الإثنين, 30-أبريل-2012
الميثاق نت -   سمير النمر -
لاشك أن وجود قضاء عادل ونزيه ومستقل بعيداً عن الاهواء والتوجهات الحزبية في أية أمة من الأمم أو شعب من الشعوب يمثل مرتكزاً حقيقياً لإقامة العدل وإنصاف الناس بحقوقهم ولمنع البغي والعدوان على حق الغير حتى يأخذ الحق من الظالم وينصف المظلوم..
وإذا ساد العدل في أي شعب من الشعوب ساد السلام وتآلف الناس واستقامت أحوال الرعية، ولتحقيق مبدأ العدل والإنصاف لابد أن يتميز القاضي الذي يحكم بين الناس بمجموعة من الصفات التي تؤهله لأن يكون قاضياً عادلاً، وقد ذكر الإمام علي- كرم الله وجهه- في عهده الى الأشتر النخعي حين ولاَّه مصر مجموعة من الصفات التي يجب مراعاتها في اختيار القاضي حيث قال: « ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في الزلة ولا يحصر من الفيء الى الحق إذا عرفه ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه وأوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج وأقلهم تبرماً بمراجعة الخصم وأصبرهم على تكشف الأمور وأصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميله إغراء وأولئك قليل ثم أكثِر تعاهد قضائه وأفسِح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته الى الناس».. وهذه الصفات الذي ذكرها الإمام علي- كرم الله وجهه- لابد من توافرها في القاضي الذي يحكم بين الناس بحيث يكون متجرحاً من الاهواء والنزعات مخلصاً للحق والحقيقة..
إضافة الى الشروط الموضوعية التي يجب أن تتوافر في القاضي كالعلم بالأحكام والدراية والخبرة في مجال القضاء حتى يصبح القاضي أهلاً للحكم بين الناس متجرداً من كل الحسابات الشخصية والحزبية والأيديولوجية في أحكامه بين الناس حتى يفوز برضا الله ويكون من أهل الجنة.. وهذه الصفات لا تتوافر إلا في من امتحن قلبه للإيمان، فهل من معتبر.
واليمن من البلدان العربية والاسلامية التي اشتهرت عبر التاريخ الاسلامي بخبرتها وريادتها وتراثها القضائي عبر التاريخ، حيث تمتلك منظومة وتراثاً فقهياً وقضائياً قلما نجده في أي بلد آخر، وهذا التراث الفقهي كان خلاصة لاجتهادات العلماء والفقهاء في اليمن منذ قرون ما بعد الاسلام وظل يمثل حتى الآن المرجعية الشرعية والفقهية في مجال القضاء نظراً لما يتميز به من ثراء وشمول لمختلف جوانب الحياة، وظل قضاة اليمن حتى الآن ينهلون من منابع هذا التراث ويتخذونه مرجعية في أحكامهم وقضائهم، بالإضافة الى القوانين والتشريعات الحديثة التي تتواكب مع حركة الحياة وتطورها في مختلف المجالات.
ولاشك أن القضاء اليمني مازال بحاجة الى الكثير من الاصلاحات في جوانبه الادارية والهيكلية والتنظيمية والمالية حتى يصبح قضاءً مستقلاً ونزيهاً وعادلاً ومتحرراً من مختلف أشكال التبعية الأيديولوجية والحزبية بحيث يكون قضاءً عادلاً ينتصر للمظلوم ويحكم على الظالم أياً كان مركزه أو منصبه أو وجاهته أو حزبه، وهذا الأمر لا يتحقق إلا إذا توافرت لدى القضاة إرادة قوية وصلبة واستشعار للمسؤولية الملقاة على عاتقهم أمام الله سبحانه وتعالى ثم أمام الناس حتى تبرأ ذممهم أمام الله ثم أمام الناس من خلال وصولهم الى تحرير القضاء من الوصاية الحزبية الأيديولوجية الشمولية التي بدأت تكشر عن أنيابها لالتهام السلطة القضائية وتحويلها الى محاكم تفتيش على غرار ما حصل في أوروبا أيام الاقطاع في العصور الوسطى بدلاً من إصلاحها وتطويرها والعمل على استقلالها.
فالاحتجاجات التي قام بها رجال القضاة خلال الايام الماضية كانت تهدف الى إصلاح الاختلالات الإدارية والمالية والتنظيمية للسلطة القضائية وكان من أهم مطالب القضاة تغيير مجلس القضاء الأعلى عن طريق الانتخابات وفقاً للمعايير والشروط الموضوعية التي يجب أن تتوافر في شاغلي أعضاء مجلس القضاء الأعلى، ولكن هذه الاحتجاجات والمطالب لم تَرُقْ للاخوان المسلمين لأنها لا تخدم توجهاتهم الحزبية والايديولوجية باعتبار أن الانتخابات لمجلس القضاء الاعلى لا تحقق أهدافهم التي يسعون الى تحقيقها والتي تتمثل في سيطرتهم على السلطة القضائية، وهذا لا يتحقق لهم إلا من خلال اعتماد مبدأ التعيينات في السلطة القضائية على غرار ما يحصل في المؤسسات الحكومية الاخرى، واعتقد أن هذا المبدأ لا يصب في خدمة القضاء واستقلاله ونزاهته وتحرره من الوصاية الحزبية الايديولوجية، وإنما يسعى الى تخريب المؤسسة القضائية وإدخالها تحت الوصاية الحزبية الأيديولوجية وتحويلها الى محاكم تفتيش جديدة، ولذلك فقد قام الاخوان المسلمون بسرقة مطالب القضاة والالتفاف عليها وتحويلها الى مسارات أخرى تصب في خدمة أهدافهم الايديولوجية، كما هو دأبهم في سرقة مطالب الناس، ولنا في احتجاجات الشباب وسرقة ثورتهم أكبر دليل على لصوصية الاخوان و قرصنتهم على أحلام الناس ومطالبهم وتطلعاتهم وصرف مساراتها الى مربعات أخرى تصب في خدمة أهدافهم الشمولية، ولذلك تم الالتفاف على مطالب القضاة والتنصل عن الوعود التي قطعوها لهم وتم تعيين أشخاص من الاخوان في مجلس القضاء إضافة الى التنصل عن المطالب الاخرى التي طالب بها القضاة.
واعتقد أن هناك مؤامرة كبيرة على القضاء من قبل الاخوان المسلمين، هذه المؤامرة لا تكمن فقط في إدخال المئات من عناصر جامعة الايمان في معهد القضاء وإنما المؤامرة أكبر من ذلك حيث يسعى الاخوان الى السيطرة على المؤسسة القضائية للانقلاب على التراث الفقهي الذي أنتجه علماء اليمن وفقهاؤهم عبر التاريخ وظل يمثل المرجعية الفقهية لأحكام القضاء والمؤسسة القضائية ومن ثم إلغاؤه وطمس معالمه واستبداله بفقه الواقع وفقه الثورات الذي أنتجه الاخوان وقرضاويهم والذي يستند على مبدأ ميكافيللي «الغاية تبرر الوسيلة»،
ومن خلال هذا الفقه الجديد للاخوان الذي يستبيح كل محرم ويحلل الاستعانة بالأجنبي واستخدام المال الحرام، ستصبح المؤسسة القضائية في اليمن تمثل هذه المرجعية وهذا الفقه الاخواني وحينها سيتم تشييع العدل الى مثواه الاخير وإهالة التراب على التاريخ الفكري والفقهي الذي أنتجه علماء اليمن عبر التاريخ.. ومن هنا أدعو قضاة اليمن الى حماية المؤسسة القضائية والحفاظ على استقلالها ونزاهتها، ما لم فإنهم سيشاركون في جريمة نكراء لن يغفرها لهم الله ولا التاريخ ولا الأجيال.

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 03-يوليو-2024 الساعة: 03:31 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-26348.htm