعي وانحساراً للقوى العقلانية والعلمانية وهو الأمر الذي يجعلنا في مواجهة جدلية مادية قادمة، لها امتدادها وعداؤها التاريخي، ودلت السياقات العامة للتاريخ ان لغتها لا تتجاوز السيف وأسنة الرماح ولن تتجاوز في الحاضر المعيش أفواه البنادق وأزيز المجنزرات، ذلك أنها قوى لا تعشق السلام ولكنها تتسربل بالنار وتدعو الى جهنم «بصفتها احتراقاً ودماراً بعيداً عن دلالتها الدينية» ولا مناص لنا الا بالاشتغال على دعوة الله للناس كافة بالدخول في السلم وإشاعة روحه وقيمه حتى نتمكن من الخروج من تحت غيوم الازمة بدولة مدنية حديثة وقوية تحدث التوازن المفترض بتوزيع السلطة وتشيع العدل وقيم التسامح والتعايش والسلام.
وعلينا أن ندرك أن صورة الواقع الماثل أمامنا دالة على أن الشباب أصبح خارج دائرة الفعل وأن أحلامهم موؤدة واضمحل وجودهم وقد نبتت شجرة الاصوليات وبسقت على تربة أجداثهم سعياً منها وراء التمكين في الارض وفق بعض التصورات والامتلاك وفق تصورات البعض الآخر وعودة الحق الى أهله وفق أجد التصورات وأكاد أجزم بالقول: إن ليس هناك من حضور في المشهد السياسي اليمني الا للتجمع اليمني للاصلاح بجناحيه العسكري والقبلي والحوثية بجناحيها العقائدي والمجاهد وهناك قوى مازالت تتربص انتظاراً للحظة الانقضاض كالحراك الجنوبي مثلاً.
ولعل المؤتمر الشعبي العام يدرك الآن تمام الإدراك حاجته الشديدة الى أن يلمّ شعثه المتناثر ويعيد ترتيب أوراقه وتجديد آلياته وأدواته حتى يتمكن من البقاء في وجه عواصف الزمن كون ذلك تمليه الضرورة الوطنية لما يمثله من قوة توازن واتزان في الحاضر والمستقبل.
أقول ذلك إدراكاً أن دعاة الشر واقفون الآن على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها، وبحثاً عن أمن واستقرار هذا الوطن ودرءاً لمشاريع التدمير والموت ورغبةً في الانتقال الى الدولة المدنية الحديثة.
إننا الآن أمام لحظة تاريخية فارقة لا تقل أهمية عن تلك اللحظة التي تهيأت في 22مايو 1990م للرئيس علي عبدالله صالح .. فهل نطمع أن يبادر الرئيس الى صناعة الدولة المدنية الحديثة ويعمل على إرساء دعائمها ليكون له فضل السبق، ويكفر بها أخطاء المرحلة الزمنية التي حكم فيها.
إنه حلمنا الذي يراودنا ولا أظن الرئيس الا سيعمل جاهداً على تحقيقه ليضيفه الى سجل أمجاده.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:25 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-23747.htm