محمد أحمد الرميم -
التناصح مبدأ من مبادئ الدين الحنيف.. ومطلب ديني وشرعي من كل من يدين بالإسلام، والرسول- عليه الصلاة والسلام- يقول « الدين النصيحة .. قلنا لمن ؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم « رواه مسلم.
والله سبحانه وتعالى يقول (ولتكن منكم امة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) والدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف ما هي إلا النصيحة والموعظة الحسنة..
ولا شك أن علماء الدين الصالحون والناصحون لله ولرسوله - دائما - هم أكثر الناس حرصا على إبداء النصيحة والموعظة الحسنة .. باذلين جهدهم لتحقيق هذا المطلب الشرعي المهم، تنفيذا لمقتضيات الإيمان والإسلام ..بمعنى تلازم هذا المطلب ومبدأ إقامة الدين .
وإعمال شرائعه في المجتمع المسلم، وحتى يتحقق في الأمة ما يمكن تسميته « بوظيفة الدين « أو هدفه السلوكي .. أضف إلى ذلك أن قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- كما جاء في القرآن الكريم - هي أحد أهم الروابط وأحد أسس الولاية بين المؤمنين والمؤمنات، تبيانا لأهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين أبناء المجتمع المسلم، فقال عز من قائل «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر .» بل لقد قدم الله عز وجل في آية كريمة أخرى قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على قضية الإيمان بالله وجعل الله سبحانه وتعالى خيرية الأمة المسلمة على ما عداها من الأمم محققة بأداء هذا الواجب..فيقول سبحانه وتعالى:» كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ..» الآية..
وحديثنا اليوم جاء على خلفية لقاء الأخ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية بعدد من علماء اليمن الذين قدموا له « رسالة « قالوا إنها جاءت من باب « القيام بواجب النصح لولاة الأمر في هذه المرحلة الحرجة والظروف الصعبة «، وختموها بأنها نصائح ومطالب أمام الرئيس..آملين في تحويلها إلى جوانب عملية في ارض الواقع تلامس حياة الناس ، ووضع جدول زمني لتطبيق هذه المطالب . ( نعم هكذا ذيلت الرسالة ).
وليسمح لي علماؤنا الأجلاء- فقط- أن نطرح بعض النقاط التي غفلوا عنها، وبعض الملاحظات التي تستوجب تذكيرهم بها، أيضاً- من باب « القيام بواجب النصح لهم « وتذكيرهم، عملاً بحديث المصطفى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، فهم أيضا يدخلون ضمن إطار المنصوحين ..» أئمة المسلمين «..
وأول ما نذكرهم به عليهم أن يعلموا يقيناً «ولا شك أنهم يعلمون « أن واجبهم الشرعي المناط بهم لا يقتصر على تقديم النصح والموعظة الحسنة لولي الأمر .. وهنا لم يُسقطوا الواجب الذي عليهم ..هم أتوا بجزء منه ليس إلا.. مع ما به من نواقص ، ثم هم العنصر الأول في صلاح البلاد والعباد يليهم بالدرجة الثانية الأمراء والحكام، مصداقاً لحديث الصادق المصدوق «صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس، وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء» فهل وعيتم هذا الحديث والمسئولية الكبيرة التي تتحملونها قبل أن يتحملها رئيس الدولة أو الحاكم الأول ..
يعتقد حجة الإسلام الغزالي رضي الله عنه « أن التبعة الكبرى في كل فساد يظهر في البلاد الإسلامية تقع تبعته على العلماء , وهم من الأسباب الرئيسية في فساد الأوضاع , لأنهم ملح الأمة، وإذا فسد الملح فما الذي يصلحه ؟ ويتمثل الغزالي ببيت خوطب به العلماء :
يا معشر القراء يا ملح البلد .... ما يصلح الملح إذا الملح فسد
الأمر الآخر: وأقتبس من رسالة العلماء هذه الفقرة .. طبعا مخاطبين الأخ الرئيس بالقول : « وأنتم أهل لتلك المسؤولية إن شاء الله تعالى لبناء الدولة التي يرتضيها الإسلام وتقوم بواجبها في حراسة الدين وحفظ بيضته وسياسة الأمة به والسعي في صيانة الدماء والأعراض والأموال وإقامة الحدود وحفظ الثغور والحكم بالشرع وتعمل على جمع كلمة الأمة على الحق ومحاربة كل مظهر من مظاهر الظلم « ...
طيب بالله عليكم يا علماءنا الكرام ..رميتم بهذا الحمل الثقيل فوق رئيس الدولة الذي أهلتموه - وان اقترنت بـ - إن شاء الله - من ذلك مهمة بناء الدولة .... وأنتم تعلمون يقينا أن هناك دولا داخل الدولة ومراكز قوى متعددة تحد من تحركه، وهناك من يستمرئ الفوضى وهناك من ينكئ الجراح وهناك من يغذي الفتن ويحرض عليها، ومشاكل كما يقال «متلتلة».. ومن أهمها أن هناك من هو خارج سيطرة الرئيس أو الدولة الرسمية , كما تعلمون أيضا أن هناك معارك ومواجهات شرسة تخوضها الدولة ضد المخربين وضد تنظيم القاعدة الإرهابي الذي لم يأت له ذكر أو إدانة واضحة منكم أيها العلماء، وهي معارك ومواجهات تُنتهك فيها دماء المسلمين وأعراضهم وممتلكاتهم وأموالهم وتستنزف فيها أموال الدولة وإمكاناتها التي هي أموال المسلمين في هذا البلد..
كما أن العلماء أغفلوا إدانة المجزرة البشعة والجريمة النكراء المتمثلة بالتفجير الإرهابي الشنيع الذي أودى بحياة العشرات من أبناء القوات المسلحة عشية العيد الوطني للجمهورية اليمنية .. فلا تنديد ولا عزاء .. ودماؤهم ما تزال حراء، ودموع الأيتام والثكالى والأرامل ما تزال على المآقي، وهول الصدمة لم يفارق القلوب المكلومة بعد، وكأن الأمر عارض من العوارض .. رغم أن الرئيس ذكرها في بداية حديثه إلى العلماء، ورغم أنهم أشاروا إلى حوادث أخرى حدثت في مناطق عدة من البلاد ..بما نصه « إيقاف نزيف الدم اليمني وإزهاق الأرواح المعصومة في أماكن الصراع المسلح في صعدة وحجة وبعض مناطق محافظة صنعاء وعمران، وسرعة معالجة الأوضاع الملتهبة في محافظة أبين «.. ولم تأت الرسالة على ذكر ما يسمى « بأنصار الشريعة « وفضح دعاواهم الباطلة أو حتى مجرد الدعوة لهم بالعودة إلى جادة الحق والصواب ووقف إراقة دماء المسلمين بحجج واهية باطلة .. فلماذا هذا الإغفال ..؟! نرجو أن لا يكون متعمدا ..وهؤلاء وحدهم بحاجة إلى بيان خاص من العلماء يوضحون فيه حقائق الدين لهم ولكل من ضلوا الطريق وحادت بهم إلى ما يدعونه جهادا في الزمان والمكان الخطأ ..
ثم وطالما أن العلماء قد أشاروا في رسالتهم إلى جوانب سياسية في الفقرة الرابعة بما نصه « رفض أي تدخل أجنبي ينتهك سيادة البلاد ويثير الفتن ويعرض أمنها واستقرارها ووحدتها للخطر، وحصر أي دور أو أي مبادرة في إطار إصلاح ذات البين وحقن الدماء واستكمال الانتقال السلمي للسلطة!! « فقد أغفلوا رأي العلماء وموقفهم من جهود التسوية السياسية في البلاد والمرتكزة على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية .. ودعمهم لها كونها تحقق ما يدعون إليه من إصلاح ذات البين وحقن الدماء .. الخ ..أضف إلى ذلك تجنبت رسالة العلماء الإشارة إلى دعم ومباركة التوافق الوطني من خلال تشكيل حكومة الوفاق الوطني - وبالتالي تقديم رؤيتهم للأداء الحكومي باعتبارها السلطة التنفيذية والمعول عليها كثير من النقاط التي وضعها العلماء في رسالتهم ووجوب تحمل حكومة الوفاق للأمانة بإخلاص بعيدا عن تمثيلها لأحزاب أو مراكز قوى معينة بل هي حكومة تمثل اليمن، خصوصاً وان الرئيس قد أشار إلى هذا الأمر في اللقاء.
ثم أين هو دور العلماء في هذه الرسالة «المبادرة» من التوعية للجماهير ولكل أبناء الشعب، من خلال منابرهم ومن خلال الاختلاط والالتقاء بالناس في كل ساحة وفي كل تجمع وغيره ..ودعوتهم إلى التآخي والى التآلف والى المحبة وحسن التعامل بالالتزام بقواعد الشرع واتباع الهدي القرآني والنبوي وووو..وتحذيرهم بالمقابل من عواقب مخالفة تعاليم الدين الحنيف وسنة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام، وعواقب انتهاك الحرمات في الدماء والأموال والأعراض ..ونبذ الكراهية والبغضاء والشحناء والسخرية من بعضهم البعض ..وموقف الإسلام من كل الرذائل التي يخرج بعضها من دائرة الإسلام - والعياذ بالله - وكيف شنعها , .. وبالمقابل كيف يحقق من يدين بالإسلام تعاليم الشرع على واقع الحياة ..والوقوف عند أوامره والبعد عما نهى عنه ..
- هناك كثير من القضايا والمواضيع ذات الأولوية بالنسبة للعلماء في مثل هذه الظروف الصعبة كما وصفوها ..حين يريدون أن يضعوا النقاط على الحروف عليهم أن يخلصوا بقولهم وعملهم لوجه الله تعالى ..واختم بما كنت أتمناه عليهم وتمناه كل اليمنيين منهم - وقد أغفلوه - وكان عليهم أن يركزوا عليه، فبالإضافة إلى خدمات الكهرباء . وفتح الطرقات وقضية الأمن والاستقرار على أهميتها هناك أيضا ما يتعلق بلقمة العيش، وقطع سبل الرزق عن كثيرين ومضايقتهم في المعيشة إلى حد إهدار الكرامة والقيمة الإنسانية ، إضافة إلى حمى الأسعار للسلع التموينية والغذائية الضرورية والتي لم يستقر لها قرار, وجشع بعض التجار وغياب الرقابة التموينية، وترك الحبل على الغارب في كل ما يهم الإنسان البسيط وهم غالبية هذا الشعب .
ولقد علم القاصي والداني ما أشارت إليه منظمات عدة عن سوء تغذية خصوصا بين الأطفال، وكم منهم يقضي نحبه بسبب ذلك إضافة إلى توقعات بمجاعة تحل بنسبة غير قليلة من أبناء هذا الشعب .. إذاً أليس لكم في هذا قول ؟ ألم يكن علماء الدين يعيشون بين الناس في كل مكان وحتى عنوة في الأسواق ويتلمسون همومهم واحتياجاتهم، فيعايشون قضايا الناس عن كثب .. وليس عبر القصص والروايات، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويعلمون الجاهل ويرشدون الضال حتى أصبح الناس يثقون في العالم أكثر من ثقتهم بالحكام وولاة الأمر، والعلماء هم من ولاة الأمر في الشريعة الإسلامية الغراء ..
والحقيقة أن التاريخ الإسلامي قد حفل بنماذج من العلماء فهموا وفقهوا الواجب المحتم عليهم إيفاء بالأمانة , وقياما بالواجب لا شك أنهم أدركوا أيضا ماذا تعني لهم عبارة « ورثة الأنبياء « فكانوا حقا أمثلة عليا للعلماء الصادقين الصالحين الذين يقولون كلمة الحق ولوعلى أنفسهم، ولا يخافون في الله لومة لائم،هم من سعى الحكام والولاة إلى طلبهم , وليس العكس، وهم من قوضوا عروش الطغاة والجبابرة والظالمين بالصدع بكلمة الحق، وهم الذين فهموا قواعد الإسلام وأهدافه حق الفهم واتبعوا تعاليم ربهم وسنة نبيهم حق الاتباع ، فلم يكونوا سببا في إثارة الفتن والفوضى، بل كانوا هم من يحمون المجتمع الإسلامي من الوقوع في شرك الأعداء والمتربصين من اليهود وغيرهم، وكانوا هم من يحمون المجتمع من أن ينتهك حرمات الله.. وكانوا دائما رسل المحبة والإخاء والوئام ، والفضيلة والأخلاق، في ظل الحق الذي يعلو ولا يعلى عليه، وكانوا حريصين على حفظ بيضة الكيان الإسلامي من الانزلاق وراء خطط الهدم والإفساد، فسطر لهم التاريخ الإسلامي انصع الصفحات، ولاشك أنهم في الآخرة التي عملوا لها بإخلاص هم الفائزون.. فلم تغرهم الدنيا بكل ما فيها من المصالح والشهوات والملذات.. فعملوا مخلصين.. لله ولليوم الآخر فكان الله معهم موفقا ومعينا، وربما نعرض في تناولة قادمة - بإذن الله - لبعض الأمثلة في هذا السياق ..
والله نسأل أن يلهمنا جميعا الصواب ..وأن يحفظ اليمن وأهلها من كل سوء ومكروه..