علي ناجي الرعوي -
يعد مؤتمر الحوار الوطني في اليمن من أهم استحقاقات المرحلة الانتقالية التى بدأت فعلياً في الخامس والعشرين من فبراير الماضي بإنتقال السلطة الى الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي، حيث يؤمل ان يلتقي جميع الفرقاء على طاولة الحوار ليبحثوا ماهم فيه مختلفون وماهم فيه متفقون والتوصل الى تفاهم وتسوية واقعية وموضوعية تكون فيها الغلبة لليمن ووحدته وأمنه واستقراره، وليس لغير ذلك من البدائل المستنسخة والأطروحات المغايرة لحقائق الواقع والتاريخ وروافع المجتمع الثقافية والحضارية.
وطالما كان الحوار هو الوسيلة المثلى التى يتم اللجوء اليها لمعالجة الأزمات واخماد الصراعات، فمن الطبيعي ان يتصدر مؤتمر الحوار الوطني اهتمام كافة الفاعلين السياسيين والمهتمين بالشأن العام في هذا البلد إن لم يصبح ضرورة من ضرورات منعطف التغيير الذى بدأت أشراطه تتبلور وتنمو رغم ما يقف في طريقه من عقبات وما يحفه من مصاعب وأخطار.
ومع ذلك يبرز السؤال القديم - الجديد هل كل الفاعلين السياسيين في اليمن، وبالذات من يعرفون برموز الحراك الجنوبي الذين يطالبون بفك الارتباط بين الشمال والجنوب وكذا رموز الحركة الحوثية الذين يرفضون حتى هذه اللحظة الانخراط في حزب سياسي يعبر عن توجهاتهم وفكرهم وغير هؤلاء ممن يضعون شروطاً مسبقة لمشاركتهم في مؤتمر الحوار سيتخلون عن مشاريعهم واجندتهم؟ أم أنهم الذين سيتمسكون بمواقفهم التى قد تحول وتوافق اليمنيين على كلمة سواء تخرج وطنهم من سراديب الفشل والفوضى والانهيار.
وفي هذه الحالة يصبح من المهم تقييم مواقف كل الأطراف لمعرفة القوى التى ستشارك في الحوار والقوى التى ستقاطعه وتنأى بنفسها جانباً سوى لتعارض مصالحها ومشاريعها مع هذا الحوار أو كان ذلك بسبب خطأ في التحليل او خطل في التقدير؟ إذا انه من خلال هذا التقييم للمواقف يمكن الانتقال الى تحديد عناوين الحوار وحول ماذا يجب ان يدور؟ وماهي السقوف التى ينبغي ان يجري تحتها هذا الحوار؟ وهل سيختزل في القضايا الخلافية وفي مقدمتها طبيعة شكل الدولة ومحتوى الدستور ونوع النظام السياسي وموضوع القضية الجنوبية والوضع في صعدة؟ أم ان عناوين هذا الحوار لن تكون محكومة بأية سقوف او ضوابط او أي من الثوابت المرسومة في الدستور النافذ حاليا؟
في اعتقادي ان لا مشكلة في ان يكون باب الحوار مفتوحاً ومشرعاً امام كافة الرؤى والدعوات المعقولة وغير المعقولة، ولكن فان المعضلة الحقيقية تكمن في التحديات التى مازالت تقف في طريق الوصول الى هذا الحوار.. فالأجواء المتوترة السائدة اليوم في اليمن تنبئ عن ان الأوضاع تسير نحو الصدام وليس الحوار.. وانه وما لم تتدارك الدول الشقيقة والصديقة الراعية للمبادرة الخليجية التصعيد الحاصل والناتج عن تصدام الارادات وتقاطع المصالح واندفاع كل طرف سياسي الى تصفية حساباته مع الطرف الآخر، فإن هذا البلد يمكن ان ينزلق في أي لحظة الى صدام مدمر وفتنة داخلية تؤدي به الى الهلاك والضياع والتشظي.
وإذا لم يسرع الطرفان الموقعان على المبادرة الخليجية - المؤتمر الشعبي العام وحلفائه - واللقاء المشترك وشركائه الى التوقف عن الحروب الاعلامية ومايتخللها من ملاسنات واتهامات ومكايدات ومناكفات سياسية ويستشعران مسؤلياتهما تجاه ما قد ينجم عن هذه الحروب الساخنة والملتهبة من نتائج سلبية على وحدة النسيج الاجتماعي فانهما سيرتكبان جناية جسيمة بحق اليمن وشعبه الذى يزايدان باسمه في كل دورة انتخابية.
لقد كان حريا بهذه القوى السياسية ان تضع بالحسبان حساسية المرحلة التى يمر بها وطنها وانها معنية قبل غيرها بتهيئة الأجواء والمناخات الاَمنة التى تمكن الجميع من التقدم نحو مؤتمر الحوار والجلوس على طاولته لمناقشة القضايا المختلف عليها وإيجاد الحلول العملية لها وبما يصون مقدرات اليمن ووحدته ويوفر لابنائه فرص النماء والتطور والأمن والاستقرار.
ولا ندري كيف لاحد ان يتفاءل باقتراب الفرج في هذا البلد ومناطق واسعة منه تفتقد الأمن والسكينة بفعل تمدد تنظيم القاعدة الإرهابي في جانب وخروج أجزاء أخرى عن سيطرة الدولة؟ بل ومن أين سيأتي التفاؤل والرايات السوداء لتنظيم القاعدة ترتفع على أسطح المباني في جعار وزنجبار وعزان وغيرها من مناطق ابين وشبوة.. فيما ترتفع الأعلام الشطرية على مبان أخرى في عدن ولحج والضالع.. وثالثة لا علاقة لها بألوان علم الجمهورية اليمنية ترتفع على مجمعات حكومية في صعدة وبعض مديريات محافظة حجة.
والمؤلم أن يجري كل هذا فيما النخب السياسية والحزبية في هذا البلد تتقاتل في القنوات الفضائية وأعمدة الصحف والمواقع الإلكترونية والمدونات ومختلف وسائل الاتصال الأخرى وعلى نحو يفوق في حماقته حرب (داحس والغبراء).. ومن خلال هذه الوضعية نفهم تماماً لماذا دمغ فقه الحكم الرشيد الذي انتجه نظام الأمم المتحدة ومنظمة الشفافية العالمية (الفساد السياسي) باللون الأسود واعتبره أخطر أنواع الفساد على الاطلاق!
نقلاً من صحيفة الرياض