د. عبدالعزيز المقالح -
هل بات القادة العرب، وهم يتقاطرون لحضور مؤتمر القمة في الرياض، يدركون سلفاً أن الواقع العربي المأزوم والمتفجر يجعل من المشاركة في هذه القمة أمراً مختلفاً عن كل المشاركات في القمم السابقة، وبالذات تلك التي أسهمت في تمزيق الأمة وتدمير وحدة صفها والوصول بها إلى الحضيض الراهن، ابتداء من مؤتمر قمة القاهرة في أغسطس 1990م ومروراً بمؤتمر قمة بيروت 2002م، وإلى آخر مؤتمر تم انعقاده في 2006م؟!
من المهم جداً، بل ومن الضروري جداً، أن يدرك القادة ذلك وأن يعلموا أيضاً أن زمن القمم التي كان الذهاب إليها من قبيل النزهة قد ذهب وذهب معه ما أسفرت عنه القمم من قرارات سخيفة وفاشلة، كما ذهب زمن قمم تآمر البعض على البعض، وتآمر الجميع على الأمة وأبنائها، وما حصدته تلك القمم من مآسٍ تتجرع الأمة كؤوسها المرة الممزوجة بالدماء والدموع.
وللذكرى فقد كان عقلاء الأمة وأصحاب الرأي فيها - وما يزالون - ينصحون بإلغاء فكرة القمم وتجاوزها إلى لقاءات ثنائية يتدارس فيها أصحاب الضمائر الحية من القادة العرب أوضاع الأمة في هذه المرحلة والوسائل التي يتم بها وضع حد لمشاهد الدم والقتل والترويع التي امتدت ساحتها ولم تعد مقصورة على فلسطين والعراق والجزائر والصومال والسودان ولبنان، بل صارت مشهداً عربياً شاملاً، وما من يوم يمر لا تتلطخ فيه وجوه العرب بالدم ولا تنكسر فيه أحلامهم وتتمرغ فيه كرامتهم.
وفي السياق ذاته، لقد انتهى زمن قمم الشجب والإدانة، وانتهت كذلك قمم المبادرات والسعي الحثيث نحو سلام وتفاوض من جانب واحد هو الجانب العربي، وصارت الأمور من الوضوح إلى درجة لا تحتمل المغالطات واللف والدوران على قضايا الأمة الواضحة التي لم تعد تقبل مزيداً من المساومة، وصارت الأمة ترفض المتخاذلين الذين يتأبطون إلى كل مؤتمر ملفاً أو أكثر للمساومة وإرضاء الأعداء الذين لا يرضيهم غير الاستسلام والاعتراف بحق الصهيونية في السيطرة التامة على الوطن العربي وتهجير الفلسطينيين وهدم الأقصى وتحقيق كل ما يحلم به القادة المعتدون في تل أبيب.
وبالمناسبة فإن الصحافة في الولايات المتحدة وفي أوروبا، وفي أماكن أخرى من العالم تتساءل باستغراب: ما الذي يجعل القادة العرب يخافون من الإدارة الأمريكية الحالية المهزومة حتى العظم؟ وما الذي يجعلهم يسعون بإصرار إلى إنقاذ ما أمكن إنقاذه من كرامة هذه الإدارة التي فشلت بعد خمس سنوات في أن تحقق شبه انتصار في أفغانستان، وفشلت بل سقطت في مستنقع العراق الدموي، وفشلت حتى في غزوها المغطى بالإثيوبيين في الصومال الجائع المفتت؟!
أسئلة كثيرة غير عربية تأتي من هناك يتمنى كل عربي أن تكون في المرتبة الأولى من أجندة مؤتمر الرياض لعلها تنبه الغافل وتعيد بعض العقول الضالة إلى رشدها، وتجعل كل حاكم عربي يثق بأن الاعتماد على شعبه هو طوق النجاة الحقيقي والوحيد.
ولعل من المفارقات العجيبة والمثيرة لسخرية العالم بالعرب وبكل ما هو عربي فكرة وممارسة، أن ثلاثمائة مليون عربي يقدمون التنازلات المخجلة تلو التنازلات المخجلة المرفوضة صباح مساء من كيان استيطاني لا يزيد تعداد أبنائه عن خمسة ملايين تتألف مجتمعاتهم من خليط غريب من التكوينات الثقافية واللغوية، ومهما امتلكوا من قوى التدمير أو تلقوا من مساندة ومساعدة دولية فسيظلون أعجز عن مواجهة التضامن العربي الصادق وعند لبنان الخبر اليقين.
ولا يجوز أن ننسى أن هذا الكيان كان- قبل السقوط العربي والمبادرات المذلة - يناشد العالم إقناع العرب بأن يقبلوا بوجوده في الأراضي التي تم احتلالها عام 1948م فصار العرب اليوم هم الذين يناشدون العالم إقناع الكيان الصهيوني بقبولهم إلى جواره (!!) يا له من خزي عظيم وانكسار لا مدى لانعكاساته المذلة.
الشاعر إبراهيم طلحة في ديوانه الأول:
العنوان الذي اختاره الشاعر إبراهيم محمد طلحة لديوانه الأول يتألف من جزءين، الأول هو: "على مرمى قصيدة" والآخر "برازخ الموت شعراً" وهذا العنوان المزدوج يستحق وقفة نقدية طويلة لكشف ما يضمره ويبديه من دلالات بعيدة المدى وما يحققه من شعرية عالية، لكن المساحة لا تحتمل أكثر من هذه الإشارة.. أما عن قصائد الديوان فقد تمثلت في ترابط حميم بين أربعة أشكال: العمود، التفعيلة، التدوير، النثر، وبإيجاز شديد، إبراهيم طلحة شاعر بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
تأملات شعرية:
اهبطوا...
فلكم ما حصدتم من الذل
في القمم الماضياتْ.
ولا تصعدوا قمةً
بعد أن شاخ حاضركم وضمائركم
وتغشّتكم النازعاتْ.
اهبطوا...
لا تخافوا على الناس
من عاشَ عاشْ،
ومن ماتَ ماتْ!!
نقلاً عن الثورة