الإثنين, 23-أبريل-2012
الميثاق نت -   د/ نجيبة محمد مطهر -
ماذا حدث في اليمن؟
ما حدث في اليمن من متغيرات وتحديات وصراعات هي امتداد لدور القبيلة في الماضي ولو رجعنا إلى ما بعد قيام ثورة 26سبتمبر عام 1962م سنجد أنه حدث صراع على السلطة بين العديد من التيارات هي :
الجناح الأول: التيار القبلي الذي كان يمثله عبدالله بن حسين الأحمر ومجاهد أبو شوارب وسنان ابو لحوم والغادر وغيرهم من المشائخ.
والجناح الثاني: الجناح السياسي وتمثل بالأحزاب الوليدة حينها كالحزب الناصري والبعث والاشتراكي وغيرها من الأحزاب..
الجناح الثالث : الجناح العسكري المتمثل في المنتمين للقوات المسلحة والأمن والبعثات العسكرية.
وكان الصراع بين هذه الأجنحة يهدف إلى الاستيلاء على السلطة، وفي الفترة التي كان يتولى فيها عبدالله السلال رئاسة الجمهورية العربية اليمنية برز صراع هذه التيارات على الساحة في الوقت الذي كانت الحكومة مبتدئة في تشكيل كيان الدولة ومؤسساتها مما أدى إلى دخول طرف رابع الذي أجج الصراع المذهبي وقد أدى إلى نشوء مقاومة للوجود المصري في اليمن تمثل في عدة مناطق..
وفي هذه المرحلة تم التحالف بين التيارات: الديني والقبلي والسياسي أطاح بالمشير عبدالله السلال والتيار العسكري وعند تسلم القاضي الارياني للسلطة فوجئ بأن هناك تيارات تريد أن ترجع باليمن إلى النظام الإمامي بقيادة البدر والامير الحسن وكانوا يحظون بدعم من السعودية وبريطانيا والأردن , وكان آخر هذا الصراع حصار السبعين، الا أن القاضي عبدالرحمن الارياني وبدهائه السياسي اتجه للسعودية وتفاوض مع الملك فيصل وتم التوصل الى اتفاق، الا أن البدر لم يوافق عليه , مما أدى إلى عقد مؤتمر حرض الذي تم فيه تقاسم السلطة بين كل من الأجنحة القبلي والعسكري والسياسي، بمعنى أن الجناح القبلي الديني استولى على ثلث السلطة في اليمن والتيار السياسي على ثلث والتيار العسكري على ثلث السلطة أيضاً، هذا التقاسم أدى إلى تعطيل جهود التنمية، بعد ذلك حاول القاضي الارياني أن ينشىء ما يسمى بالمجالس البلدية والتي تنتخب من قبل الأهالي وقد أدى هذا التوجه إلى تصادم بين التيار السياسي من جهة والتيار الديني القبلي من جهة ثانية والتيار العسكري من جهة أخرى، مما أدى إلى اتفاق بين التيار القبلي والتيار العسكري ضد التيار السياسي، وقد أطاح هذا التحالف بالقاضي عبدالرحمن الارياني الذي كان يدرك أن التيار القبلي وراء عرقلة التنمية في اليمن , بعد هذا الانقلاب تسلم السلطة المقدم إبراهيم الحمدي الذي قام باصدار أمر عاجل بوقف الحملات الإعلامية ضد الجنوب وقيادته مع التأكيد بأن الوحدة ستظل الخيار الوحيد للشعب اليمني مهما تباينت الآراء والمواقف، بدأ الرجل مهمته في بناء الدولة الحديثة دولة النظام والقانون والمؤسسات وقد امر بتعليق عبارة «الله جل جلاله» بدلاً من صورته والغى مسميات الشيخ والسيد وابدلها بالاخ. شعاره الدائم كان.. «الدولة في خدمة المواطن» وليس المواطن في خدمة الدولة..
ومنع استخدام السيارات الحكومية والعسكرية وسيارات المؤسسات العامة والمختلطة للأغراض الشخصية..
كما عمل بعد توليه السلطة على الإطاحة بالتيارين القبلي والسياسي وأعلن الحكم العسكري , مما أدى إلى بدء المؤامرات عليه من قبل التيار القبلي المتمثل بالمشائخ والتيار الديني المتحالف معه وجزء من التيار السياسي والمتمثل بالبعثيين.
ولما بدأ الحمدي السير لتحقيق الوحدة على الطريقة الماركسية الاشتراكية , شعرت دول الجوار بالخطر المحدق عليها, وفي ظل الحرب الباردة فحاولوا استقطاب الحمدي للانضمام للرأسمالية لكنهم فشلوا ولذلك تم اغتياله.
تولى السلطة بعد ذلك الغشمي الذي لم يستمر فيها غير تسعة أشهر حيث ارسل التيار المتطرف شخصاً واستبدلت الشنطة المفخخة ليتم تسليم الحقيبة للغشمي التي انفجرت به انتقاماً لمقتل الحمدي، وفي الوقت نفسه تم في جنوب الوطن قتل سالم ربيع علي واستولى على السلطة عبدالفتاح اسماعيل ورفاقه , ودخلت اليمن في مرحلة الفراغ الدستوري حيث رفض الجميع تولي السلطة.. بعد ذلك تولى السلطة العرشي الذي اشترط أن يظل في السلطة شهراً واحداً فقط خوفاً من قتله.
وفي هذه الفترة كان المقدم علي عبدالله صالح قائداً لمعسكر خالد بن الوليد في محافظة تعز، وتم اختياره من قبل الشعب من المشائخ والسياسيين عام 1978م والذي اخذ على عاتقه مسايرة جميع التيارات ومنهم مع الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وخلص الرئيس علي عبدالله صالح إلى صياغة الميثاق الوطني وتشكيل المؤتمر الشعبي العام التنظيم الذي ضم كافة الأطياف السياسية، إلا أن تقسيم السلطة ظل كما هو، بمعنى ثلث مع القبائل والثلث مع السياسيين والثلث مع العسكريين حتى قيام الوحدة .
في عام 1990م وعندما قامت الوحدة عارضت التيارات الدينية والقبلية اتفاقية الوحدة ولم يوافقوا إلا بعد إعطائهم ضمانات نفوذهم وحصتهم من السلطة ومن الإيرادات واتجهوا إلى عدن ووافقوا على الوحدة وظل التقاسم كما هو عليه وبعد قيام الوحدة المباركة قام عبدالله بن حسين الأحمر بسحب التيار الديني المتطرف كما سحب جزءاً من التيار القبلي وقام بتأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح الذي تحالف مع المؤتمر الشعبي العام عندما برزت أزمة 1993م التي انتهت بحرب بصيف 1994م..
وتمكن الشيخ عبدالله من قيادة الحملة العسكرية التي كان للقبائل والقوى الجهادية دور أساسي فيها وفي الوقت ذاته ترأس مجلس النواب بالرغم من عدم فوز الإصلاح بأغلبية مجلس النواب بحيث تؤهله لرئاسة المجلس وظل حتى رحيله يمارس عملية رقابة وإدارة ملتوية لهذه المؤسسة في فترة كان فيها البرلمان يحاول أن يمارس دورا على صعيد بناء دولة النظام والقانون ومراقبة عمل الحكومة ومؤسسات الدولة من حيث الإنفاق والفساد واستغلال النفوذ والتصرف بالمال العام وبممتلكات وأراضي الدولة في الجنوب التي بسط بعض كبار الضباط وبعض مشائخ القبائل عليها في حرب صيف 1994م..
ولما توفي الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر وانتقلت رئاسة المجلس للأخ يحيى علي الراعي بحسب النظام الديمقراطي لأن المؤتمر الشعبي العام هو صاحب الأغلبية في المجلس ثارت حفيضة بيت الأحمر والذين كانوا يظنون أن لديهم فرزاً إلهياً أن يظلوا متمسكين بمقدرات اليمن ومن هنا ادرك الجميع أن الفرقة الأولى مدرع تشكلت لتكون في حماية بيت الأحمر..
ولما أراد الرئيس علي عبدالله صالح التحول باليمن من دولة المحاصصة والتقاسم إلى دولة النظام والقانون اصطدم بالتيار الديني المتطرف وبالناصريين والاشتراكيين ثم انتقلت الصراعات للاستيلاء على السلطة من الآباء إلى الأبناء ؟
ففي عام 2006م عادت الصراعات بقوة للاستيلاء على السلطة:
أولا: الصراع بين أبناء الأحمر وقيادة الحرس الجمهوري.. حيث تقدم أبناء الأحمر عن تشكيلة بقائمة تحتوي على (6) آلاف اسم من اتباعهم ليتم تجنيدهم في معسكرات الحرس، ولكن طلب من أبناء الأحمر إحضارهم ليتم تجنيدهم وتدريبهم على السلاح وتأهيلهم تأهيلا يليق بالحرس الجمهوري في معسكر الحرس الجمهوري الا أن أبناء الأحمر رفضوا ذلك وكانت طلباتهم هو أن يستلموا المستحقات المالية والأسلحة للعدد الذي طلبوا تسجيلهم في الحرس على أن يلتزموا بالتدريب، الا أن قيادة الحرس رفضت طلبهم.. من هنا بدأ الصراع والحقد من قبل أولاد الأحمر على العميد الركن احمد علي قائد الحرس..
والشيء الآخر هو عندما حصلت شركة حميد الأحمر للمقاولات على التعاقد مع المملكة العربية السعودية لإقامة جدار عازل الكتروني مزود بكاميرات حرارية وأجهزة استشعار» رادارات «تحذر من عبور أي شخص ذلك السياج يصل طوله إلى 8500 كم ، وسيغطي مناحي جغرافية مختلفة بحرا وجوا وبرا بما يعزز قدرات قوات حرس الحدود السعودية، تصل قيمة المشروع إلى مليارين و نصف المليار يورو وينجز المشروع خلال خمس سنوات. بهدف السيطرة على الحدود الوعرة بين الجانبين ومنع تسلل تجار السلاح ومهربي المخدرات وتهريب القات والسلاح، والهجرة غير الشرعية، إلى جانب تسلل عناصر القاعدة، لكن تلك الصفقة فشلت.. ومن هنا بدأ حقد حميد الأحمر على الزعيم علي عبدالله صالح:
الرئيس علي عبدالله صالح اجهض تلك الفكرة في مهدهـا من خلال زيارته الودية للمملكة العربية السعودية.. من هنا اخذ حميد موقفاً من الرئيس علي عبدالله صالح لكونه حرمه من مبلغ (مليارين و نصف المليار يورو).. من وراء ذلك المشروع التدميري..
وازداد الأمر تعقيداً عندما تم تعيين يحيى محمد عبدالله صالح في قيادة الأمن المركزي وبدأ العميد يحيى يستفسر من قادة الكتائب عن الأطقم وأفراد الأمن المركزي ؟ أجابوا بأن هذه قائمة بالأطقم والأفراد الموزعين على الأراضي التي يمتلكها علي محسن وهناك مجاميع أخرى من الأفراد موزعون على الأراضي التي فيها نزاع والمحكم بها علي محسن الأحمر، فطلب العميد يحيى من قيادة الأمن المركزي استدعاء جميع الأطقم والأفراد للحضور للمعسكر، وأكد أن ما يقومون به ليست من مهام الأمن المركزي في أن يكونوا حراساً للأراضي كون مهامهم هي حماية المنشآت والعمل على استتباب الأمن في البلاد ومحاربة التطرف والإرهاب وليس حراسة الأراضي التابعة لعلي محسن أو غيره..
في عام 2011م.. بدأت الأزمة بخروج مجموعة من الشباب لهم العديد من المطالب وكانوا لايتجاوزون الـ(2000) طالب في باب جامعة صنعاء ثم ازداد العدد بمجموعة من الشباب اتخذوا شعار «لا للتوريث ولا لخلع العداد.. ونعم لمحاكمة الفاسدين»..
دخلت بعد ذلك القبيلة والتي قام بزجها أولاد الأحمر بالذات بعض قبائل عمران والعصيمات غيرت منحى هذه المطالب واستطاعت أن تجر الأحزاب خلفها..
فكانت سياسة علي عبداللة صالح هي الاجتماع بالعديد من القبائل المحيطة بصنعاء مثل قبائل نهم وأرحب وسنحان وبلاد الروس وقبائل الطيال وخولان وابن عامر والحدا وقبائل مأرب والجوف وهمدان وصعدة والبيضاء وقبائل من شبوة وحضرموت..
كان يقوم بجمع تلك القبائل نعمان دويد محافظ صنعاء إلى جانب عبدالقادر هلال وعلي القيسي والشيخ حمود عاطف وشيخ مشائخ بكيل ناجي بن عبدالعزيز الشايف .
وبهذا التجمع القبلي استطاع الزعيم علي عبدالله صالح أن يسحب البساط من تحت أبناء الأحمر كما استطاع أن يشكل حلفاً مع أكثر من 65% من قبائل حاشد وبكيل، ولذلك بدأ الصراع بين قبيلي وقبيلي وأخذت بعد ذلك الأحداث تأخذ منحى جديداً، حيث كانت القبائل التابعة لأبناء الأحمر تنادي بشعار ارحل , والقبائل التابعة للرئيس علي عبدالله صالح شعارها نعم للحوار .
وبعد جمعة 18مارس 2011م انشقت الفرقة بقيادة علي محسن وذهب مشائخ من سنحان وعلى رأسهم خال علي محسن للوساطة وإصلاح ذات البين، فتم إطلاق النار عليهم في باب الفرقة قتل من الوفد 6 أفراد وجرح البقية من بينهم خال علي محسن وكسرت سياراتهم.. من هنا بدأ الصراع أكثر حدة وتمثل في:
الصراع بين الحرس الجمهوري والأمن المركزي مقابل الفرقة.. وصراع بين اللقاء المشترك مع الشباب والحوثيين والحراك الذين كانوا في باب جامعة صنعاء وشارع الستين وبين المؤيدين للمؤتمر الشعبي العام وحلفائهم الذين كانوا يعتصمون في التحرير وميدان السبعين..
والصراع الثاني كان مسلحاً.. بين جزء من القبائل المؤيدة للرئيس بقيادة صغير بن عزيز وبين أبناء الأحمر، فكان على الأرض في بيت عبدالله بن حسين الأحمر في الحصبة وبيت صغير بن عزيز الذي تمركز في حي صوفان وكان هذا اول صراع مسلح نشأ بينهم، حيث قام أولاد الأحمر باحتلال مدرسة الرماح ومبنى الطيران والكهرباء ومياه الريف والداخلية والإدارة المحلية وغيرها من المباني الحكومية المتواجدة في الحصبة.
أما الصراع الثالث.. فكان بين جزء من قبائل أرحب والتيار الجهادي بقيادة الزنداني ومنصور الحنق ضد معسكر الصمع التابع للحرس الجمهوري والذي مايزال حتى بعد توقيع المبادرة.
من هنا نستخلص أن القبيلة لها تأثير قوي على الأحداث الجارية في اليمن، فعندما تم سؤال المحلل السياسي العربي محمد حسنين هيكل عن الثورات العربية أجاب أن تونس ثورة ونضجت وهي ثورة صح وفي مصر ثورة صح وفي ليبيا لم تكن ثورة بل كان هناك انقلاب لان المجلس الانتقالي كان مكوناً من الوزراء والقادة الذين كانوا يشغلون مناصب في عهد القذافي .
أما في اليمن أشار إلى أن ما يحدث ليس ثورة إنما قبيلة تريد أن تتحول إلى دولة وهذا لم يحدث.
مما دفع بدول الخليج والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن والولايات المتحدة الأمريكية إلى إصدار القرار (2014) والذي جاء مؤيدا للمبادرة الخليجية التي وصفت الأحداث في اليمن بأنها خلاف سياسي قبلي ولم تتطرق إلى ما يسمى بثورة الشباب لا من قريب ولا من بعيد، لأنهم أدركوا أن القبائل سرقت ثورة الشباب..إذا استطعنا أن نخرج اليمن من هذه الصراعات من خلال:
-السلطة التشريعية : بأن يكون من شروط الترشيح لمجلس النواب- اقل شيء- الحصول على مؤهل جامعي
- نشر التعليم وبيان الدور الايجابي والسلبي للقبيلة في المناهج الدراسية
_ وضع ضوابط للوظيفة العامة
_ غرس قيم الولاء للوطن وليس للقبيلة
_ تطبيق سيادة القانون على الجميع
_ تحديد قوانين على حيازة الأسلحة
_ وضع ضوابط للمنافذ البرية والبحرية والجوية وكافة الحدود اليمنية لمنع تهريب الأسلحة
_ نزاهة القضاء والإسراع في البت بالقضايا
_ واذا لم تستطع الدولة تطبيق ذلك عليها تقسيم اليمن إلى أقاليم بحيث تكون المناطق المتحضرة تحكم بقوانين ذاتية والمناطق القبلية تعيش ضمن أقاليم لوحدها فلا يحق لها التنقل في هذه الأقاليم إلا بعد أن يخضعوا لقانون الأقاليم المتحضرة ويدخلوها من غير سلاح ومن غير مرافقين .
ولابد من التفكير الجاد بذلك قبل ان تنقل العاصمة من صنعاء بسبب هيمنة بعض القبائل..!!
> جامعة تعز
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:55 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-26273.htm