مطهر الاشموري -
< حين بدء حرب تحرير الكويت من قبل أمريكا والتحالف الدولي علق رئيس ليبيا آنذاك - القذافي - بأن الحرب الحقيقية هي هنا في سرت.
القذافي بعد وفاة الزعيم القومي جمال عبدالناصر ظل يستهويه دور البطولة تجاه أمريكا والغرب ولم يكن يطيق أن ينافس في هذا الدور، وإذا غزو الكويت وحرب تحريرها تسلط الاضواء كدور بطولة على رئيس العراق صدام حسين، فذلك ما لا يقبل أو يسلم به القذافي.
حين تفجير المدمرة الامريكية «كول» في سواحل عدن كان موقف علي عبدالله صالح كرئيس -آنذاك- قوياً ولافتاً فانشدت اليه الاضواء فأجرت معه «الجزيرة» عبر «أحمد منصور» حواراً هو بين أقوى ما أثاره وطرحه علي عبدالله صالح خلال حياته السياسية اقليمياً ودولياً.
مساء اليوم التالي كان فيصل القاسم «الجزيرة» في لقاء مفتوح مع من ظل يقدمه القاسم لأكثر من عشر مرات بـ«القائد» وهو العقيد القذافي ورتب في هذا اللقاء عمد هجاء ومهاجمة علي عبدالله صالح وكأن القذافي جيئ به في اليوم التالي للرد على ما طرحه رئيس آخر في اليوم السابق.
حين غزو العراق لم يقل القذافي.. إن الحرب الحقيقية هي في سرت بل كان لا تعليق له وبدأ يخفف تعلقه بدور البطولة أو التخلي عنه وصولاً إلى دفع تعويضات «لوكربي» وتسليم أمريكا ما يمتلكه من زئبق ونحوه.
علي عبدالله صالح كان تعليقه على غزو العراق المثل الشعبي الشهير الذي يقول: «إذا حلق ابن عمك بليت رأسك»، فهل هذا ما حدث بالفعل خلال محطة 2011م وهل مثل القذافي أو مبارك لم يكن يتوقع ولم يستعد ويبلل رأسه استعداداً للحلاقة والتعامل مع صالونها وزينتها وتزيينها كمحطة؟
ها هو الرئيس المصري السابق «مبارك» يمثل مفاجأة من رحلوا في محطة 2011م ولم يسمح له باكمال بضعة شهور حتى انتهاء فترته وتنظيم انتخابات وهو من تصدى لتحويل الجامعة العربية الى آلية غربية أو تابعة للغرب في قراراتها، كما هو من تصدر لحماسه في كل المحطات للسير فيما يرضي أمريكا والغرب، ومع ذلك فإنه لم يساير موقف فرنسا ورئيسها جيسكار ديستان في مسألة ووضع غزو الكويت ولا موقف أثقال الاتحاد الأوروبي «فرنسا، ألمانيا» حين غزو العراق.
حتى محطة 2011م فأكثر الحكام العرب ثقة بالغرب كان رئيس تونس «بن علي» ورئيس مصر «مبارك»، ومع ذلك كانا أوائل ضحايا المحطة ولنا مقارنة وقوف ومواقف رئيس العراق صدام حسين مع رئيس مصر مبارك أمام المحكمة والمحاكمة.. فهل يجسد مثل ذلك مدلول المثل الشعبي اليمني:«إذا حلق ابن عمك بليت رأسك»؟ رئيس تونس «بن علي» كان يثق بالغرب ولكنه أعد مشروعاً احترازياً «الهروب» ومجرد أن يحس بأن الغرب يخذله أو ليس معه سيسير في تنفيذ مشروعه الاحترازي «الهروب» ولا يقدم حاكم لإعداد مشروع هروب الا من أرضية أخطاء سار فيها وسيسير.
الغرب في هذه المحطة لم يتخلَ فقط عن حلفاء له بل هو الأرضية الخارجية للثورة وتأثيرها يصبح الأهم، ولهذا فإن أي حاكم يستهدف من المحطة يصبح في مواجهة مع الغرب كثورة ثم مع متراكم واحتقانات أخطائه في الداخل كثورة، وبقدر ما منسوب ونوعية أخطاء الحكام والأنظمة مرتفعة تكون الثورة أقوى.
للنظام في اليمن أخطاء لم تنكر منذ بداية المحطة 2011م ولكنه لم يسر في قمع وسجن وتعذيب الاخوان أو الاسلاميين كما في مصر أو تونس كما لم يمارس تزوير الانتخابات كما مصر.
الاخوان أو الاسلاميون هم الطرف الأساسي في الثورات وثقلها وهي الاطراف التي يراد لها الوصول للحكم، ولذلك فالطريقة التي تعامل بها النظام مع هذا الطرف كانت من أهم العوامل لصالح خلال هذه المحطة واقعياً حتى لو لم يكن ذلك هدفاً له أو بين حسابات وعيه.
هذه الطريقة لم تكن في صالح النظام لأنها هي التي دفعت هذا الطرف الى العنف والى تصعيده والامر وصل الى حلاقة رأس صالح في جامع دار الرئاسة ويوم الجمعة وبديل آخر ينفذ يبدأ بالاستيلاء على معسكر الصمع ومطار صنعاء الدولي.
بالصدفة وجدت نفسي أتابع فضائية «ىمن شباب» والمتحدث القيادي الاصلاحي المعروف عبدالوهاب الآنسي وما يعنيني مما طرحه بأننا أصبحنا في شرعية جديدة وتلك القوات المسلحة التي كانت تدافع عما تسميها الشرعية الدستورية باتت تحت الشرعية الجديدة ولم تعد تحمي شرعية أخرى تجاوزها الواقع والزمن.
المشروعية الجديدة هي التي رحلت ورحل من خلالها علي عبدالله صالح وجاء بالرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي.. فإذا المشروعية الجديدة هي للمبادرة الخليجية لتحل محل الدستور وللرئيس المنتخب الذي تسلم الحكم من الرئيس السابق، فالمشروعية الجديدة أنهت فوضى التفعيل والاستعمال لما تسمى شرعية ثورية، بالتالي فالقوات المسلحة لا ينتهي دورها بانتهاء شرعية وبدء شرعية جديدة والرئيس المنتخب بحاجة لها لمنع الانقلاب عليه أو لحماية الحكم ومؤسساته والبلد ومكاسبه.
الشرعية الجديدة ليست شرعية استمرار حشد الآلاف من المليشيات في أرحب واستمرار الاعتداءات ومحاولة الاستيلاء على معسكر جبل الصمع، وبالتالي ليست شرعية استهداف الطرف أو الوحدات التي دافعت عن الشرعية الدستورية حتى الوصول للحكم ديمقراطياً وتسليمه دستورياً للرئيس المنتخب.
الشرعية الجديدة بالنسبة للقوات المسلحة هي تختزل في قرارات وتوجيهات وأوامر الرئيس المنتخب القائد الأعلى للقوات المسلحة ثم أوامر وزير الدفاع في حكومة الوفاق الوطني ونحن لا ندعيها ضمناً أو بالمباشرة لوحدة عسكرية أو ميليشيات طرف فيما الاستاذ الآنسي يطرح هذه المشروعية وان بقدر عالي الذكاء في غير المباشرة كأنما هي لعلي محسن والفرقة الاولى وجامعة الايمان وميليشيات الاصلاح.
المشروعية الجديدة إنما محورها أو تتمحور حول الرئيس المنتخب، وأهم مهام الرئيس المنتخب إعادة الامن والاستقرار والحفاظ عليه وعلى وحدة الوطن وهذا ما يظل عليه السعي له وله السير في أي قرارات يقتنع بها لتحقيق ذلك حتى لو رأى تعيين اللواء علي محسن أو من يقترحه الاستاذ الآنسي قائداً للحرس الجمهوري فهو ليس المسؤول فقط عن إصدار القرارات ولكن عن إنجاحها ويتحمل مسؤولية فشلها..أذكر الاستاذ الآنسي بأن الوصول للحل السلمي التوافقي الديمقراطي يحمل القوات العسكرية المنشقة مسؤولية وتبعات الانشقاق، فيما يؤكد صواب موقف القوات التي دافعت عن الشرعية الدستورية، وبالتالي فالآنسي يرى الخطأ هو الصواب والصواب هو الخطأ من منظار الشرعية الثورية التي تجاوزها الواقع والمبادرة الخليجية والحل السلمي والرئيس المنتخب وبالتالي فالشرعية الدستورية كانت أرضية الحل والمبادرة الخليجية كما هي أرضية التبادل السلمي والسلس للسلطة الذي نفذ لأول مرة.
لقد تابعت في فضائية اليمن أحد النواب الذي قدمته الفضائيات خلال الأزمة بين مشاهير المعارضة وهو مثل الآنسي يتحدث بعقلانية وبما هو مقبول عن المبادرة الخليجية ووجوب تنفيذ التزامات كل الاطراف ويطرح بأن مسمى ثورة أو أزمة لم يعد مهماً ولا هو مشكلة، ولكن حين الوصول لذات المحورية «القوات المسلحة» يطرح بأن ما حدث هو ثورة والثورة تطلب أو تأمر بالتغيير وكما يريد أو كما يراد فحين هذا المراد تلغى ليس فقط الشرعية الدستورية بل شرعية ومرجعية المبادرة الخليجية وحتى مشروعية وصلاحية الرئيس والقائد الاعلى للقوات المسلحة وحتى وزير الدفاع.
لقد رحل علي عبدالله صالح من الحكم عن قناعة ومع ذلك فبعض قيادات طرف سياسي أو أكثر لا تتردد في طرح أن اغتيال علي عبدالله صالح سيظل هدفاً تسعى للوصول اليه ما استطاعت وكل ما يجري في محورية القوات المسلحة هو تحت سقف هذا الهدف أو في سبيله وتمهيد طرق إليه.
الرئيس المنتخب من صلب مسؤوليته حماية كل الاطراف وحقوق كل الاطراف كما هي ونص عليها في المبادرة الخليجية.. فهل نهدي الرئيس عبدربه منصور هادي ذات المثل «إذا حلق ابن عمك بليت رأسك».
المشترك كان عليه أن لا يوافق أو يوقع على المبادرة الخليجية الا على أساس أنه لم يعد لأي طرف سقف أعلى من سقفها ونجاح الاصطفاف مع النظام استحقاقه سقفها مثلما نجاح اصطفاف الثورة استحقاقه سقفها، وبالتالي فلا أحد من الاصطفاف مع النظام يطالب أو حتى يفكر بتفعيل شرعية قديمة فيما المشترك يؤكد بالأفعال وفي التفعيل أنه يريد فرض الشرعية الثورية فوق المبادرة الخليجية وفوق القرار الأممي، وهذه هي المشكلة التي تعيق الوفاق والتي قد تعطله ولذلك فالآنسي لجأ لاختراع مصطلح ما أسماه الشرعية القديمة للبحث عن حجة مقابلة حتى وهي لا تقنع ولا تصدق.لقد قالوا قبل الاعتداء على جامع دار الرئاسة بأسابيع بأنه ما لم يرحل ويهرب تلقائياً فلدينا أساليب وطرق أخرى لترحيله للآخرة.
الذي يطرحونه الآن بأن على علي عبدالله صالح أن يرحل من اليمن ما لم فسنصفيه فلماذا لم يطرحوا مثل هذه الاشتراطات على المبادرة الخليجية؟
الرئيس عبدربه منصور هادي كان من المحكوم عليهم بالإعدام بعد أحداث 1986م وأحمد بن دغر وزير الاتصالات ومن ضمن قائمة المؤتمر ضمن من شملهم الحكم بالإعدام بعد محطة 1994م وقائمة الـ16 الشهيرة، فيما العائد للوطن محمد علي أحمد محكوم عليه بالإعدام في المحطتين 1986م و1994م فلماذا أطراف في الثورة السلمية تريد أو المراد الدم وبعد الوصول للحل السلمي وقطع شوط في تطبيق الوفاق؟
أي اتفاق سياسي يحل أزمة بين طرفين داخليين أو مع طرف خارجي فإن مجرد الوصول اليه والتوقيع عليه يلزم بداهة بإيقاف كل الحملات السياسية والاعلامية تلقائياً بين الاطراف الموقعة والمشترك هو الطرف الذي لا يريد ذلك ويرفضه لسبب بسيط وهو أن استمراره في التثوير وفي محاولة الاستعمال للشرعية الثورية كصراع أهم من المبادرة والحل السلمي والأمن والاستقرار في الواقع.
حين لا تصل ما تسمى ثورة الى الاستحقاق شعبياً بسقف الحد الأدنى من معيار «ثورة سلمية» ربما تلجأ الأرضية الخارجية لفرض السير في الحلول السلمية كخداع ويلجأ بعد ومن خلال ذلك للأعمال والافعال الاستخباراتية القديمة في التصفية والانقلاب والاستيلاء على الحكم والاستمرار في التثوير وطرح الشرعية الثورية سيقدم ذلك على أنه انتصار للثورة، وما يحدث في واقع اليمن ربما يؤكد أن ذلك هو الهدف أو المستهدف في اليمن أو سوريا من خلال ما تسمى الحلول السلمية.
الطرح عن أنموذج اليمن ربما فقط لجرجرة النظام السوري لمثل هذا الحل والحلحلة ومن ثم تفعيل الانقلاب من هذه الأرضية على أنه ثورة!