الإثنين, 26-مارس-2007
شرف‮ ‬أحمد‮ ‬الأموي -
كما كان متوقعاً فقد أدت الحرب الإسرائىلية الأخيرة على لبنان صيف العام الماضي 2006م- من خلال معطياتها وشراستها وآثارها المدمرة، وما يترتب على تطبيق القرار الدولي (1701) وخاصة البند المتعلق بسلاح المقاومة- إلى خلافات بين القوى والتيارات على الساحة الداخلية، زادت حدتها عقب طرح موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي للتحقيق في جريمة اغتيال رئىس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، بصيغته الحالية واستقالة الوزراء الشيعة من الحكومة الراهنة برئاسة فؤاد السنيورة كخطوة تهدف إلى نزع الغطاء الشرعي عنها وتحريك الشارع عبر الاضرابات والاعتصامات لإسقاطها، غير انها بقيت تحظى بالدعم متمسكة بمواقفها ورفض مطالب المعارضة في تكوين حكومة وحدة وطنية تحصل فيها على الثلث الضامن أو المعطل على أساس 19،11 إلى جانب ضرورة ادخال تعديلات على مشروع المحكمة، إذ تخشى المعارضة من تمرير وإقرار قوى الأغلبية لقرارات مصيرية عبر حكومة لاتتمتع فيها بمركز قوي يمكنها من المشاركة في إقرارها أو تعطيلها وبالذات تلك التي قد تسبب الأذى لأطراف داخلية أو خارجية تقف معها على نفس الخط، إضافة إلى ان العمل بمشروع المحكمة من دون تضمينه التعديلات المطلوبة يمكن ان يُستخدم كوسيلة للايقاع بالقوى المستهدفة وفي مقدمتها سوريا على غرار ما حصل مع لجان التفتيش عن الأسلحة التي كانت تعمل في العراق قبل الغزو الأمريكي، وسقوط النظام، واستمرار ترديد المطالب ورفضها من جهة السلطة المستندة على تيارات داخلية وأطراف خارجية أيضاً مع تبادل الاتهامات والظهور بمواقف متشنجة أوجد حالة من القلق والخوف من المجهول وعقبات على طريق الانفراج، ولاتزال جميع التحركات ودعوات التهدئة تلف حول نفسها في الوقت الذي وصلت فيه البلاد إلى مرحلة حرجة ظهرت فيها كل الاحتمالات مع توقُّع الأسوأ منها، وعلى مدى ما مر من عمر الأزمة عرف لبنان العديد من الهزات ألحقت أضراراً جسيمة بالاقتصاد الوطني بمختلف قطاعاته.. وعمت الفوضى معظم مؤسسات الدولة ولوحظ الكثير من الأحداث والمواقف التي من شأنها ان تطرح جملة من علامات الاستفهام حول أبعاد ومسارات الأزمة الحالية والمدى الذي قد تصل إليه وكذا طبيعة‮ ‬أدوار‮ ‬اللاعبين‮ ‬الأجانب‮ ‬فيها‮ ‬وكيفية‮ ‬الخروج‮ ‬منها؟
فشحنة الأسلحة التي ضُبطت في طريقها إلى الجنوب تشير إلى دخول شحنات مماثلة إلى البلاد وصارت بحوزة مختلف القوى والتيارات الموجودة على الساحة، لعبت المافيا الدولية دوراً بارزاً في ذلك، والانفجارات التي دوت في بعض المناطق وتأكيدات سمير جعجع رئىس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية على ضرورة الاستعداد والجاهزية تحسباً لما يطرأ بالتزامن مع إقرار مجلس الوزراء الحالي، ومن جانب أحادي مشروع المحكمة التي ستعمل على كشف ملابسات جريمة اغتيال الحريري.. وإرسال المشروع للأمم المتحدة مع طلب وضعه تحت البند السابع من ميثاق هيئة الأمم، كان يفترض المصادقة عليه من قبل السلطة التشريعية التي يرفض رئيسها مزاولة أعمالها في ظل حكومة يعتبرها غير دستورية وأيضاً الزيارة الخاطفة للنائب الدرزي وليد جنبلاط الأخيرة لواشنطن والتقاؤه الرئىس الأمريكي ونائبه ووزيري الخارجية والدفاع وسعادة أمين عام الأمم المتحدة، إضافة إلى المواجهات الدامية التي جرت في بيروت أواخر يناير الماضي بين أنصار السلطة والمعارضة والتي خلفت ضحايا من الجانبين وعناصر أخرى من الجيش كانت متواجدة حينها، وتلك الاشتباكات المذهبية التي وقعت في البقاع الشمالي منتصف فبراير المنصرم بين السنة والشيعة وغيرها من الحوادث التي حصلت في الفترة ذاتها وجميعها تنبئ عن انفلات أمني من الممكن حصوله في أية لحظة قد تعود بلبنان إلى عشية اندلاع الحرب الأهلية عام 1975م التي استمرت حتى اتفاق الطائف، وعلى نفس الصعيد فإن بقاء الأزمة على حالها وعدم تكوين حكومة وحدة وطنية قبل موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، وعدم تنازل الرئىس أميل لحود- التي تنتهي مدة ولايته نهاية نوفمبر القادم- عن صلاحياته لحكومة السنيورة لعدم أهليتها ربما يوصل البلاد إلى فراغ دستوري يفسح المجال للأمم المتحدة في التدخل وتفويض مجلس الأمن فرض الحل اللازم الذي وإن حصل لن يخرج عن إطار الأجندة الأمريكية في المنطقة وسيتمخض عنه عواقب وخيمة على لبنان وبقية دول الشرق الأوسط ومن هنا تبرز أهمية التعجيل في إيجاد حل لهذه الأزمة.. ومن المحتمل ان تنجح قمة الرياض العربية القادمة في تقريب وجهات النظر بين طرفي الخلاف والقبول بمبادرة الجامعة العربية فيما يتعلق بحكومة الوحدة ومشروع المحكمة في حين يعد هذا الحل موقتاً نظراً لطبيعة الأزمة واتصالها المباشر بما يجري في العراق وفلسطين وبقاء الاحتلال الإسرائىلي للجولان السورية ومزارع شبعا في الجنوب اللبناني، إلى جانب تطورات الملف النووي الإيراني والعلاقة بين السنة والشيعة.. كما ان خيوطها معقدة ومتشابكة تمتد لتشمل دمشق فطهران والرياض وحتى واشنطن التي اسهمت نيران أسلحتها الذكية في انضاجها، وما تحركات الأطراف الداخلية في الأزمة إلاَّ ترجمة للأدوار الخارجية فيها، وعلى هذا النحو فإن أي حل نهائى ودائم لأزمة لبنان ومشاكله لابد ان يأتي عبر هذه العواصم مجتمعة، وأي تحرك يهدف إلى دفع أحد طرفي الأزمة نحو الحل يلزمه عمل نفس الشيء يدفع في الاتجاه المقابل، مما يستدعي وجود تفاهم وحوار وتنسيق فيما بين هذه الأدوار للخروج بصيغة مشتركة للحل، ولكي‮ ‬تقوم‮ ‬سوريا‮ ‬وإيران‮ ‬بدور‮ ‬في‮ ‬التسوية‮ ‬فذلك‮ ‬يتطلب‮ ‬الحصول‮ ‬على‮ ‬مقابل‮ ‬ولكون‮ ‬ما‮ ‬يدور‮ ‬حالياً‮ ‬في‮ ‬لبنان‮ ‬له‮ ‬علاقة‮ ‬بقضايا‮ ‬وأزمات‮ ‬المنطقة‮..‬
إذاً يجب ان يشمل الحل هذه القضايا جميعها وحتى يوفر نوعاً من الاطمئنان لشعوب المنطقة يتوجب الأخذ بعين الاعتبار كل القرارات الدولية المتصلة بالصراع العربي مع إسرائىل وحل الأزمة النووية الإيرانية بالطرق السلمية وإرساء تفاهم بين السنة والشيعة، وان لايعتمد على مشاريع‮ ‬أمريكا‮ ‬المستقبلية‮ ‬كمشروع‮ ‬الشرق‮ ‬الأوسط‮ ‬الجديد،‮ ‬لأن‮ ‬مثل‮ ‬ذلك‮ ‬سيخدم‮ ‬بالدرجة‮ ‬الأولى‮ ‬المصالح‮ ‬الأمريكية‮ ‬الإسرائىلية‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 12:44 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-2567.htm