د. عبدالعزيز المقالح -
ليس المواطن العادي في الوطن العربي وفي العالم أيضاً بحاجة الى ثقافة منهجية تمنحه القدرة على تحليل الأحداث المتلاحقة ليصل الى النتائج الدقيقة لأبعادها ومؤثراتها، فقد صارت الأحداث من الوضوح الى درجة أصبحت معها قادرة على أن تشرح نفسها وتحلل مواقفها.. ومن هنا فإن ما يحدث في الصومال- من وجهة نظر المواطن العربي العادي- لا يختلف قليلاً أو كثيراً عما يحدث في العراق.. وما حل ببغداد قبل أربعة أعوام هو عين ما حل بمقديشو منذ أربعة أشهر.. احتلال أجنبي محمول ومقاومة شاملة هنا وهناك.. وصورة مشتركة تقدم نفسها ولا يحتاج المتابع لها لمعرفة حقيقتها ودوافعها الواضحة الى منهجية في الرؤية أو التحليل. والمواطن العادي في الوطن العربي عندما يراجع الصورتين صورة بغداد ومقديشو لا يجد فارقاً يذكر، عملاء هنا يقفون مع الأجنبي في صد قوى المقاومة الوطنية، وعملاء هناك يشاركون قوات الاحتلال للفتك بمواطنيهم من رجال المقاومة.. جنود الاحتلال هنا في الصومال يتخفون وراء ما يسمى بقوات الحكومة المؤقتة، وجنود الاحتلال في العراق يتخفون وراء قوات الجيش والأمن العراقي المتفانية في خدمة الاحتلال.. الصورة تكاد تكون هي بلا فوارق ومن هنا يمكن الاستنتاج بأن المؤلف واحد والمخرج للمجزرتين واحد، وأن الاثيوبيين ليسوا في الصومال إلاّ امتداداً ورأس حربة للاحتلال الأمريكي الذي يسعى الى بسط نفوذه شرقاً وغرباً وجنوباً. والعارفون أكثر بأمور المنطقة وما تختزنه من ثروات وما تدخره لها المطامع من إشكاليات يقولون أن مخطط بسط النفوذ المباشر قديم والبعض منهم يرجعه الى السبعينيات من القرن الماضي زمن مصطلح الانتشار السريع، والبعض الآخر يعود به الى سقوط الاتحاد السوفييتي وارتفاع درجة الاطماع بعد غياب المنافس الألد، وأياً كان وقت التخطيط للاستيلاء على الأرض العربية وما جاورها من مناطق قديماً أم حديثاً فالمهم أن المخطط خرج الى حيز الوجود وأصبح حقيقة واقعة تعاني منها شعوب المنطقة يستوي في ذلك الواقع منها في الاحتلال والذي ينتظر، وكل ما يقال من كلام عن الديمقراطية ونشر الحرية تبخر من أول يوم دخلت فيه قوات الاحتلال الى بغداد.. ولم تختلف النتيجة لدى العقلاء فقد كانت معروفة سلفاً قبل الغزو بسنوات. الأهم من كل ما سبق أن التشابه الكامل بين ما يحدث في بغداد وما يحدث في مقديشو هو النموذج الذي يريد أنصار »الديمقراطية« و»الحرية« و»حقوق الانسان« تطبيقه في الوطن العربي وفي مناطق أخرى من العالم، واذا ما استمر المخرج الغبي في متابعة طموحاته وفي مواصلة غزواته الفاشلة فإن المزيد من سفك الدماء وقتل الأبرياء وتمزيق وحدة الشعوب سيكون هو النص الفعلي »لسيناريو« المعد سلفاً والذي لن يقف عند حدود هذه الدولة العربية أو تلك، بل سيمضي عاتياً مجنوناً بعصف بنفسه وبالأقطار سيئة الحظ التي وضعتها الأقدار في طريق مطامعه ونزواته، وعندئذ لا خيار للشعوب سوى المقاومة والانخراط في الدفاع عن الوطن والهوية بكل ما تملكه من قدرات وإمكانات.