فائز بن عمرو -
حين انطلق ما يسمى بالربيع العربي قام على كاهل شباب وجماعات غير متحزبة وغير مؤدلجة وما يجمع بين هؤلاء الشباب هو الحرمان المادي والاجتماعي والسياسي ولكن ما لبثت هذه الجماعات التي دفعت دماءها وقوداً لما تسمى بالثورات تتوارى عن الأنظار وتقطف الجماعات والأحزاب الإسلامية نتائج هذا الربيع كما حصل في تونس ومصر وليبيا وتختفي الشعارات الثورية التي رفعت في الميادين والساحات التي تتحدث عن الحرية والعدالة والمساواة ونحوها لتستبدل بها خطابات مناقضة: «مثل الخلافة الإسلامية ، والدولة الدينية» لتصدق مقولة المناضل الثوري جيفارا: «الثورة يصنعها أبطال ويستفيد منها الجبناء»..
انقسم العالم في حقبة الحرب الباردة إلى فسطاطين المعسكر الشيوعي والمعسكر الرأسمالي وفشلت كل التجارب الوقوف على الحياد وإنشاء تيار ثالث كما فعلت حركة دول عدم الانحياز.. واختار المعسكر الشيوعي دعم الحركات والتيارات اليسارية الثورية بينما دعم المعسكر الرأسمالي الحركات الإسلامية، واستطاع بها ان يهز شوكة الشيوعية ويجر روسيا إلى حرب استنزاف كبيرة في أفغانستان خرجت منها منهزمة لتعلن نهاية الشيوعية وظلت تلك العلاقات والتحالف الغربي الإسلامي متباينة من منطقة لأخرى لتتجدد فيما يسمى بالربيع العربي ، فقد اختار الداعمون لهذه الحركات إظهار الإسلاميين وإيصالهم للحكم في هذا الوقت لأغراض كثيرة سنأتي على ذكر بعضها.
شرعت المعاهد والمراكز البحثية والاستخباراتية بعد تهاوي المعسكر الشوعي تهتم بتيار الإسلام السياسي على الرغم أنها تجعل العدو القادم للأمة الغربية والمسيحية هو الإسلام وقد ظهرت العديد من الدراسات تتحدث عن كيفية التعامل مع المتأسلمين عن طريق الاحتلال والاستعمار المباشر أو عن طريق الاحتواء أو نقل المعركة إلى ارض العرب والمسلمين . وبعد المعركة الخاسرة والمكلفة التي قامت بها إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن واستندت إلى مقالات ودراسات أعدتها المعاهد الأمريكية والغربية وما يجمع بين هذه الدراسات استنادها إلى فكرة الشرق الأوسط الجديد أو الكبير وكانت الفكرة إضعاف الشعوب العربية وتقسيمها لتكون إسرائيل الدولة القوية في المنطقة . ونتيجة لفشل العمل العسكري والاحتلال المباشر في أفغانستان والعراق بدأت تتبلور مشاريع شرق أوسط جديد من خلال نقل المعركة إلى ارض العدو بمعنى إحياء النزعات العرقية والدينية والمذهبية داخل المجتمع العربي ولم تجد الدول الغربية غير حركات الإسلام السياسي لتطبيق ذلك لأسباب كثيرة منها احتراق الحركات القومية والعلمانية في المجتمع العربي ولوجود تباين بين الحركات الإسلامية الأيديولوجية وفكر الدولة الحديثة القائم على «المواطنة والحريات والانفتاح والقبول بالآخر»، ونود هنا تسليط الضوء على بعض النقاط التي تبعث على التشكك والريبة من قفز «الاخوان المسلمين» إلى منصات الحكم بشكل سريع ومتعجل وهي:
1- الخطر الذي يهدد تصدر «الاخوان المسلمون» الانتقال المفاجئ وغير المتدرج للسلطة بعد ان كانت منتظرة في صالة المعارضة ، ففي مصر تم تغيير القانون لتأسيس أحزاب على أساس ديني ومذهبي ، فخرجت في الساحة مجموعة من الأحزاب الدينية بطريقة غير مدروسة ، كما تم حضر الأحزاب المنظمة ليترك الجو للأحزاب المتأسلمة لتصدر المشهد السياسي .
2- ان كثير من الحركات المتأسلمة تتلقى دعم من الغرب مثل ليبيا أو ما يحصل في سوريا من خلال رفع «الاخوان» شعار «جمعة الحماية الدولية» ، فالتغيير الكبير والمتناقض بين ما طرحته هذه الحركات وخاض بعضها معارك مسلحة من اجله مثل رفض الاستعانة بالأجنبي والولاء والبراء وبين ما تنادي به الآن من جواز الاستعانة بالغرب وصارت تنظر للمستعمر القديم الجديد بأنه المخلص الصادق .
3- حرص الغرب ان يقدم الإسلام بأنه دين متطرف ويقوم على العنف وحاولت بعض حركات الإسلام السياسي مثل حركة النهضة التونسية القبول بالاختلاط وبيع المسكرات في الفنادق خدمة للسياحة التي تحتل نسبة 80% من اقتصاد البلاد ، ولا شك ان هذه الأحزاب ينظر لما تفعله بأنه الإسلام ، وهذا فيه تشويه للإسلام مقصود .
4- يقال لا ضير في وصول «الاخوان» عبر صناديق الاقتراع والمشكلة انهم لم يصلوا من خلال برامجهم أو خطط واضحة للخروج بالبلدان العربية من دوامة كبيرة من المشاكل ، فـ«الإخوان» في تونس ومصر وصلوا لأنهم أوهموا الشارع بأنهم يمثلون الإسلام وان من يصوت لهم يصوت للإسلام ، وهذا ما كنا نستنكره في العراق حينما أفتى مراجع الشيعة بان الاستفتاء للأحزاب العلمانية وغير الشيعية حرام وكفر ، كما ان الحركات المتأسلمة تمتلك أموالا ضخمة مكنتها من الفوز بأكبر نسبة في الانتخابات بينما الأحزاب الليبرالية الشبابية لا تمتلك هذه الوفرة المالية مما أخرجها من اللعبة الانتخابية .
5- طالبت الدول الغربية بعد نجاح الأحزاب الدينية بتطبيق المعايير الديمقراطية مثل «المواطنة ومشاركة المرأة والحرية والعدالة والمساواة وحرية الفرد والصحافة ونحو ذلك» والمشكلة هنا بان هذه الأحزاب لا تمتلك رؤية موحدة نحو هذه الشعارات بل ان بعض الأحزاب ترفض الانتخابات والمواطنة المتساوية وتدعو لدولة الخلافة وترفض حاكميه الشعب ونحو ذلك ، ومن المتوقع ان تستغل الدول الأجنبية عدم تحقيق هذه المطالب للتدخل في شؤون هذه البلاد وتطويعها.
6- الدول العربية التي شهدت «ثورات» تراجع الاقتصاد فيها تراجعاً مخيفاً وبرزت كل المشاكل المناطيقية والحزبية والاجتماعية ، فهل تستطيع هذه الأحزاب ان تنتهج نظام اقتصادي تخرج به الأوطان من أزمتها كما فعل حزب العدالة والتنمية بتركيا ، الذي لم يرفع شعارات بل رفع برامج ومشاريع اقتصادية واضحة ، فمشروع الاقتصاد الإسلامي أو البنوك الإسلامية هي بنوك أكثر ربوية وتصل فوائدها إلى نسبة الثلثين أو أكثر .
7- كان العائق الوحيد الذي واجهه الغرب نحو تصدر الإخوان المسلمين بروز تأثير واضح للحركات السلفية وهي حركات فاشلة سياسيا من وجهة نظر الغرب وهي عائمة فكريا بين الاعتراف بالعمل السياسي وتكفيره، لكن في مصر احتل السلفيون المرتبة الثانية بعد الإخوان.
8- المشروع الأكبر من تصدر الإسلاميون هو إحياء الصراع السني الشيعي في الدول العربية والإسلامية ، فبعد ان دعم الغرب الملالي وآيات الله في إيران وقد وصل الخميني من العاصمة الفرنسية ليقود الثورة الإسلامية في إيران ، فهاهو الغرب الآن يدعم «الاخوان المسلمون» لقتل طاقات الأمة في حرب مذهبية بدأت تبرز ملاحمها في صعدة وستمتد إلى دول الخليج وسوريا ولبنان .
9- ترفع وسائل الإعلام الغربية مصطلح الإسلاميين ويردده بعض الجماعات الإسلامية إعجابا وهذا هو المقصود من المشروع الغربي هو خلق الصراع والتباين بين الإسلاميين وبين المسلمين .
10- أسس الغرب والاخوان لما يسمى بالشرعية الثورية فكل جماعة لا تعترف إلا بنفسها ولا تنظر لغير أهدافها وتتخذ الشارع وسيلة لتحقيق مطالبها ، وهذا ما سيتم تكريسه في المرحلة القادمة ، فعلى الرغم من وصول الأحزاب المتأسلمة عبر صناديق الاقتراع إلا ان هذه الجماعات الليبرالية والشبابية والمعارضة ستتخذ من الشارع والاحتجاج ملجأ لها وستتعطل كثير من شؤون الحياة وهي لن تعدم الدعم المادي واللوجستي والمعنوي كما فعلت حركة 6 ابريل المصرية والتي تخيم في الشوارع رغم مشاركتها في الانتخابات في تحالفات انتخابية.
[email protected]