محمد علي الجعاشي* - ونحن اطفال كنا ننتظر وصول العيد بفارغ الصبر، ذلك لأننا كنا نتحصل فيه على كثير من المزايا والهدايا، واولها ملابس العيد الجديدة، وكذلك ننتظر مصبح العيد وهو احد (المهمشين) الجوالين يصبح علينا بعزف خاص على الطبول مبتدئاً بعاقل القرية ثم باقي البيوت وباقي القرى الأخرى القريبة، وعلى رغم أن الزمن قد طحن البعض بكلكله، ورغم بعدنا وبعد المسافات يبقى اليمن وما بداخله وهمه هو همنا ايضاً، فندعو الله ليل نهار ان يجنبه البلايا والمحن،لأننا ورغم البعد لانسلم من الشظايا التي تصلنا واقلها ما يعتصرنا من الألم والحزن عند أي مصاب او حادث جلل يحصل له. وفي يوم 21 فبراير كنا على موعد جديد ننتظر وصوله بفارغ الصبر اشبه بيوم العيد الذي كنا ننتظره كما قلت واكثر، ذلك لأن فيه الخلاص مما نحن فيه، وما يعاني منه الجميع ومن اجل انهاء أزمة طاحنة ألمت بالبلد، فبعد صلاة الفجر مكثنا نترقب افتتاح القنوات الفضائية وحال انتهائها من قراءات القرآن والابتهالات ...الخ، طل علينا الأخ المذيع (محمد المحمدي) من قناة «اليمن الفضائية» مستفتحاً حديثه بالحديث المأثور (اصبحنا واصبح الملك لله) في بث مفتوح استعداداً لهذا اليوم الانتخابي البهي الجميل، فكان بالفعل صباحاً جميلاً هذا اليوم الذي طل بنوره على الكون، وعلى اليمن بوجه خاص وبذلك الزخم والحشد الجماهيري والكم الهائل من الرجال والنساء الذين تقاطروا من كل حدب وصوب نحو مراكز الأقتراع، كما ان الأخ (المحمدي) ايضاً قد احسن صنعاً باستضافته العلامة والقاضي الجليل محمد مسعد العرشاني ففاض علينا جزاه الله خيراً من غزير علمه في صباح يوم جميل وسعيد، فأوجز لنا معنى الشورى في الأسلام، حيث دلل على ذلك باختيار اهل الحل والعقد لخليفة المسلين أبي بكر في سقيفة بني ساعدة ثم تلى ذلك البيعة العامة في المسجد وهو ما يعني (الانتخاب) بمفهوم العصر وهو ما يعني الديمقراطية في المفهوم الحديث أيضاً.
وكما قلت وعلى رغم المسافات التي تفصل بيننا الا أننا عشنا جواً مفعماً غامراً بالفرحة، ونحن نرى من بعد ذلك المشهد، وذلك العرس الديمقراطي يحدونا الأمل في ان يخرج اليمن من عنق الزجاجة الذي وضع فيه بعد ان كان قد انطلق بعد انتخابات 2006م، ولكن المؤامرات هي من اعادته الى (الشرنقة) مرة اخرى، ونرجو من الله ان تكون هذه هي نهاية الأزمات ونهاية المطاف، وان لا نرى بعدها سوءاً أوفتنة تعصف باليمن مرة اخرى، فمنذ فجر التاريخ واليمن وابناؤه يعانون ويدفعون دوماً الكلف الباهظة والتضحيات الجسيمة جراء العديد من الفتن والمؤامرات، فمنذ العام 24ق.م تعرض اليمن الى الحملة الرومانية بقيادة (اليوس جالونوس) من اجل احتلاله واحتلال طرق التجارة والاقتصاد الاستراتيجية فيه حتى وصلوا ابواب العاصمة السبئية (مأرب) وتم دحر ذلك الغزو بفضل التضحية والبسالة والصمود يومها، بالرغم من التفوق في العدد والعدة وعادوا مدحورين مهزومين، ثم تلا ذلك احتلال الأحباش (الأكسيومي) في عام 525م، وكان ان دفع اليمن الثمن باهضا من التضحيات تجلى ذلك في التأخر الاقتصادي والتجاري والحضاري ،واستنزاف ثرواته وامكانياته جراء الاحتلال مما انعكس سلباً على نهوض اليمن وتقدمه الى ان قيض الله ابن اليمن البطل سيف بن ذي يزن وتم تحرير اليمن على يديه، وطرد المحتلين في عام 575م، وهكذا دواليك تتعاقب على اليمن الصراعات والنزاعات والأحداث كان آخرها الحكم الامامي (الكهنوتي) والذي تم التخلص منه ايضاً في عام 1962م، ثم ثورة 14 اكتوبر 1963م بتحرير باقي جزئه من الاحتلال البريطاني، وكل هذه التضحيات يتحمل فيه اليمن الكلف الباهظة من دم ابنائه واستنزاف ثراوته وخيراته، فيترك اثراً سلبياً في تأخر اليمن وتقدمه، وآخر ذلك الصراعات الشطرية إلى ان استعاد اليمن وحدته و(لحمته) في 22مايو 90م.
وفي هذ اليوم 21 فبراير 2012م، يتوحد فيه الشعب على رؤى مشتركة، وهدف موحد تتلاحم فيه كل اطياف المجتمع اليمني، وتتجلى وحدته فلا شمال ولا جنوب، والوحدة وحدة قلوب، منهياً بذلك ازمة طاحنة استمرت لما يزيد عن العام، عمق فيه الشعب فلسفته في حقه في اختيار من يحكمه، فلا ضير أن يكون هذا الحاكم من المهرة، او من زبيد، أو من صنعاء، او من عدن، طالما وقد اختاره الشعب لأهليته وكفاءته وقدرته ونزاهته بالاختيار الحر الديمقراطي المباشر، فذلك هو ما نؤسس له اليوم في الحق في حرية اختيار الحاكم بالطريقة الشورية الديمقراطية.
والفضل في ذلك بعد الله لفخامة الرئيس الأخ علي عبدالله صالح والذي سيبقى اسمه مخلداً في التاريخ، ومحفوراً في القلوب والعقول، وهو كما قال خليفته المناضل فخامة الأخ الرئيس عبدربه منصور هادي، بأنه قد غلب مصلحة الوطن على مصلحته الشخصية، بتنازله الطوعي عن منصبه وحقه عن المدة المتبقية له من فترة الرئاسة، وذلك من اجل أن يجنب البلد المآسي والكثير من الخراب والدمار، فهو بذلك أولاً حافظ على سلامة الناس وصيانة الأرواح، وحافظ كذلك على بقاء البلد كياناً موحداً، وثانياً اعطى نموذجاً ودرساً في كيفية أن يحترم الإنسان النهج الديمقراطي والتضحية بالمصلحة الشخصية في سبيل الصالح العام، وأن يصبح ذلك مثلا يحتذى به في المستقبل، بحيث لا يتجاوز أي احد الدستور والقانون، وأن لا يتطاول على الشعب والقفز فوق ارادته في الوصول الى السلطة بالقوة ومصادرة حقهم في الانتخاب والاختيار.
* كاتب يمني مقيم بالسعودية |