استطلاع/ فاروق ثابت - أكاديميون أطلوا على تجربة هذه الأحزاب من الداخل.. فيما يشبه تشخيص العلة ووضع المِبضع على مكامن الجراح.. بعيداً عن المهدئات المؤقتة وقريباً من المعالجات الناجعة.. وهذه »روشته« أوصى بها متخصصون في الشأن السياسي والحزبي:
تشخيص أولي
- الدكتور حسن الكحلاني -أستاذ الفلسفة بجامعة صنعاء- رئيس جمعية الفلسفيين اليمنيين- يستهل تشخيصه بالقول: اعترضت مسيرة النهوض والتقدم -التي اعتمدتها الدولة اليمنية الحديثة وأرستها فكراً ومنهجاً- أخطار كثيرة ناتجة عن أزمات وتحديات داخلية وخارجية تركزت معظمها في الجانب الفكري والثقافي.
صحيح أن بعض الأحزاب السياسية اليمنية حملت أيديولوجيات سياسية معاصرة.. إلاّ أنها وللأسف لم تتمكن من فهمها حتى اللحظة نتيجة لسيطرة الثقافة التقليدية لديها، وهي ثقافة محلية مناطقية كانت نتاجاً لعوامل العزلة ذات الأبعاد السياسية والطبيعية، التي شهدتها اليمن.
ونتيجة للثقافة الشمولية الاستبدادية التي اعترت بعض القوى السياسية فقد أحاطت نفسها بحاجز قوي وصلب، عزلها ومنعها من الاعتراف بالاختلاف والحرية، لذا فقد فشلت هذه الأحزاب أيضاً لتمسكها برؤيتها الواحدية وعدم القبول والاعتراف بالآراء الأخرى، فكانت ثقافة متصلبة جامدة لا تعرف التحديث والتسامح.
كما أن رصيد الأزمات المتكررة إزاء صراعات التاريخ الدموي التي سنتها بعض القوى المأزومة لنفسها كان سعياً وراء السلطة مع تنامي بناء الدولة الحديثة، ولم تعزف عنه هذه القوى بجديد يخدم الوطن سوى تكريس الصراعات مرة أخرى وجعلها هدفاً وثقافة سائدة بالنسبة لهم.
إن الحياة في وطن ننتمي إليه أو في أمة تشكل نسيج هويتنا الثقافية، وكياناً سياسياً يوحدنا يحتاج الى كيان آخر وأداة تجسد هذه الهوية وتمدها بالحياة والقوة وتحقق أهدافها.. إنها الدولة الأداة الأكثر فعالية لتحقيق الكمال الانساني.
إن الكيان السياسي والدولة لا يمكن لهما البقاء ولن يحققا أهدافهما المرجوة للفرد والمجتمع، ما لم يحصلا على شرعية وجودهما من الجميع ويتحقق ذلك بالولاء للوطن والدولة والكيان السياسي وتجميع الطاقات نحو مصالح الجمهورية اليمنية بدرجة أولى وأخيرة.
فحص وتمحيص
- من جانبه يحدد الدكتور خالد الفهد -أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء- أبرز اعتلالات أحزاب اللقاء المشترك من زاوية الثقافة السياسية.. برؤية نقدية.. مضمونها أن أحزاب اللقاء المشترك مازالت تعاني من اشكالية فكرية تكمن في ثقافتها السياسية المهترئة كونها لم تستمد تلك الثقافة من واقعها، وإنما استمدتها من أفكار خارجية بعيده عن واقع وخصوصية المجتمع اليمني، وعليه فإن نموها الفكري مشوه.
كما أن فهم هذه الأحزاب للديمقراطية لايزال قاصراً، لأن منشأها كان استبدادياً يرفض العمل التعددي، وهذا القصور انعكس بالطبع على دورها وسلوكها السياسي.
اضافة الى أن هذه الأحزاب تفتقد الى أرضية فكرية تنمِّي من خلالها مدارك منتسبيها وأنصارها »المحدودين«.
ومن خلال دراسة الدور والسلوك السياسي لأحزاب »المشترك« يمكن القول أيضاً: إنها تتعمد دوماً للتقليل من شأن التجربة الديمقراطية اليمنية، وتثير ضجيج وانتقادات لا أساس لها، وتردد شعارات دون أن تعمل، في الوقت نفسه فإنها لا تملك رؤية واضحة لعملها السياسي، وماتزال برامجها حتى هذه اللحظة غير واضحة، وهي غير قادرة على تقديم خطة عمل أو مشروع سوي وواقعي، وعجزت عن أن تقدم البديل المؤهل والقادر على قيادة الدولة.
فضلاً عن أن هذه الأحزاب قد أخفقت في الالتزام بالثوابت الوطنية وتراهن على الاستعانة بالخارج وتؤمن بمبدأ تدويل القضايا.
ومع ذلك تقول إن التجربة مازالت حديثة.. ونأمل من أحزاب اللقاء المشترك ألا تتحول الى ممانعة وأن ترتبط بالثوابت والمصالح الوطنية العليا، وأن تترفع عن التشنجات الحزبية الضيقة والخلافات الفئوية لتصبح بذلك معارضة مستقلة ووجهاً آخر للسلطة.
خلفية العلل
- الدكتور عبدالعزيز الكميم -أستاذ العلوم السياسية، قال: تعد المرجعية الفكرية والأسس التنظيمية من وجهة نظر المهتمين، أهم مقومات الأحزاب السياسية، وبدلالاتها تعرف تلك الأحزاب وتصنف أنماطها بين الحد الأمثل والحد الأدنى للمستويات الفكرية الذي تحتسبه تلك الأحزاب ويقاس عليها درجة فاعليتها وسلامة أدائها ومدى اقترابها أو ابتعادها من تحقيق أهدافها سواءً أكانت تلك الأهداف باتجاه مؤسسات النظام السياسي ومنظومة العمل الحزبي أو تجاه أعضائها أو تجاه هيئة الناخبين.. وتأسيساً على ما سبق وفي محاولة لتطبيق تلك الأفكار على واقع تكوين وأداء أحزاب اللقاء المشترك في الوقت الراهن في التجربة اليمنية يتبيَّن أن حالات التناقض في الخلفية الفكرية والتنظيمية خلال المراحل السابقة قد عكست نفسها سلباً على أدائها وسلوكها السياسي، ولا يتسع المقام للدخول في تفاصيل تلك السلوكيات، ونكتفي بالاشارة الى بعض المظاهر والمواقف التي تبديها على هذا التكتل تجاه سلوكها، ونشير الى أهمها فيما يأتي:
- وجود حالة انفصام واضح بين مواقف وسلوك تلك الأحزاب على مستوى قياداتها والقواعد التنظيمية، إذ أن كثيراً من تلك المواقف تتناقض.. بل وتتعارض في أحايين كثيرة بين مصالح الغالبية العظمى لأعضاء تلك الأحزاب التي تستند بالضرورة الى مبادئها وأسسها الفكرية التي نشأت وتشرَّبت عليها، إذ لا تعبر تلك المواقف التي تتخذها عناصر متنفذة من قياداتها السياسية مع مصالحها وأهدافها الحقيقية بل تعبر عن مصالح آنية ضيقة وشخصية لا تخدم سوى مصالح تلك القيادات.
وهناك كثير من المواقف التي تدل على ذلك أهمها:
نكث هذه الأحزاب للاتفاقات المبرمة بينها والشركاء في العمل السياسي في السلطة والمعارضة على حدٍ سواء في اطار عملية الوفاق التي تخدم تأمين وسائل وآليات التداول السلمي للسلطة عبر العمليات الانتخابية، إذ تسعى تلك القيادات جاهدة الى البحث عن وسائل أخرى غير ديمقراطية يتم من خلالها حصول تلك القيادات المشتركية على مناصب أو مراكز وظيفية خارج الاطار المألوف فيما يسمى بالاستحقاق الانتخابي.. وهذا يتضح من خلال توجهاتها الرامية الى تعطيل مسار العملية الانتخابية.
قيادات المشترك تدرك تماماً أنها لن تحظى بالقدر الكافي من أصوات الناخبين التي تؤهلها للوصول الى تلك المناصب، والمراكز التي تطمح إليها وهو ما ينطبق على مستوى ثقلها بين أعضائها بشكل خاص وبين أوساط هيئة الناخبين بشكل عام.
ومن المظاهر السلبية أيضاً روابط هذه الأحزاب دائماً ما تقوم على مصالح شخصية يسعى كل طرف فيها الى تحقيقها اعتماداً على الطرف الآخر بينما تكون مسألة تحقيق الأهداف المشتركة للأطراف سطحية، ظاهرية، والانعكاس السلبي لمثل هذا التناقض يؤثر على أداء منظومة العمل الحزبي بشكل عام ومستقبلها التنظيمي.
خصوصيات الحالة اليمنية
- الدكتور غيلان الشرجبي- الاستاذ بجامعة صنعاء- يستعرض الموضوع من زاوية الخاصية، التي تميز الحالة اليمنية ويقول: لابد لأي نظام سياسي تعددي من اعتماد صيغة، أو آلية ديمقراطية، تطلق للرأي الآخر حرية التعبير، واستقلال تأطير وجهات النظر المختلفة على أسس أيديولوجية، تصب جميعها في خدمة الشعب، ويجتهد كل منها بعرض رؤيته الخاصة، لمشروع النهوض الشامل للوطن.. ولأن لكل مجتمع خصوصياته، فلابد أن تنطلق هذه المشروعات السياسية أو »برامج العمل السياسي« من هذه الخصوصية، والتي اصطلح على تعريفها بـ»فلسفة المجتمع« للإجابة على سؤال جوهري، هو »من نحن، ماذا نريد، كيف نبلغ ما نريد؟«، وإن اختلفت الاجابات على هذا السؤال، ليتحرك كل منها في فضائات الهامش الديمقراطي، الذي لا يلغي الثوابت العامة، أو ثوابت الاجماع الوطني، ولأن تجربتنا تصنف في »قائمة الديمقراطيات الناشئة« فإن العقلانية تقتضي الانفتاح على العالم من حولنا، لنخدم التجربة اليمنية.. أو الاستفادة من نقاط الضعف والقوة في الديمقراطيات السائدة.. مثلاً لدينا أحزاب »اسلامية، اشتراكية، قومية« تشكل قوى »المعارضة«، وهناك »نظائر عالمية لهذه الأحزاب«، إلاّ أن استحضار صورة هذه »النظائر« يدمغ وجود »ما يمكن أن يسمى بمعارضة يمنية«.. بل ويلغي احتمالات انضاج التجربة التعددية بصيغتها الراهنة، ولست متشائماً في ذلك كما لست ممن يطلقون أحكاماً جزافية أو يعتمدون البحث عن طرف لصالح طرف آخر، لسبب بسيط وهو: أن رصيدي الثقافي حصيلة قراءات حرة، أجد في التراث الفكري الانساني نصيباً فيه، لتكوين أرضية مشتركة، أزعم: أنها اكسبتني حصانة ضد »الانتماء الضيق والولاء المنغلق« لأقف من الجميع وقفات تحليلية ناقدة -سلباً وايجاباً- وبموضوعية بناءة، وتخصصية أكاديمية، تميز بين الخاص والعام، اتفاقاً واختلافاً، كقاعدة ذهبية للتنوع الديمقراطي، الذي عطلت فاعليته، وألغت جدوى انضاجه، هذه العلاقات التقليدية، التي وظفت المشروعات التعددية مصلحياً، جمد الحراك السياسي، فظل يدور في حلقة مفرغة، لم تتجاوز التصعيد الشعاراتي، المزايدات الخطابية، تضغط بهدف المناورة، الابتزاز، المزايا والامتيازات الخاصة، أو بهدف اعادة التوازنات، والاستنفار الحزبي دفاعاً عن مراكز قوى.. الخ.. وهي تداعيات أفرزت تعددية نمطية ممسوحة، لابد من تصحيح مسارها -قبل أن تفتقد التجربة التعددية جدواها- والأسس التي ينبغي اعتمادها لترشيد المسار الديمقراطي هي:
١- مدى بلورة »القيم الديمقراطية«.. فالملاحظ أن البعض قد أدرك أن السير عكس التيار سيعصف به -فاضطر لمجاراة حركة الحياة- بمنهجية »انتقائية« بحيث يكتسب من الشرعية الديمقراطية مشروعية وجوده، لينشط سياسياً وإعلامياً، ويتحرك في الساحة السياسية، ويوسع قاعدته الجماهيرية، بطرق مشروعة وغير مشروعة، فالنظام التعددي الشرعي للمعارضة نقد السلطة، وأن تتحرك جماهيرياً، ويمنحها حرية التعبير عن الرأي، على ألا تحرض أو تبث الاشاعات المغلقة، أو تتعمد الإضرار بالمصالح الوطنية، أو أن تعتقد باحتكار العمل الجماهيري، أو الاستحواذ على الساحة السياسية، أو الوصاية على الدين أو الوطن.. وتكفير أو تخوين الآخر، فتلك مواصفات لعقلية شمولية منافية للقيم الديمقراطية.
٢- إن للنظام التعددي وظيفة وطنية، فتعدد الاجتهادات تثري الواقع، وتدفع بحركة التنمية، في سياق التنافس البرامجي، الذي يضع أمام الجماهير خيارات مفتوحة، للمفاضلة الواعية.. بينما الغالب على الخطاب الاعلامي والسياسي المعارض تضليل الوعي، جر السلطة الى مهاترات، ومكايدات، وصراعات جانبية، معيقة لعجلة الانماء، ومهدرة لإمكاناتها ومواردها.
٣- تعتبر الثوابت الوطنية، قاسماً مشتركاً، لا يجوز لحزب حاكم أو معارض، ولا حتى لأي فرد أو جماعة، اختراقها، أو انتهاكها، وإلاّ دخل محظورات »الخيانة العظمى«، بكل الأعراف الدولية، وتمثل »الثورة، الوحدة، الديمقراطية، المعايير الموضوعية للحقوق والواجبات الوطنية، العقيدة الدينية الوسطية« على رأس سلم أولويات العمل الوطني لكل من ينتمي الى هذا البلد.
مراجعة أخيرة
- الزميل حمود منصر -مدير مكتب »العربية« بصنعاء: بعض الأحزاب اليمنية يأتي في مقدمتها المؤتمر الشعبي العام انتقلت بممارساتها السياسية والديمقراطية داخل مؤسساتها الى مرحلة تعد هي الأفضل في نظري مما كانت عليه قبل عقد ونصف من الآن.. فقد استطاعت أن تعقد مؤتمراتها بطريقة منظمة وأن تحدث أنموذجاً طيباً للتداول السلمي في مواقعها القيادية بطريقة ديمقراطية، وهذا ما يؤكد بقوة أن الديمقراطية اليمنية بدأت تعطي ثمارها، وقد كشفت السنوات الأربع الماضية عمن هي الأحزاب الحقيقية في الساحة ومن هي التي ليست سوى مجرد مسميات.. أي أن قدراً من الفرز الفكري والبرامجي والحركي لهذه القوى بدأ يأخذ مساراً أكثر وضوحاً تعين فيه الغث من السمين.
وهذا المشهد الذي أقرأه أنا بهذه الصورة يتسق مع ما أكده الرئيس علي عبدالله صالح في المؤتمر الاستثنائي للمؤتمر، أن الملعب السياسي في اليمن أصبح واضحاً ومهيأً وهو ثمرة ٦١ عاماً من الممارسة الديمقراطية وأن هذا المشهد السياسي يؤسس لديمقراطية من حيث الاتجاه والاطمئنان نحو ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة وتبديد أي مخاوف من عودة عصر الانقلابات.. لكن يبقى على الأحزاب ألا تكرس معظم وقتها وجهودها للاهتمام بشئونها الخاصة فقط بل ينبغي عليها أن تتبنى برامج عمل تعزز من صلتها بقضايا الناس بصفة عامة وليس خدمة لهذا أو ذاك، سعياً لتمرير مصالح ذاتية.. فالأحزاب هي مؤسسات مدنية وجدت للتعبير عن المجتمع وخدمة مصالحه، ولايزال أمام بعض الأحزاب تحديات كثيرة تتمثل في ضرورة تبني العملية الديمقراطية على المستوى الداخلي لها والمساهمة بفاعلية ومسئولية تحت مظلة الوحدة والثورة والجمهورية لتسيير تجربتها الديمقراطية، بشكل سليم وصحيح وتبني قضايا الناس لا قضايا قياداتها أو أعضائها فقط.
|