فيصل محمد الحربي -
لعل البكاء أصدق المشاعر التي تظهر على الانسان، والبكاء هو تعبير عن الأسى والحزن والألم، وأحياناً تعبير عن الفرحة المختلطة بالبكاء وقد خص الله عز وجل الانسان بميزة وهي عند ولادة أي طفل وخروجه الى هذه الحياة فإن أول ما يبدأ به حياته هو البكاء، وتلازم هذه الصفة الاطفال خلال بضع سنين من ولادته.
ويأتي بعد الاطفال النساء ثانياً في البكاء، فالبكاء عند النساء صفة متلازمة وذلك كون النساء رقيقات القلوب أو كما يقال «الجنس اللطيف»، حيث أن المرأة قد تبكي في أية لحظة ترى فيها مشهداً في التلفزيون ويكون هذا المشهد محزناً ومؤثراً.
أما البكاء عند الرجال فهو موجود على الرغم من أن الرجل يوصف بالخشونة وغلظة القلب والجلادة، واعتقد بل أجزم بأنه لا يوجد شخص فقد عزيزاً أو صديقاً أو قريباً له ولم يبكِ على فقدانه وموته، ولا عيب في بكاء الرجل، بل على العكس إذا رأينا شخصاً تعرض لموقف حزن أو عرف بفقدان أحد أقاربه أو أصدقائه ولم يعبر عن حزنه بالبكاء يتمنى من بجانبه لو أنه يبكي بدلاً من الصدمة والصمت الذي لزمه هذا الشخص.
ومؤخراً ظهر بكاء من نوع آخر ليس بكاءً درامياً أو سينمائياً تمثيلياً.. إنه البكاء السياسي نوع جديد نادراً ما يحدث أو أن يشاهده الناس لنرجع بالذاكرة معاً إلى الماضي القريب عندما أجهش بالبكاء رئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة بالبكاء على شاشة التلفاز وتناقلت القنوات الفضائية الخبر بالصوت والصورة.
ذلك البكاء الذي تابعه الملايين على شاشة التلفاز حيث عبّر رئيس الحكومة اللبنانية عن حزنه وألمه لما تعرض له لبنان من اعتداء ظالم من قبل العدو الصهيوني وذلك في عام 2006م، حيث أقدم اليهود على ضرب المنشآت الحيوية بالطائرات، فضربت مطار بيروت الدولي وضربت الجسور والكثير من البنى التحتية للبنان، عندها رأينا رئيس الحكومة اللبناني يبكي وهو يستنجد العالم لإنقاذ لبنان ووقف العدوان الصهيوني.
ورأينا نحن اليمنيين رئيس وزراء بلادنا الاستاذ محمد سالم باسندوة رئيس حكومة الوفاق الوطني وهو يبكي مرتين الاولى داخل قبة مجلس النواب عندما أقر نواب الشعب قانون الحصانة للرئيس الحكيم فخامة المشير علي عبدالله صالح -رئيس الجمهورية- آنذاك حفظه الله - وأطال الله في عمره زعيماً تاريخياً لليمن وكل من عمل معه خلال فترة حكمه.
والمرة الثانية شاهدنا رئيس حكومة الوفاق الوطني باسندوة وهو يبكي عند حضوره مهرجان اليتيم وهو يشرح ما رآه من تقدم وازدهار في عاصمة دولة قطر وحسرته ومرارته من وضع عاصمة الجمهورية اليمنية صنعاء التي أصبحت في حالة متردية جراء تدهور الخدمات وانتشار الفوضى والمسلحين فيها، فأطلق لنفسه العنان بالبكاء!!
وفي كلا الحالتين لبكاء رئيس الحكومة باسندوة سمعناه يقول نفس العبارة وهي: «إنني على استعداد لأن أضحي بحياتي في سبيل هذا الوطن».
ويجدر بنا الاشارة الى أننا لسنا بصدد أن نحط من قدر رئيس الحكومة أو نسخر منه -معاذ الله، ولكننا نقول بأن رئيس الحكومة باسندوة يعلم يقيناً أن الشعب اليمني وكما وصفه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «أتاكم أهل اليمن أرق قلوب وألين أفئدة»، بمعنى أن أبناء اليمن سوف تأخذهم العاطفة لمساندته كرئيس لحكومة الوفاق الوطني والوقوف الى جانب الحكومة ودعمها للخروج باليمن الى شاطئ وبر الامان، لأن اليمني بطبيعته يعرف أن دموع الرجل وبكاءه ليس سهلاً على أحد.
وهنا ايضاً ينبغي أن نلتمس الاعذار لرئيس الحكومة باسندوة فهو يواجه صعوبات وضغوطات كبيرة لا حد لها وذلك من قبل ثوار البزنس، والمشائخ الصغار من أولاد الاحمر وحامي حمى الثورة الجنرال الهرم، لأن هؤلاء وغيرهم من السياسيين المعتقين وأصحاب فتاوى التكفير المبجلين جميعهم يعتقدون بأن الفضل لهم في وصول باسندوة الى منصب رئيس الحكومة، ولذلك ولكثرة الضغوط عليه يلتخم الرجل ويتوه في غياهيب المراضاة وكسب الود ومحاولة إرضاء الشعب وإخراجه من حالته المتردية، فلا يستطيع التوفيق بين هذين الاتجاهين المتضادين، فنرى ذلك ينعكس عليه بحيث يعبر عن ذلك بطريقته الخاصة وهو البكاء.
أخشى ما أخشاه في قادم الايام بأن لا يقتصر البكاء على رئيس حكومة الوفاق الوطني فقط بل سيكون البكاء لجميع ابناء الشعب اليمني - لا قدر الله لنا ذلك.
أبناء اليمن يستحقون أن تنتهي معاناتهم وأن ينعموا بحياة آمنة ومستقرة وكريمة وعيش أرغد.
الشعب اليمني لا يحتاج الى من يذرف الدموع من أجله، فالبكاء والدموع لا تشبع الجائع ولا تسد رمق محتاج ولا تداوي مريضاً ولا تواسي المحرومين والايتام والارامل، فقد شبع الشعارات الزائفة التي تنادي برقيه وازدهاره وتحسين معيشته.
المطلوب من رئيس حكومة الوفاق باسندوة أن يحرر نفسه من سطوة التبعية وأن لا يحمل أي جميل لأي أحد أو فضل عليه لأن الفضل لله وحده، وأن يمد يده مع أيدي الشرفاء والمخلصين لهذا الوطن للخروج باليمن الى بر الامان، وأن لا يسمح لنزوات الانتقام من أصحاب النفوس المريضة بأن تعكر صفو التوافق والتصالح والحوار من أجل الوصول الى الحلول لجميع مشاكل اليمن.
تنويه:
لست متحاملاً على رئيس وزراء حكومة الوفاق الوطني، وكما أسلفت بأنني لست بصدد أن أحط من قدره، ولكن الصورة التي ظهر فيها رئيس الحكومة باسندوة عند مغادرته مطار الدوحة وهو يودع المسؤول القطري صورة لا أرضاها له ولا لغيره من أبناء اليمن، فقد بدا وهو يطلق لنفسه العنان في تقبيل ذلك المسؤول بطريقة غير لائقة ولا تليق بمثل أبناء اليمن.. يمن التاريخ والحضارة.. يمن العزة والشموخ والإباء.
فأتمنى على رئيس حكومتنا أن ينأى بنفسه عن تلك التصرفات، فأبناء اليمن مهما كان فقرهم لا يمكن أن يقبلوا على أنفسهم الهوان والذلة.. وحفظ الله اليمن وأبناء اليمن من كيد الكائدين..