الإثنين, 28-مايو-2012
الميثاق نت -   محمد علي عناش -
نؤمن إيماناً مطلقاً بأن لا سبيل أمام اليمنيين لتجاوز هذه المرحلة الخطيرة من تاريخهم سوى إجراء حوارٍ وطني جادٍ بإرادة وطنية صادقة من قبل جميع الاطراف، غير أن ما يبعث فينا هواجس عدم التفاؤل والخوف من فشل مؤتمر الحوار الوطني القادم، هو افتقارنا طوال تاريخنا السياسي منذ ما بعد الثورة حتى اليوم، لتجارب ناجحة وملموسة في الحوار السياسي الوطني، فليس هناك ثمة تراكم في هذا الاتجاه، بل تراكم لتجارب فاشلة أفضت في معظمها الى صراعات واغتيالات وانقلابات في شمال الوطن وجنوبه على حد سواء.
فمن 5 نوفمبر 1967م الى حادثة النهدين في 3 يونيو 2011م، ومن قحطان وعبداللطيف الشعبي الى 13 يناير 1986م، تاريخ سياسي مليئ بالفصول التآمرية ومليئ بالانتهازية السياسية والعشائرية والمناطقية، وباسم الله والوطن والأمة والعدالة الاجتماعية، مفردات لشرعية ثورية أُريقت على أعتابها الدماء، وانتهكت الحريات والحقوق وامتهن العقل والوعي، ليدون التاريخ الصادق مأساة وطن وشعب على يد تجار السياسة ونخاسيها، من أقصى اليسار الى أقصى اليمين على حد سواء، وبالدالة السياسية والاجتماعية لهم، من الرفيق الى الشيخ الى فضيلة الشيخ ويتداخل بينهم طابور خامس من المرابين وتجار السلاح والحروب والتكنوقراط الانتهازي..
هذا هو تاريخنا السياسي الذي نحاول في هذه اللحظة الثورية أن نهرب منه، وأن نزيف وعي الشعب بفصوله وحقائقه وأن نجيّر تبعاته السلبية على شخص واحد، بينما الكثيرون من الذين نزلوا الساحات ألبسناهم ثوب الطهر والثورية والوطنية، وهم في الحقيقة دوال رئيسية في هذا التاريخ بكل مساوئه ومأساويته وفوضاه ابتداءً من الجنرال علي محسن الى الزنداني الى باسندوة واليدومي الى حمود الهتار ومحمد القباطي ونصر طه مصطفى، الى حميد الأحمر ومعظم الرأسمال الوطني الطفيلي الى صف طويل من دوال التاريخ السيئ التي أصبحت اليوم دوالاً ثورية رئيسية في الساحات زوراً وبهتاناً، وبشكل يتناقض مع منطق العقل والضمير وموضوعية الحدث والموقف، ومن كان بريئاً من هؤلاء فليرجمني بحجر .. هذا هو تاريخنا السياسي شاهد علينا، وشاهد ايضاً على أزمة مزمنة لدينا لم نلمسها بعد حتى اليوم، هي أزمة موضوعية، أزمة وعي، أزمة مؤسسة، أزمة مشروع وطني، وبالمجمل هي أزمة حوار، الجميع اشتركوا في صناعتها وتعميقها، وتسببوا في تداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهم لم يأتوا من الفضاء الخارجي، بل كانوا في قلب الأحداث، وفي عمق المرحلة سواء فوق الطاولة أو تحتها، فالتاريخ لن يرحم أحداً، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصير وطن وشعب، وعندما تصل المسألة الى أن نهدم ونقتل ونتطرف ونعبث ونضلل ونفتن بين الناس باسم الثورة والتغيير، كما أنه لن يرحم الشعوب التي تكرر أخطاءها ولا تصحح مساراتها ولا تلتقط لحظة التغيير والتحولات بشكل واعٍ وسليم.إن اللحظة الثورية الراهنة بصيغتها الحالية ورموزها الحاليين هي امتداد لهذا التاريخ واستجلاب لدواله واستنساخ لفصوله المأساوية، هي امتداد لسيطرة منطق القوة على منطق السلم في الفعل التغييري، فالثورة التي توهمنا أنها ستكون بريئة، فاجأتنا منذ أن تم عسكرتها وإلباسها البزة العسكرية وصماطة دحابة، بالزحف والحسم الثوري لتتطور الى فعل مسلح في الحصبة وأرحب، ثم الى انقلاب بشع مادياً ومعنوياً بحادثة النهدين.
والثورة التي توهمنا أنها ستكون ثورة تحديث وحرية ودولة مدنية وأنها ستكون متحررة من عوامل الإجهاض والانكسارات، وخالية من أخطاء وعيوب تاريخنا السياسي، سرعان ما استجلبت دواله ورموز إخفاقاته ومعطلاته في 21 مارس 2011م.
من هنا إنْ كان بالضرورة استدعاء الماضي وشخصنته وتوظيفه في اللحظة الثورية الراهنة، فيجب علينا جميعاً أن نقرأ فصوله جيداً، وأن نقيمه بشكل سوي، ونكتشف انحرافاته ومساراته الخاطئة كي نصنع ثورة حقيقية، بدءاً من التساؤل المنطقي عما علاقة جماعة 21 مارس 2011م وبعض القوى الراديكالية بالثورة؟ وما ترفعه من أهداف وشعارات ثورية متعلقة بالحرية والتحديث والدولة المدنية والتقدم الاجتماعي؟ لتتحول الاجابة المنطقية على هذا التساؤل بالضرورة الى أهداف وغايات وبرامج وخارطة طريق ثورية لتيار شعبي جارف، قادر على أن يصنع الحقيقة وأن يحميها.
أما إنْ كان الهاجس الأكثر إلحاحاً وأهميةً في الوقت الراهن وهو كيف نتجاوز المرحلة اليمنية الخطيرة؟ كي نعبر الى مستقبل مشرق ومستقر، فليس من سبيل الى ذلك سوى الحوار الوطني المسؤول.. فالحوار الوطني أصبح ضرورة ملحة يفرضها الواقع الموضوعي المتدهور بتداعياته المختلفة، وتمليها المسؤولية الوطنية التاريخية، تجاه وطن يقاد في اتجاه التفكك والتشرذم والصوملة..
وشعب في غالبيته العظمى تكويه نار الأزمة وتطحنه رحى المطامح والاهواء الحزبية والشخصية والجهوية.. لذا فإن تجاوز هذه المرحلة ومعالجة كافة الاختلالات والمشاكل العميقة في البلاد، وبناء دولة النظام والقانون وتعميق الوحدة الوطنية والنهج الديمقراطي وتحقيق الرخاء الاقتصادي والمعيشي للشعب اليمني، أهداف وغايات لن تتحقق من ذات نفسها ولا من خلال الخطابات والشعارات وبناء الوهم وبيع الأحلام للناس، وإنما هي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً وحتمياً بالإصلاحات البنيوية الشاملة أفقياً ورأسياً، وهذه المسألة مرتبطة بشكل رئيسي بضرورة نجاح مؤتمر الحوار الوطني.
أعتقد أن حسن النوايا مطلوبة والارتقاء الى مستوى المسؤولية الوطنية لابد منه لأن المرحلة مصيرية لا يقوم بها إلا أصحاب المواقف التاريخية الخالدة، لكن يبدو أن هذه المسائل والاستعدادات ليست متوافرة لدى المشترك، فخطابه السياسي والإعلامي لا يصب في اتجاه إنجاح مؤتمر الحوار الوطني، ولا يبعث على التفاؤل بقرب انتهاء هذه الأزمة، بل مازال يحمل قدراً من المراوغة السياسية ونهج التأزيم والإرباك التي تستهدف إطالة أمد الأزمة، وإعاقة كل جهود الإصلاح والتغيير عبر بوابة الشراكة الوطنية التي تجسدها التسوية السياسية، لأن لديه مشاريعه وحلوله الخاصة.






تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 02:41 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-26784.htm