سمير النمر - لاشك أن حركات التحرر الوطنية التي خاضت غمارها الشعوب العربية ضد قوى الاحتلال الغربي في منتصف القرن الماضي تمخضت عنها الكثير من المكاسب والانجازات الوطنية بعد التحرر من الاحتلال وأهمها بناء جيش وطني قوي قادر على حماية البلاد ومقدراتها وسيادتها واستقلالها الوطني، وتبلور هذا الهدف بشكل عملي في الواقع بشكل كبير خصوصاً في الدول العربية التي اعتمدت النظام الجمهوري في الحكم مثل مصر وسوريا والعراق وبلادنا، حيث شرعت الأنظمة الجمهورية في بناء جيش وطني قوي يحمل الطابع والعقيدة الوطنية التي تنتمي الى الوطن بعيداً عن الانتماءات الضيقة القائمة على أسس فئوية أو عنصرية أو مذهبية أو حزبية شمولية، وظلت هذه الجيوش تستمد فكرها وعقيدتها من منبع الولاء الوطني الصافي الذي لا ينحاز الى مذهب أو فئة أو طائفة،
ولعل هذه المبادئ الوطنية التي نشأت عليها هذه الجيوش هو سر تماسكها وعدم تفككها وتناحرها فيما بينها وبأنها لم تخض أي حروب ضد ابناء شعبها على أساس مذهبي أو حزبي أو فئوي، بغض النظر عن سياسات الأنظمة التي تعاقبت على حكم هذه البلدان، لأننا نتحدث عن الجيش وعقيدته الوطنية التي نشأ وتربى عليها منذ الاستقلال الى وقتنا الحاضر وأثرها في تماسك الجيش وترابطه الوطني دون الانحياز الى فئة أو مذهب أو طائفة، وقد اعتمدت هذه الجيوش في البلدان العربية في أنظمتها وتكتيكها العسكري والفني على الخبرات الروسية والتسليح الروسي ولم تساهم دول الغرب وأمريكا في تدريب هذه الجيوش، مما جعلها في مرمى أمريكا ودول الغرب وعملوا بكل الاساليب على تفكيكها واستنزاف قدراتها من خلال زجها في عدد من الحروب وخصوصاً في الدول المناهضة لسياسة اسرائيل والغرب في المنطقة، كما حصل في العراق بعد الغزو الامريكي، وتم بالفعل حل الجيش العراقي والتخلص من الترسانة الروسية التي كان يمتلكها وإعادة بناء جيش جديد وفقاً للسياسات والخبرات الامريكية في المنطقة والتي لا ترغب في امتلاك البلدان العربية جيوشاً وطنية قوية قادرة على حماية شعوبها واستقلالها وقرارها السياسي، حتى تظل هذه الشعوب تحت رحمة أمريكا وسياستها وحمايتها.
في بلادنا قامت الثورة اليمنية «سبتمبر واكتوبر» وكان من أهم أهدافها بناء جيش وطني قوي قادر على حماية البلاد وسيادتها واستقلالها، وفعلاً تم الشروع في بناء الجيش اليمني على أسس وطنية وعقيدة وطنية بعيداً عن الانتماءات الايديولوجية الضيقة التي تخدم فئة أو حزباً أو مذهباً بل كان الطابع الوطني ومبدأ الولاء الوطني يمثل العقيدة القتالية لأفراد المؤسسة العسكرية رغم تعاقب عدد من الحكام على حكم البلاد..
ورغم المشاكل التي تعرضت لها اليمن والصراعات التي خاضها الجيش في عدد من الجبهات، ظل الطابع الوطني يمثل المظلة التي يستظل تحتها كافة أفراد وضباط المؤسسة العسكرية بمختلف مكوناتها، وظلت المؤسسة العسكرية اليمنية محصنة من أي اختراقات فكرية أو مذهبية أو حزبية حتى نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات حيث تم اختراق بعض الوحدات العسكرية فكرياً وأيديولوجياً من خلال بعض القادة العسكريين المعروفين بانتمائهم الأيديولوجي لجماعة الاخوان المسلمين، وعلى رأسهم المتمرد علي محسن الاحمر والذي قام بتدريب وتجنيد عناصر من الاخوان المسلمين وارسالهم الى افغانستان بدعوى الجهاد ضد الروس في تلك الفترة وبتسهيل ودعم امريكي من أجل القضاء على روسيا، كما قام بإدخال وتجنيد عناصر كثيرة من الاخوان المسلمين في الجيش وخصوصاً بعد حرب 94م والتي شارك فيها الاخوان المسلمون باعتبار أنها حرب مقدسة بناءً على فتوى أصدرها الديلمي لهم آنذاك،
ويعد هذا أول اختراق فكري وأيديولوجي يمس الهوية الوطنية والعقيدة القتالية لبعض وحدات الجيش اليمني والذي يتناقض مع المبادئ العسكرية التي قامت على أساسها هذه المؤسسة الوطنية وينحرف الى مسارات أخرى غير وطنية تخدم فئة أو حزباً أو جماعة، وهذا الاختراق الفكري لعناصر الاخوان المسلمين للجيش اليمني ظهرت آثاره بصورة واضحة خلال الأزمة التي مرت بها البلاد في صورة تمرد علي محسن مع الوحدات التي ينتمي أفرادها لجماعة الاخوان المسلمين، مع احترامنا لكل الضباط والافراد والصف في الفرقة الاولى مدرع الذين ظلوا أوفياء للقسم العسكري وللمبادئ الوطنية التي قامت على أساسها هذه المؤسسة الوطنية.
يعتبر الحرس الجمهوري أقوى قوة داخل القوات المسلحة من حيث التدريب والتأهيل والتسليح ومن حيث الولاء الوطني والعقيدة الوطنية التي تم بناؤه على أساسها وظل عصياً على المؤامرات وفياً للقيم الوطنية التي نهل منها وظل يدافع عنها في صف الشرعية الدستورية سواء في أيام الرئيس السابق علي عبدالله صالح أو الرئيس عبدربه منصور هادي، وهذا الصمود والتماسك للحرس الجمهوري يرجع الى أنه ظل محصناً من الاختراقات الفكرية والايديولوجية لأية فئة أو حزب كما حصل في الفرقة الاولى مدرع، لذلك قام الاخوان المسلمون وعملاؤهم وأذنابهم بشن حملة مسعورة على الحرس الجمهوري منذ بداية الأزمة بدأت إعلامياً ثم بإصدار فتاوى من سدنة الاصلاح تبيح دماءهم وانتهت بالاعتداءات وشن الحروب على معسكرات الحرس الجمهوري في عدد من المناطق من قبل عناصر الاخوان وتنظيم القاعدة ظناً منهم أن القضاء على الحرس الجمهوري سيمكنهم من تحقيق دولتهم «الخلافة الاسلامية» المزعومة، لكن هذه المحاولات باءت بالفشل، ولكن المخطط مازال مستمراً من خلال غطاء المبادرة الخليجية وحكومة الوفاق الوطني بصورة متعددة سواء من خلال تجنيد أكثر من عشرين ألف عنصر من عناصر الاخوان في الجيش، أو من خلال تعيين قادة ألوية في الحرس موالين للمنشق علي محسن، أو من خلال ما يسمى بهيكلة الجيش وبرعاية أمريكية وخليجية، لأن الهدف الاساسي على ما يبدو من هيكلة الجيش هو إضعاف وتشتيت وتفكيك ألوية الحرس الجمهوري وتوزيع عتاده وأسلحته شذر مذر، ولاشك أن إضعاف وتفكيك هذه المؤسسة العسكرية القوية في بلادنا سيمهد الطريق للقوى الوصولية والانتهازية والمتطرفة للسيطرة على مقاليد الأمور فيها ووضع البلاد بصورة كاملة تحت الوصاية الدولية والاقليمية.
وبالتالي ضياع عزة اليمن وسيادته وكرامته الوطنية لأننا فقدنا عناصر قوتنا وسيادتنا الوطنية، وفرطنا في مؤسستنا العسكرية الوطنية.. وبعدها لا الاخوان المسلمون ولا عملاؤهم يستطيعون أن يعيدوا لنا كرامتنا وسيادتنا التي ساهموا في انتهاكها وامتهانها من خلال عمالتهم وخيانتهم لكل ما يشرف ويعز ويكرم اليمن وأهله.
فبئساً لكم يا اخوان امريكا وبئساً لأعمالكم الحقيرة والدنيئة حتى أصبحتم من عشاق العار في هذا الزمن كما وصفكم عبدالله البردوني حيث قال:
على لحاكم يبول العار مبتهجاً
إذ عاش حتى رأى من يعشق العارا |