الثلاثاء, 22-مايو-2012
الميثاق نت -   علي ناجي الرعوي -
استحضرت بمناسبة مرور 22 عاماً على اعادة وحدة اليمن ما اطلعت عليه في التاريخ القديم والحديث منذ ممالك المعينيين والسبئيين والدولة الحميرية وعهود الخلافة الاسلامية والدويلات التى تعاقبت على حكم اليمن وحتى سقوط حقبة الامامة المتوكلية في الشمال والاستعمار البريطاني في الجنوب، فلم اجد في كل ما اطلعت ان هناك هوية ثانية او ثالثة قد نشأت او عرفت في اي جزء من اجزاء هذا البلد رغم حالات التمزق والتشرذم والحروب والصراعات التى شهدها وكانت تنتهي بقيام اكثر من كيان او اكثر من دويلة على ساحته في اَن واحد.
ومع ذلك ظل اليمن محافظاً على وحدته الاجتماعية والاقتصادية حتى في احلك الظروف قتامة وانفلاتاً، حيث لم يتوقف جريان الهوية اليمنية في اية لحظة من اللحظات وقد برز هذا المعنى (عندما اتى اهل الاشاعر من تهامة الى الرسول الكريم محمد بن عبدالله عليه افضل الصلاة والتسليم فقد خاطبهم بقوله: اتاكم اهل اليمن.. ولم يقل اتاكم اهل الاشاعر او اهل تهامة ولم نلحظ مثل هذا الخطاب الموحد عند استقباله لأبناء المناطق الاخرى في الجزيرة العربية وغيرها حيث تعامل معهم بوصفهم ممثلين لقبائلهم).
ولم يتراجع هذا المعنى- كما يقول الباحث الدكتور عبدالله ابوالغيث- حتى عندما بدأت الدول المستقلة تظهر في اليمن خلال العصر العباسي الثاني، حيث نجد ان حكام الدولة الزيادية ومن بعدها حكام الدولة النجاحية قد اعطيت لهم الولاية العامة على اليمن بصفتهم ممثلي الدولة العباسية وكانت بقية الكيانات الاخرى تدين لهم بالولاء رغم ان دولتيهما لم تكونا مسيطرتين على كل اجزاء اليمن .. وفي الحال نفسه لم يفتر اعتزاز اليمنيين بيمنيتهم في عهد الدولة الصليحية او الرسولية اللتين تمكنتا من توحيد معظم مناطق اليمن او اثناء عودة العثمانيين لليمن للمرة الثانية وسيطرتهم على المناطق الشمالية والغربية واحتلال البريطانيين لعدن ومد نفوذهم الى المناطق الجنوبية والشرقية .. بل ويذكر الكثير من الباحثين ان عروة التوحد قد ازدادت رسوخاً مع قيام النظام الامامي المتوكلي الذى سعى عقب مغادرة العثمانيين الى الاتفاق مع البريطانيين على رسم حدود مصطنعة بين شطري اليمن، الا ان تلك الخطوة فشلت فشلاً ذريعاً في منع حركة الاتصال والتواصل بين اليمنيين الذين التقت ايديهم في مسار النضال الوطني ضد الامامة والاستعمار حتى انتصرت ارادة الحق على الباطل والوحدة على الفرقة.
ومع ان الهاجس الوحدوي قد تصدر قائمة الاولويات بمجرد انعتاق اليمن من ربقة تسلط الامامة والاستعمار البريطاني في عقد الستينات من القرن الماضي، فان عوامل النزاع الداخلي التى نشبت بين القوى الجمهورية وفلول الملكية بصنعاء وكذا بين الجبهة القومية وجبهة التحرير في عدن قد اعاقت الانتقال المباشر الى الوحدة، الامر الذى ادى الى قيام نظامين شطريين اَثرا العمل التدريجي على اي بديل آخر قد يطيح بالانجاز الثوري الذى اقتضى من ابناء الشعب اليمني تقديم الكثير من التضحيات .. الا انه سرعان ما نفد صبر الانتظار لدى اليمنيين الذين كانوا يتوقون ليوم الوحدة، فاندلعت حرب 1972م بين الشطرين وتم احتواؤها عن طريق الاشقاء العرب الذين عملوا على دفع القيادتين في صنعاء وعدن الى الحوار بالعاصمة الليبية طرابلس والاتفاق على الخطوات الموصلة الى اعادة وحدة اليمن بالطرق السلمية ومع ذلك فان تلك الحرب قد تلتها حرب اخرى بعد 7 سنوات وتحديداً عام 1979م لتنتهي هذه الحرب من خلال وساطة قام بها الاشقاء في الكويت الذين سارعوا الى الترتيب للقاء جمع الرئيسين علي عبدالله صالح وعبدالفتاح اسماعيل في العاصمة الكويتية في شهر مارس من نفس العام وهو اللقاء الذى اسهم في ابراز حقيقة الوحدة كضرورة حتمية لاستقرار اليمن .. وعلى هذه القاعدة فقد تواصلت اللقاءات الوحدوية حتى احداث 13 يناير 1986م التى تفجرت بين الجناحين المتصارعين داخل الحزب الاشتراكي اليمني وقد ادت تلك الاحداث العاصفة التى استمرت عدة ايام الى مجزرة كبيرة راح ضحيتها اكثر من احد عشر الفاً من القيادات السياسية والحزبية والاجتماعية والاعلامية والثقافية، كما انها قد تسببت في نزوح اكثر من 250 الفاً من ابناء المحافظات الجنوبية والشرقية الى المحافظات الشمالية والبلدان المجاورة.
وتحت ضغوط تلك الاحداث المؤلمة وما ترتب عنها من انعكاسات اقتصادية وانهيار لمؤسسات الدولة وكذا رياح التغيير التى رافقت سقوط المنظومة الاشتراكية وانتقال العالم الى القطبية الاحادية، فقد استؤنفت اللقاءات الوحدوية عام 1988م بين الشطرين بوتيرة عالية توجت بالتوقيع على اتفاقية الوحدة في 30 نوفمبر عام 1989م واعلان قيام الجمهورية اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990م ليتنفس اليمنيون الصعداء بعد ان كان الشعور السائد بان الوصول الى ذلك الهدف بعيد المنال بفعل التنافر الايديولوجي والتضاد القائم بين النظامين الشطريين اللذين كان احدهما تابعاً للمعسكر الشرقي والآخر تابعاً للمعسكر الغربي.
ان العودة الى التاريخ تكتسب اليوم اهمية بالغة في ظل ما يروج له البعض من اراجيف وزيف لتبرير جنوحهم وسقوطهم اسرى لبعض المشاريع الصغيرة التى يتكسبون من ورائها على حساب ذاكرة الاجيال وحق هذا الشعب في الاعتزاز بهويته الوطنية شأنهم في ذلك شأن بعض المنسلخين عن امتهم وهويتهم العربية الذين يحلمون بالساعة التى يجدون فيها هذه الامة تتمزق الى اشلاء وجزر متناثرة يضرب بعضها بعضاً.
ويحضرني في هذه العجالة ما قاله مايكل هدسون في كتابه الشهير (السياسات العربية .. البحث عن الشرعية) فقد اشار الى انه لاتوجد امة في العالم تملك من مقومات التوحد مثل ما تملكه الامة العربية ومع ذلك فان ماعاناه العرب من تمزق وترد منذ قرنين وحتى اليوم لايقاس به غيره، وذلك ماكان له ان يحدث لولا اصحاب النوازع الضيقة الذين تدفعهم رغباتهم لتبني مواقف مغايرة تتعارض مع كل الطموحات.
ويرى الكاتب ان الوحدة اليمنية قد بعثت الامل من جديد في نفوس جميع العرب حتى ان الكثير منهم يرى في هذه الوحدة المؤشر على ان الامة العربية مازالت قادرة على اللحاق بالتكتلات الدولية الاخرى وبلوغ اهدافها الوحدوية.
وفي هذا السياق ما أحوج من يطالبون اليوم بانفصال اليمن الى اعادة قراءة التاريخ واستيعاب دروسه والاتعاظ بعبره، وما أحوج هؤلاء ايضا الى التأمل الى المشهد الراهن الذى يبدو فيه اليمن صامداً في وجه كل الاعاصير والتحديات حتى يكتشفوا حقيقة هذا الوطن والروح الوثابة التى يتميز بها شعبه الذى يستحيل له ان يعود الى العرجون القديم او يتشطر من جديد، لايمانه الذى لايتزعزع بأن وحدته هي الاصل ومشاريعهم الصغيرة هي الاستثناء.
واذا كان دعاة الارتداد ليس لديهم ما يخسرونه بعد ان تنصلوا عن كل الثوابت فلدينا الكثير مما يستدعي بذل كل ما نملك للمحافظة عليه والذود عنه وهو الوطن ووحدته التى من دونها لا نساوي شيئاً.



تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 02:03 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-26670.htm