أحمد عمر طه الأهدل -
إنّ السابع عشر من يوليو، نقطة تحول تاريخية فاصلة في جبين التاريخ، ففيه تم تدشين أهم مرحلة تاريخيّة في حياة شعبنا اليمني، بل ان لم تكن أعظم مرحلة بالنسبة للبناء الموسسي الخدمي الاجتماعي، والسياسي والاقتصاد الوطني، وكل ما ينعكس بالخير والرفاهية على كافة الشعب وقواته المسلحة والأمن البواسل، والحديث عن هذه المناسبة العظيمة، حديث يغلب فيه بياض الخاصة من كبار القوم, الذين كان لهم شرف الصحبة, والمشاركة في الحكم بقيادة الزعيم علي عبدالله صالح، وأيضاً للذين كانوا في فترات عمرية متقدمة مكنتهم من فهم واستيعاب وإدراك كل ما يجري حولهم من أحداث ذلك الظرف العصيب، أما أنا فأتحدث عن إنسان أوصله القدر إلى سدة الحكم في مثل هذا اليوم الذي جاء بي فيه على ظهر البسيطة المبصرة، لأكون ضيفاً عزيزاً على أهلي، ربما اشتركنا سوياً في الخوف والقلق، ففي اللحظة التي كنتُ أصرخ فيها وأصيح، القائد الرجل في غاية من الخوف والقلق من جحيم النار الملتهبة ورمادها المتناثر حول كرسي الرئاسة، وربما أكون أحسنُ حظاً منه فقد كانت تُفتح لي الأحضان والأفواه، بينما هو يمدُّ يده صافية بيضاء, طلباً للحوار فلا يجد إلاوجوهاً عابسة، ويسير على أطراف قدميه، على رؤوس الثعابين التي كانت يوم الجمعة 3/6/2011م؛ أشدُّ لداغة ومرارة...وبذلك فأنا عندما أتحدث عن السابع عشر من يوليو، أتحدث عن القائد الانسان الذي عرفته وقابلته مراراً وتكراراً وشاركنا طعامنا في منزلنا الريفي البسيط ، المجاور لدار الإمام ـ هكذا اشتهرـ ذلك القصر المنيف الرابض بأجنحته المتعددة بقرية الجروبة، بالطرْف اليماني من بلاد الزرانيق، وجالسته أو جلستُ معه سويعات في زيارات متعددة، كان يحدثني تعمّداً لكسر حاجز الخوف والرهبة في نفسي، التي تكسوه مهابة وجلالا، ويغرس في نفسي بكلماته المختصرة، حب الوطن والجندية وعشق الحياة العسكرية، فأخرج فرحاً جذلاً لايساويني أحد, في الفرحة من نظرائي. وبالتالي فأنا أتحدث عن عهد ميلاد جديد، عن ثورة اجتماعية اقتصادية بكل ماتعنيه الكلمة، ثورة كان فيها الرئيس السابق/ علي عبدالله صالح، أكثر الثائرين سلمية، وأنضج السياسيين وأعمقهم حكمة ودهاءً، وأقواهم بصيرة وحجة، وأعظم اليمنيين تضحية وفداءً، وأعلى الملوك والأمراء والرؤساء قدراً وتواضعاً، وأطيبهم إنسانية وحلماً وعفواً.
فهذا التاريخ المجيد عام 1978م وضع اليمن على أعتاب مرحلة التحوّلات العظيمة، مُعلناً -كما ذكرتُ آنفاً- بدء الثورة الإجتماعية على كل موروثات الماضي وثالوثه الرهيب، «الجهل، والجوع، والمرض» لإحداث نقلات نوعيّة ومتقدمة نحو الأفضل، وبعيداً عن المحاباة والمزايدات السياسية، مما شكل قفزة نوعية في جميع مجالات الحياة...
فعلى مدار33عاماً من العطاء، قطعت بلادنا تحت القيادة الحكيمة لفخامة الرئيس السابق المشير الرمز/علي عبدالله صالح(حفظه الله) أشواطاً كبيرة إلى الأمام، وجرت تحولات نوعيّة عميقة في بناء الوطن والإنسان، وتحديث وتطوير البنى التحتيّة، وغطت البلاد شبكة طويلة متشعّبة من الطرقات الحديثة، وخطوط الكهرباء، وشُيّدت المئات من السدود والحواجز المائية..
وربطت الأراضي المستصلحة للزراعة، بقنوات ري حديثة ومتطورة، ومن أحشاء هذه الأرض تفجرت ينابيع الخير والثراء الوطني، وامتدت خطوط نقل النفط من حقول الإنتاج المتعددة، إلى موانئ التصدير.. ومن خلال النهج الحيوي الثابت للزعيم في إثراء وتنويع مصادر الدخل وتوسيع طاقات وامكانيات الاقتصاد الوطني، تعاظمت قدرات الوطن في إنتاج وتنوّع الخيرات المادية صناعية، وزراعية، سمكية، نفطية، وتحققت تنمية وطنية متوازنة في قطاعات البناء المختلفة في جميع محافظات الجمهورية، مما ساهم في الإرتقاء بالإنسان اليمني- صحياً، وعلمياً، وتربوياً، كتأكيدٍ صادق بأنّ المواطن اليمني كان وسيظل هدف التنمية وأداتها ووسيلتها المهمة، بل ودلالة واضحة إلا أنّ في نهج الزعيم القائد وفكره السياسي تحققت الكثير من الأهداف والطموحات الوطنية، وحدث تطوّر نوعي هائل أفقي ورأسي في التعليم والخدمات الصحية، والمنشآت الثقافية، والرياضية، والعسكرية، والأمنية، غطت كل أرجاء الوطن، وتفجّرت قدرات أبناء الشعب العملية والإبداعية الخلاقة، وتحسن مستواهم العلمي والصحي والمعيشي، وارتفعت مخرجات التعليم بكل مداخله وتخصصاته المختلفة، وأضحت البلاد اليوم زاخرة بكوادر رفيعة التحصيل والـتأهيل، وعلى درجات عالية من المهارات المهنية والثقافية، والمعارف التخصّصيّة في جميع مجالات الحياة المدنية والعسكرية والأمنية، بالإضافة إلى تعميق النهج الديمقراطي ورسوخه في سلوك ووجدان وحياة أبناء شعبنا العظيم وقواه الوطنية المخلصة..
وحتى نكون بعيدين عن فنون المجاملات السياسية، فإنّ العقود الثلاثة التي مضت كانت مليئة بالمكاسب والمنجزات، ومُفعمة بالتحولات الوطنية الكبيرة، والتفاعلات الإقليمية العربية والدولية، التي لعبت فيها بلادناـ بفضل القيادة الحكيمة للرئيس السابق ـ أدواراً رياديّة في تقرير وحدة الصف العربي بما يُؤمّن مواجهة التحديات والمخاطر التي تُحدق اليوم بالأمة العربية وأنظمتها الإسلامية، وعبّرت دوماً وأبداً عن مواقفها الوطنية والقومية، المنطلقة من انتمائها العربي والإسلامي, ومسؤولياتها تجاه قضايا السلم والأمن الدوليين، والدعوة الدائمة إلى انتهاج منهج الحوار الأخوي الجاد المثمر، كحل مُرضٍ للجميع يقطع الطريق على المتآمرين الذين يتربّصون بهذا الوطن وأبنائه شراً مستطيرا،
وما هذا النهج إلا تأكيد على صدق وصوابية مواقف الأخ الرئيس السابق/علي عبدالله صالح الشجاعة، وارتباط بلادنا الوثيق بالقضايا العربية والإسلامية، وخاصةً القضية الأم قضية الشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة على ترابه وعاصمتها القدس الشريف.
إنّ تلك النجاحات الداخلية والخارجية تُشير إلى دبلوماسية الزعيم -حفظه الله- التي تميّزت بالواقعية والمبدئية، والثبات والاتزان والديناميكية، في دعم قضايا الأمة العربية واحترام الخيارات الوطنية والمصالح المشتركة، والتي تجسّدت في الحل السلمي لكافة القضايا والمشاكل الحدودية التاريخية الشائكة، مع دول الجوار وارتيريا، على قاعدة الإقرار المتبادل بالحقوق التاريخية والقانونية، وأصبحت اليمن بفضل القيادة الحكيمة والواعية، أحد عوامل القوة والتوحّد والتكامل الإقليمي والقومي، ورافداً أساسياً للأمن والاستقرار والتعاون الدولي, في محاربة الإرهاب، ولها مكانتها الدولية المرموقة، وتحظى بتقدير واحترام الأشقاء والأصدقاء، الذي تجسّد بمُختلف أشكال الدعم المادي والمعنوي لمسيرة البلاد التنموية..
واجمالاً للقول: فإنّ هذه النجاحات، إنما تؤكد ـ اليوم أكثر من أي وقت مضى ـ وبما لا يدع مجالاً للشك، على صواب نهج الزعيم علي عبدالله صالح الرئيس السابق، وهو ما يدعونا جميعاً اليوم، إلى التأمّل بل والجزم بأنها ستفتح أمام شعبنا آفاقاً جديدة للتطور اللامتناهي... تتعاظم وتتحد معه مهام الشعب ومسؤولياته الوطنية، في ضرورة الإسراع بإخراج الوطن من هذه الأزمة التي قد تعصف بالوطن وتعيده إلى ما قبل 17 يوليو، يوم القضاء على فكرة الشرعية الثورية والإنقلابات العسكرية، ودعوة الشعب إلى ممارسة السلطة عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة، بعيداً عن الشمولية والمناطقية الممقوتة، للوصول بالوطن إلى مرحلة نوعية جديدة من التقدم والازدهار الحضاري.