علي عمر الصيعري -
«المعارضة لا توجد، بالمعنى الحقيقي للكلمة، إلاّ في نظام ديمقراطي يضمن لها موقعاً ودوراً ومكاناً ووضعية واضحة تجعلها جزءاً مكملاً للنظام ومتفاعلاً معه.. فهي بالاساس ليست مواقف او سياسات مؤيدة للنظام او معارضة له، ولكنها وظيفة سياسية تستجيب لحاجة جوهرية وبنيوية». د. برهان غيلون
في سبتمبر من العام 2005م كتب د. برهان غليون استاذ علم الاجتماع السياسي ومدير مركز دراسات الشرق الأوسط المعاصر في جامعة السوربون بباريس، مقالاً قيماً عنونه بــ»مأزق المعارضة العربية بين الوطنية والديمقراطية« واعادت نشره العزيزة »14أكتوبر« في عددها رقم (1374) الصادر يوم 18 ديسمبر من ذات العام، ومنه اقتطفنا ما صدرنا به مقالنا هذا من تعريف علم الاجتماع السياسي لماهية المعارضة ووظيفتها وفي أي نظام سياسي تقوى وتزدهر.
بحيادية وموضوعية المفكر والمحلل السياسي خلص الدكتور برهان غليون الى الحقيقة القائلة : بأن ديمقراطية النظام السياسي الحقة تنم عنها مكانة المعارضة الحقة وما تتمتع به من صلاحيات قانونية وحريات في التعبير واحترام من قبل السلطة، ومدى اتساع قاعدتها وتوافر امكاناتها المادية والقاعدية، بينما يكون حالها في ظل النظام السياسي الديكتاتوري على عكس ذلك.. فما هو حال المعارضة اليمنية، وعلى وجه الخصوص احزاب اللقاء المشترك في ظل نظامنا السياسي القائم؟! وهل تصح فعلاً الادعاءات التي يطلقها جزافاً البعض من قادة المشترك ومنظريه وكتابه والتي يصمون فيها هذا النظام بالدكتاتورية تارة وبالجمود تارة اخرى؟!! سنرى بطلان ذلك من خلال ايراد الحقائق التالية التي تفند بدورها تلك الادعاءات اللا عقلانية.
باستعراض سريع لحال المعارضة اليمنية - المشترك أنموذجاً - واخلاقيات التعامل السياسي معها من قبل السلطة والحزب الحاكم، تتجلى لنا الحقائق التالية :
تعتبر رموز المعارضة اليمنية - احزاب المشترك - من اكبر الاحزاب السياسية، بعد المؤتمر الشعبي العام، واقدمها مثال : الحزب الاشتراكي الذي تمتد جذوره الى العام 1963م وعلى قدر كبير من التجربة والتنظيم وله فروع في معظم المحافظات ومقرات يليه حزب الاصلاح فالتنظيم الوحدوي، فاتحاد القوى الشعبية، فالبعث.. الخ.
تتمتع جميع الاحزاب المعارضة بمزايا الحقوق الدستورية والتعددية السياسية وحرية الرأي والتعبير وكل ما نص عليه قانون الانتخابات مثلها مثل الحزب الحاكم.
شارك معظمها في كل الدورات الانتخابية من نيابية فرئاسية فمحليات وحائز بعضها على مقاعد مناسبة في البرلمان والمجالس المحلية وابرزها الاصلاح والاشتراكي.
امتلكت معظمها عدداً من الصحف والمواقع الالكترونية وتمتلك بدورها الحرية الكاملة في التعبير والنشر إلاّ في حالة مسها للثوابت الوطنية او خروجها على قانون الصحافة.
تعتبر احزاب المعارضة اليمنية وخصوصاً المشترك من الاحزاب المتميزة من بين احزاب المعارضة العربية من حيث حصولها على كافة حقوقها، بل وحصولها على العديد من التنازلات والحصص التي تفوق احقيتها في عمليات اللجنة العليا للانتخابات، والعملية الانتخابية الجارية.
امتلك معظمها العديد من الامكانات المادية وأبرزها حزب الاصلاح اذ بحسب المعلومات التي وردتنا يكون الاصلاح الحزب الوحيد من بين جميع الاحزاب السياسية بما فيها المؤتمر يرصد مايفوق عن الــ15 مليار ريال موازنة مفترضة لحملته الانتخابية لصالح مرشحه فتحي العزب.. ناهيكم عما حصله مرشح المشترك فيصل بن شملان من دعم منظمة الاخوان المسلمين العالمية.
هذه الامثلة وتلك الحقائق تبين بجلاء الوجود الحقيقي والحجم والمكانة العالية كما تدلل استناداً الى مفاهيم علم الاجتماع السياسي التي اوردها برهان غليون على ان حجمها ومكانتها وصلاحياتها لم يكن يتأتى لها اذا كانت في ظل نظام سياسي ديكتاتوري او حاكم سلطوي مستبد، كما يدعي بذلك البعض من قادتها.
غير ان المشكلة في هؤلاء القادة سيما من الاصلاح والاشتراكي والوحدوي تكمن في ان هؤلاء لايرون في السلطة القائمة او النظام السياسي بحكم تأثرهم بالادلجة الحزبية، اي حسنة تقنعهم على الاقل بمصداقية هذا النظام او صوابية رئيسه، لان همهم وشغلهم الشاغل هو الوصول الى السلطة من أجل تحقيق رؤاهم وتوجهاتهم التي لاشك سيمارسون عبر ديكتاتوريتهم الحقيقية، ويشبعون نزعاتهم ورغبتهم السلطوية والقمعية للجماهير كمنهاج طبيعي لحزبيتهم المؤدلجة التي دربوا وتربوا عليها، وهي نوعان : ادلجة يسارية - قومية، وادلجة اسلامية اخوانية.
اخيراً يحق لنا ان نتساءل : اذا كان النظام السياسي القائم هو النظام الديمقراطي الحقيقي بحسب مفهوم علماء الاجتماع السياسي حيث مكن للمعارضة ان تلعب دورها وضمن لها مكانتها ووظيفتها فأي نظام سياسي يسعى الى ايجاده بن شملان والعزب ومن وراءهم من قادة احزاب المشترك؟!! ونتساءل ماذا سيكون عليه الحال اذا فاز أي منهما بالرئاسة هل سيأمن جانب الاصلاح اي حزب من الاحزاب المشتركة، وهم ينظرون اليه نظرة حذر وترقب لاحساسهم انه - أي الاصلاح - لن يتورع عن الانفراد بالسلطة والشروع في تصفية حساباته القديمة مع الفرقاء، وادخال الوطن في مأزق مأساوي يعلم الله كيف سيكون الحال عليه؟!! فأي نظام سياسي جديد يدعون اقامته في اليمن؟!!! فكروا في ذلك ايها الاعزاء وقارنوا بين مصلحة الوطن ومصالحكم المشروعة وبين مصالح اولئك المؤتلفين على شرذمة الوطن.