محمد علي عناش -
< أعتقد أن الكثيرين يوافقونني الرأي في أنه كلما ارتفعت الاصوات الداعية الى حوار وطني جاد ومسؤول للوقوف على مختلف القضايا الوطنية وبحث كل سبل وإمكانات تجاوز هذه الأزمة الهوجاء التي تعصف بالبلاد والعباد منذ عام ونصف، ينبري اثنان من كبار محترفي سياسة التأزيم والإرباك في بلادنا، هما محمد قحطان، ومحمد سالم باسندوة لتعكير الصفو وتسميم الاجواء وإجهاض الاستعدادات، عبر خطابات ومواقف عدائية وغير مسؤولة.. وكأنهما احترفا مهنة تعطيل الحوار وعرقلة كل الجهود الساعية الى إنجازه، ولا حلول أو معالجات وطنية لديهما سوى استمرار الأزمة واستمرار معاناة الشعب..
قد يكون الامر عادياً بالنسبة لقحطان كون الرجل لا يحمل الصفة الاعتبارية الحزبية والرسمية، فيصبح الأمر مسألة شخصية عائدة اليه والى ثقافته السياسية التي جبلت على التأزم وتجاوز سقف الخطاب السياسي الذي تفرضه وتحدده المبادرة الخليجية وحالة الوفاق الوطني، على الرغم من أنه يجب مبدئياً وأخلاقياً أن يلتزم بهذا السقف وأن يبدو أكثر اتزاناً في الموقف السياسي، وأكثر احتراماً لجميع الاطراف الاخرى التي تختلف معه في الرأي والموقف..
غير أن الأمر لن يكون مقبولاً على جميع المستويات من محمد سالم باسندوة رئيس الوزراء، كونه يمثل حكومة وفاق وطني، أي أنه يمثل الشعب كله بمختلف تكويناته وتوجهاته، لا طرف بعينه وذاته، وملتزم بضوابط رسمية وقواعد وأسس توافقية اتفق عليها الجميع، لا أن يجتهد كثيراً أو يلتزم بأجندة حزبية وجهوية.
حقيقةً.. باسندوة لم يكن خياراً وطنياً سليماً للمرحلة التوافقية، لأنه لم يجسد روح التوافق وجوهر التسوية السياسية ولم يستوعبها بحس وطني مسؤول، وإنما يصر على عدم احترامها وعلى أن يظهر وكأنه يمثل طرفاً بعينه، وأنه ينفذ أجندة خاصة خارج كل السياقات التوافقية بل والوطنية، فتحركاته الرسمية مليئة بالهفوات والزلات، وخطابه السياسي غير منضبط ولا يحمل رؤى مستقبلية وإنما مكرس لبيع الاوهام وتوتير الاوضاع التي قد تتطور على يديه الى حالة الانفجار الشامل..
باسندوة ليس فقط رجل تعطيل للتوافق وإفشال لجهود الحوار الوطني وتأزيم للأوضاع، وإنما ايضاً يفتقد على المستوى الشخصي مواصفات ومؤهلات كثيرة لملء موقع رئاسة الحكومة باقتدار وقوة.. ونحن هنا لسنا بصدد ذلك، فالجميع باتوا يلمسون هذه المسألة بجلاء، فقد بدا واضحاً ولأكثر من مرة أن النية الدبلوماسية لباسندوة في قطر في مستوى قنصل، غير أننا بصدد باسندوة كأحد معوقات الحوار الوطني وعوامل إفشال التسوية السياسية ونسفها من جذورها..
ندرك تمام الإدراك أنه كان بإمكان المشترك أن يملأ هذا الموقع بما يتوافق وينسجم مع طبيعة المرحلة وما تفرضه الضرورة الوطنية، إذا كان بالفعل يستشعر خطورة المرحلة ويؤمن بأهمية التوافق في هذا الظرف، وأنه ينطلق من أبعاد وطنية خالصة، متجرداً من كل طموحات سلطوية ومخططات تآمرية، فلديه العديد من البدائل والخيارات الكفؤة والنزيهة والمقتدرة، فعليه أن يعالج هذا الإشكال القائم في رأس الحكومة وأن يفوت على بعض الاطراف أهدافها التآمرية، التي تستخدم باسندوة كأداة للتأزيم بين المشترك والمؤتمر، وبين المشترك ورئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي..
هذا مدخل مهم يؤكد حسن نوايا المشترك ومصداقيته، بوضع اللبنة السليمة الاولى في تهيئة الأجواء لإقامة حوار جاد ومسؤول.
وإذا ما تجاوزنا باسندوة، كيف نتجاوز البنود العالقة في المبادرة الخليجية لعدم تنفيذها من قبل بعض قوى المشترك وبالتحديد الاصلاح، وكيف نتجاوز المتاريس العسكرية لمسلحي أولاد الأحمر والفرقة ومليشيات الزنداني، والتي لم تُرفع حتى الآن، بل تتساهل عنها اللجنة العسكرية وتتغاضى ايضاً عن استحداثات جديدة، وبذلك تكون اللجنة العسكرية مشاركة في تضليل الشعب اليمني بحقيقة الوضع في الميدان، وإلا لماذا تتغاضى عن الخروقات؟ ولماذا لم تكاشف الشعب عبر مختلف الوسائل الاعلامية عما أنجزته من مهامها والعراقيل التي تواجهها، وتحدد الاطراف المتعنتة والمستمرة في إقامة اسباب التوتر والتأزيم؟
وكيف نتجاوز ممارسات الاقصاء والاجتثاث الحزبي داخل المؤسسات والاستهدافات لقيادات في المؤتمر وحلفائه بمختلف وسائل الترهيب من قبل الفرقة ومليشيات الاصلاح، والتي وصلت الى حد الاغتيالات والاختطافات والمطاردات، واعتداءاتها المستمرة على المقرات الحزبية للمؤتمر وحلفائه بما فيها مقر اللجنة الدائمة..
وكيف نتجاوز الشحن الطائفي والمذهبي من قبل حزب الاصلاح على المستوى الإعلامي والمستوى الاجتماعي وسعيه الدؤوب الى تفجير الحروب والصراعات في أكثر من منطقة انطلاقاً من هذا التوجه، كما يحدث في كتاف ودماج في صعدة، وعاهم وأبو دوار في حجة، وحالياً يسعى سعياً حثيثاً إلى تفجير فتنة طائفية عنصرية في مديرية كحلان الشرف بمحافظة حجة، فمخطط إثارة الفتنة قد اكتمل، وقد نشهد الايام القادمة مواجهات وأحداثاً دامية ومأساوية، وسعيه الى تفجير الوضع قبلياً داخل مدينة حجة بين قبيلة الشراقي وقبيلة الجميمة، على خلفية قرار رئيس الجمهورية بتعيين محافظ لمحافظة حجة، والذي لم يستند الى معايير موضوعية ولم يراع الابعاد الاجتماعية بالمحافظة، وبذلك لا يعبر عن تطلعات غالبية أبناء المحافظة في عهد جديد ينحاز لدولة النظام والقانون لا للقبيلة والافراد والتحالفات العشائرية والمصلحية التي أنهكت المحافظة طويلاً ومزقت نسيجها الاجتماعي.. وكيف نتجاوز التصعيد الراهن بالمسيرات اليومية، والتي جاءت عقب كلمة رئيس الجمهورية القوية والمعبرة والتي وضعت النقاط على الحروف في أهم القضايا الوطنية الرئيسية، وأهم بؤر التأزيم والتوتر في البلاد..
وعليه بات واضحاً ومؤكداً أن هناك منظومة تأزيم وإرباك كاملة تتوزع وتتفعل فيها الأدوار بشكل منظم ودقيق، هي من تقف في وجه الحوار وتحكم على مآلاته ونتائجه بالفشل مسبقاً، لأن هناك أطرافاً لا تريد أن تقدم أي تنازلات ولا تتوافر لديها نوايا صادقة في الدخول في حوار وطني جاد ومسؤول، وإنما لديها طموحات وأهداف تآمرية ومشروع وحيد، هو مشروع السيطرة الكاملة على السلطة..
ندرك ويدرك معنا جميع المتابعين والمهتمين بالشأن اليمني، أن طبيعة المشاكل في اليمن وتعقدها يحتم إجراء حوار وطني حقيقي واستشعاراً وطنياً مسؤولاً بخطورة المرحلة التي يمر بها الوطن على جميع المستويات، وهذا يتطلب من جميع الاطراف أن تقدم الى الحوار بمزيدمن التنازلات لا بشروط تعجيزية وتأزيمية، لإنجاح مؤتمر الحوار الوطني الذي سينعكس إيجاباً على إنجاح التسوية وحكومة الوفاق الوطني، التي تعتبر الحل اليمني الوحيد والأمثل، لكي تتجاوز اليمن أزمتها والأخطار المحدقة بها، ولتحقق الأمن والاستقرار والتنمية الشاملة، أما البحث عن حلول خارج التسوية السياسية التي نصت عليها المبادرة الخليجية تحت ذريعة استكمال أهداف الثورة، فمعناه استمرار التأزيم وتعميق المشاكل ولا يعبر إلا عن رغبة شديدة في العودة بالوضع الى المربع الأول لتنفيذ أهداف حزبية انقلابية، وهذا وهم كبير وانتحار سياسي بكل ما تحمله الكلمة من معنى نتيجة لعدم تقدير الأمور والطموحات غير البريئة، لأن بدائل التسوية السياسية وحكومة الوفاق الوطني هي الصراعات وحرب الكل ضد الكل وتقسيم البلاد الى أقاليم غير مستقرة.
إن ثورة التغيير الحقيقية والممكنة طريقها الوحيد هو إنجاح التسوية السياسية وحكومة الوفاق الوطني والتي من خلالها تتجه جهود القوى الوطنية المخلصة تجاه بناء دولة النظام والقانون وتحقيق الأمن والاستقرار، وإنجاز منظومة من الاصلاحات الشاملة التي من شأنها أن تؤدي الى ترسيخ قيم الحرية والديمقراطية والدولة المدنية وترسيخ قيم الوحدة والسلم الاجتماعي والمواطنة المتساوية..
وهذا معناه أن حلول ومعالجات مشكلات البلاد واختلالاتها العميقة- بدءاً من بناء دولة المؤسسات وفرض هيبة النظام والقانون- هي عملية تاريخية لا عملية آنية مرهونة باستبعاد أفراد وأشخاص معينين تُختزل فيهم مشاكل البلاد برمتها، كما تحاول أن تعكسه وتصوره مسيرات المشترك التصعيدية التي تستهدف قائد الحرس الجمهوري أحمد علي عبدالله صالح وأركان حرب الأمن المركزي يحيى محمد عبدالله صالح، والتي لا تعدو عنها كونها مجرد تصفية حسابات شخصية انتقامية وتندرج ضمن استكمال مخطط المشروع الانقلابي باستهداف ما تبقى من عوامل القوة التي أجهضت مخططاتهم وحافظت على تماسك الدولة حتى الآن..
لم نكن نحب أن نتكلم عن أفراد لأن ما يهمنا هو أن نعي مشاكلنا الحقيقية وأن نستشعر جميعاً خطورة المرحلة، غير أن التصعيد الثوري الراهن، الذي لا يستهدف الا اشخاصاً بعينهم ويشترط للدخول في الحوار إزاحة هؤلاء الاشخاص، كان لابد للمرحلة من انصاف، ولابد للحقيقة أن تُحترم، فأحداث عام كامل بكل ما فيها من فوضى وتخريب وزخم ثوري أثبتت أن قائد الحرس الجمهوري أحمد علي عبدالله صالح وأركان حرب الأمن المركزي يحيى محمد عبدالله صالح أكثر ثورية ووطنية من بعض أصنام المشترك ومن نصبوا أنفسهم قادة للثورة زوراً وبهتاناً، فشيخ القبيلة الملياردير الذي يدَّعي الثورية لم تنعكس ثوريته الى الآن في محيطه الاجتماعي في شكل مصنع أو مستشفى أو تحرير الفتاة من الأمية .. الخ من مشاريع بناء الفرد ذهنياً وإنتاجياً، ومثل هؤلاء لا يصنفون ضمن القوى الثورية الديمقراطية، وإنما ضمن القوى الاقطاعية المناهضة لثورة التغيير الاجتماعية والديمقراطية والمدنية، لأنهم لا يريدون أية تحولات تؤسس لعلاقة متكافئة بين الافراد ومراكز النفوذ الاجتماعي والمالي.