الميثاق نت - ما من ثورة في العالم إلا وبررت نفسها بتحقيق العدالة. وينبغي أن نميز بين العدل والعدالة؛ فالعدل مفهوم مجرد أما العدالة فعملية تطبيقية. وقد ترتب على ذلك أن مفهوم العدل مطلق ولا يتغير بتغير الزمان والمكان، أما عملية تحقيق العدالة فيمكن أن تتغير بتغير الزمان والمكان

الأربعاء, 06-يونيو-2012
البروفسور / سيف العسلي -
ما من ثورة في العالم إلا وبررت نفسها بتحقيق العدالة. وينبغي أن نميز بين العدل والعدالة؛ فالعدل مفهوم مجرد أما العدالة فعملية تطبيقية. وقد ترتب على ذلك أن مفهوم العدل مطلق ولا يتغير بتغير الزمان والمكان، أما عملية تحقيق العدالة فيمكن أن تتغير بتغير الزمان والمكان.
ونتيجة لذلك فإن هناك خلطاً بين العدالة والانتقام، فما يجمع بين الاثنين أنهما رد فعل على عمل سابق ظالم. لكن ما يفرق بينهما أن العدالة تضمن التساوي بين الظلم وضده {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، أما الانتقام فإنه مقابلة السيئة بأسوأ منها.
العدالة تؤدي إلى ردع الظلم {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ}، أما الانتقام فيؤدي إلى تعاظم الظلم.
فالظلم الصغير قد يؤدي إلى ظلم أكبر منه. والأمثلة على ذلك كثيرة، ولعل من أبرزها حروب داحس والغبراء وحرب البسوس وغيرها من الحروب.
الثورة الإسلامية التي قام بها محمد بن عبدالله بوحي من الله هي الثورة الوحيدة في العالم التي قامت على تحقيق العدالة والإحسان. فها هم أتباعها في مكة يعذبون ويقتلون وهم يطبقون أمر الله لهم بأن يكفوا أيديهم ويقيموا الصلاة. وها هم يفضلون ترك وطنهم عن مقاتلة قومهم. وها هم في منفاهم يصفهم الله تعالى بأن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله يرجون رحمة الله أي يريدون أن يعيشوا بسلام مع الجميع.. وعندما فرض عليهم القتال قاتلوا وهو كره لهم وردوا العدوان و لم يعتدوا. وعندما انتصروا قالوا لأعدائهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء. أي ثورة حملت هذه القيم وطبقتها وقاومت كل المغريات للتخلي عنها؟.
العديد من الثورات كانت أقرب إلى الانتقام منها إلى العدالة. فالثورة الفرنسية تضمنت قدراً كبيراً من الانتقام. لكن الثورة الأكثر انتقاماً في العصر الحديث كانت الثورة الشيوعية في القرن الماضي.
لقد قسمت المجتمع إلى قسمين؛ قسم موال لها، وبالتالي فإن كل تصرفاته مبررة، وقسم معادل لها. فأهواء ومصالح ورغبات وتصرفات القسم الأول عادلة ومبررة ومقبولة حتى لو كانت نتائجها إهلاك الحرث والنسل. وتصرفات وأعمال القسم الثاني غير مقبولة وغير عادلة حتى لو كانت تتضمن الإحسان والإيثار بأسمى معانيهما.
ومن الواضح أن نتائج هذه الثورة كانت كارثية على القسمين. فالموالون يتحولون إلى معادين ومعارضين، وفي هذه الحالة فإنه يمارس عليهم ما كانوا هم يمارسونه على مخالفيهم من قبل. ونتيجة لذلك فإن المجتمع كله قد خسر وعانى من كل أنواع التنكيل والقتل والتعذيب والخوف والإقصاء.
وبالمثل فإن الثورة الإيرانية كانت ثورة انتقامية، وبالتالي فقد قسمت المجتمع الإيراني والإسلامي إلى موالين لآل البيت (الثورة الإيرانية) ونواصب؛ فالقسم الأول يجب أن يحكم وأن يحصل على كل الامتيازات. أما القسم الثاني فيجب أن يحارب ويعتقل ويقصى ويهمش. لكن ما لبث القسم الأول أن انقسم إلى ثوريين حقيقيين؛ الموالين للمرشد (الولي الفقيه) والمنافقين المعارضين له. وبذلك فقد انقسم المجتمع الإيراني إلى قسمين متصارعين.
فما يطلق عليه في الوقت الحاضر بالثورات العربية أو بثورات الربيع العربي أي ثورة ستقلد؟.
من المفترض أن تقلد ما تضمنه كتاب الله من قواعد للثورة. {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}، حتى ولو لم يقابلهم غيرهم بذلك. {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ}. لكنهم يلتزمون بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ * وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.
لكن للأسف فإن ما يجري على أرض الواقع في العديد من الدول العربية لا علاقة له بالعدالة، ناهيك أن يكون له علاقة بالإحسان. فبكل صراحة فإن ما يجري هو في الحقيقة ممارسة لأبشع الانتقام. إنهم يقسمون المجتمع إلى ثوار (الموالين لهم) وإلى بقايا النظام (المخالفين لهم). إنهم يبررون تصرفاتهم وإن كانت ظالمة ويصفون تصرفات مخالفيهم بالظالمة وإن كانت متطابقة مع تصرفاتهم. إنهم يسعون لأن يحصلوا على كل ما يمكن تصوره من امتيازات ولا يقبلون بإعطاء مخالفيهم حتى أبسط الحقوق الإنسانية. إنهم يصدرون الأحكام على مخالفيهم قبل المحاكمة وإنهم كذلك يرفضون أحكام القضاء إذا لم تكن مطابقة لرغباتهم.
هل صبرنا كل هذا الوقت وتحملنا كل هذا العناء من أجل أن يحكمنا حكام جدد باسم الثورة هم في الحقيقة أكثر ظلماً من سابقيهم؟!
لا شك أن الجواب على هذا السؤال بالنفي. إننا نريد ثورة تقوم على الصدق والعدل. إننا نريد ثورة تسعى إلى تحقيق العدالة بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى.
وعلى الجميع أن يعلموا أن أي ادعاء بثورة لا تطبق هذه المعايير هي في الحقيقة ليست ثورة وإن ادعي خلاف ذلك وسوف تفشل.
لا يوجد لدي أي شك بأن الثورة العادلة قادمة طال الزمان أم قصر. فعلى أدعياء الثورة أن يوفروا على أنفسهم وعلى الآخرين ما يمارسونه من عبث باسم الثورة.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 11:03 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-26909.htm