الإثنين, 18-يونيو-2012
الميثاق نت -    محمد علي عناش -
انحزنا منذ البداية الى خيار التسوية السياسية والوفاق الوطني عندما وجدنا أن صوت التغيير يتجه صوب تصفية الحسابات والثأر السياسي، وفي اتجاه شخصنة القضايا والمشاكل وحصرها في بؤر ضيقة، وعندما وجدنا أن النصف الأكثر سوءاً في النظام، قد نزل الى الساحات لابساً ثوب الطهر والوطنية لإسقاط النصف الآخر للنظام، في ظرف سياسي معقد وخطير، وفي توقيت مليئ بالأحداث والتحركات الغامضة والمشبوهة، التي تكشفت فيما بعد أنها تحركات انقلابية لإسقاط النظام والسيطرة على السلطة بقوة الشارع وقوة الغطاء العسكري والقبلي المسلح المرافق لتحركات الشارع التي نحت نحو الفوضى واحتلال المؤسسات.. النصف السيئ في النظام الذي نزل الساحات، مثل أول حالة تناقض حاد مع الاهداف والشعارات المرفوعة المطالبة بالتغيير، وأول انحراف خطير في مسيرة اللحظة الثورية، لم تحاول القوى والكتل الشبابية أن تقيد تحركات هؤلاء أو أن تصهرهم في اللحظة بما يتوافق ويعبر عن إرادة الشباب وتطلعاتهم، وإنما جعلوهم يتصدرون المشهد، ويخلون ويعبثون بغايات وأهداف التغيير وأخلاقية الفعل السلمي، صار هناك وطن يدمَّر وقيم تُمسخ وحقائق تزيَّف وأمراض تطفو على السطح بمرجعيات مقيتة وسخيفة قائمة على أسس فئوية ومناطقية ومذهبية، صارت هناك فوضى متعددة الجذور والمنابع هي حاصل معادلة ثورية تركيبتها النصف السيئ في النظام + القوى الانتهازية والعشائرية المتطرفة + قوى الثأر السياسي + الشباب الذين لم يفكوا شفرة الثورة الاجتماعية بشكل سليم، ولم يمتلكوا أجندة واضحة للتغيير، وإنما وُظّفوا واُستخدموا بحرفية كي يكونوا مجرد طاقة هتافات وزحف واستشهاد لا يدركون حتى الآن من هو الجاني، غير أنهم صاروا يدركون الآن جيداً وبمرارة وتحسر أن الهدف الحقيقي الاول لما تسمى بالثورة قد أنجزه محمد سالم باسندوة ومعالي وزير المالية صخر الوجيه والمتمثل في إعادة صرف إعاشة الشيخ صادق الاحمر والتي تبلغ تسعة ملايين ريال شهرياً وإقرار صرف عشرات المليارات للمشائخ وجندرمة الثورة المزعومة، بينما يتعنترون ويستأسدون على أبسط المستحقات كعلاوة الموظفين، فما أبشعه من ترويض وقهر نفسي ممنهج صار يتعرض له هذا الموظف وهذا المواطن اليمني على أيدي هؤلاء الذين ارتضوا على أنفسهم أن يكونوا مجرد موظفين لدى حميد الاحمر وملزمين بتنفيذ تعهداتهم السابقة له، مقابل استمرار صرف عشرات الملايين كمكافآت شهرية من لجنة الحوار التي يرأسها امبراطور المال والقبيلة والاصلاح..
لا أعتقد أن الخطأ في التسوية السياسية المنبثقة عن المبادرة الخليجية لأنها كانت أفضل الحلول الممكنة لتجاوز حالة الفوضى والتيه الثوري.. وتجنيب البلاد البدائل التدميرية الاخرى، القائمة على العنف والصراعات، على اعتبار ان التسوية السياسية تمثل صوت العقلاء والشرفاء ودعاة السلم والامن والاستقرار في هذا الوطن، كما تعتبر المدخل الرئيسي للتنمية وإحداث التغيير المنشود والاصلاحات الشاملة لأن مشكلتنا الرئيسية هي في جوهرها وجذورها المتعددة والمتشابكة هي مشكلة تنمية مادية وبشرية مستديمة ومشكلة أمن واستقرار.. غير أن الخطأ الجسيم تمثل في الاختيار السيئ وغير الموفق لعناصر إدارة التسوية السياسية في حكومة الوفاق الوطني الذين أثبتوا أنهم لم يكونوا خياراً وطنياً جاداً للتوافق، ليس فقط لفقدان النزاهة والشفافية والمصداقية وعدم استيعاب معنى الوفاق الوطني والابعاد الجوهرية للتسوية السياسية، بل ولضآلة حجم الشعور الوطني لديهم بخطورة المرحلة وحجم المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم تجاه وطن يدمر وشعب يتجرع ويلات الأزمة وتداعياتها المختلفة.
من هنا بات يزعجهم في اللقاء المشترك وخاصة قيادات الاصلاح، الاعلام الحر والمهني الذي أخذ يظهر بقوة ومهنية عالية وبقدرة كبيرة ومؤثرة على بلورة رأي عام مناهض لفشل وإخفاقات حكومة محمد سالم باسندوة، والمخالفات الكبيرة التي يرتكبها الوزراء المحسوبون على المشترك، لذا يعتبرون ما يُنشر بالأدلة والوثائق من فضائح فساد وتجاوزات للنظام والقانون مجرد كشف أسرار، هي في عرفهم وفقههم السياسي تستوجب إدانة ومحاكمة من يقوم بتسريبها، وتستوجب قمع ومحاصرة هذا الاعلام الحر الذي يكشف اخفاقاتهم ومخالفاتهم ويعري خطابهم المضلل للحقائق والوقائع والانتهاكات التي تُرتكب بشكل يومي، ليس فقط في الجدعان وبيت دهرة وأرحب وفي الطرقات العامة، بل وفي كل مؤسسة وهيئة لأنهم مشغولون أصلاً بهذه المسائل لا بكيفية إنجاح التسوية السياسية والمبادرة الخليجية ولا بترسيخ الامن والاستقرار في كل ربوع الوطن.. هذا الوطن الذي لا تتجاوز حدوده لدى باسندوة والعمراني وسميع حدود الحصبة ومعسكر الفرقة الأولى مدرع، وأكيد أن الشعب لديهم ليس إلا حميد وصادق وعلي محسن، حتى وهم يتكلمون عن الديمقراطية الشعبية والتداول السلمي للسلطة.. ما يجب أن يفهمه هؤلاء أننا صرنا أكثر إدراكاً وإيماناً بأن عجلة التغيير قد تحركت، لكننا أكثر إصراراً أن تمضي الى الأمام في الاتجاه السليم، ولن نسمح بغير ذلك أو أن تعود العجلة الى الوراء..
لذا ليس تجنياً عندما نصف وزير الكهرباء بالفاشل، لأن هذه هي الحقيقة التي لا نخجل أن نبوح بها، بل يجب أن تخجل حكومة الوفاق الوطني وكل من لا يقر بذلك، لأن على يديه تحولت قضية الكهرباء إلى لغز محيّر ومشكلة مستعصية على الحل، في حين مازالت تتدفق على الاسواق ماطورات الكهرباء الصينية لوكيل تجاري وحيد مقيم في مقاطعة الحصبة.. هي لا تتدفق من ذات نفسها ولكن ضمن صفقات واتفاقيات وممارسات مشبوهة قائمة على قانون العرض والطلب لكهرباء مأرب، ومادامت كهرباء مأرب غير متوافرة أو غير منتظمة بسبب أعمال التخريب، فإن الطلب على هذه الماطورات سيكون عالياً جداً، هكذا يفكر دعاة التغيير القادمون من الساحات إلى كراسي السلطة على هيئة نُسَّاك لكن بشَرَه، لا حدود له.
كما أن باسندوة ليس مانديلا ولا جيفارا، حتى ينتقدونا عندما نشكك في دموعه التي يذرفها في كل لقاء، وعندما نسلبه الهالة الثورية والوطنية التي يحاول أن يحيطها بنفسه في خطاباته ولقاءاته، فهو لا يحمل مواصفاتهم ومميزاتهم ومبادئهم، كي يرغمونا زوراً وبهتاناً أن نعتبره رجل الوفاق الوطني الجاد على رأس الحكومة.. ولا أعتقد أن الملايين الشهرية التي يتقاضاها كمكافآت من اللجنة التحضيرية هي نظير تاريخ نضالي وسجل ناصع بالمواقف الوطنية والكفاءة الإدارية، وإنما هي ايضاً مقابل الوفاء بالالتزامات والعهود التي قطعها على نفسه للشيخ حميد، فكان أفضل وأبرع من يفي بالتزاماته في شكل تسهيلات وامتيازات واستنزاف للخزينة وإرباك للحكومة وممارسة الإقصاء والاجتثاث الحزبي الذي استهدف مؤخراً الدكتور مجاهد اليتيم- وكيل وزارة الثقافة لقطاع المخطوطات- دونما سبب يُذكر سوى أنه كادر وطني مخلص ومؤهل وأثبت على مدار سنة ونصف من تعيينه كفاءة إدارية وتقنية عالية في تنشيط وتطوير قطاع المخطوطات بأرقى الوسائل والطرق العصرية..
هذا الاستهداف لم يكن معنياً به فقط الدكتور مجاهد اليتيم أو الحزب الذي ينتمي اليه- المؤتمر الشعبي العام- وإنما استهداف محافظة حجة بكاملها بتصفية آخر تمثيل ووجود لها في منصب وكيل وزارة، ويندرج ضمن حملة الاستهداف الممنهجة التي طالت الكثير من أبنائها، وكأنهم يريدون بذلك أن تدفع المحافظة ضريبة سلمها وهدوئها وحفاظها على الامن والاستقرار طوال مراحل الازمة والظروف العصيبة التي مرت بها البلاد.
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 06:11 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-27110.htm