الإثنين, 13-فبراير-2012
الميثاق نت -  محمد علي عناش -
< نشعر أحياناً عند تفسير وفهم ظاهرة ما، أن من الضروري أن نتتبعها في بداياتها وجذورها حتى يستقيم معنا الوعي الراهن بها، أي الوعي بها في تجلياتها الأخيرة، كالظاهرة السياسية والحزبية في اليمن والمتمثلة بشكل خاص في تكتل اللقاء المشترك، هذه الظاهرة التي ظهرت في العام 2011م في أوج قوتها السياسية والشعبية، وأخذت شكل الثورة بثلاث شعارات ومطالب رئيسية (اسقاط النظام- الحرية- الدولة المدنية) كانت أهم المضامين التي تم التعبير عنها عبر مختلف الفعاليات الإعلامية والجماهيرية والسياسية على مستوى الداخل والخارج.
وبقدر ما شعرنا أن هناك ثورة مضامينها تلك الشعارات، بقدر ما شعرنا ولمسنا في نفس الوقت ومن داخل بنية هذه الثورة، ثورة مضادة منقلبة على تلك الشعارات والمطالب وبالتحديد مطلب الحرية والدولة المدنية..
فالثورة التي بدأت مع القاضي أحمد سيف حاشد انتهت بالاعتداء عليه وبأسلوب همجي، والثورة التي جمعت الحوثيين بالإصلاحيين وحول مطلب واحد هو إسقاط النظام انتهت بمعارك شرسة ومأساوية بين الطرفين في أكثر من جبهة، في الجوف وصعدة وحجة، والأفظع في هذه المواجهات الدامية أن قتلى الإصلاحيين يطلق عليهم شهداء الواجب من أجل الدفاع عن العقيدة.. والثورة التي بدأت بتسجيل الزنداني لشبابها براءة اختراع انتهت بتبشيره بدولة الخلافة الإسلامية ورفضه للدولة المدنية باعتبارها توجهاً ضد الدين، وكتم على أنفاس الثورة بفتوى التكفير الأخيرة التي أصدرها ووقع عليها اثنان وسبعون عالماً من رجال الدين، ضد بعض الأدباء والكتاب والناشطين السياسيين، جميعهم ينتمون للتيار الحداثي واليساري والليبرالي في البلد.
ثورة بدأت مع إحدى القيادات المؤتمرية المستقيلة بدا من أكثر المتحمسين لرحيل الرئيس علي عبدالله صالح، هو ذات الشخص قبلها بشهرين وفي لقاء صحفي بإحدى الصحف المستقلة، يدعو إلى انتخاب الرئيس علي عبدالله صالح لدورة انتخابية لما بعد 2013م.
حالة ثورية بهذا الكم من الاعتوارات والتشوهات، وغياب الأفق الثوري الناضج والنقي، لم يكن من المقدر لها النجاح رغم كل المحاولات العنيفة وغير المشروعة إلاّ أن يكون مآلها الفشل لغياب الروح الثورية الجامعة، وعدم نزاهة الأدوات الثورية، وفقدان المصداقية والموضوعية، وعدم وضوح التوجه الثوري.
جميع المراقبين والمتابعين للشأن اليمني وصلوا إلى قناعة، بعدم وجود ثورة منطقية في اليمن، وإنما هناك حالة ثورية فوضوية غير طبيعية، واستمرت بهذا الكيف طيلة عشرة أشهر لم تتخلق خلالها عبقرية الشباب حتى يحولوا الفوضى إلى فعل منظم، فالعبقرية هي فن تنظيم الفوضى كما قال العالم المصري المنشائي.
فقدان هذه العبقرية وعدم وضوح التوجه الثوري منذ البداية دفع المشهد بحالة من «الترويتسكية».. والترويتسكية صارت توصف بها الحركات غير الناضجة والمكتملة البناء، وأيضاً المشاريع والخطط غير واضحة النتائج المستقبلية.
وهي نسبة إلى «تروتسكي» رفيق «لينين» في تفجير ثورة أكتوبر البلشنية في روسيا سنة 1917م حيث كان مقترح الأول وبإصرار شديد أن يؤول الحكم والسلطة إلى طبقة الفلاحين، هنا تجلت عبقرية لينين عندما رفض بشدة هذا المقترح وهذا التوجه، مبرراً ذلك أن الفلاحين معظمهم أميون وليسوا نقابيين وخبرتهم السياسية ضعيفة بالإضافة إلى أن معظم الفلاحين كانوا مرتبطين بالنظام الاقطاعي القيصري المنهار، ويشكلون عامل إعاقة للثورة كما يمكن من خلالهم أن يتجدد النظام القيصري من جديد وإن بشكل آخر، لذا أصر لينين على أن تكون السلطة بيد العمال والمثقفين الثوريين لخبرتهم السياسية والنقابية، ووعيهم بمفهوم الثورة الاجتماعية وقدرتهم على التنظيم وممارسة الديمقراطية الثورية..
حقيقةً لا يهمنا في هذا الموضوع أن نسهب في تحليل وقراءة الحالة الثورية اليمنية، فقد أُشبعت تحليلاً ودراسة ووصل الجميع كما ذكرنا إلى قناعة بأنه لا يوجد ثورة منطقية في اليمن وأن الحل السياسي التوافقي هو الحل الأمثل.
غير أن الذي يهمنا في هذه التناولة هو دراسة الظاهرة الحزبية والسياسية التي انتجت هذا الوضع المتناقض والمختل الذي ليس له ملامح مستقبلية سوية، وخلقت هذه الحالة الفوضوية الحبلى بحالات من الفوضى المتعددة الاشكال التي يمتلك أدواتها ويضبط اتجاهاتها وايقاعاتها وقوة معايرتها حزب وحيد في الساحة وهو التجمع اليمني للإصلاح بتكويناته التنظيمية المختلفة.
السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يصر الإصلاح على أن تدوم الفوضى ويستمر المشهد الغائم؟ وأن تعيش جميع القوى في حالة تنافر وقطيعة وتيه؟ ولماذا عمل جاهداً طوال فترة الأزمة حتى الآن على أن يحصر إشكال البلد في شخص واحد وهو شخص الرئيس وتبعاً لذلك صار المطلب الرئيسي للثورة هو رحيل هذا الشخص؟
اختزلته الثورة في هذا المطلب وهو يقدم مبادرة وطنية مبكرة للرحيل المنظم، وصفتها الباحثة الألمانية «ساندرا إيفانس» بالأكثر اغراءً من المبادرة الخليجية، وهي مبادرة مارس الشهيرة والتي بكل تأكيد سيسجلها التاريخ لصالح الرئيس علي عبدالله صالح كما سيسجلها نقطة إدانة على اللقاء المشترك وعلى رأسهم الإصلاح خاصة وهي جاءت في بداية الأزمة، وقبل أن تكون هناك أحداث دامية بالإضافة إلى أنها تضمنت نقاطاً في غاية الأهمية للإصلاحات السياسية، وأيضاً الانتقال السلمي المنظم وفق سقف زمني محدد يُتفق عليه..
إصرار الإصلاح على حصر الإشكال في شخص الرئىس، دفع المشترك إلى رفض المبادرة مباشرة بعد إعلانها دونما مبرر وطني، وليس هناك من تفسير منطقي لذلك سوى الابتعاد بالأزمة من مربعاتها الواقعية إلى مناطق الشخصنة والثأر السياسي والطموحات المستقبلية.. ووفقاً لكل المقاييس والمعايير العلمية والعقلانية لايمكن قبول أن تحصر اشكالية أي بلد في شخص واحد وخاصة عندما يكون هذا البلد هو اليمن بمشاكله المتعددة والمعقدة، والتي تتطلب حلاً توافقياً جاداً أكثر من مطلب الرحيل المجهول، ومع ذلك لسنا في حال دفاع عن الرئىس ونظامه، ولكن في محل دفاع عن العقلانية والموضوعية ومعايير الحوار الوطني البناء التي جرى القفز عليها وتجاهلها، وبغض النظر عن فساد النظام الذي لا ننكره ولا نبرئ أحداً منه، غير أن الأزمة الوطنية التي تُركت تتعمق وتتراكم، وقد وصلت إلى منطق وخيار واحد وهو كيف نعبر إلى المستقبل الحديث لليمن عبر أفضل الطرق أمناً وإمكاناً، أفضل من العبور إلى كابول.
من المؤكد أن الدفع بالأزمة في اتجاه استمرار الفوضى وإلى زوايا الشخصنة، حتى لا تلتقي الجهود الوطنية التي ستثمر عن حلول عملية وعصرية لمشاكل البلد، والتي من المؤكد أنها ستظهر الإصلاح باعتباره مشكلة كبرى قائمة في البلد على الصعيد السياسي والثقافي والاجتماعي..
الأمر الثاني أن يزيح من أمامه القوى الحزبية والاجتماعية القوية التي تشكل خطراً على طموحاته المستقبلية، وليس هناك من قوتين في الوقت الراهن يقفان حجر عثرة أمام مشروع استفراده بالحكم والسلطة إلاّ المؤتمر الشعبي العام والحوثيين خاصة بعد أن تمكن من تحييد واحتواء قوى اليسار الاشتراكي والناصري، لذلك هو في هذه الفترة يكرس كل جهوده وقوته لتصفية الحساب مع هاتين القوتين لاجتثاثهما أو على الأقل إنهاكهما وإضعافهما..
هو نفس الدور الذي لعبه منذ سنة 90م ضد الحزب الاشتراكي عندما كان يمثل قوة جماهيرية وفكرية، الأمر الذي أفضى إلى حرب 94م، وكان يعتبر هو مسعرها الحقيقي سياسياً ودينياً، كما أن استمرار حروب صعدة إلى ست جولات يندرج في إطار نفس التوجه ونفس الأدوات بما فيها الفتوى الدينية.
الإصلاح لا يهمه أن تهدأ الأوضاع وأن تحل مشاكل البلد في ظل وجود قوى مؤثرة يشعر بأنها معيقة أمام مشروعه السلطوي، لذا هو يخوض مواجهات عنيفة في أكثر من جبهة ضد المؤتمر وضد الحوثيين وضد الحرس الجمهوري، ولا أعتقد أنها دفاع عن الثورة ولا دفاع عن الوطن والسيادة وحماية المنجزات ولا من أجل محاربة الفساد، فهو مكون رئىسي في منظومة الفساد طوال عقود كاملة، وإنما من أجل إكمال مشروعه الطالباني الذي لا يمكن أن يتحقق في ظل أجواء مستقرة وهادئة وفي ظل حالة وفاق وطني حقيقي متطهر من كل الطموحات والمصالح الحزبية والشخصية.
وها هو يفتح جبهة أخرى مع المثقفين والمبدعين والكُتّاب ودعاة الحرية والدولة المدنية، مستخدماً سلاحاً عتيقاً وأصيلاً في تاريخه، هو سلاح الفتوى الدينية في مواجهة قادة الفكر والتنوير بتكفيرهم والتحريض عليهم وإرهابهم فكرياً ونفسياً وتعريض حياتهم للخطر من قبل العناصر الإرهابية التي تتعامل مع الفتوى الدينية وكأنها نزلت بوحي مُنزَّل من السماء.
الغريب في الأمر أن تحدث مثل هذه التوجهات المتطرفة التي تستهدف الحريات والحقوق والدولة المدنية، دون أن يكون هناك رد فعل رسمي من قيادات الحزب الاشتراكي ولا نعلم ما هي الاعتبارات التي تجعله يصمت أمام مثل هذه الممارسات الاستبدادية التي تمس جوهر ومضمون الثورة التي يتكلمون عنها.
وأين هم دعاة الحرية والدولة المدنية والتحديث داخل التجمع اليمني للإصلاح.. لماذا لم يقفوا في وجه هذه التوجهات والممارسات، وينتصروا لزملائهم المستهدفين بالتكفير والقمع الفكري، كي ينتصروا للعقل والتفكير الإنساني الحر.. ما يحدث هو امتداد للمواقف المتناقضة التي رافقت الفعل الثوري طيلة عشرة أشهر، امتداد لفقدان التوجه الثوري المستقبلي، كما أنها امتداد لظاهرة سياسية وحزبية متخبطة ومشوهة هي من أنتجت هذه الحالة الثورية التي مضت في مسارات غير منطقية.
إن استمرار مثل هذه التوجهات التي تستهدف مشروع الدولة المدنية يجعل كل قوى التحديث والتنوير أن يكونوا في حال الجاهزية بصدد ثورة قادمة للعبور نحو المستقبل لا إلى كابول..
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 06:15 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-25188.htm