د. بشير عبدالله العماد -
إن الهفوات هي من الأمور الفطرية للانسان، حتى العلماء وكما يقال «لكل عالم هفوة» ولكن هذه الهفوات تكون مقبولة أو مرفوضة بحسب الشخص الذي تصدر عنه ومدى التناسب بين هذا الشخص ومقدار ونوع الهفوة، فيتقبلها الناس إذا كانت بسيطة ويلمسون لمن صدرت عنه المبررات والاعذار، وبالمقابل عندما تكون الهفوة كبيرة فإن الناس لايستطيعون تقبلها أو فهم الدوافع التي أدت اليها، ومن تلك الهفوات التي لاتغتفر ولايلمس لها أي عذر أو مبرر ما صدر عن رئيس حكومة الوفاق محمد باسندوة عن اعلان الجهة التي نفذت مايعرف بجمعة الكرامة، متناسياً ان صفته الآن كرئيس لحكومة الوفاق تستوجب منه ان يقف ضد من يحاول تعكير أجواء الوفاق الوطني لا أن يقوم هو بذلك.
إن اعلان باسندوة وبشكل قاطع عن الجهة التي قامت بارتكاب الجريمة يُفهم منه أحد أمرين، الأول أنه يستغل صفته الرسمية ويلصق التهمة بطرف معين، والأمر الثاني انه يقرأ ماكُتب له، وفي كلتا الحالتين فإن ما أعلن عنه باسندوة يعتبر تدخلاً سافراً في أعمال السلطة القضائية التي يفترض ان يكون باسندوة وحكومته خاضعين لها، لا منتهكين لسيادتها واستقلاليتها.
وكنا نتمنى من رئيس حكومة الوفاق في مثل هكذا مناسبة ان يعلن دعمه للسير في اجراءات المحاكمة العادلة والكشف عن الجناة الحقيقيين، لا أن يعلن عن أحكام مسبقة ويتحول الى قاضٍ ويصدر الحكم بالإدانة، وإذا حاولنا ربط ما أعلنه باسندوة بتداعيات الجريمةح وظهور بعض الجوانب المتعلقة بها سواء على شكل دلائل قانونية أو تحليلات واستنتاجات، فإن هذا الاعلان يهدف الى الانحراف بنتائج التحقيقات والمحاكمات وتوجيهها وكذا التغطية على بعض الأطراف المتورطة في تلك الجريمة.
كما كنا نتمنى على رئيس حكومة الوفاق ان يجسد إيمانه بالدولة المدنية التي يتغنى بها في خطاباته ومقابلاته وذلك من خلال دعم استقلال القضاء الذي يعد أول وأهم ركائز الدولة المدنية الحديثة واعلانه عن تسخير امكانات الحكومة بيد القضاء في سبيل الوصول الى الحقيقة في تلك الجريمة وغيرها من الجرائم التي راح ضحيتها الأبرياء الشباب، لا أن يتحول من رئيس حكومة الى رئيس محكمة ويتصدى لإصدار أحكام قانونية دون الاستناد الى وقائع أو أدلة قانونية.
وهنا ندعو الجميع الى مراعاة مشاعر أسر وذوي الشهداء وعدم استخدام القضية لأغراض سياسية ومصالح حزبية.. وان نتوجه جميعاً لدعم ومساندة القضاء لاستكمال السير في اجراءات المحاكمة واعلان الحقيقة للجميع، ومن كان لديه أي معلومات تفيد التحقيق فليقدمها في الاطار القانوني أمام المحكمة المختصة بعيداً عن المزايدات والمكايدات التي ستؤدي في النهاية الى ضياع الأدلة وموت القضية والاكتفاء بلقب «الشهيد» على ضحايا تلك المجزرة البشعة.