محمد الهمداني -
منذ أن كان المتمرد علي محسن طالباً فخرياً في الكلية الحربية عام 1974م وهو يمارس فن الإشاعات والدعايات العسكرية، حتى أصبح يجيدها بإتقان واحتراف بديع، فعلى مدار ثلاثة وثلاثين عاماً، استطاع أن ينشر إشاعاته الكاذبة التي تحكي عن تلك القرابة الأسرية, بينه وبين الزعيم علي عبدالله صالح، والتي عمل المتمرد على ترسيخها في أوساط المجتمع اليمني، من أنه أخ غير شقيق للرئيس السابق علي عبدالله صالح، بل وسعى إلى ترسيخ إشاعات أخرى، منها أنه أركان حرب الجيش اليمني، وأركان حرب اليمن،
والرجل الثاني في اليمن وغيرها من الإشاعات، التي استثمرها لينسج حوله خيوطاً من المكانة والرفعة والمهابة، ويستمد منها قوته وسطوته وصلاحياته، ويمارس بموجبها فساده وإفساده للمجتمع واقتصاده الوطني، بحرية مطلقة، تجاوزت عدد ذرات التراب اليمني، فقد باع علي محسن السهل والوادي والجبل، وكتب بها بصائر للمتنفذين، دون أن يُداخلهم فيه لحظة شك، خلال مدة العرض والطلب، على مدار ثلث قرن، من حكم الزعيم علي عبدالله صالح، وهو من شجّع على تهريب الديزل والسلاح, من وإلى القرن الأفريقي، وكان يعطي التصاريح لشركات صيد دولية، لجرف وتجريف البحار اليمنية.. ومن خلال تلك الإشاعات استطاع المتمرد علي محسن اقناع كافة مراكز القرار والنفوذ في الدولة، من أنه هو الشخصية العسكرية الوحيدة، التي تمتلك الحكمة والحنكة، وفن القيادة العسكرية، والصفات والسمات التي تجعله يحظى بلقب أركان حرب الجيش اليمني، وبغض النظر عن فارق التسليح النوعي الفريد، للفرقة الأولى، واعتمادها المالي الذي لم تستطع حكومة الوفاق، واللجنة العسكرية معرفة رموزه وشفراته وتحديد أرصدته إلى الآن، فقد حظي المتمرد علي محسن بحساب بنكي مفتوح، يعطي منه عطاء من لا يخشى الفقر، استخدمه في شراء الذمم والولاءات القبلية والاجتماعية والسياسية والعسكرية والأمنية، والتي استطاع من خلالها أن يشعل بؤر الفتن، والأزمات الاقتصادية والصراعات القبلية والسياسية، وأن يضم إليه الرؤوس المتطرفة، الطامعة في كسب تلك الأموال، التي ينثرها علي محسن على طريق الموت، ليشعل بها ستة حروب أهلية ظالمة، كان محورها ومركزها وخارطتها القتالية، صعدة محافظة السلام، تمكن فيها المتمرد من حشد جميع ألوية الفرقة الأولى مدرع، في صعدة، وأن يضم إليه الكثير من ألوية النقل الثقيل والخفيف، وألوية المشاة والمدفعية، وفي محور الموت الغادرة، تمكن، من قصقصة بل وتصفية معظم ـ إن لم نقل الكثير ـ من القادة الوطنيين المخلصين، الذين كان المتمرد علي محسن يعتقد فيهم حق الولاء, أو روائح الاخلاص، والإصرار على تحقيق المشروع النهضوي، الذي يحمل لواءه الزعيم علي عبدالله صالح، وبسبب تلك الثقة التي تجاوزت حدود فن الممكن، الناتجة عن ذلك الإخاء المكذوب، الذي جنّد له المتمرد فيما بعد جيوشاً مجهولة،من الكتاب والصحفيين والاعلاميين، لترويجه وترسيخه في عقل ووجدان أبناء المجتمع اليمني،استطاع علي محسن تضليل وسلب الحس الأمني، من جميع مراكزالقرار والنفوذ، وإقناعهم من أنّ الأسد حمامة سلام، (والحنش) السامة حيوان أليف،وسمّه مصلٌ لمعالجة الشيخوخة،ومقاومة الموت الزعاف، حيث استطاع بموجبه حينها تجنيد(23)ألف جندي لصالح الفرقة، من عناصر معظمها متطرفة لمقاتلة الحوثي في صعدة، وأغراض أخرى، أعود فأقول:
وبعدمضي (22) ساعة من جريمة جمعة 18/مارس المشؤومة، وتحديداً يوم السبت بتاريخ 19/مارس 2011م وفي أول ظهور لعلي محسن، في أول جلسة لمجلس الدفاع الوطني، ظهر وهو يرتدي بذلته العسكرية, المطرزة بالنياشين العسكرية والشعارات القتالية، ظهر وهو كسيف الوجه خجلان، ربما كان ذلك بسبب تلك الجريمة,التي هزت أركان المجتمع اليمني، والتي لاتبعد سوى أمتار عن مكتبه، وربما يكون غير ذلك، فالرجل كان يدري بمايجري في تلك البقعة الملعونة, المهم هكذا ظهر، وفي الجلسة الثانية ظهر علي محسن وهو ببذلته المدنية العصرية،المشهورة بربطة العنق وهو في غاية من الوجوم والاستحياء، ربما كان ذلك بسبب ظهوره بالبذلة المدنية، خصوصاً وأنّ مجلس الدفاع يعتبر أعلى غرفة عمليات قتالية في الجيش اليمني، وربما كان ذلك الاستحياء سببه الطارئ،أنّ المتمرد يفكر في تلك اللحظة أن يتجرد من شرف الجندية وعقيدة المحارب، ليتسنى له تقديم استقالته من الجيش،ويُعلن انضمامه لحليفه السياسي, المرابط في شارع الجامعة، لكنّه كان يخاف من أنّ الإقدام على ذلك الأمر، قد يدفع الباحثين والمهتمين، إلى التنقيب عن تاريخه السياسي، وبذلك قديسحب عليه فضائح سياسية هو في غنى عنها، وبالتالي فضّل التريّث وعدم المغامرة، حتى وجد من يشير عليه، بأن يحتفظ بمنصبه العسكري ويعلن تمرده على الشرعية، ليتسنى له فيما بعد أن يتقمّص شخصية اللواء الليبي/ عبدالفتاح يونس، وهوماحصل بالفعل، وبالمقابل فإنّ ظهورالمتمرد علي محسن بالبذلة المدنية،في الجلسة الثانية من جلسات مجلس الدفاع الوطني،كانت بروفة أولية لممارسة التمرد العسكري..
محسن يهدم المعبدعلى نفسه
نزل المتمرد علي محسن إلى ساحة المعتصمين، فساء صباح المنذرين،لأنه نزل ليس ليعلن انضمامه إليهم، وإنما نزل في الظاهر، ليعلن حمايته للمعتصمين، وفي باطن الأمرللاحتماء بهم،وكيفما كانت دوافع ذلك النزول وأسبابه وأسراره، فقدكان نزولاً زلزل عقول ملايين اليمنيين ممن كانوا يعتقدون أنّ المتمرد أخ غير شقيق للزعيم علي عبدالله صالح، تلك الصدمة، دفعت بهم, إلى البحث عن حقيقة ذلك الإخاء المزعوم،الذي روّج له كثيراً المتمرد، فوجدوا أنّ ذلك الإخاء كان مجرد إشاعة كاذبة، وانّ المتمرد لاتربطه أية صلة قرابة (بلقب الأحمر)، فهو ابن الحاج محسن (دادة) الذي كان يعمل مربياً أو عكفياً، في منزل أحد أمراء الدولة المتوكلية سابقاً, ذلك الأميرالذي كانت تربطه علاقة بالشيخ يحيى الأحمر،وبموجب معرفة الشيخ/ استطاع الحاج محسن(دادة)أن يعمل في بلاط ذلك الأمير، بمثابة الحارس..
يا الله من هذه الحقائق الصادمة،التي تأتي بها الأقدار على الناس، دون رغبة فيها، نزل المتمرد، قاصداً الوصول إلى القمة، فخانته قدماه فسقط سقوطاً مدوياً، وخسربسبب ذلك أحد عشرلواءً من الفرقة، مسكين علي محسن، لقد أراد أن يطعن خصمه في الظهر،فطعن نفسه في الخاصرة، وأراد أن يهدم المعبدعلى غيره، فهدمه على نفسه، ومع ذلك لم يعترف بالهزيمة، بل ذهب ليمارس مهاراته القديمة، فأعلن عن نفسه، من أنه حامي الثورة الوهمية، التي لا وجود لها إلافي عقلية حليفه المحتشد في الساحة، وتارة يقول: قائد الثورة، ومرة أخرى: قائد جيش الثورة الحر، لكنّ تلك المسميات لم يصدقها أحد ولم تنطلِ على أحد،لأنّ الناس ـ المعادي والحليف ـ مصدومة من إشاعة ثلاثة وثلاثين سنة، كما أنّ الشارع في تلك اللحظة الحاسمة،كان يهتف بالدولة المدنية، ومن غيرالمعقول أن يرضى بحاكم عسكري، وهو الشيء الذي كان يجهله ولم يتوقعه المتمرد، فذهب إلى تشكيل مجلس عسكري، واعلن عن نفسه، رئيساً له، ولكن جاءته الأخبارمن ليبيا تترى،من أنّ اللواء عبدالفتاح يونس قتله رفاقه غيلة، فعاد المتمرد ليعلن عن شريكه في التمرد/ عليوة رئيساً وعلي محسن نائباً له،هكذا رضخ المتمرد، ليكون نائباً بمثابة الرجل الثاني, تلك المكانة،التي كان فيها من ذي قبل، ولايأخذالمرء في الدنيا إلاما كتب الله له.
لقد كانت المبادرة الخليجية، بمثابة سيف التهديد، بالنسبة للمتمرد، فكم حاول عرقلتها وإلغاءها، وبثّ حولها الكثير من الإشاعات والأعمال المعرقلة ولكنه فشل ولم يجد سوى الإصلاح يقف معه رغم أنه منعه من حضورالتوقيع على المبادرة, في القصرالجمهوري، بدعوى أنه مفخخ وملغم و.. الخ، وعندما حضرالزعيم علي عبدالله صالح، وكباررجالات الدولة،والوفود العربية والدولية،إلى القصرالجمهوري، وخرجوا بسلام آمنين،افتضح علي محسن أومن يؤمها وأصبح يسير في طريق مجهول، يُحركه حليفه بالريمونت وبحسب رغباته المعادية، حاول المتمرد عرقلة المبادرة الخليجية، من خلال تفجير حرب الحصبة، وجامع النهدين، ولكن إرادة الله تأبى إلا أن يكون الزعيم علي عبدالله صالح، هوـ الشهيد الحي كما أطلق على نفسه ـ الذي يوقع على المبادرة الخليجية وآليتها في الرياض، والتي أخرجت محسن ومن سار في ركابه, من قائمة المحاصصة والمقاسمة العسكرية والسياسية، ربما استطاع المتمرد إثبات تواجده، عبر ستة أعضاء في اللجنة العسكرية،التي استطاع من خلالها تحقيق مكاسب مؤقتة، لكن لاتساوي شيئاً أمام الخسائر التي خسرها، فقد خسر سمعته ومكانته، وقوته ونفوذه، ومعظم ثروته، التي جمعها على مدار ثلث قرن، وذهب أكثر الناس وأقربهم من حوله، بعد أن أصبح بدون انياب وعاجز عن قضاء حوائجهم..
المتمرد مع الرئيس هادي
حاول المتمرد ممارسة مهاراته القديمة مع المشير عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية، فقدنشرأكاذيبه وإشاعاته،التي تقول بأنه لايستطيع حكم اليمن، أحد بدونه، ولكن الرئيس عبدربه منصور هادي تجاوزها بسهولة، وبعد صدورالقرارات الجمهورية التي أصدرها الرئيس بتشكيل قوة عسكرية مختلطة من الحرس والفرقة للحماية الرئاسية،وتنزيل ثمانية ألوية من الحرس والفرقة، اصدر علي محسن وعلى الفوربيان التأييد، الذي أذيع بعد إعلان القرارات الجمهورية، بزمن بسيط جداً، محاولاً بذلك تخصيب الشكوك لدى أنصارالزعيم علي عبدالله صالح والمؤتمر أولاً وتشكيك أبناء القوات المسلحة والأمن ثانياًً،والتشكيك في الرئيس عبدربه منصور هادي ثالثاً، بينما في تقديري ان رئيس الجمهورية في غنى تام عن ذلك التأييد المصطنع، وهذا من ناحية، ومن ناحية فإنّ أبناء القوات المسلحة والأمن، وأبناء الشعب اليمني كافة، والمؤتمر منهم ،كانوا يعلمون علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين، ان الخمسة الألوية التي من الفرقة، كانت تدين بالولاء والطاعة للشرعية الدستورية، من بداية الأزمة، ماعد اللواء (135) مشاة، وبذلك فهي خارج سيطرة المتمرد ،وبالتالي فإنّ ذلك البيان الذي أطلقه علي محسن، كان بمثابة التشفي والانتقام،من قادة تلك الألوية الأبطال وأفرادها المخلصين،خصوصاً إذا علمنا أنّ آخرمكالمة تليفونية، بين المتمرد والعميد عبدالله ضبعان وما ذكر فيها من الغاط، ومع ذلك فقد أثار البيان المتعجرف، لدى قادة الفرقة، حالة من الاستياء، والخبر اليقين عند قائد لواء الخوخة البطل، وربما يكون لدى قائد لواء عبس، ومن يدري، ربما يكون لدى أفراد لواء الشرعية الذين رفضوا أوامر المتمرد، من بداية الأزمة، وأفراده يطالبون الآن بإحالة المتمرد إلى القضاء،قبل إحالته إلى المعاش، ليخرج من عقلية وأروقة القيادة العسكرية وإلى الأبد..