الإثنين, 09-أبريل-2007
سلطان‮ ‬قطران -
إن الحديث عن الشباب وقضاياهم حديث ذو شجون كونهم أمل المستقبل وقادته ووعد الخير والبناء، وهم الغد المشرق..، ولكن شبابنا اليوم يتعرضون لمشاكل عدة وتحديات تمكنت من صياغة أفكارهم وقيمهم وسلوكهم دون أن نشعر بوجودها إلاَّ بوجود أخطارها على مجتمعنا اليمني والإسلامي‮ ‬وبروزها‮ ‬على‮ ‬أرض‮ ‬الواقع‮..‬
ولعل‮ ‬ما‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يطرح‮ ‬بقوة‮ ‬وأن‮ ‬يثير‮ ‬فينا‮ ‬الاهتمام‮ ‬ان‮ ‬نتساءل‮: ‬لماذا‮ ‬لا‮ ‬يتفاعل‮ ‬شبابنا‮ ‬مع‮ ‬ثقافتهم‮ ‬وقيمهم‮ ‬وأخلاقهم؟‮ ‬وأين‮ ‬هم‮ ‬من‮ ‬الالتزام‮ ‬بعقيدتنا‮ ‬الإسلامية؟
ولعل ما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع وهذه القضية هو ما ذكره الشيخ/ يحيى النجار وكيل وزارة الأوقاف حول أننا تركنا مساحة فراغ ثقافية للثقافة المتطرفة والأفكار الدخيلة، حول استغلال الأفكار الدخيلة والهدامة للفراغ الثقافي لدى شبابنا واستغلالها المساحة الشاغرة‮ ‬بأفكارهم‮ ‬وثقافتهم‮ ‬المبنية‮ ‬على‮ ‬الغلو‮ ‬والتطرف‮ ‬والإرهاب‮.‬
وهنا لابد على وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والخطاب الديني أن يوجه رسالة واحدة تجسد الوسطية والاعتدال دون اختلاف لتؤكد للشباب أنهم ينتمون لأعظم أمة وأعظم ثقافة ويجب عليهم أن يتفاعلوا معها ويقوموا بحقها ويستجيبوا لما جاءت به عقيدتنا وشريعتنا الإسلامية‮ ‬وسنة‮ ‬نبينا‮ ‬محمد‮ ‬صلى‮ ‬الله‮ ‬عليه‮ ‬وسلم‮.‬
فكيف يرضى شبابنا وفتياتنا أن تذوب شخصيتهم في ثقافة الأمم الأخرى؟.. وكيف لاتكون لكم هويتكم وأهدافكم المنطلقة من ثقافتكم وقيمكم وأخلاقكم؟.. وهل يمكن لأمة تحترم نفسها وتاريخها وهويتها، ومن ثم قيمها وأهدافها أن تندثر أو أن تتحلل، أو أن تخترق من قبل الأمم الأخرى؟‮..‬
لا أقصد بكلامي هذا أن لاننفتح على الأمم والثقافات الأخرى.. ونفيد من خير ما عندها علماً وتقدماً وصناعة، لكننا في الجانب الأخلاقي والعقائدي والقيمي أمة واحدة ذات رسالة واحدة ربانية في مصدرها وغايتها.. ومن ثم فثقافتنا تمثل الكمال في ذلك كله، ولايجوز أن نفرط بشيء من ذلك بل أن العالم بحاجة إلى ثقافتنا.. لأنها ثقافة إسلامية صحيحة ومنهجها سليم ومستمدة من هدي القرآن الكريم والسنة في تصحيح العقائد وتقويم السلوك والارتقاء بالإنسان والإنسانية نحو الغايات السامية..
فإذا كانت الأمم الأخرى التي لاتمتلك هذا الرصيد من الثقافة نجدها تصر على هويتها وثقافتها وقيمها وتمايزها.. فكيف بنا نحن شباب الإسلام أن نتخلى عن ثقافتنا الإسلامية أو نفرط بشيء من ذلك.. لأن ثقافتنا تعبر عن شخصيتنا الإسلامية وأمتنا التي تحمل مقومات العقائد والقيم والأخلاق والتقاليد واللغة والتاريخ، ونجد أيضاً أن من القضايا التي تعد أصلاً أصيلاً من ثقافتنا، وإليها مرجع الأمر كله في تصحيح إيماننا وتقويم سلوكنا واستقامة تشريعنا وسلامة مسيرتنا قضية »الحاكمية لله« والتي لها الأولوية الأولى كونها المعبرة عن هوية وثقافة أمتنا الإسلامية فهذا يوسف عليه السلام يقول لرفيقيه في السجن كما جاء في سورة يوسف الآيتان (40.39) في قوله تعالى: »يصحبي السجن، أربابٌ متفرقون خير أم الله الواحد القهار، ما تعبدون من دونه إلاَّ أسماءً سميتموها أنتم وأباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم‮ ‬إلاَّ‮ ‬لله‮ ‬أمر‮ ‬ألا‮ ‬تعبدوا‮ ‬إلاّ‮ ‬إياه‮ ‬ذلك‮ ‬الدين‮ ‬القيم‮ ‬ولكن‮ ‬أكثر‮ ‬الناس‮ ‬لايعلمون‮).‬
ومن تلك الآيتين يتأكد لنا أن العبادة الصادقة لله تقتضي الإقرار لله بأن له الحكم المطلق سبحانه وتعالى: »ألا له الخلقُ والأمرُ« (سورة الاعراف- 54)، ولذا أنكر الله على من أشرك معه في العبودية والتشريع حيث قال عزوجل: »أم لهم شركوا شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به‮ ‬الله‮« (‬الشورى‮-‬21‮).. ‬وقال‮ ‬تعالى‮: »‬فلا‮ ‬وربك‮ ‬لايؤمنون‮ ‬حتى‮ ‬يُحكموك‮ ‬فيما‮ ‬شجر‮ ‬بينهم‮ ‬ثم‮ ‬لايجدوا‮ ‬في‮ ‬أنفسهم‮ ‬حرجاً‮ ‬مما‮ ‬قضيت‮ ‬ويسلموا‮ ‬تسليماً‮« (‬النساء‮- ‬65‮).‬
لذا فنحن جميعاً مدعوون بأن نستمد أحكامنا وكل قوانيننا من كتاب الله وأن لانرضى بغير الله بديلاً »ومن يتبع غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين« (آل عمران- 85).. والله يقول: »أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً‮ ‬وإليه‮ ‬يرجعون‮« (‬آل‮ ‬عمران‮- ‬83‮).‬
ومعنى هذا كله أن أصل ثقافتنا هي أصل الحاكمية لله والتي يجب ان تكون راسخة وثابتة لأن قيمنا وأخلاقنا وسلوكياتنا وتشريعاتنا تنبثق من هذا المبدأ الأصيل الذي نحاكم فيه أنفسنا ومواقفنا وتصوراتنا، وبه نستنهض الهمم والعزائم وننشد التصحيح والتقويم لما يمكن ان يقع من انحراف لدى أحد من أبناء الأمة ومجتمعنا اليمني الذي لابد لشبابنا وأبنائنا الذين قد استولى عليهم اللهو والضياع الفكري أو السلوكي أن يعودوا لثقافاتهم الإسلامية ويستجيبوا لله ورسوله طاعة لنداء الله في قوله تعالى: »يا أيها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يُحييكم« (الأنفال- 24).. وقوله تعالى: »يا أيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شدادٌ لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون« (التحريم- 6).
إن أصل ثقافتنا الإسلامية يتوقف على هداية شبابنا وتصحيح سلوكياتهم باستشعارهم بأنهم عبيد الله ولايجوز أن يعصوا أي أمر له ولايخرجوا عن طاعته ويخضعوا لله كما لابد أن يركز شبابنا بأن من القضايا المعبرة عن ثقافتهم الدينية هي الثقافة الدينية الوطنية تنفيذاً واستجابة‮ ‬لله‮ ‬في‮ ‬نصرتنا‮ ‬ومحبتنا‮ ‬وطاعتنا‮ ‬لله‮ ‬ولرسوله‮ ‬صلى‮ ‬الله‮ ‬عليه‮ ‬وسلم‮ ‬ولأولي‮ ‬الأمر‮ ‬من‮ ‬المؤمنين‮.. ‬قال‮ ‬تعالى‮: »‬يا‮ ‬أيها‮ ‬الذين‮ ‬أمنوا‮ ‬أطيعوا‮ ‬الله‮ ‬وأطيعوا‮ ‬الرسول‮ ‬وأولي‮ ‬الأمر‮ ‬منكم‮« (‬النساء‮- ‬59‮).‬
وهنا نكون قد حققنا الولاء الذي عبر عن ثقافتنا وعقيدتنا وديننا حيث نجد أن المودة للمؤمنين وليست لأعداء ديننا الإسلامي الذين ينشرون ثقافتهم في ظل الفراغ الموجود الذي تركته ثقافتنا الإسلامية من قبلنا جميعاً حيث قال تعالى: »يايها الذين أمنوا لاتتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تُلقُون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق« (الممتحنة- 1).. بمعنى أن الولاء لله ولرسوله محمد صلى الله عليه وسلم لايجتمع مع المودة للعدو لأن العدو قد كفر بالحق ولايحب الخير للمسلمين والمؤمنين.. وعلى شبابنا اليمني والمسلم ان يسعوا صادقين لبناء‮ ‬الأمة‮ ‬الإسلامية‮ ‬القوية‮ ‬التي‮ ‬تحقق‮ ‬للعالم‮ ‬المسلم‮ ‬الأمن‮ ‬والاستقرار‮ ‬والسلام‮ ‬والطمأنينية‮.‬
ولكي نرى مدى تفاعل الشباب مع ثقافتهم ومدى حفاظهم على هويتهم من خلال النظر في بعض السلوكيات والأخلاقيات المعبرة عن ثقافة أمتنا الإسلامية نحط مع أصل من أصول ثقافتنا وهو حجاب المرأة المسلمة الذي نحن أمام حالة يفرض فيها البشر على البشر نظاماً محدداً من اللباس والسلوك‮ ‬ليصبح‮ ‬عادة‮ ‬وموضة‮.. ‬الخ‮.‬
وهنا نتعلم من ثقافتنا الإسلامية ان قضية حجاب المرأة أمر رباني من الله لإصلاح الأخلاق وتحقيق الهداية والنقاء والصفاء والسلامة للمرأة من كل مكروة ولذا فليس من الممكن للمرأة المؤمنة والشابه المسلمة أن تلتزم بالحجاب عند الصلاة وعند خروجها للدراسة أو للعمل أو لأي غرض آخر لاتلتزم بالحجاب بينما لو نظرنا إلى بعض الديانات والشرائع السماوية السابقة قبل الإسلام لوجدنا أنها شرعت الحجاب للمرأة والفتاة الشابة ونجد ان النساء من أتباعها ممن يسلكون مسلك رجال الدين يلتزمون بنوع من الحجاب..، وهنا يتضح لنا أن حجاب المرأة أمر إلهي رباني من الله عز وجل في كل الأمم والديانات السابقة وذلك لأن تقدم المرأة وارتقائها كإنسانة مرتبط في حقيقة الأمر بالتزامها بالحجاب والعفة..، وليس التقدم والتهتك والتعري وكشف العورات كما يريد الغرب للمرأة، ولقد قال الله عز وجل: »ولاتبرجن تبرج الجاهلية الأولى« (الأحزاب- 33) بمعنى أن المرأة أو الفتاة الشابة التي لاتلتزم بالحجاب وتتركه وتخلعه تعتبر متخلفة وجاهلة، وينبغي على الفتيات الشابات أن لاينجرين وراء الأفكار الغربية التي تقول ان حجاب المرأة حجرُ وعائق أمام حريتها بينما حقيقة الحجاب أنه يصون المرأة ويرعاها‮ ‬ويرعى‮ ‬مصالحها‮ ‬بين‮ ‬الرجال‮ ‬ويحافظ‮ ‬عليها‮ ‬من‮ ‬الأذى،‮ ‬ويحفظ‮ ‬المجتمع‮ ‬من‮ ‬الفاحشة‮ ‬ومن‮ ‬الانحراف‮ ‬والشذوذ‮.‬
والحجاب حقيقة إيمانية بالدرجة الأولى ولا بأس أن تكشف المرأة عن وجهها مالم يكن فيه فتنة كما أجمع عليه معظم الفقهاء..، ولكي ندرك أهمية موضوع حجاب المرأة وانه معبر عن ثقافتنا وقيمنا نجد قوله تعالى يؤكد ذلك: »ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يُدنين‮ ‬عليهن‮ ‬من‮ ‬جلبيبهن‮ ‬ذلك‮ ‬أدنى‮ ‬أن‮ ‬يُعرفن‮ ‬فلا‮ ‬يُؤذين‮« (‬الأحزاب‮- ‬59‮).‬
‮> ‬ماذا‮ ‬نريد‮ ‬لشبابنا‮ ‬وفتياتنا؟
- إن مانرجوه لكل الشباب والفتيات في بلادنا أولاً أن يسهموا في تجسيد ثقافتنا الإسلامية بالعمل القائم على الوسطية والاعتدال في تنفيذ ما جاء به ديننا الإسلامي الحنيف ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم بتحمل مسؤوليات خاصة تجاه أنفسنا وتجاه مجتمعاتنا، وينبغي على الشباب ان ينخرطوا في العمل التطوعي لأنه سبب مهم في تكوين شخصية الشاب وتقويم سلوكه وتحقيق وجوده وشعوره بأن له رسالة سامية يسعى لتحقيقها في المجتمع ويشعر أنه عنصر مفيد وفعال ومنتج ومؤثر في المجتمع الذي يتصل به كما ينبغي على الشباب ترك المعاصي لأنها تغضب الله وعليهم أن يثقوا في الله بلاحدود في ثقافتهم الإسلامية التي تطلب منا جميعاً التوبة والعمل من أجل بناء مجتمع متكامل ومتعاون ومتراحم، وان نعمل معاً يداً واحدة مع الآخرين على الإصلاح والتقويم والتغيير وبالحكمة والعقل المتزن نستطيع معاً أن نغير السيئ إلى الحسن والحسن‮ ‬إلى‮ ‬الأحسن،‮ ‬قال‮ ‬تعالى‮: »‬أدع‮ ‬إلى‮ ‬سبيل‮ ‬ربك‮ ‬بالحكمة‮ ‬والموعظة‮ ‬الحسنة‮« (‬النحل‮-‬125‮).‬
ولابد‮ ‬للشباب‮ ‬ان‮ ‬يتطلعوا‮ ‬إلى‮ ‬الإصلاح‮ ‬والتغيير‮ ‬نحو‮ ‬الأفضل،‮ ‬والتغيير‮ ‬أن‮ ‬يبدأ‮ ‬الإنسان‮ ‬بنفسه‮ »‬إن‮ ‬الله‮ ‬لايُغير‮ ‬ما‮ ‬بقومٍ‮ ‬حتى‮ ‬يُغيروا‮ ‬ما‮ ‬بأنفسهم‮« (‬الرعد‮- ‬11‮)..‬
ولكي نتمكن من صناعة الشباب التي هي من أعظم المهمات وأخطرها شأناً وأعقدها مهمة لابد على كافة المؤسسات الحكومية وغير الحكومية ومؤسسات ومنظمات المجتمع المدني أن ترفد الشباب باهتماماتها وان ينظروا جميعاً إليهم بالنظر إلى المستقبل الواعد بأمل وثقة، وعلى الشباب أيضاً‮ ‬أن‮ ‬يعي‮ ‬دورهم‮ ‬الريادي‮ ‬العظيم‮ ‬فيما‮ ‬تنتظره‮ ‬المجتمعات‮ ‬منهم‮ ‬وما‮ ‬ينتظره‮ ‬الوطن‮ ‬والدين‮ ‬منهم‮..‬
إن مسقبل أية أمة منوط بشبابها، فإن أحسنت إعدادهم وتربيتهم وتنشئتهم والتعرف على قضاياهم ومشاكلهم وأوجدت الحلول المناسبة لها واستثمرت طاقاتهم وقواهم الروحية والعقلية والبدنية في ظل هدى ثقافتنا الإسلامية فإن تلك الأمة أو الدولة الحاكمة قد خطت نحو الطريق الصحيح والسليم ومضت قدماً نحو مستقبل مشرق.. ولكي ندرك جميعاً الخروقات الفكرية والثقافية وأخطارها على شبابنا يجب ان نعي أهداف معظم البرامج الإعلامية اليومية الموجهة إلى فئة الشباب التي تهدف إلى الهدم والنحت والتعرية لهؤلاء الشباب من كل قيمه النبيلة المنطلقة من مبادئ‮ ‬ديننا‮ ‬الإسلامي‮ ‬الحنيف‮ ‬القائمة‮ ‬على‮ ‬الوسطية‮ ‬والاعتدال‮ ‬والتسامح‮ ‬والأخوة‮ ‬ونبذ‮ ‬العنف‮ ‬والغلو‮ ‬والتطرف‮ ‬والإرهاب‮..‬

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:30 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-2691.htm