الأحد, 08-أبريل-2007
الميثاق نت - الترحيب الذي لقيه اتفاق مكة، من الفلسطينيين اولا، ومن المشاركين بصناعته بالدرجة الاولى، لا يمكن اختصاره بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية. حكومة الوحدة الوطنية إنجاز أساسي لا شك فيه، ولكنه إنجاز يطل على إنجازات أخرى، ولا يمكن الحفاظ على الإنجاز الأول (الحكومة) إذا لم يتم استكمال الإنجازات الأخرى، التي يطل عليها. إن الحكومة حجر في بناء، ولذلك فإن الحجر يبقى مجرد حجر إلى أن يتم إنجاز البناء كله.
لقد تم تشكيل الحكومة واختلفت آراء الآخرين حولها، من الولايات المتحدة الأميركية إلى إسرائيل إلى أوروبا، بينما برزت عبرها لغة فلسطينية جديدة تعبر عن التلاحم، وتخاطب العالم بلغة متلاحمة، وتجبر دول العالم على أن تأخذ هذه اللغة الفلسطينية الجديدة بعين الاعتبار. فعندما يتجول وزير الإعلام الفلسطيني (مصطفى البرغوثي) بلال الحسن -
الترحيب الذي لقيه اتفاق مكة، من الفلسطينيين اولا، ومن المشاركين بصناعته بالدرجة الاولى، لا يمكن اختصاره بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية. حكومة الوحدة الوطنية إنجاز أساسي لا شك فيه، ولكنه إنجاز يطل على إنجازات أخرى، ولا يمكن الحفاظ على الإنجاز الأول (الحكومة) إذا لم يتم استكمال الإنجازات الأخرى، التي يطل عليها. إن الحكومة حجر في بناء، ولذلك فإن الحجر يبقى مجرد حجر إلى أن يتم إنجاز البناء كله.
لقد تم تشكيل الحكومة واختلفت آراء الآخرين حولها، من الولايات المتحدة الأميركية إلى إسرائيل إلى أوروبا، بينما برزت عبرها لغة فلسطينية جديدة تعبر عن التلاحم، وتخاطب العالم بلغة متلاحمة، وتجبر دول العالم على أن تأخذ هذه اللغة الفلسطينية الجديدة بعين الاعتبار. فعندما يتجول وزير الإعلام الفلسطيني (مصطفى البرغوثي) متحدثا باسم الحكومة ككل، ورافضا التفريق بين وزير من فتح أو وزير من حماس، وهو الذي لا ينتمي لأي منهما، فإن كلامه سيكون له تأثيره في كل الأوساط التي يتفاعل معها. وحين يستقبل وزير الخارجية الفلسطيني (زياد أبو عمرو) في باريس أو في فيينا، متحدثا باسم السلطة الفلسطينية، فإن حديثه يحمل مغزاه الجديد، حتى لو قال له أنداده إن على السلطة الفلسطينية أن تتجاوب مع هذا المطلب أو ذاك. أما حين تتقدم هذه الدولة أو تلك من النرويج إلى روسيا، ومن ماليزيا إلى الصين، مرحبة بحكومة الوحدة الوطنية، فإن الجبهة العالمية، التي حاصرت الشعب الفلسطيني وسعت إلى تركيعه عن طريق التجويع، تشعر أن حربها ضد الشعب الفلسطيني اهتزت مكانتها، وأن الحصار مهدد بالاختراق من هنا أو من هناك.
هذه هي البوادر الأولى لمنجزات حكومة الوحدة الوطنية، ولكنها بوادر أولى فحسب، وهي تحتاج إلى تكميل المشروع الأشمل، الذي وضعت لبناته في اتفاق مكة. ونسارع هنا ونقول إننا لم نلمس حتى الآن تحركا كافيا ومطمئنا باتجاه ترسيخ بناء لبنات المشروع الأخرى، حتى يتسامى البناء ويكتمل. نسارع هنا ونقول إننا على العكس من ذلك، نلمس حالة من البرود، حالة من التلكؤ، تهدد المشروع برمته. وما نريده، وما نأمل به، هو أن تتواصل حالة الحماس والنشاط والحيوية، التي رافقت تشكيل حكومة الوحدة، في التعاطي مع بنود اتفاق مكة الأخرى.
لنحدد أولا ما نقصده ببنود اتفاق مكة الأخرى.
إن المدماك الأساسي في اتفاق مكة هو مبدأ الشراكة، الشراكة بين حركتي فتح وحماس، هذه الشراكة التي لا تكتمل بينهما إلا حين تتسع لتشمل الفصائل الفلسطينية الأخرى، والقوى الاجتماعية الفلسطينية الأخرى. وقد كتبنا من قبل وقلنا إن فكرة الشراكة، التي تكرست هي تطور نوعي في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية، يرتقي إلى مستوى الاتفاق الفلسطيني الذي تم عام 1968، وكرس العمل الفدائي قائدا لمنظمة التحرير الفلسطينية. وبما أن الشراكة السياسية، التي تمت عبر اتفاق مكة هي فعل بهذا المستوى، فإن مسؤولية تطويرها وتقويتها تصبح مسؤولية كبيرة. وهنا تتبدى أمامنا مهمتان كبيرتان:
المهمة الأول: توسيع مبدأ المشاركة السياسية من وزارات حكومة الوحدة إلى أجهزة السلطة بكاملها، وفي المقدمة منها أجهزة الأمن، إذ لا يمكن بناء شراكة سياسية من فوق، ثم يتواصل الصراع الفصائلي في إطار كل ما هو دون ذلك. ولا نقصد بالشراكة هنا توزيع القوى والمراكز والمناصب بين حركتي فتح وحماس، بل نتطلع إلى صياغة قواعد عمل داخل كل المؤسسات، تحولها إلى مؤسسات وطنية تعبر عن الجميع، وتخدم الجميع، وتحمي الجميع، ولا تكون مغلقة في وجه أحد، ولا يتم استعمالها من طرف ضد طرف آخر. وما لم تتم صياغة أسس هذه العملية التشاركية، فإن اتفاق مكة يبقى معرضا للخطر، وحكومة الوحدة الوطنية نفسها تبقى معرضة للخطر. إن الشراكة السياسية ليست بنود اتفاق فحسب، إنها عقلية عمل، وهي مجموعة من الأعراف والتقاليد يجري إقرارها وتنفيذها وتدريب الجميع على وسائلها. والذي يبدو واضحا حتى الآن، أن الانتقال في العملية التشاركية من وزارات الحكومة إلى أجهزة الدولة لم يبدأ بعد. والأخطر من ذلك أننا ما زلنا نسمع ونرى بعض الآراء، وبعض الإجراءات العملية، التي تتحدث بعيدا عن عقلية المشاركة السياسية ونقيضا لها. فهناك الاشتباكات التي تقع يوميا وتتنصل منها قيادات فتح وحماس، ومن دون أن يتم تحديد الجهات المارقة التي تقوم بها. وهناك الحديث عن مواصلة عمل (القوة التنفيذية) التي أنشأتها حكومة اسماعيل هنية الأولى، يقابله حديث عن مواصلة العمل في بناء قوة الرئاسة الفلسطينية وتوالي استيراد الأسلحة لها. وهناك الآراء والتصريحات والتسريبات التي تقول إن كل ذلك يجري من قبل حماس لمواجهة فتح، ومن قبل فتح لمواجهة حماس، والنتيجة هي البقاء في مستنقع أجواء المواجهة، والعجز عن التوجه نحو أجواء المشاركة.

المهمة الثانية الغائبة عن مواصلة بناء عملية المشاركة، هي كل ما يتعلق بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية. إن المشاركة السياسية تبدأ بحكومة الوحدة، ولكنها لا تكتمل إلا بإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على قاعدة المشاركة. وكنا نتوقع، منذ اتفاق مكة حتى الآن، أن تكون اللقاءات من أجل وضع هذه المهمة موضع التنفيذ، قد بدأت وقطعت شوطا واسعا نحو الهدف، ولكن ما نشهده على الأرض هو التجاهل والتلكؤ وكأن هناك من لا يرغب بإنجاز هذه المهمة.

لقد بلور اتفاق مكة توجها يقضي بأن الرئيس الفلسطيني، وباعتباره رئيسا لمنظمة التحرير الفلسطينية، هو الذي يتولى عملية التفاوض مع إسرائيل حول التسوية السياسية. وهناك أوساط فلسطينية نافذة، تعتبر أن مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية غير موجودة، وإن وجدت فهي غير مؤهلة، وأنها بوضعها الراهن لا تشكل مرجعية لأحد. والمقصود بذلك هو اللجنة التنفيذية للمنظمة والمجلس الوطني الفلسطيني، فكلاهما مؤسستان انتهى عهدهما، وانتهت صلاحيتهما، ولا بد من إعادة تكوينهما بصورة تضمن لهما شرعية الوجود، وشرعية التفاف الفلسطينيين حولهما، وشرعية أن يكونا مرجعية صالحة لمن يتولى عملية التفاوض.

وما ينتظره الفلسطينيون جميعا، وأينما كانوا، هو أن تبدأ اللقاءات لتناقش مسألتين: مسألة انضمام حركة حماس إلى عضوية المنظمة، ومسألة كيفية اختيار أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني. لقد كانت القاعدة السابقة هي اختيار أعضاء المجلس بالتعيين، ومن خلال (كوتا) متفق عليها للفصائل الفدائية. والتوجه الشائع الآن هو ضرورة أن يتم اختيار أعضاء المجلس بالانتخاب، ومن خلال اعتماد قاعدة تمثيل القوى الاجتماعية بدلا من (كوتا) الفصائل، وبحيث يتم إحداث نقلة نوعية في إعادة بناء المنظمة.

إن مسألة اختيار أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني حسب قاعدة الانتخاب، ليست مسألة رأي لهذا الطرف أو ذاك، لقد أصبحت مسألة رأي عام. وربما تشهد الأسابيع المقبلة مؤتمرات شعبية فلسطينية تناقش مسألة الانتخاب وتدعو إليها وتضغط باتجاه إجرائها. وقد أعلنت أطراف فلسطينية عديدة تأييدها لفكرة الانتخاب هذه، ولكن الرئاسة الفلسطينية لا تزال تحتفظ بالصمت إزاء هذا المسألة. وقد آن لها أن تخرج عن صمتها.

لقد وضع اتفاق مكة المسؤولية بين أيدي الفلسطينيين. وهم بادروا وساروا بالاتجاه الصحيح، ولكن المسيرة لا بد أن تتواصل، لأن المسيرة التي تتوقف تقضي على نفسها.
عن الشرق الاوسط
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:34 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-2665.htm